Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين جدة والحراك السياسي هل تنجح جهود وقف الحرب في السودان؟

ثمة أجواء إيجابية اليوم أضحت أكثر تفاؤلاً مما كان عليه الوضع في مايو  الماضي

أثناء التوقيع على إحدى الهدن السابقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من خلال منبر جدة (رويترز)

ملخص

ربما تتكشف الأسابيع المقبلة عن انفراج لكنه يبقى رهيناً بصدقية الجهود الحثيثة للقوى السياسية والمدنية في الاضطلاع بأعباء مهمة توفير البديل السياسي الرصين والمقنع لترتيبات ما بعد الحرب.

فيما تستمر الأحداث العسكرية لحرب السودان من خلال معارك تدور في أكثر من مكان بين الجيش و"الدعم السريع"، تعكس الوقائع السياسية والجيوسياسية المتصلة بالسودان حراكاً نشطاً يتأرجح على إيقاع تلك الحرب، في محاولات حثيثة لإنهائها.

فمنبر جدة الذي لا تزال تجري فيه المفاوضات وسط تكتم شديد يتسارع معه حراك سياسي سوداني نشط على هامش التفاوض الذي يرعاه المنبر، وهو في تقديرنا حراك ذو صلة على نحو ما بما يجري في جدة.

وعبر ضم ممثل لـ"الإيغاد" وممثل للاتحاد الأفريقي إلى منبر جدة كان واضحاً أن ثمة إرادة من مسهلي منبر جدة "السعودية والولايات المتحدة" لتقسيم العمل في المفاوضات. وثمة تسريبات بأن لقاءات البرهان مع المسؤولين السعوديين شهدت عرضاً حثيثاً على البرهان بتسهيل ما تم التوافق عليه أولاً من ترتيبات الوضع الإنساني، لكن يبدو أن ثمة إعاقات في الداخل حالت دول تطبيق ما اتفق عليه بين الطرفين في إجراءات بناء الثقة، وبخاصة في ما يتصل بالعمل الإنساني، مما حاول معه المجتمع الإقليمي والدولي ممارسة ضغط على الملف السياسي، وتجلى ذلك واضحاً في الزيارة المفاجئة لقائد الجيش عبدالفتاح البرهان إلى العاصمة الكينية نيروبي، ثم بعدها إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهما العاصمتان اللتان تجنب البرهان الذهاب إليهما منذ بداية خروجه من الخرطوم، كما تجنب الذهاب إلى جدة في ذلك الوقت.

ويبدو أن تقديم الملف الإنساني كتمهيد للملفات الأخرى لم يكن مجدياً مما صير معه إلى المزاوجة بين الملفين الإنساني والسياسي في المنبر، ولهذا كان قيام مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان الذي انعقد بين يومي 18 و20 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري في القاهرة وشاركت فيه شخصيات دولية وأممية، قد سبقه اجتماع مفصلي لقوى الحرية والتغيير في القاهرة بين 15 و18 نوفمبر، أعقبته دعوة من الرئيس الجنوب سوداني سلفا كير، إلى قوى الحرية والتغيير لزيارة جوبا بين يومي 21 و24 من نوفمبر من أجل التفاكر في طبيعة الحل السياسي، إلى جانب لقاء رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، ورئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" بالرئيس الكيني ويليام روتو، في سبيل البحث عن حلول لاحتواء الحرب التي تدخل شهرها الثامن.

هذا الحراك السياسي الخارجي للقوى السياسية ليس بعيداً من التنسيق مع دوائر إقليمية ودولية قريبة من منبر جدة، وفي الوقت ذاته يشتغل فيه على تنسيق كشفت عن بعضه قوى الحرية والتغيير تقرر معه من طرفها طلب لقاء مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في مساعٍ للتسوية.

أجواء إيجابية

يبدو أن ثمة أجواء إيجابية اليوم أضحت أكثر تفاؤلاً مما كان عليه الوضع في مايو (أيار) الماضي، بحسب ما صرحت به المبعوثة الأوروبية للقرن الأفريقي أنيت فيبر التي قالت في تصريحات صحافية إثر زيارتها للرياض أخيراً "هناك روح مختلفة الآن، بالطبع السعودية تلعب دوراً رئيساً في هذا الأمر، ونحن نقدر ذلك". وأضافت "ما أشعر به أننا جميعاً نذهب في اتجاه واحد، كل طرف يقدم جزءاً بسيطاً، جدة الجزء الأساس، نحن في الاتحاد الأوروبي بدأنا نحو خمس جولات مشاورات مع المدنيين من كل الخلفيات من المحافظين إلى التقدميين في الشمال والجنوب والشرق، نشعر بأن كل هذه الأمور يجب أن تضم معاً في مبادرة جادة، المبادرة السعودية والأميركية".

وفي تقديرنا أن المجتمع الإقليمي والدولي في متابعته لمجريات الحرب السودانية يراقب من كثب ما سيتمخض عنه المؤتمر التأسيسي للجبهة المدنية العريضة "الذي يتوقع انعقاده في الأسابيع القليلة المقبلة بأديس أبابا، والذي ستشارك فيه جميع القوى السياسية والمدنية والنقابية والأحزاب ولجان المقاومة، حيث تسعى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم" برئاسة عبدالله حمدوك إلى التسريع بعقد المؤتمر ليكون ممثلاً لجميع القوى المدنية والسياسية السودانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل من أهم محفزات الأمل بنجاح قيام المؤتمر التأسيسي للجبهة المدنية، أنه قد اتفق في الاجتماعات التحضرية التي عقدتها تنسيقية "تقدم" خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على أن تكون ما نسبته 70 في المئة من الهيئة القيادية للمؤتمر من نصيب القوى المدنية والنقابية ولجان المقاومة، فيما تنال الأحزاب السياسية ما نسبته 30 في المئة من نصيب الهيئة القيادية، مما يجعل من نسبة تمثيل قوى الحرية والتغيير في الجبهة المدنية في حدود 25 في المئة، وهي نسبة قبلتها في محاولة منها لتغليب الهم الوطني في المهمة الأساسية للقوى السياسية جميعاً، إنهاء الحرب واستعادة الانتقال الديمقراطي.

لذا، ثمة جهود حثيثة تبذل اليوم لتوسيع نطاق الجبهة المدنية قبل انعقاد مؤتمرها العام في الأسابيع المقبلة لتكون شاملة لجميع القوى المدنية والسياسية، وكان لقاء رئيس تنسيقية "تقدم" عبدالله حمدوك برئيس حركة جيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور في الرابع من نوفمبر الجاري يصب في تلك الجهود بالتوازي ما يبذل من دعوات إلى كل من عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال، إلى جانب بعض الأحزاب التي لم تنضم حتى الآن إلى تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية.

لقد كان واضحاً من خلال تقسيم العمل في منبر جدة أن الهدف هو تأطير جهة واحدة تتقاسم جهود التفاوض، في جانبي الملف الإنساني والسياسي حيث تم إسناد الملف السياسي إلى ممثلي الاتحاد الأفريقي و"الإيغاد" لكن من داخل منبر جدة هذه المرة. وهذا يدل على توافق الإرادة الإقليمية والدولية على إنهاء الحرب بطريقة يتوازى فيها العمل الإنساني مع العمل السياسي، لكن في الوقت ذاته ثمة ضرورة إلى طرف مدني تسند إليه السلطة السياسية المقبلة حال الوصول إلى اتفاق سياسي بين الطرفين المتحاربين، وبحسب التسريبات فإن موقف قوات "الدعم السريع" في المفاوضات يقبل بتسليم المناطق الخاضعة تحت نفوذه – حال الوصول إلى اتفاق سياسي – إلى سلطة مدنية كاملة يتم التوافق عليها من خلال منبر جدة.

قد لا يسمح الوقت اليوم، سواءً من خلال وقائع ميدان القتال التي تعكس تقدماً واضحاً لقوات "الدعم السريع" في غرب ووسط السودان أو لجهة التسارع الذي ينعكس من خلال الحراك السياسي والدبلوماسي إقليمياً ودولياً في الخارج، بما قد يحاوله بعض المحرضين على استئناف الحرب بعد أن بات واضحاً أنها حرب عبثية.

صدقية الجهود

ربما تتكشف الأسابيع المقبلة عن انفراج في الوضع السوداني، لكنه انفراج رهين بصدقية الجهود الحثيثة للقوى السياسية والمدنية في الاضطلاع بأعباء مهمة توفير البديل السياسي الرصين والمقنع لترتيبات ما بعد الحرب.

إن تطاول أمد الحرب في منطقة جيوسياسية مهمة كالسودان ستنجر عنه تدخلات إقليمية خطرة، لا سيما أن طبيعة هذا الوضع الاستراتيجي المهتز للسودان سيفرض على مصالح دول إقليمية المجازفة بالتدخل لحماية أمنها القومي، وهو ما تحذر منه الولايات المتحدة والمجتمع الإقليمي، ولذلك تدفع بجميع الجهود من أجل احتواء الحرب قبل أن تتوسع باتجاه الحرب الأهلية وما قد ينجر عنها من تدخلات إقليمية ودولية منذرة بفوضى كبيرة في المنطقة.

ولعل في تصريح مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت فيبر بهواجسها للمسؤولين السعوديين من أخطار الحرب في السودان قد كشفت عن طرف من ذلك حين قالت في حوارها مع صحيفة "الشرق الأوسط"، "هناك أخطار كبيرة، منها الانهيار بسبب الحرب، وهذه إحدى المناقشات الرئيسة التي أجريناها مع المسؤولين السعوديين، ونود أن تكون هناك إمكانات وصول للمساعدات الإنسانية، ونعمل في الوقت نفسه على الانتقال السياسي".

إن ضرورة إنهاء الحرب السودانية اليوم بعد التداعيات التي تبين معها لجهات كثيرة إقليمية ودولية، ولمراقبين في المنطقة، خطورة الهدف الذي أراده مؤيدو هذه الحرب ومشعلوها وهو إجهاض ثورة 19 ديسمبر 2018 تقتضي تضافر جهود إقليمية ودولية لمساعدة القوى السياسية السودانية على استعادة الانتقال الديمقراطي.

ولم يكن قرار وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على "علي كرتي" رئيس تنظيم "الإخوان المسلمين" في السودان خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية تسببه في إعاقة التحول الديمقراطي إلا عبر معلومات توصلت إليها الولايات المتحدة، حيث "يعمل كرتي الآن مع غيره من مسؤولي النظام السابق على عرقلة الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات (الدعم السريع)، وحشد القوات لتمكين استمرار القتال ومعارضة الجهود المدنية السودانية لاستئناف التحول الديمقراطي المتوقف في السودان"، بحسب موقع قناة "الحرة".

وإذا صحت الأنباء التي تفيد منذ أمس الثلاثاء بهرب علي كرتي، رئيس "الإخوان" في السودان إلى إحدى دول الجوار، فربما كان ذلك مؤشراً إلى تحولات دراماتيكية أخرى في مشهد الحرب السودانية ستتكشف عنها الأيام المقبلة.

لحسن الحظ أنه حتى اليوم - وعلى رغم الحرب الدائرة بين الجيش و"الدعم السريع" منذ أكثر من سبعة أشهر - لم يقم أحد طرفي الحرب من جهة واحدة بإعلان حكومة في المناطق التي يسيطر علها مما قد يكرس لتقسيم السودان، مما يعني أن قرار الجيش باستئناف المفاوضات في جدة – لا سيما بعد خروج نائب البرهان الفريق شمس الدين الكباشي من مقر القيادة العامة في الخرطوم – ربما دل عن خيار داخل الجيش لا يزال يراوح مكانه حيال المضي قدماً في الطريق إلى اتفاق سياسي.

وإذا صحت أخبار مغادرة رئيس تنظيم "الإخوان" للسودان وهربه إلى إحدى دول الجوار ربما يساعد ذلك في انفراج أزمة الحرب التي وصفها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان من قبل بأنها "حرب عبثية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل