ملخص
وسط أزمة توظيفٍ حادة في مجال رعاية الأطفال في بريطانيا، اضطُرت آلاف دور الحضانة إلى إغلاق أبوابها، وبالتالي "الحكم بالفشل" على التعهد الذي أطلقه وزير الخزانة جيريمي هانت بتوسيع نطاق الرعاية المجانية لأطفال العائلات
وسط أزمة توظيفٍ حادة في مجال رعاية الأطفال في بريطانيا، اضطُرت آلاف دور الحضانة إلى إغلاق أبوابها، وبالتالي "الحكم بالفشل" على التعهد الذي أطلقه وزير الخزانة جيريمي هانت في إطار الموازنة العامة بتوسيع نطاق الرعاية المجانية لأطفال العائلات البريطانية، كما علمت "اندبندنت".
وتكشف أرقامٌ جديدة صادرة عن "مكتب المعايير في التربية والتعليم" (أوفستيد) Office for Standards in Education (Ofsted) (الذي يتولى الرقابة على المؤسسات التعليمية في إنجلترا) أن 3320 دار حضانة وجليس أطفال لمن هم دون سن الخامسة، من أصل 62300 في إنجلترا، قد أغلقت أبوابها في العام الماضي وحده، والذي تسبب بوقف تقديم الرعاية لـ 17800 طفل.
وكان هانت قد وعد لدى تقديمه الموازنة العامة البريطانية في مارس (آذار) من السنة الحالية، بدعم هذا القطاع كي يستعد لاستيعاب الطلب المتزايد. لكن في الأشهر التي تلت هذا التعهد اضطُرت آلاف دور الحضانة إلى الإقفال، وسط أزمة تكاليف المعيشة المتصاعدة، والنقص في الدعم الحكومي.
ويرى خبراء أن هذا الانخفاض يعني أن خطة الحكومة لتقديم 30 ساعةً في الشهر من الرعاية المجانية للأطفال ما دون سن الخامسة اعتباراً من عام 2025، سيكون أمراً مستحيل التنفيذ، في الوقت الذي تُواجه فيه مصاعب في توظيف عاملين في هذا القطاع والاحتفاظ بهم.
الأسر التي تعتمد على هذا التوفير المادي الموعود من الحكومة، تجد نفسها الآن في حالة من عدم اليقين وفي قلق بشأن قدرتها على تحمل وطأة الرسوم المرتفعة لرعاية أطفالها - والتي تتجاوز في بعض المناطق ألفي جنيه استرليني (2540 دولارتً أميركياً) في الشهر - لتأمين رعاية بدوامٍ كامل في دور الحضانة.
يأتي ذلك بعد أيامٍ فقط من تأكيد الوزير هانت مجدداً على التزامه الشروع في المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة - المقررة في أبريل (نيسان) المقبل - وذلك في بيان الخريف الذي أعلنه قبل نحو أسبوعين.
وفي هذا الإطار علمت "اندبندنت" أيضاً بما يأتي:
• انخفض عدد دور الحضانة والخدمات المقدمة للأطفال في سنواتهم الأولى ما دون الخامسة، من 84970 في السنة المالية 2015 - 2016، إلى 63207 في السنة المالية الجارية 2022 - 2023
• استناداً إلى بحثٍ أجرته "جامعة ليدز" و"تحالف التعليم المبكر ورعاية الطفل" Early Education and Childcare Coalition (الذي يضم 30 منظمة تُعنى بدعم القطاع، وتمثل الأهالي ومقدمي الرعاية ومجتمع الأعمال)، فإن هناك حاجةً الآن لتوظيف نحو 100 ألف عامل إضافي، ليتمكن وزير الخزانة من تحقيق وعده في هذا المجال
• يتعين تأمين نحو 180 ألف مكان إضافي بحلول نهاية السنة 2025، كي يُصار إلى البدء بتطبيق هذه الخطة
يُشار إلى أن الحكومة البريطانية أعلنت هذا الأسبوع عن تخصيص تمويلٍ إضافي بقيمة 400 مليون جنيه استرليني (508 ملايين دولار) لاستحداث أماكن إضافية لرعاية الأطفال، إلا أن مقدمي الخدمات ما زال لديهم قلق من النقص في عدد الموظفين المدربين لتولي هذه الأدوار.
بسبب ارتفاع تكاليف الحضانة والوقود، فإن ما سأجنيه من عودتي إلى العمل سيكون نحو 30 جنيهاً استرلينياً في الأسبوع
صوفي بارنيت
نيل ليتش، الرئيس التنفيذي لـ"تحالف التعليم المبكر ورعاية الطفل"، قال لـ "اندبندنت" إنه "بصراحة لا يصدق" أن الحكومة تريد فعلاً المضي قدماً في خطتها، في وقتٍ يواجه فيه القطاع أكثر التحديات صعوبةً منذ عقودٍ من الزمن.
حزب "العمال" البريطاني المعارض، اعتبر أن مقدمي خدمات رعاية الأطفال، "قد دُفع بهم إلى نقطة الانهيار" في ظل حكم حزب "المحافظين"، مع ارتفاع تكاليف المعيشة ومصاعب التوظيف.
