Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علاقة فرنسا بدول المغرب العربي... خسارة نفوذ أم خلط أوراق؟

التعامل الفوقي وغياب الندية في التعاطي أبرز أسباب تردي تلك العلاقات

أعلام الحرب الجزائرية- المغربية- التونسية التي رفعها قدامى المحاربين الفرنسيين خلال حفل إحياء اليوم الوطني للتذكر والتأمل تخليداً لذكرى ضحايا الحرب الجزائرية من المدنيين والعسكريين في باريس (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون أن فرنسا ما زالت تنظر بشكل فيه كثير من التعالي إلى الدول التي كانت مستعمرات سابقة لها، ومنها دول شمال أفريقيا

تمر العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وبلدان المغرب العربي، بخاصة تونس والمغرب والجزائر، بأسوأ مراحلها. فرنسا البلد المستعمر سابقاً أصبح اليوم "الصديق اللدود" الذي تثير تدخلاته في أفريقيا وبخاصة شمالها، حالة من عدم الرضا. الأزمة أصبحت أمراً واقعاً من خلال مظاهر عدة وأحداث ألقت بظلالها على نفوذ هذا البلد الأوروبي في منطقة شمال أفريقيا.

ملف الحقوق والحريات أخرج الأزمة الدبلوماسية بين تونس وفرنسا من حالة الصمت إلى العلن، وتبعها ملف تهديد باريس بترحيل مهاجرين إلى تونس، ثم التقارب التونسي - الإيطالي. كل ذلك أكد مراجعة تونس علاقتها بفرنسا.

في هذا الصدد يقول الكاتب الصحافي التونسي نزار مقني إن "هذا التوتر يرجع إلى أسباب عدة، أولها التعامل الفوقي الذي تريده فرنسا ومجموعة الدول الأوروبية في التعاطي مع دول المغرب العربي، كعلاقة عمودية بين ضفة شمال المتوسط وضفته الجنوبية، ولهذا تجليات عدة منها، عدم تجاوب فرنسا مع مطالب جزائرية في ما يتعلق بملف الذاكرة الوطنية، ومع تونس والمغرب في ما يتعلق بتعامل باريس مع ملف الهجرة، وخصوصاً ملف منح التأشيرات". وأضاف أن "السبب الثاني اقتصادي، فدول المغرب العربي تسعى إلى التعامل مع الدول الأوروبية على أساس ندي، ووفق قاعدة الجميع رابح، وهذا ما يبدو أن فرنسا ترفضه، في وقت تعمل فيه إيطاليا خصوصاً مع الجزائر اقتصادياً".

سياسة فوقية

ويرى مقني أن "النظرة الفرنسية لم تتغير في تعاملها مع هذه الدول كمناطق امتدت إلى مجال حيوي مثل تلك النظرة والسياسة النيو-كولونيالية (الاستعمارية الجديدة) التي خسرت بسببها فرنسا نفوذها في الصحراء الكبرى، وهو ما صور كأنه زلزال جيوسياسي بات يؤثر في سلوك جنوب المتوسط، وبخاصة دول المغرب العربي التي تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة مع فرنسا وفق قواعد تحفظ الندية بين كل الدول". أخيراً، يضيف مقني أن "الطرح الجيوسياسي الجديد الذي يعيشه العالم يجعل هذه الدول تفكر في تنويع علاقاتها وعدم الزج بنفسها في اصطفافات قد تجلب لها التبعية في وقت تبرز فيه قوى جديدة إقليمية ودولية أصبحت تطالب بدور أكبر في السياسة الدولية وفي النظام الاقتصادي الدولي".
أما بخصوص نفوذ فرنسا في المنطقة فيعتبر مقني أن "نفوذها آخذ بالتقلص مع استمرارها في السياسة الفوقية نفسها التي تمارسها ودور الوصي على هذه الدول"، مواصلاً "ولا أظن أن من مصلحة هذه الدول القطع معها، بل تسعى إلى إعادة صياغة العلاقات، فالجغرافيا تلعب دورها في هذا المجال، ولا أظن أن الطرفين، أي دول المغرب العربي وفرنسا، من مصلحتهما أن تكون هناك قطيعة بينهما. إيطاليا تستفيد من ذلك اليوم، وهذا ما يقلق فرنسا".
من جانبه يقول الباحث السياسي الجزائري عثمان اللحياني إن "هناك أزمة علاقات واضحة بين الجزائر وفرنسا مظاهرها وأسبابها متعددة، أهمها تأخير وإلغاء زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس، ثم استدعاء السفير الجزائري لدى باريس الذي تم ابعاده لمدة ثلاثة أشهر منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022 حتى غاية نهاية يناير (كانون الثاني) 2023، إضافة إلى إلغاء حزمة من العقود التي كانت تربط شركات فرنسية عدة بالجزائر".
ويواصل اللحياني أن "علاقات باريس والجزائر تمر بأسوأ مراحلها على خلفية التصريحات الغاضبة والمستفزة، التي أطلقها مسؤولون فرنسيون، إثر إصدار الرئيس الجزائري مرسوماً يقضي بأداء النشيد الوطني الجزائري بشكل كامل في المناسبات الرسمية. ومن مظاهر الأزمة أيضاً ادخال اللغة الإنجليزية من الصف الثالث الابتدائي على حساب اللغة الفرنسية التي كانت اللغة الثانية بعد العربية".
وأخيراً قرار وقف تدريس كل البرامج الفرنسية في المدارس الخاصة المستقلة التي كانت تدرس البرنامج التعليمي الفرنسي وإلزامهم بالبرنامج التدريسي الجزائري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تراجع الحضور الاقتصادي

أما بخصوص الأسباب فيقول اللحياني إنها "كثيرة ومتعددة تبدأ من الملف التاريخي أو ملف الذاكرة"، مفسراً أن "للجزائر مطالب تاريخية أهمها اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية وتقديم اعتذار للشعب الجزائري وتعويضها على ذلك، كما تطلب الجزائر من فرنسا التعاون لاسترجاع جماجم المقاومين وتطهير المناطق التي أجرت فيها فرنسا تفجيرات نووية في منطقة الصحراء، إضافة إلى إرجاع الأرشيف الجزائري الذي هربته فرنسا من الجزائر".
ومن الأسباب السياسية الأخرى يقول اللحياني إن "أهمها احتضان فرنسا حركة الماك الانفصالية التي تطالب باستقلال منطقة القبائل، والتي تصنفها الجزائر على أنها منظمة إرهابية، واحتضان فرنسا لبعض الناشطين والمعارضين الذين يتهجمون بشكل مستمر على الجزائر ورموزها الوطنية، إضافة إلى المعالجة المستمرة للإعلام الفرنسي للقضايا المتعلقة بالجزائر، بخاصة كل ما له علاقة بالسياسة والاقتصاد، وهي معالجة منحازة تغذيها أطراف يمينية"، بحسب رأيه.

ويتابع اللحياني "كل هذه الأسباب حتماً ستجعل العلاقات متوترة إذا أضفنا لها أسباب أخرى ترتبط بموقف الجزائر من الوجود الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي في مالي والنيجر خصوصاً، على اعتبار أن الحضور الفرنسي في هذه المناطق جلب الجماعات الإرهابية المسلحة مع الدور الفرنسي في مسار الحل السياسي في ليبيا، إذ تعتبر الجزائر أن هذا الموقف يمس بالأمن القومي الجزائري".
إلا أن اللحياني لفت إلى أن "الجزائر تحاول الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع باريس، وذلك خدمة للجالية الجزائرية الكبيرة في فرنسا".

التعالي ومنطق الوصاية

ومن أهم التداعيات الاقتصادية كما يفيد اللحياني "تراجع الحضور الاقتصادي الفرنسي في الجزائر قبل خمس سنوات، إذ كانت فرنسا الشريك الاقتصادي الأكبر بالنسبة إلى الجزائر على مستوى التبادلات التجارية والاستثمارات، فتغيرت الدفة لصالح بلدان أخرى على غرار الصين وتركيا وإيطاليا".
وتعد العلاقات الفرنسية - المغربية في أدنى مستوياتها، بخاصة بعد أن رفضت الرباط عرض باريس للمساعدة عندما ضرب زلزال ست مناطق مغربية، واختارت بلداناً أخرى في دبلوماسية المساعدات".
ويقول الباحث السياسي المغربي مصطفى العوزي "شهدت العلاقات المغربية - الفرنسية في الفترات الأخيرة توترات كثيرة، والسبب في ذلك هو السياسة الخارجية التي تنهجها الدولة الفرنسية، خصوصاً على عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون". وأضاف "ما زالت فرنسا تنظر بشكل فيه كثير من التعالي إلى الدول التي كانت مستعمرات سابقة لها، ومنها دول شمال أفريقيا. خطاب فرنسا معنا فيه كثير من التعالي ومنطق الوصاية، فرنسا لم تستوعب بعد أن دولة مثل المغرب استطاعت أن تحقق تطوراً مهماً، خصوصاً في المجال الاقتصادي وأنها أصبحت رقماً مهماً في الساحة السياسية الإقليمية، وهو ما يؤكده الوجود المغربي القوي بأفريقيا". ويضيف العوزي "على فرنسا أن تنظر للمغرب اليوم كشريك استراتيجي على مختلف الصعد وليس سوقاً لها أو حارساً للحدود الأوروبية من الهجرة، وأن تبتعد عن خطاب التقارير وحقوق الإنسان الذي تبتز به دول المنطقة". ويواصل العوزي، "موقف فرنسا وبعض الدول من قضية وحدتنا الترابية غير واضح وفيه كثير من الغموض بل وتستغله هذه الدول، ومنها فرنسا لابتزاز المغرب، وهو ما جعل العاهل المغربي الملك محمد السادس يوجه رسالة واضحة للجميع في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب حينما قال إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات". ويرى العوزي أن "فرنسا اليوم مطالبة بتغيير سياستها الخارجية تجاه المغرب وأن تنظر إليه كشريك أساس وأية نظرة غير هذه فإننا كمغاربة نرفضها بشكل قاطع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير