Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نمو الاقتصاد التونسي يعود للمنطقة السلبية رغم صمود بعض القطاعات

تطور أداء الخدمات عجز عن تغطية انحدار الفلاحة والصناعات الاستخراجية

سجل الاقتصاد التونسي نمواً لم يتجاوز 0.7 في المئة في التسعة أشهر الأولى من عام 2023 (أ ف ب)

ملخص

تأثرت الفلاحة بانهيار زراعة الحبوب وتراجع إنتاجها 60 في المئة على خلفية موجات الجفاف التي عرفتها البلاد منذ 2018

سجلت تونس انخفاضاً في نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 0.2 في المئة (-0.2 في المئة) في الربع الثالث من العام الحالي بحساب الانزلاق السنوي، ليتراجع بذلك نسق النمو للمرة الرابعة على التوالي منذ الربع الثالث لعام 2022، بينما عرف ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.1 في المئة مقارنة بالربع الثاني من العام الحالي، بعد أن تقلص النمو بنسبة 1.1 في المئة خلال الربع السابق.

بناء على ذلك سجل الاقتصاد التونسي نمواً لم يتجاوز 0.7 في المئة في التسعة أشهر الأولى من عام 2023، ووفق هذا النسق تقدر نسبة النمو المرتقبة لـ 2023 إجمالاً بـ 0.4 في المئة، في حال ما استقر حجم الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع المقبل من العام في مستواه المسجل في الربع الثالث.

ولم يسترجع الاقتصاد التونسي مستواه قبيل الجائحة، أي في عام 2019، وكانت وزارة المالية نشرت مراجعة لنسبة النمو المقدرة في 2023، وخفضت في تقديراتها لنسبة النمو من 1.8 في المئة في الموازنة الأصلية إلى 0.9 في المئة في الميزانية.

كانت تونس سجلت نسبة نمو تساوي 1.8 في المئة في الربع الأول من العام الحالي، بحساب الانزلاق السنوي و0.6 في المئة في الثلاثي الثاني، وزادت نسبة البطالة لتبلغ 15.8 في المئة في الربع الثالث مقابل 15.6 في المئة في الربع الثاني من 2023.

أثر انهيار المحاصيل الزراعية

وانعكست النتائج السلبية لأداء القطاع الفلاحي والصناعي والمقاولات بصفة مباشرة على الناتج الخام متسببة في النسبة السلبية للنمو على رغم انتعاش الخدمات.

وتسبب الجفاف السائد والظروف المناخية الاستثنائية التي مرت بها تونس في السنوات الأخيرة في تراجع إنتاج القطاع الفلاحي، وأثر بحدة في المحاصيل الفلاحية وبالتحديد حصاد الحبوب والزيتون، وهو ما غير منحى نمو الاقتصاد خلال الأشهر الأخيرة، وتراجعت القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 16.4 في المئة بحساب الانزلاق السنوي وثلاثة في المئة مقارنة بالرباعية الثانية، وشكلت مساهمة سلبية في الناتج المحلي بنسبة -1.6 نقطة مئوية، وإن تطور القطاع الصناعي في المجمل بـ 0.1 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام المنقضي، فقد انخفض أداؤه بنسبة 0.2 في المئة مقابل الربع الثاني من العام الحالي.

وعرف قطاع الصناعات المعملية تطوراً بحساب الانزلاق السنوي بنسبة 0.5 في المئة، وانخفض مقارنة بأدائه في الرباعية المنقضية بنسبة 0.6 في المئة، وانخفض حجم القيمة المضافة في قطاعات الطاقة والمناجم والماء والتطهير ومعالجة النفايات بحوالى 1.2 في المئة نتيجة لتقلص الإنتاج في قطاع استخراج النفط والغاز الطبيعي بنسبة 1.2 في المئة، وتراجع نشاط قطاع المناجم بنسبة 0.8 في المئة، بينما عرف تطوراً بنسبة 0.9 في المئة بحساب التغييرات الرباعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعمق الانخفاض الذي عرفه قطاع البناء والتشييد الذي تراجع بنسبة 5.1 في المئة على رغم التطور النسبي الذي بلغ 0.2 في المئة بحساب التغيير الرباعي.

واستفاد الاقتصاد التونسي خلال الربع الثالث من العام الحالي من الانتعاشة التي حققها قطاع الخدمات الذي عرف ارتفاعاً في حجم القيمة المضافة بلغ 1.9 في المئة، و0.5 في المئة مقارنة بالربع الثاني من العام الحالي، وبنسبة نمو بـ 3.1 في المئة نقطة مئوية في الربع الثالث، بفضل التحسن الذي حققته السياحة وقطاع المعلوماتية والاتصال والنقل.

خمول محركات الاقتصاد

وزاد انحدار نسق نمو الطلب الداخلي من صعوبة الظرف الاقتصادي في تونس، وبدا واضحاً في نفقات الاستهلاك وتكوين رأس المال الخام وهو الاستثمار، وتراجع حجم الطلب الداخلي للمرة الأولى منذ أكثر من عامين بنسبة 0.4 في المئة، على رغم ارتفاعه بنسبة 0.8 في المئة مقارنة بالربع الثاني، في الوقت الذي أسهم صافي المبادلات الخارجية إيجاباً بـ 0.2 نقطة، بحكم الزيادة في حجم الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 8.6 في المئة متجاوزة الواردات التي نمت بنسبة 6.8 في المئة، على رغم الانحدار الذي عرفته الصادرات مقارنة بالربع الثاني بنسبة 0.5 في المئة وارتفاع الواردات في الفترة نفسها بنسبة واحد في المئة.

ورأى المتخصص في الشؤون الاقتصادية حسين الرحيلي، أن تراجع أداء القطاع الفلاحي ألقى بظلاله على الناتج المحلي الإجمالي في تونس وعرقل تعافي الاقتصاد التونسي على رغم ما أبداه من صمود بتحسن قطاع الخدمات.

ويعود انحدار قيمة المحاصيل الزراعية إلى موجة الجفاف، ما انعكس مباشرة على مسار النمو بحكم المساهمة المهمة للمنتجات الزراعية الخام والصناعات الغذائية الموجهة للتصدير، إذ بلغ معدل مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج المحلي الخام 12 في المئة، وتأثرت الفلاحة التي طالما اعتبرت إحدى رافعات الاقتصاد التونسي بانهيار زراعة الحبوب وتراجع إنتاجها بنسبة 60 في المئة على خلفية موجات الجفاف المتتالية التي عرفتها البلاد منذ 2018، وهو ما خلق ضغوطاً كبيرة على التوريد بهدف توفير الحاجيات الأساس، وكرس نسبة التضخم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهي نتائج بديهية للشح المائي الذي دفع بالبنك الدولي إلى مراجعة نسبة النمو المقدرة لتونس في 2023، وتخفيضها إلى 1.2 في المئة، واصفاً إياها بـ"الانتعاش المتواضع" اعترافاً منه بأهمية الفلاحة والصناعات الغذائية وتأثير الجفاف.

لكن النمو لم يخسر أداء أحد رافعاته فحسب، بل انعكس تراجع هذا القطاع على أحد أهم محركاته وهو الاستهلاك، على خلفية انخفاض الطلب المتأثر بدوره بالتضخم.

من جهة أخرى، تعجز تونس على استرجاع نسق إنتاج الفوسفات، الذي يعد أهم صناعة غير معملية على الإطلاق وأول مدر للعملات في الصناعات الاستخراجية غير المعملية، بعد أن اصطدمت عودة النشاط بمناجم الفوسفات باهتراء الأسطول وانعدام جاهزية آليات الاستخراج التي أعاقت 30 في المئة من الإمكانات الإنتاجية، ولن يتمكن قطاع الفوسفات من استرجاع مساهمته في الناتج القومي الخام التي تزيد على أربعة في المئة قبل معالجة الإطار اللوجيستي برمته، وقد رصد 237 مليون دينار (75 مليون دولار) لتجديد الأسطول.

من جهته اعتبر المحلل الاقتصادي أنيس وهابي، أن الانحدار الحاصل في نسبة النمو نتيجة حتمية للمعطيات المناخية الصعبة وتعطل أغلب محركات الاقتصاد وأهمها الفلاحة والاستثمار، وهي قطاعات متأثرة ومؤثرة أدت إلى تراجع الادخار، علاوة على نقص الطلب الناتج من الحرب الأوكرانية التي خفضت الإمدادات للسوق الأوروبية  ورفعت التضخم لديها، الأمر الذي انعكس بالسلب على تونس، حيث يمثل  الاتحاد الأوروبي الشريك الأول، ومنطقة اليورو السوق الأساس للسلع التونسية، ومن نتائج نقص الطلب التخفيض الطوعي في الإنتاج المخصص للتصدير.

وعانت البلاد من عدم توفر رؤية واضحة للإصلاح وهو ما حولها إلى وجهة غير جاذبة للاستثمارات الخارجية، ناهيك عن الصعوبات التي يواجهها المستثمرون المحليون ومنها ندرة السيولة، فيما تحول صعوبة التوصل إلى التمويل دون التوسع في المشاريع، ما يزيد من نسبة البطالة، وجميعها معطيات مؤدية للانكماش الذي عجزت تونس عن الخروج منه نحو الانتعاش المأمول وكرسته إشكالات طارئة جديدة خارجة عن النطاق تخص المناخ.

اقرأ المزيد