Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأنفاق... "سلاح" غزة التكتيكي والاستراتيجي

شبكة معقدة متصلة بأكثر من ألف موقع لإطلاق الصواريخ والجيش الإسرائيلي يبحث إمكانية استخدام طائرات مسيرة لاختراقها أو "قنابل إسفنجية"

أعلن الجيش الإسرائيلي تدمير 130 مدخلاً للأنفاق منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر (أ ف ب)

ملخص

كشف محللون عسكريون عن خطة إسرائيلية محتملة تقوم على إرسال تل أبيب طائرات "درونز" إلى داخل الأنفاق بهدف عدم المخاطرة بقواتها، عارضها آخرون كون نظام تحديد المواقع العالميGPS  سيتعطل تحت الأرض

في أقل من عقدين، أثبتت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، أن تحليلات إسرائيل ومنظومتها السياسية والأمنية والعسكرية، كانت على حق، وأن الأنفاق التي بدأت كممرات ضيقة ومحدودة لإدخال المؤن والوقود لسكان قطاع غزة عام 2006، ستتطور وتغدو شبكات معقدة لا حصر لها، ومتاهات تحت الأرض يصعب تعقبها. وجعل ظهور التعقيدات القتالية المتمثلة بشبكة الأنفاق التي أنشأتها الفصائل الفلسطينية في غزة، التفوق العسكري الإسرائيلي والجوي في الطائرات والمدافع والبوارج والمسيّرات وغيرها من القدرات، في مهب الريح، كيف لا وقد شاهد العالم بالصوت والصورة قبل أيام، خروج مسلح فلسطيني بعبوة ناسفة من تحت الأرض لتفجير دبابة إسرائيلية من مسافة صفر من دون أن يخدش. ومنذ العملية التي أسرت فيها "حماس" الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، تكابد إسرائيل وجيشها المصنف من بين ضمن أقوى 18 جيشاً في العالم، من أجل تدمير شبكة الأنفاق أسفل القطاع، وتوظف كل أجهزتها الاستخبارتية لتدمير "السلاح الاستراتيجي" الذي دشنته "حماس" عام 2001، عندما فجّرت موقع "ترميد" العسكري الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة، وقتلت خمسة جنود وأصابت العشرات، عبر نفق لم يتجاوز طوله 150 متراً، استُخدم لزرع عبوات ناسفة أسفل الموقع. وقبل الإسراع بتنفيذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 أو ما يعرف بخطة "فك الارتباط"، استخدمت "حماس" أنفاقها وقتلت 23 جندياً إسرائيلياً في تفجير موقع حردون عام 2003، وموقع محفوظة العسكري، والسهم الثاقب، وموقع معبر رفح عام 2004.


500 كيلومتر

على رغم الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ عام 2006 وحتى اليوم، حافظت الأنفاق على دورها المحوري والأساسي في كل المعارك، بل وطورت قدراتها العسكرية. وفي أعقاب التصعيد بين الجانبين عام 2021، قال رئيس حركة "حماس" يحيى السنوار إن "حماس" والفصائل الفلسطينية في غزة جهزت أنفاقاً تتجاوز 500 كليومتر تحت أرض القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلومتراً مربعاً فقط"، في حين أكد رئيس المكتب السياسي لـ"الحركة"، إسماعيل هنية، أن غزة "صنعت أنفاقاً للمقاومة ضعف أنفاق فيتنام"، وهي التي بلغت نحو 270 كيلومتراً، واستخدمها الشيوعيون الفيتناميون في حربهم ضد الولايات المتحدة الأميركية بين 1955 و1975.

وأكد تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية نشر بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أن "شبكة الأنفاق التي أنشأتها فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة تحمل تشابهاً استراتيجياً وتكتيكياً مع أنفاق فيتنام". وأشار التقرير إلى أن "الخشية الكبرى لدى الجيش الإسرائيلي تكمن في الأنفاق القتالية المخفية، والتي سيلعب عنصر المفاجأة فيها دوراً محورياً في تغيير كفة الصراع لمصلحة الفصائل الفلسطينية في غزة".

وفي تصريحات أدلى بها أخيراً، قال القائد السابق في الجيش الإسرائيلي أمير أفيفي إنه "توجد مدينة بأكملها أسفل غزة على عمق يتراوح ما بين 40 و50 متراً، وثمة مخابئ ومقرات ومخازن وبالطبع هي متصلة بأكثر من ألف موقع لإطلاق الصواريخ".