ونتيجةً للنقص في أماكن رعاية الأطفال، أكدت صوفي بارنيت وهي أم لطفل، لـ "اندبندنت"، أنها ستُضطر اعتباراً من ربيع السنة المقبلة، إلى القيادة مسافة 60 ميلاً (97 كيلومتراً) في اليوم، في رحلة تستغرق ساعتين ذهاباً وإياباً، بسبب عدم توافر خدمات الرعاية في منطقتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السيدة بارنيت التي تبلغ من العمر 31 سنة وتعيش في مقاطعة نورفولك شرق إنجلترا، وهي الآن في إجازة أمومة، قالت لـ"اندبندنت" إن الرحلة اليومية "تبدو وكأنها وقت مهدور" من الممكن أن تقضيه مع إبنها.
وأضافت السيدة بارنيت التي تعمل في مجال التعليم وتنظيم الفعاليات: "للأسف، بسبب سياسات المجلس المحلي، أُغلقت دار الحضانة في منطقتي أبوابها - وهي تبعد أقل من ميلين (3 كيلومترات) عن المكان الذي أعيش وأعمل فيه - في الوقت الذي كنتُ لا أزال فيه حاملاً بطفلي".
وأشارت إلى أنه "نتيجة ارتفاع نفقات الحضانة وتكاليف الوقود، فإن عودتي إلى العمل لن تحقق لي مدخولاً أكثر من 30 جنيهاً استرلينياً (38 دولاراً) في الأسبوع. وهذا يطرح السؤال: ما الجدوى من العودة إلى العمل؟ لكن في المقابل، أحب عملي والتفاعل مع الآخرين والتواصل على المستوى الاجتماعي، كما أطمح إلى تحقيق تقدمٍ في مهنتي".
نيل ليتش نبه إلى أن "خطط حزب "المحافظين" للتوسع محكومٌ عليها بالفشل، إذا لم تستمع الحكومة على نحوٍ صحيح لمخاوف القيمين على القطاع وتتعامل معها بشكل فعال". ورأى أنه في حال عدم معالجة النقص في الوظائف قبل الشروع في تطبيق الخطة (زيادة ساعات الرعاية المجانية)، فسيكون ذلك بمثابة "هدر كاملٍ للوقت والمال".
ولفت إلى أن عقوداً من النقص في التمويل دفعت ببعض دور الحضانة إلى الإغلاق، وأعرب عن تخوفه من أن تؤدي السياسة الجديدة إلى إغلاق المزيد من دور الرعاية، وعن قلقه من "مطالبة الأهالي بهذه الحقوق، فيما لن يكون لدينا موظفون للوفاء بها".
وأكد ليتش - الذي تمثل منظمته عدد من دور الحضانة، ومؤسسات ما قبل سن الدراسة، ومربيات أطفال مسجلات، وغيرها - أن عدداً من دور الحضانة لديها قوائم انتظار، لأنها لا تستطيع تأمين موظفين لتلبية الطلب.
"اتحاد الصناعة البريطانية" Confederation of British Industry (CBI) (وهو منظمة أعمال تمثل 190 ألف شركة)، قدر كلفة تنفيذ خطط الحكومة الموسعة لرعاية الأطفال، في حدود 9 مليارات و800 مليون جنيه استرليني (12 ملياراً و446 مليون دولار)، بدلاً من 4 مليارات جنيه استرليني (5 مليارات و80 مليون دولار) خصصتها الحكومة لتمويل زيادة في الأماكن داخل دور الحضانة، بما فيها تكاليف التوظيف، والفواتير، والإيجارات، والموارد.
"نقوم بالإعلان عن الوظائف وبالكاد نتلقى أي طلبات، أو أن الأشخاص الذين يتقدمون لا يتمتعون بالمؤهلات المطلوبة. في بعض الأحيان نلجأ إلى نشر الإعلان مرتين ولا يتقدم أي شخص مناسب"
سالي بيرس
هيلين هايز، وزيرة شؤون رعاية الأطفال وصغار السن في حكومة الظل "العمالية"، قالت: "لقد دُفع بمقدمي خدمات رعاية الأطفال إلى نقطة الانهيار في ظل حكم ’المحافظين‘، وهم يعانون من ارتفاع التكاليف ويواجهون صعوباتٍ في توظيف عاملين يتمتعون بالمهارات اللازمة".
وكانت أبحاثٌ سابقة أجرتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" Organisation for Economic Co-Operation and Development (OECD) قد خلصت إلى أن المملكة المتحدة لديها أحد أعلى أنظمة رعاية الأطفال كلفةً في العالم.
وأشارت دراساتٌ أجرتها "مؤسسة الاقتصاد الجديد" New Economics Foundation (منظمة فكرية بريطانية تُعنى بتعزيز العدالة الاجتماعية) وجمعية "الضمان الاجتماعي" The Social Guarantee (مؤسسة خيرية تقدم خدمات مجتمعية)، إلى أن نحو نصف عدد الأطفال ما دون سن الخامسة، "يفتقرون الآن لخدمات رعاية الأطفال"، بحيث يقيم أكثر من مليون و500 ألف طفل في إنجلترا في مناطق حيث يوجد أكثر من ثلاثة أطفال لكل مكان واحد متوافر في دور حضانة السنوات المبكرة.
في المقابل، أظهر استطلاعٌ أجرته مجموعة الحملات Pregnant then Screwed )التي تدافع عن حقوق النساء الحوامل والأمهات في مكان العمل، وتُعنى بقضايا مثل التمييز في الأمومة والمعاملة غير العادلة)، أن نحو ربع عدد الآباء يواجهون قوائم انتظار لمدة 10 أشهر على الأقل لتسجيل أطفالهم في دار حضانة.
وقالت سالي بيرس التي تساعد في إدارة حضانتين في مدينة شيفيلد، إن المركزين يعانيان من صعوباتٍ في تعيين موظفين والاحتفاظ بهم. وأشارت إلى أن النقص في التمويل جعل من الصعب دفع الرواتب.
وأضافت: "نحن نعلن عن الوظائف ونادراً ما نتلقى طلباتٍ للعمل فيها، أو أن الأشخاص الذين يتقدمون إليها، لا يتمتعون بالمؤهلات المطلوبة. وفي بعض الأحيان نقوم بنشر الإعلان مرتين، ولا يتقدم أي شخص مناسب".
السيدة بيرس، الأستاذة في جامعة "شيفيلد هالام" Sheffield Hallam وهي متخصصة في رعاية الأطفال في السنوات المبكرة، أكدت على أهمية توفير الدعم المناسب لرعاية الأطفال وأولياء الأمور في هذه المرحلة، مشيرةً إلى أن فوائده تمتد إلى مرحلة البلوغ، لكنها نبهت إلى أن القطاع يعاني من "أزمة".
وأوضحت أن "الموظفين يغادرون لأن في إمكانهم الحصول على رواتب أعلى بمسؤولياتٍ وضغوطٍ أقل. وقالت إنهم "في بعض الأحيان يصابون بالإرهاق".
لورين فابيانسكي، رئيسة الحملات والاتصالات في المنظمة المدافعة عن حقوق الحوامل والأمهات العاملات، أفادت بأن الموظفين في مجال رعاية الأطفال في السنوات الأولى، يتقاضون أجوراً منخفضة إلى حد كبير، تصل إلى مستوى الحد الأدنى للأجور بالنسبة إلى غالبيتهم. وأضافت أنه "مع ارتفاع تكاليف المعيشة، يجد كثيرٌ من مقدمي الرعاية صعوبةً في الاستمرار، وتوقفهم عن العمل نتيجةً لذلك".
وتابعت تقول: "نستمع لرواياتٍ مؤلمة من آباء يكافحون من أجل تأمين رعاية ميسرة الكلفة لأطفالهم، تسمح لهم بممارسة عملهم. ونتيجةً لذلك تلجأ أسرٌ إلى الانتقال إلى منازل أصغر حجماً لتغطية نفقاتها، أو إلى مناطق أخرى تتوافر فيها حضاناتٌ متاحة، أو تحمل أعباء تنقلاتٍ طويلة لتيسير أمورهم".
إلين بروم، من مؤسسة "كورام فاميلي أند تشايلدكير" Coram Family and Childcare (منظمة خيرية تركز على دعم السياسات المتعلقة بالحياة الأسرية ورعاية الأطفال والتعليم في السنوات الأولى)، قالت إن اقتراح الحكومة زيادة ساعات الرعاية المجانية للأطفال، لن تؤدي إلا إلى زيادة الضغوط على القطاع المنهك أساساً. وأعربت عن مخاوفها من "التأثير السلبي المحتمل على الأطفال المحرومين الذين سيتحملون وطأة هذه التحديات".
وفي تعليقٍ على ما تقدم، أكد متحدث باسم وزارة التعليم أن "الوزارة هي في صدد طرح أكبر استثمارٍ لها على الإطلاق في مجال رعاية الأطفال في تاريخ إنجلترا، ولديها ثقة في أن قطاع رعاية الأطفال قادرٌ على تقديم 30 ساعة مجانية إلى الأهالي العاملين، وذلك لرعاية أطفالهم من سن 9 أشهر حتى موعد بدئهم الدراسة".
وأشار أخيراً إلى أن "نتائج هذا الاستطلاع تختلف بشكلٍ كبير عن أبحاثنا الخاصة التي تؤكد وجود استقرار في القوى العاملة في مجال رعاية الأطفال في السنوات الأولى. لكننا ندرك أن هناك المزيد الذي يتعين علينا القيام به. ولهذا السبب سنطلق حملة توظيفٍ جديدة على المستوى الوطني في السنة المقبلة، إلى جانب حملةٍ سريعة في مسار التدريب المهني في القطاع، لتسهيل تعيين موظفين جدد".
© The Independent