Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أسقطت صواريخ "حماس" نظرية الأمن الإسرائيلي؟

اتجاه لتطوير العقيدة العسكرية ووضع تصور للكيفية التي سيبدو عليها مقاتل السنوات المقبلة وأسلحته في ميادين القتال الجديدة

نتاج ما يجري على الأرض في الحرب الحالية على غزة تتغير الوقائع وتعمل في اتجاهات متعددة تدعو إلى مراجعة ما كان يتم (أ ف ب)

ملخص

سيرتبط التحديث برغبة المؤسسة العسكرية في بناء جيش محترف يعتمد بالأساس على التقنية المعلوماتية وإجراء إحلال وإبدال في أنظمة التسليح القديمة

قبل سنوات على المواجهات الراهنة بين إسرائيل وقطاع غزة كان السؤال المطروح في دوائر أمنية محددة هو: هل إسرائيل قادرة على مواجهة التحديات والأخطار التي تواجهها في السنوات الـ10 المقبلة، أم أن الأمر سيتطلب مزيداً من الوقت للتعامل مع الجبهات المعادية الراهنة، وأهمها جبهة غزة وجبهة الشمال وصولاً إلى الضفة الغربية والجبهة السورية حيث توجد الفصائل الفلسطينية؟

نقاش لافت

ظل النقاش قائماً في دوائر مركزي "هرتسليا" و"سادات – بيغين"، وعلى استحياء في هيئة الأركان الإسرائيلية، إضافة إلى مجمع الاستخبارات العام "موساد لي"، الذي يضم أجهزة المعلومات الإسرائيلية على مختلف درجاتها، مما يؤكد وجود قناعة تدعو إلى القفز على النظرية القديمة للأمن التي اتبعتها إسرائيل منذ سنوات طويلة، وأثبتت حضوراً لإسرائيل في الإقليم، وأبقتها في قلب العالم العربي، حيث كانت الحرب المباغتة والحرب العاجلة والحرب على جبهات متعددة.

في الوقت الراهن - ونتاج ما يجري على الأرض في الحرب الحالية على غزة - تتغير الوقائع وتعمل في اتجاهات متعددة تدعو إلى مراجعة ما كان يتم، والبحث عن نظرية أمن قومي جديدة في ظل المتغيرات السريعة التي تجري حول إسرائيل، وتؤكدها الحرب الراهنة في قطاع غزة، واستمرار المشهد الحربي إلى أيام وربما أسابيع أو أشهر، إذ لم تعد القدرة الإسرائيلية قادرة على الحسم العاجل، أو إتمام النصر في غضون مدة وجيزة مع عدم امتلاك إسرائيل القدرات الكاملة على وقف إطلاق النار عند الضرورة، مما يشير إلى وجود ثغرات كبيرة في نظرية الأمن الكلاسيكية التي تتطلب المراجعة وتبني نظرية جديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع تطور المواجهات الإسرائيلية الراهنة في قطاع غزة، واستمرار المشهد الحالي على ما هو عليه، يدعو جنرالات الجيش الإسرائيلي إلى ضرورة تبني نظرية جديدة للقفز على ما يجري، وقد ارتبط ذلك بخطط تطوير الجيش الإسرائيلي أخيراً، التي لا تزال في دائرة التجريب وتستند إلى ضرورة تطوير العقيدة العسكرية وصولاً إلى وضع رؤية تصورية للكيفية التي سيبدو عليها المقاتل الإسرائيلي في السنوات المقبلة، والكيفية التي ستظهر بها الأسلحة المستقبلية والنظم الحربية، وإدارة المعركة لتتوافق مع حاجات ميادين القتال الجديدة.

لم ينس الجيش الإسرائيلي في خضم هذه الرؤية أن يطور أيضاً من منظومات القيادة وتأهيل موارده البشرية، وكذلك وضع خطة لتأهيل فرع القضاء العسكري الإسرائيلي، كي يواكب المستحدثات والمستجدات التي يواجهها ضباط الجيش الإسرائيلي عند دخولهم في أية معركة قد يتم فيها الاعتداء على ضحايا مدنيين، وهو ما يجري في الوقت الراهن، وقامت حركة "حماس" بالتعامل معه باحتجاز عدد كبير منهم.

إن توجيه الضربات إلى قطاع غزة بواسطة ريموت كونترول وفي أوساط مدنية ليست هي التغيير الوحيد الذي يمر به ميدان القتال الدائر في القطاع ويتطلب مراجعة الخطط العسكرية وصولاً إلى نظرية أمن جديدة، فقد تغيرت مقاييس الجبهة العسكرية كثيراً في المواجهة الأخيرة، وسوف تستمر في التغير في ميدان المواجهة المقبلة، ويجب أن تفكر إسرائيل - وفقاً لمقاربة التطوير المقترحة - في أن تستعد جيداً، كونها أصبحت مكشوفة لهجمات الصواريخ.

المقاربة المستقبلية

بالتوازي مع الاستعدادات للحرب الراهنة التي لا تزال قائمة في قطاع غزة، ومن غير المعلوم كيف ومتى تحسم، فإن هناك بعض التغييرات الاجتماعية ستؤثر في الشكل العام للجيش الإسرائيلي، مثل الوضع الاقتصادي، وأيضاً حسم مسألة تجنيد "الحريديم" (المتشددين دينياً)، وكذا تنامي قوة الشبكات الاجتماعية كوسيلة اتصال رئيسة، وهناك تسليم لدى إسرائيل بأن الجبهات الأخرى مرشحة للاشتعال، مما سيدفع بالجيش الإسرائيلي إلى مواجهة سيناريوهات حرب تنشب على ساحات قتال أكثر تنوعاً.

ومن أجل مواجهة تلك التهديدات الجديدة، سيلجأ الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق نيران دقيقة لصواريخ ومدفعية ذاتية الإطلاق ودقيقة التوجيه من الطائرات والسفن والدبابات، وكذلك بواسطة جنود سلاح المشاة، وسوف يتم إضافة مجموعة من الأسلحة إلى الوسائل القتالية الموجودة بالفعل، وفقاً للرؤية المستقبلية، مثل الأسلحة الذاتية والأسلحة التي تطلق بواسطة الإنسان الآلي، والتي لا يتم الاستعانة في إطلاقها من الجو أو البحر أو البر بالبشر، وسوف يتم الجمع بين كل هذه الأسلحة معاً في الوقت نفسه، اعتماداً على قدرات صغيرة وتقنية "النانو".

نظرية جديدة

تعتبر حرب المدن بذاتها نوعاً من التحدي الرئيس في الحروب الحالية والمستقبلية. مما يضع الجنود أمام اختبار حقيقي، ويتطلب منهم التفكير بنضج، كما يضع هذا النوع من الحروب تحدياً آخر أمام التكنولوجيا وهو الدقة، إذ كان سلاح المدفعية في السابق يمكنه إطلاق طلقات وفقاً للإحداثيات، أما الآن فستدور الحرب في منطقة مأهولة بالسكان، وأيضاً ستتأثر بالجانب السياسي.

ومع تقدم التكنولوجيا فإن قيادة الجبهة الداخلية ستستخدم تكنولوجيا تحديد المواقع المستخدمة في الهاتف الجوال حتى توفر التحذير المناسب في أوقات الطوارئ، كي يستطيع المستخدم أن يصل إلى أقرب منطقة محمية، كما تدرس قيادة الجبهة الداخلية تضمين مزيد من حالات الطوارئ في التطبيق، وكذا الصواريخ والهزات الأرضية وعديد من التحذيرات الأخرى.

دعم هيكلي

من أجل تطوير نظرية الأمن القومي الجديدة وتقوية الدفاعات الإسرائيلية والاتجاه لتجريب أنظمة دفاعية مختلفة إلى جوار القبة الحديدية، وافقت اللجنة المالية في "الكنيست" على تحويل 1.5 مليار شيكل (480 مليون دولار) إضافية إلى وزارة الدفاع، وذلك بعد الموافقة على 7.4 مليار شيكل أخرى (2.3 مليار دولار) مخصصة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، التي ستزيد ميزانية الدفاع السنوية بنسبة 15 في المئة للبدء في تطوير قدرات الجيش الإسرائيلي، وبمقتضى ما تم من زيادات في الميزانية العامة سيجري رفع تلك المخصصة للعمليات الخاصة و"الموساد" بنحو 11 مليار شيكل (42.39 مليار دولار).

سيكون التركيز لدى الجيش الإسرائيلي بعد زيادة الموازنة على حاجة إسرائيل إلى التعامل مع جبهة غزة، التي قد تستمر حربها لبعض الوقت إلى حين حسم حضور "حماس" في القطاع وتسويق خيارات متعلقة بتدويل القطاع، والانتشار الإيراني المستمر في سوريا ولبنان، واحتمال المواجهة العسكرية المباشرة في هذه الساحات. في الوقت نفسه هناك احتمال لتهديد إيراني من غرب العراق من خلال تسليح الميليشيات العراقية الموالية لطهران بمنظومة الصواريخ الدقيقة والتي بإمكانها ضرب العمق الإسرائيلي.

مع مراجعة نظرية الأمن الإسرائيلية التقليدية يستمر تبني هيئة أركان الجيش خيارات مباشرة في تغيير طبيعة مهامها الاستراتيجية والسياسية على مناطق الحدود، وبخاصة مع الأردن وسوريا وغزة ومصر، وسيرتبط ذلك باتخاذ إجراءات على مستوى القيادات والكوادر، إذ تعد خطة "عوز" ومن قبلها خطة "تيفن – جدعون" هي الموجه الأساس لإجراء تعديلات حقيقية في بنية ومهام الجيش الإسرائيلي.

ستراجع إسرائيل مخطط تنفيذ هيكلة جيشها وتحويله إلى جيش ذكي صغير يعتمد على الأساليب التقنية والتكنولوجية، مما يتطلب قيادات استراتيجية من نوع خاص، والاعتماد على خبرات متقدمة، وفي ظل وجود نظريتين طرحتا طوال الوقت حول طبيعة الجيش وتركيبته، تقر الأولى بأن الجيش هو بوتقة انصهار الأمة اليهودية في إسرائيل، وأن قيمته تتمثل بكونه جيش الشعب، من هنا تأتي أهمية التجنيد الإلزامي بما في ذلك لأبناء الطوائف "الحريدية" ممن يعلنون أن إيمانهم هو توراتهم. بينما ترى الثانية أن الظروف تغيرت، وأن الدوافع لم تعد أيديولوجية، لا في المجتمع ولا في الجيش، لذلك هناك حاجة إلى إنشاء جيش احترافي مع استمرار التهديدات الواردة من الجوار الإقليمي، بخاصة غزة التي ستحتاج إلى ترتيبات أمنية محددة.

خطة مسار

يحاول الجيش الإسرائيلي مع استمرار الأخطار الراهنة والحرب في غزة إلى الحفاظ على قوة الردع، وتقليص التهديدات المنعكسة على الدولة، واستمرار التفوق العسكري الذي يمكن إسرائيل من فرض رغباتها على أعدائها، وأن يحقق الجيش الأهداف التي يضعها له المستوى السياسي من خلال نقل القتال من جبهة إلى أخرى، وعلى أربعة أبعاد براً وبحراً وجواً ومعلوماتياً، وهو الأمر الذي سيحتاج إلى مراجعات في الفترة المقبلة بعد أن يتم وقف إطلاق النار في غزة.

ستكون الخطط الاستراتيجية لتطوير قدرات الجيش الإسرائيلي مقدمة لخطط فرعية أخرى ستلحق بالخطة المركزية لتحديث الجيش الإسرائيلي وتنمية دور كتائبه ووحداته في الفترة المقبلة، وذلك من خلال استراتيجية ممتدة إلى عام 2030، ومن ثم فإن الجيش الإسرائيلي سيستمر في البحث عن المناعة الوطنية الكاملة مع الاستعداد لدفع الكلفة المالية الكاملة أيضاً، عبر الاتجاه للبحث عن مصادر تمويل أميركية، وتعاملاته الاستراتيجية من بيع السلاح للخارج. وسيرتبط تحديث الجيش الإسرائيلي بتوجهات المؤسسة العسكرية ورغبتها في بناء جيش محترف يعتمد بالأساس على التقنية المعلوماتية، واستخدام الأساليب الإلكترونية الحديثة، وإجراء إحلال وإبدال في أنظمة التسليح القديمة.

ومن ثم فإن التغيرات الاستراتيجية المتوقعة، التي ستلائم طبيعة المرحلة المقبلة من تطوير نظرية الأمن القومي أو الاتجاه إلى بناء نظرية جديدة، سيكون قوامها الاعتماد على استراتيجية أمنية دفاعية هدفها ضمان وجود إسرائيل، وخلق ردع ناجح، وتقليص التهديدات عند الحاجة، وتأجيل المواجهات، وإعداد نظرية عسكرية هجومية من أجل فرض إرادة الجيش الإسرائيلي على العدو، وضرورة نقل المعركة إلى مناطق الطرف الآخر في كل جوانبها (البرية والجوية والبحرية والمعلوماتية)، وإدارة المعركة في مسارح التهديدات مع تعزيز استراتيجية إسرائيل التي تسعى إلى تطوير الظروف الاستراتيجية للمعركة المستقبلية والتشويش على الظروف الخاصة بالعدو، والتأثير في موازين القوى في المنطقة، والعمل على تحقيق الواقع الأمني المطلوب.

الخلاصات الأخيرة

يعمل الجيش على إحباط التهديدات الآخذة بالتشكل، وإبعاد الحرب وضرب قدرات العدو، وذلك من أجل خلق الظروف العسكرية والسياسية والنفسية المثلى للحسم في الحرب المستقبلية إذا اندلعت وتقوية الردع، ويعمل هذا النهج على تحقيق الأهداف لرسم المنطقة وإضعاف الأعداء وتقليص قدرتهم على بناء قوتهم وضرب مشروعيتهم، كما يحقق بناء شراكات القوة التي تهدف إلى تعزيز قوة إسرائيل، مع الإعلاء من عقيدة الجدار الحديدي التي تهدف إلى إحباط مساعي الدول العربية إلى القضاء على إسرائيل من خلال تطوير تفوق عسكري حاسم، على اعتبار أن إسرائيل لن تتخلى عن الحرب حتى مع توقيع معاهدات سلام، وتتبنى استمرار القدرة على الردع والحرب على أكثر من جبهة في ظل رصد مباشر للتهديدات المحتملة في ظل خياري السلام والحرب.

من ثم فإن التفوق الاستراتيجي والتسليح النوعي سيكون هو المعيار لضمان عدم تخلي إسرائيل عن خياراتها المطروحة، مع تبني مفهوم أمني يوازن ما بين التوترات الموجودة، ومنها التماسك الداخلي، والعلاقة بين المجتمع والجيش، وشرعية إسرائيل، والعلاقات بينها وبين يهود العالم.

المزيد من تحلیل