ملخص
هواجس في تونس من أن تقود البطالة إلى احتجاجات جديدة لا سيما مع اقتراب شهر يناير الذي بات مرتبطاً في البلاد بالغضب الشعبي
بعد أكثر من 11 عاماً من انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، لا تزال البطالة كابوساً يُلاحق مئات الآلاف من الشباب في تونس، فيما تبحث السلطات من دون جدوى عن حلول لهذه المعضلة.
كانت البطالة، التي أضحت تمس 15.8 في المئة من التونسيين بحسب بيانات رسمية حديثة نشرها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، شرارة الانتفاضة في 2011 وهو ما يجعلها اليوم تشكل قلقاً للسلطات التي تسعى إلى الحفاظ على السلم الاجتماعي الذي نجحت في إرسائه منذ أشهر بعد عقد اتسم بالاضطرابات والاحتقان الاجتماعي.
وقال رئيس ديوان وزارة التشغيل والتكوين المهني، عبدالقادر الجمالي، في تصريحات بثتها وسائل إعلام محلية إنه "يجب توفير أكثر من 100 ألف وظيفة سنوياً لتخفيض نسب البطالة في تونس، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الوطنية والعالمية الدقيقة".
انفجار اجتماعي وشيك
ولم تنجح السلطات التونسية طيلة السنوات الماضية في خلق فرص عمل جديدة، لكن الأوضاع زادت سوءاً عندما أغلقت باب الانتداب في الوظائف الحكومية عام 2018 في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها حين لم تعد الميزانية قادرة على استيعاب المزيد من الرواتب.
وترى دوائر سياسية تونسية أن الاستقرار الاجتماعي سيكون على المحك إذا استمرت معدلات البطالة في الارتفاع، لا سيما في ظل مساعٍ تبذلها الحكومة للتخفيض في كتلة الرواتب التي تمثل 38 في المئة من ميزانية الدولة، وهو ما قد يفجر احتجاجات شعبية.
وقال النائب البرلماني السابق، منجي الحرباوي، إن "انفجاراً اجتماعياً بدأ يلوح في الأفق في ظل غياب الحلول الناجعة، واستمرار نكران الأزمة أصلاً ومحاولة تبريرها، والاهتمام بأمور هامشية مثل الاستحقاقات الانتخابية المتتالية وشؤون دولية لا دخل لنا فيها، نحن لسنا معزولين عن العالم لكن لدينا شؤوناً أهم يجب إيلاؤها الاهتمام الكافي".
وتابع الحرباوي في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن "حتى نسبة البطالة التي تم الإعلان عنها تخفي خلفها أرقاماً أخرى صادمة، لأن هناك مناطق وخصوصاً تلك التي انطلقت منها انتفاضة 2011، فيها تصاعد كبير في أعداد العاطلين من العمل، ناهيك عن القطاعات والفئات".
وشدد على أن "تونس تشهد حالة من الهشاشة الحقيقية، لذا فتلك الأرقام متوقعة، وهناك ما ينبئ بانفجار اجتماعي في ظل انهيار المقدرة الشرائية للتونسيين وارتفاع معدلات التضخم".
وعلى رغم الدفع بالعديد من المبادرات التشريعية والقوانين خلال الأعوام الماضية التي اهتمت بمسألة التوظيف وإعطاء زخم للاستثمار في البلاد، إلا أن معضلة البطالة ظلت مشكلة عصية عن الحل وتُلاحق الشباب والسلطات على حد السواء.
ومنذ نجاحه في الانفراد بمعظم الصلاحيات في 25 يوليو (تموز) 2021 وقيادته تغييرات سياسية جوهرية، حاول الرئيس التونسي قيس سعيد تهدئة الجبهة الاجتماعية، ونجح بالفعل في ذلك بشكل كبير إذ تراجعت وتيرة الاحتجاجات التي كانت تعطل بعض سلاسل الإنتاج، خصوصاً في مناجم الفوسفات في مناطق مثل قفصة جنوب البلاد.
وأرخت معضلة البطالة والتهميش بظلالها الكثيفة على مشكلات أخرى تحاول السلطات التونسية معالجتها مثل ملف الهجرة غير النظامية، حيث يدفع الإحباط المتزايد آلاف الشباب إلى المجازفة بركوب قوارب الموت للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط بحثاً عن حياة أفضل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا حلول
الرئيس سعيد وبعد أن أعلن تثبيت أركان حكمه مستفيداً، بحسب ناشطين سياسيين من تشتت قوى المعارضة ونقمة الشارع عليها، يحاول وضع خطط لمعالجة مشكلة البطالة، والدفع ببرامج مثل الشركات الأهلية والصلح الجزائي لضخ استثمارات في مناطق تواجه التهميش.
لكن الشكوك تحيط بقدرة هذه المشاريع على معالجة المشكلة، خصوصاً في ظل تعثر مسار الصلح الجزائي حيث لم تنجح لجنة شكلها الرئيس سعيد في استعادة مبالغ يتهم رجال أعمال بالتورط في نهبها أو تحصيلها بشكل غير شرعي.
وتم أخيراً الزج بصهر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، مروان المبروك، وهو أحد أبرز أثرياء تونس، في السجن بعد مفاوضات أجراها مع لجنة الصلح الجزائي، ما أعطى الانطباع بأن السلطة بدأت تستعجل حسم هذا الملف خصوصاً في ظل حاجة البلاد لتعبئة موارد مالية.
لكن الرئيس سعيد سبق أن شدد على أن الأموال التي ستتم استعادتها سيتم ضخها في شكل استثمارات في المناطق المهمشة، لكن السؤال الذي يراود الشارع التونسي: هل ستسهم هذه الآلية بالفعل في الحد من البطالة؟
يُجيب عضو الهيئة المديرة في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية)، منير حسين، بالقول إن "أي خطة في هذا الصدد يجب أن تحظى بقبول اجتماعي، لكن عموماً مشروع الشركات الأهلية لا يزال يلفه الكثير من الغموض، أما الصلح الجزائي فهو أيضاً لا يمكن حسمه على الأمد القريب، لذلك من الخطأ المراهنة على هذه المشاريع لحل مشكلة البطالة".
ويوضح حسين في تصريح خاص أن "غياب الانخراط الطوعي لرجال الأعمال في هذا المشروع يجعله فاشلاً، وحتى إذا نجحت السلطات في استعادة الأموال فإن الحاجة إلى سداد ديون خارجية أو داخلية علاوة على التزامات أخرى، تجعل من الصعب مراكمة رأس مال من خلال الادخار وتمويل مشاريع".
واستدرك المتحدث بالقول "لكن في المقابل هناك قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي كان يمثل مشروع طموح لحل جزء على الأقل من البطالة نأمل في أن يتم تحقيق تقدم فيه، لأن المشاريع الراهنة مرتبطة بالإدارة لذلك فرص نجاحها ضئيلة".
وعلى رغم نجاحها في تدشين الانتفاضة في الوسط العربي عام 2011، إلا أن تونس عرفت انتقالاً ديمقراطياً متعثراً فيما ظلت مشكلة البطالة التي كانت من أهم محركات الانتفاضة الشعبية بلا حل، وهو ما يثير هواجس جدية اليوم من أن يقود ذلك إلى احتجاجات جديدة، لا سيما مع اقتراب شهر يناير الذي بات مرتبطاً في البلاد بالغضب الشعبي.