استراتيجية هجومية

وفقاً للباحث في الشأن الأمني والعسكري رامي أبو زنيدة، فإن تضاريس قطاع غزة الجغرافية المحدودة والمكشوفة، دفعت الفلسطينيين لابتكار طرق وأساليب للتخفي والمباغتة عبر شبكة من الأنفاق. وبحسب دراسة للباحث نشرها "معهد مصر للدراسات" عام 2020، فإن هذه الأنفاق تنقسم إلى أنفاق استراتيجية تكون معدة بتجهيزات كبيرة للهجوم والدفاع، وأشبه بمدينة مصغرة تحت الأرض، يمكن المناورة فيها لأطول فترة ممكنة لأن بداخلها غرفاً قتالية مجهزة للضبط والسيطرة واستراحة المقاتلين، وفيها جميع احتياجاتهم من طعام وشراب للبقاء فيها مدة طويلة، ويكون هذا النوع من الأنفاق للمهمات الكبيرة والدقيقة التي تركز على عمليات هجومية للمواقع العسكرية والمستوطنات خارج حدود القطاع، ويمتاز هذا النوع من الأنفاق باحتوائه على بوابات حديدية بين تفريعة وأخرى، تقوم بكسر الموجات الإنفجارية، لكي لا يتأثر كل النفق من الإنفجارات ويحمي من فيه، ويدخل في إطار هذا النوع الاستراتيجي، "الانفاق القتالية الهجومية"، وهي عبارة عن كمين مستور لشل حركة العدو وتعطيل دفاعه وعرقلة انسحابه. "الأنفاق الدفاعية القتالية"، التي تتركز داخل حدود قطاع غزة وعلى أطراف المناطق السكنية وتستخدم للتصدي للاجتياحات البرية، ونصب الكمائن، ووضع القوات المتوغلة بين فكي كماشة. "أنفاق المدفعية والصواريخ"، وهي حفر في الأرض مجهزة بمدافع هاون أو راجمات صواريخ مغطاة بباب فولاذي قابل للسحب أو الرفع، لمنع الطائرات من كشف الموقع، ويستخدم لإعادة التلقيم والتذخير، ولصيانة المدافع، ولاستهداف مواقع معينة، وكان لهذا النوع من الأنفاق أثر كبير في استمرارية إطلاق الصواريخ والقذائف بشكل مستمر. "أنفاق الإمداد والاتصالات"، وتقتضي مهمتها الداخلية، بنقل الإمدادات من ذخائر وصواريخ ومقاتلين ومؤونة لمواقع منصات ومرابض المدفعيات والصواريخ، وإسناد الوحدات المقاتلة، فيما تركز أنفاق الإمدادات والاتصالات الخارجية، على إدخال السلاح إلى قطاع غزة عبر شبكات تهريب معقدة تجلبه من مصادره إلى سيناء (شمال شرقي مصر)، ومن ثم تدخل إلى القطاع. وتعتبر "أنفاق الضبط والسيطرة"، آخر نوع الأنفاق الاستراتيجية وأهمها، فهي التي تتواجد فيها قيادة الفصائل الفلسطينية المهددة بالاغتيال، وتحوي مراكز قيادة وسيطرة لإدارة العمليات العسكرية. أما القسم الثاني من الأنفاق، فهي قصيرة تستخدم في الخطوط الخلفية للمعارك، هدفها إسناد وتعزيز المقاتلين في الانتقال والتمركز بعيداً من أعين الرصد والمتابعة وقت الحرب، وتعرف بـ"أنفاق الوصلات الداخلية".

فشل ذريع

ونظراً للتعقيد الشديد الذي يحيط بشبكة الأنفاق التي تغطي قطاع غزة، طورت إسرائيل عام 2017 سياجاً حديدياً ذكياً على طول الحدود مع غزة يمتد لمسافة 65 كيلومتراً، بارتفاع ستة أمتار مزود برادارات وكاميرات ونظاماً للمراقبة البحرية وأسلحة حديثة يتم التحكم بها عن بعد، ويتضمن حاجزاً تحت الأرض بعمق أمتار عدة مزود بأجهزة استشعار دقيقة، لكشف أي حالات محتملة لحفر أنفاق. واستخدم في بنائه نحو 126 ألف طن من الحديد الصلب، وصفته إسرائيل حين أتمت بناءه عام 2021 بأنه "الوحيد من نوعه في العالم" ومشروع تكنولوجي إبداعي من الدرجة الأولى، "يحرم حماس من إحدى القدرات التي حاولت تطويرها". ووفقاً لمحللين وخبراء في الشأن العسكري الإسرائيلي، فإن السياج الحديدي الذي كلف إسرائيل نحو 1.1 مليار دولار أميركي، فشل بشكل ذريع بأن يوفر درعاً دفاعية حول المواطنين الإسرائيليين على الحدود. وبحسب اعترافات الجيش الإسرائيلي، فقد تمكنت "حماس" صباح السبت 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من اختراق الجدار بسهولة تامة عند 29 نقطة.

ويقول المحلل العسكري في إذاعة الجيش، أمير بار شالوم، "لا أعتقد أن إسرائيل قادرة على تفكيك كل أجزاء حركة حماس، لكن يمكنها إضعاف الحركة بقدر كاف بحيث لا تستطيع تنفيذ أي عمليات هجومية على الأرض. وقد يكون إضعافها هدفاً أكثر واقعية من تفكيكها بالكامل".

خطيرة ومعقدة

على رغم إعلان تل أبيب استعدادها لمهاجمة الأنفاق عن قرب، واعتبارها هدفاً رئيساً للهجوم البري على قطاع غزة، إلا إنها بحسب خبراء، خطوة بالغة التعقيد والخطورة، نظراً لصعوبة الأنفاق التي حفرتها الفصائل الفلسطينية على مدار السنوات الماضية. وبحسب دراسة الأكاديمية العسكرية الأميركية "ويست بوينت"، فإن شبكة الأنفاق تحت القطاع تمثل أحد أكبر التحديات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في قتاله ضد الفلسطينيين في غزة، وهو ما دفع المنظومة الأمنية والعسكرية في الجيش إلى إنشاء وحدة "الجهالوم" الخاصة، التي تقتصر مهمتها في البحث عن الممرات والأنفاق، وتضم مهندسين محترفين مجهزين برادار أرضي ومعدات حفر وأجهزة استشعار يمكنهم من خلالها تحديد الحركات تحت الأرض.

وكشف محللون عسكريون أخيراً،عن خطة إسرائيلية محتملة تقوم على إرسال تل أبيب طائرات من دون طيار "درونز" إلى داخل الأنفاق بهدف عدم المخاطرة بقواتها، بحسب ما نقلت مجلة "فوربس" الأميركية. إلّا أن عدداً من الخبراء أشاروا إلى أن الأنفاق أسوأ مكان للمسيرات، وإلى جانب أنها ضيقة ومليئة بالعقبات، التي قد تكسر شفرات الطائرة وتعّطل عملها، فإن نظام تحديد المواقع العالميGPS  الذي تعتمد عليه المسيّرات في عملها سيتعطل تحت الأرض. فضلاً عن أن المشغل سيفقد الاتصال بالمسيّرة بمجرد أن تكون بعيدة من الأنظار. الأمر الذي دفع بعض محللين آخرين، للتلميح إلى أنه إذا اضطرت القوات الإسرائيلية للنزول إلى عمق غزة، فإن المسيّرات ستتقدم الجيش ومعداته القتالية. وبحسب الجيش، فقد تم تدمير 130 مدخلاً للأنفاق منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر، ونشر فيديو على منصة "إكس"، قال فيه "إن عناصر الحركة تختبئ داخل شبكتها المعقدة من الأنفاق".

ووفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين وضباط عسكريين، فإنه من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى قوات برية إسرائيلية لتطهير شبكة الأنفاق المعروفة باسم "مترو غزة"، وفق ما نقلت  nbcnews. وقال خبير مكافحة الإرهاب ومسؤول كبير سابق في الأمن القومي الأميركي ماثيو ليفيت، إن إسرائيل تعمل بشكل واضح لإخراج أكبر عدد ممكن من هذه الأنفاق عن الخدمة. بدوره، أشار المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات برادلي بومان، إلى أنه على رغم امتلاك إسرائيل تكنولوجيا متطورة للكشف عن أنفاق "حماس"، فإن الشبكة تحت الأرض ستشكل تحدياتٍ خطيرة للجيش الإسرائيلي.

أسلحة جديدة

وفيما صرح الجيش قبل أيام باستخدام قنابل جديدة مصممة لاختراق الأنفاق في قصف غزة، أكدت القناة "12" الإسرائيلية أن الجيش يستخدم قنابل تسبب بما يشبه "الهزة الأرضية"، وأضافت "القنابل الارتجاجية، هي في الواقع قنابل تخترق المخابئ لعشرات الأمتار تحت الأرض ثم تنفجر في العمق. ونتيجة هذا الانفجار يشعر السكان بالهزات في المنطقة ولذلك يسميها الفلسطينيون القنابل الزلزالية".

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "تليغراف" البريطانية الأسبوع الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي أجرى تجارب فعلية على استخدام "القنابل الإسفنجية" خلال السنوات القليلة الماضية. وهي قنابل تستخدم لسد الثغرات أو مداخل الأنفاق التي قد يخرج منها المسلحون، ولا تحتوي على أية مواد متفجرة، بل مجرد مواد كيماوية. وعلى رغم أن الجيش لم يصرح بعد بالاستعانة بـ"القنابل الإسفنجية" في الحرب على القطاع، أشار مراقبون إلى أن الجيش بنى نظام أنفاق وهمياً في قاعدة تسئيليم العسكرية بالقرب من الحدود مع غزة، ويتم تدريب الجنود على استخدام هذا النوع من القنابل.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير