Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طبيعة الانسداد في مأزق الحرب السودانية

البلاد تدفع ثمن 30 عاماً من السياسات الإخوانية في الحكم والأعباء باتت باهظة لإنهاء المعارك

سودانيون فروا من منازلهم هرباً من ويلات الحرب (أ ف ب)

ملخص

المتأمل في نتائج تاريخ الحروب الأهلية السودانية التي تسببت فيها سياسات نظام الإخوان المسلمين على مدى 30 سنة سيدرك أن تلك السياسات أدت في نهاية المطاف إلى وصول الحرب للخرطوم في 15 أبريل الماضي.

حين تقع الحرب الأهلية فذلك مؤشر إلى انسداد في واقع التفاهم بين المتحاربين، لكن بعد ذلك، سيكون الفيصل في القدرة على التحكم بمسار الحرب للوصول إلى السلام منحصراً وعلى نحو جوهري، في طبيعة شروط المعرفة الباحثة في المشكلات التي تسببت في الحرب ونوعها ومدى تراكمها وتأثيرها – عمقاً وضحالة – ليصار بعد ذلك إلى الحلول التي تنهيها تماماً.

وحين لا تتوافر معرفة تلك الشروط في بصيرة من يتعين عليه البحث في سبل إنهاء الحرب (وهم النخب السياسية للشعب السوداني أولاً) فلن يكون في وسع أي جهة، إقليمية كانت أو دولية، القدرة على وقف المعارك مهما بذلت من جهود وقدمت من إمكانات.

والحال، أن من يتأمل في نتائج تاريخ الحروب الأهلية السودانية التي تسببت فيها سياسات نظام الإخوان المسلمين على مدى 30 سنة، سيدرك تماماً أن تلك السياسات هي التي أدت في نهاية المطاف إلى وصول الحرب للخرطوم في 15 أبريل (نيسان) 2023، الأمر الذي يتحتم معه اليوم على كل من يضطلع بمهمة الاستجابة لتحديات واقع الحرب أن يمتلك رؤية فكرية سياسية مركبة، لها قدرة على تحقيق وحدة القوى الحزبية السودانية لمواجهة مأزق الحرب بوصفها أخطر وأكبر اختبار لتلك القوى.

إن صعوبة الواقع الذي تفرضه الحرب في حياة السودانيين – لا سيما بين القوى السياسية - ينبغي أن يسرع بالاستجابة لتحديات التحقق بضرورات برامج سياسية نافذة وفعالة لوقف الحرب، لأن أثر اتساع ميادين المعارك بين الطرفين سيكون مؤشراً لصعوبة أكثر في الوصول إلى جميع الحلول الممكنة.

بيد أن ما تدل عليه أي قراءة لسياقات إرث خراب نظام الإخوان وقواعد الفساد التي أرسى بها بنية واقع سياسي فوضوي لـ30 عاماً ترينا بوضوح كبير كيف أن الوقائع اليومية المجسدة لتمثيلات حراك يعكس ذلك الفساد السياسي في السودان اليوم عبر هذه الحرب هي الأكثر بروزاً، وبطريقة يمكن القول معها إن أي تأمل في ذلك الواقع سيكون مخيباً للآمال.

لا نقول هذا الكلام تعبيراً عن اليأس، أو كفائض من سوء الظن والتشاؤم بمستقبل الوضع السياسي للسودان في ظل الحرب – وإن كان لا يخلو من ذلك - لكن من أجل أن تدرك القوى السياسية اليوم وبوضوح أنه ما زالت ردود فعلها جميعاً في العمل السياسي أقل بكثير من ردود فعل قوى النظام القديم في الداخل التي تتحكم في استجاباتها بنية فساد سياسي تتحرك عبره عناصر كثيرة يعمل طرفا الحرب على استثمارها في أجندات إعلامية تؤثر في ذهنيات البسطاء.

وعبر تلك الشروط السياسية والتاريخية للفساد الذي أنتج الحروب الأهلية وصولاً إلى حرب الخرطوم، مما ذكرناه في البداية، سيكون وحده، الرهان على عمل سياسي استثنائي ومختلف وفعال ومتواصل من قبل القوى السياسية الرافضة للحرب – غير ظاهر حتى الآن للأسف – هو جهد المقل في مواجهة واقع الحرب الذي أصبحت وطأته أثقل كلما امتد أمدها.

على القوى السياسية السودانية اليوم أن تدرك تماماً ثمن الأعباء السياسية الباهظة لمهمة إنهاء الحرب، وهي بطبيعة الحال، مهمة أكبر بكثير من مستوى الأداء السياسي المعطوب الذي انعكس في عجزها عن منع معارك قبيل اندلاعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تقديرنا، أنه لن يكون اليوم في وسع القوى السياسية السودانية - وقد وضعتها الحرب أمام مسؤولياتها التاريخية – القدرة على خداع مواطن اكتوى بنار الحرب نتيجة لإخفاقات تلك القوى، لأنه - حال عجز القوى السياسية عن القيام بجهد سياسي استثنائي فعال لوقف الحرب - لن يحتاج المواطن إلى سبب يجعله مناصراً لها. على رغم أن تداعيات الحرب ستحد من نشاط القوى السياسية والفعاليات الحزبية المدنية داخل السودان، لكن التداعيات العسكرية للحرب ستنعكس، بطبيعة الحال، على جميع مناطقه، وعلى كل الأجندات الأيديولوجية المتصلة بالحرب.

ونظراً إلى انسداد إمكانية النشاط السياسي في ظل واقع الحرب والاستقطاب الذي تفرضه على الناس، لا سيما مع هيمنة كل طرف من طرفي الحرب على المواقع التي يسيطر عليها، سيكون الجهد السياسي للقوى الحزبية والمدنية الرافضة للحرب جهداً صعباً وعسيراً من داخل السودان.

ومع هذا لا يمكننا القول إن الشعب السوداني المصدوم من واقع الحرب لن يكون في وسعه معرفة حقائق كثيرة من وقائع ما كان يحدث في السودان، وبخاصة في ظل عمل الثورة المضادة للفلول طوال السنوات الأربع الماضية، فالمواطن السوداني في العموم يدرك بفطرته أن من يدعون للحرب اليوم لا يريدون خيراً بالسودان وأنهم في الحقيقة فئة معروفة لديه، لا سيما بعد أن سمع هذا المواطن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان يصف هذه الحرب بأنها "حرب عبثية" لكن هذا الإدراك من طرف المواطن السوداني في ظل التشويش الذي أصبح عليه الوضع اليوم في ظل واقع الحرب لا يمكن أن يتحول إلى فعل ثوري حقيقي ما لم تقدم القوى السياسية السودانية اليوم نموذجاً مشرفاً لبرنامج عمل سياسي قوي ومتحد وشفاف، نموذج لبرنامج سياسي إما أن يكون أو لا يكون في ظل واقع وضعت فيه الحرب القوى السودانية جميعاً أمام امتحان عسير.

وفيما يمكننا أن نقر إقراراً نظرياً وعاماً للقول إن جميع السودانيين اليوم بقواهم السياسية وتنظيماتهم العسكرية ومنظماتهم المدنية ربما أمكنهم إفشال مشروع الحرب الأهلية في السودان – نظراً إلى معرفتهم بما تعنيه الحرب الأهلية في غالبية أطراف السودان - إلا أن فساد بنية الواقع السياسي الذي صممه نظام الإخوان المسلمين على مدى ثلاثين سنة علاوة على إرث اختلال إدارة دولة ما بعد الاستقلال، إلى جانب مؤثرات وسائط السوشيال ميديا، والاستقطاب العنصري والجهوي الذي أفرزته تداعيات الحرب - ولم يسلم منه حتى بعض كبار المثقفين السودانيين- كل ذلك يؤشر إلى ضبابية تكتنف أي جهد تحليلي للتنبؤ بما يمكن أن يكون عليه الوضع السياسي مستقبلاً.

 ذلك أن الحرب التي أجهزت على ما كان سقيماً ومعطوباً من أسباب السياسة والعمل الحزبي للسودانيين قبل الثورة، سيكون من العسير جداً – وإن لم يكن مستحيلاً – احتواؤها بحدود العمل السياسي المتواضع للقوى السياسية السودانية اليوم وهو عمل لم يتبلور حتى الآن في عنوان مركزي كبير تلتف حوله جميع القوى السياسية والمدنية.

وإذا ما بات واضحاً اليوم أن القوى السياسية السودانية جميعاً لم تملك – حتى الآن في الأقل – سوية لحساسية أخلاقية لتدبير موقف جمعي وطني يجعلها يداً واحدة فعالة في مواجهة مصيبة الحرب، فإن الفرصة الأخيرة التي تنتظر تلك القوى لتكوين جبهة مدنية ضد الحرب هي فقط في الأسابيع الأربعة المقبلة التي تنتظر القوى السياسية والمدنية التي اجتمعت يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ووضعت سقفاً زمنياً بحدود 8 أسابيع لقيام المؤتمر التأسيسي للجبهة المدنية العريضة ليكون عنواناً سياسياً رئيساً لجميع القوى الحزبية والمدنية المناهضة للحرب، وهذا ما نأمل بأن يكون خلال الأسابيع الأربعة المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل