Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحاكم في ثوب المفكر: أحدث النماذج شي جينبينغ

الصين غنية بالمفكرين منذ القدم

شي جينبينغ رئيس الحزب والدولة يريد أن يضيف مرتبة "المفكر" ليكون على مستوى ماو في كل شيء (أ ف ب)

ملخص

ليس أهم من الفكر المجرد سوى الفكر مع الممارسة، لكن الأخطر هو الممارسة بلا فكر.

الحاكم، ولا سيما في الأنظمة السلطوية، لا يكتفي بالسلطة المطلقة والتحكم بالمال. يريد أكثر مما لديه، يريد مكاناً له في مملكة الفكر والأدب، حتى الحاكم في الأنظمة الديمقراطية، فإنه يطمح لرؤية اسمه على غلاف كتاب، سواء كان مفكراً سياسياً وأديباً في الأصل مثل ونستون تشرشل وريتشارد نيكسون أو كان تاجر عقارات مثل دونالد ترمب.

ويروي مولوتوف في كتاب "مولوتوف يتذكر" أن ماو تسي تونغ قال له: "هل تصدق أنني لم أقرأ كتاب الرأسمال لماركس؟ وأنا حزين لأن ستالين لم يوسع القمع ولأنه أبقى خروتشوف حياً"، لكن ماو قاد الحزب الشيوعي الصيني في "المسيرة الكبرى" إلى النصر وأصدر كتباً نظرية في الفكر السياسي والعسكري، لا بل كتب قصيدة شعرية يودع فيها رفيقه شو آن لاي.

ولم يكن "الكتاب الأحمر" سوى مقتطفات من أقوال ماو وكتبه. معمر القذافي الذي حكم ليبيا بلا دولة أكثر من ثلث قرن ودفع لحكام دول أفريقية فقيرة لتسميته "ملك ملوك أفريقيا"، حاول أن يتجاوز ماركس وآدم سميث عبر ما سماها "النظرية الثالثة"، كما استأجر من يكتب له "الكتاب الأخضر" على طريقة كتاب ماو. صدام حسين وجد لديه وقتاً لإصدار رواية. ستالين كان في الأساس يكتب في الصحف وينظم الشعر ويجمع الكتب والأقلام وأصدر أيام السلطة عدداً من المؤلفات النظرية، بحيث بدت "الستالينية" نوعاً من تطوير "اللينينية". سوسلوف حارس العقيدة الماركسية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي لم يصدر مؤلفات، لكن الأمين العام للحزب ورئيس الدولة ليونيد بريجنيف أصر على أن يضيف إلى الأوسمة والجوائز التي نالها "جائزة لينين" في الأدب كأنه في سباق مع شولوخوف صاحب "الدون الهادئ". الخميني كان منظراً قبل السلطة وبقي خلالها يحدد أسس "الحكومة الإسلامية".

خامنئي ترجم مؤلفات سيد قطب "الإخواني" المتشدد. زعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار كاتب قصص قصيرة وروايات. باراك أوباما جاء به إلى الرئاسة كتاب "جرأة الأمل" وأصدر كتباً عدة بينها مذكراته "أرض موعودة". تشرشل لم ينس خلال قيادة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية أنه رسام وكاتب. كذلك فعل شارل ديغول الذي قال لتشرشل: "كلما تعمقت في تعلم اللغة الفرنسية فهمت ما أقوله لك أنا بالإنجليزية". وفرانكلين روزفلت قال إن "أعظم واجب لرجل الدولة هو أن يتثقف".

وشي جينبينغ ليس استثناء، رئيس الحزب والدولة الذي يمسك بكل المفاصل في الصين يريد أن يضيف إليها مرتبة "المفكر" ليكون على مستوى ماو في كل شيء، وهو يفرض على كوادر الحزب الشيوعي والطلاب والناس تعلم "فكر شي". والصين غنية بالمفكرين منذ القدم. من سون تزو في العصور القديمة إلى يان شو تونغ مؤلف كتاب "فكر الصين القديم وقوة الصين المعاصرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المفكرين الذين صنعوا حركة "النص الجديد" في أواخر القرن الـ19 إلى ماو تسي تونغ في القرن الـ20، وصولاً إلى وانغ هوي صاحب "صعود الفكر الصيني المعاصر" وقبله "نهاية الثورة"، وأبرز المفكرين في حركة "اليسار الجديد"، حتى تبني الماركسية على الطريقة الصينية، بحسب ماو قائد الثورة الشيوعية المنتصرة عام 1949، فإنه عجز عن التطبيق الكامل للدعوات الراديكالية إلى "القطع مع القديم". كارل ماركس تحدث عن "بؤس الفلسفة" على أساس أن الفلسفة تشرح العالم، والماركسية تعمل لتغيير العالم، لكن الفكر الصيني ليس نتاج الأبراج العاجية بل هو ابن الحياة واهتمامات الإنسان.

ما فكر شي؟ إنه التفاعل بين "روح الماركسية" و"جذور الثقافة الصينية وتقاليدها"، التناغم بين ماركس وكونفوشيوس. وهذه ليست قفزة في أرض مجهولة. ففي كتاب "صعود الفكر الصيني المعاصر" يكشف المؤلف وانغ هوي الجذور الحقيقية لفكر شي. شي قال لرفاقه "بعد أكثر من 40 سنة من الجهود الحثيثة من أجل الإصلاح والانفتاح حققنا معجزتين هما تنمية اقتصادية سريعة، واستقرار اجتماعي بعيد المدى".

وفي هذا شيء من ماركس وشيء من كونفوشيوس. الماركسية هي التغيير. الكونفوشيوسية هي الاستقرار. وفي بكين مسلسل تلفزيوني يوحي أن "ماركس في اللاشعور أخرج أفكاره من بئر كونفوشيوس" وبكلام آخر، فإن ما كان يشترطه الراديكاليون في الحزب الشيوعي، أي "ربط الازدهار بالقطع مع الماضي"، يتجاوزه شي إلى الربط بين الازدهار والاستقرار. وهذا ما اقترب منه ليو شاوشي من قبل بالقول رداً على سؤال: "كيف تكون شيوعياً جيداً؟"، إن "الفضائل الشيوعية هي كونفوشيوسية أكثر منها مادية".

وإذا كان الولاء للحاكم واحداً من الأسس عند كونفوشيوس، فإنه يلائم النظام السلطوي الذي صار "توتاليتارية جديدة" في الصين، بحسب كاي شيا الأستاذ السابق في مدرسة الحزب الشيوعي المركزية. وعملياً، فإن شي يطلب من الشيوعيين في فكره محاربة سبعة أفكار: "الديمقراطية الدستورية الغربية، حقوق الإنسان، استقلالية الإعلام، المشاركة المدنية، ليبرالية السوق، النقد العدمي للحزب".

كونفوشيوس يرى أن "الحكمة هي أن تميز بين ما تعرفه وما تجهله". والمثل الصيني يقول "إذا أردت 10 سنين من الازدهار ازرع أشجاراً، وإذا أردت 100 سنة من الازدهار اعمل على تربية شعب ونموه". وشي يستخدم السلطة للاستقرار و"فكره" لتربية الشعب، لكن كونفوشيوس يطلب "إعادة المعاني إلى الكلمات"، في حين يميل شي إلى خلط المعاني، فهو يطالب بـ"تعددية حقيقية" في المؤسسات الدولية، ويمارس سلطة أحادية في الداخل، يعد بأن الصين التي صارت قوة عظمى ستكون "قوة علمية كونية" عام 2049، ثم يوحي أن بلاده ستبقى جزءاً من العالم النامي وعضواً في الجنوب العالمي، وعملياً في دور القيادة لهذه لهذا الجنوب.

وليس أهم من الفكر المجرد سوى الفكر مع الممارسة، لكن الأخطر هو الممارسة بلا فكر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل