Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لم يأت أحد لإخراجنا... رسائل من تحت أنقاض غزة

مواقع التواصل حملت الكلمات الأخيرة لعشرات رثوا أنفسهم قبل مقتلهم بضربات إسرائيلية وآخرون يستغيثون من الموت

إنها لحظة الوحدة واللوذ بالذات والخالق والمقدسات (أ ف ب)

ملخص

أتاحت التكنولوجيا التواصل بين البشر في كل الأحوال والظروف حتى لو كانوا تحت كومة من الأحجار والجدران المتداعية مثلما يحدث في حرب غزة.

في حين وصف دوستويفسكي في روايته "رسائل من تحت الأرض" العوالم الداخلية لإنسان منزوٍ بعدما ضاقت به الأرض بين البشر، يقضي أيامه في قبو تحت الأرض ويعبر بحرية عن مخاوفه العميقة ورغبته في مستقبل أفضل مع مزيج من السخط والنزعة اللوامة، تخرج رسائل أهل غزة طبيعية جداً لتخبر الناجين عن أحوالهم، مع اختلاف بسيط... أنهم الآن تحت الأنقاض.

أتاحت التكنولوجيا اليوم أن يتواصل البشر في كل الأحوال والظروف حتى لو كانوا تحت كومة من الأحجار والجدران المتداعية، فأصبحت الوصايا تكتب وتنشر لتشمل آلاف الناس، بدلاً من أن تنحصر في شخص أو اثنين، وتأتي اليوم أكثر صدقاً وصراحة وعفوية، نظراً إلى معرفة كاتبها باحتمالية وصولها لعشرات آلاف الأشخاص على اختلاف مشاربهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنها لحظة الوحدة واللوذ بالذات والاتحاد مع الخالق واستجداء المقدسات كل بحسب اعتقاده، لتخرج صفوة ما في القلب في لحظة هي الأثمن على الإطلاق، لحظة لم تعد الحياة فيها من المسلمات، ففي هذه اللحظة يصبح الموت الاحتمال الأقرب على الإطلاق.

حتى وقت قريب لم يتمكن الباقون على قيد الحياة من معرفة حال الراحلين ولا سماع كلماتهم الأخيرة ولا استنباط مشاعرهم قبل ساعات من الرحيل، أما اليوم فنهرع لمراجعة صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، محاولين استكشاف حالهم النفسية والمشاعر التي انتابتهم والأفكار التي ملأت عقولهم، وهل شعروا بقرب الرحيل فعلاً؟

تحت الركام

وفي حين يقول دوستويفسكي وهو أديب وفيلسوف روسي، في معرض حديثه عن الهدف من الحياة، "أنتم تضحكون وتقولون إنه في مثل هذه الظروف يتساوى بيت الدجاج بالمنزل الرفيع. أجل، إنني أوافقكم على هذا إذا كان كل غرض الإنسان في الحياة هو أن يحمي نفسه من البلل"، فإننا نرى اليوم بيوتاً عظيمة تتهدم بكل ما تحمله على رؤوس أصحابها، والحقيقة أنه في حال الكوارث الطبيعية مثل الزلازل أو الكوارث البشرية كالحروب والانفجارات، ربما ترتفع قيمة البيوت المتواضعة وتلك الريفية، نظراً إلى ما يمكن أن تشكله من حافظ أمين لأرواح ساكنيها.

أما في غزة، فهناك روايات قصيرة جداً يكتبها أهلها من تحت الأنقاض والقصف والتهديد، أحدهم ترك كلمات أخيرة تقول، "وصيتي لكم لا تعتادوا على النعم"، وهو يقصد هنا نعماً نسهو عنها مثل الهواء الخالي من المواد الكيماوية والماء الصالح للشرب والبيت والأهل والدفء والأمان، في الوضع الطبيعي تصنف في خانة المسلمات لدينا، فتأتي وصيته لتلامس كل من يقرأها لدقائق، ثم نعاود الغوص في دوائر الشكوى كل بحسب حاجاته التي تتجاوز في معظمها النعم سابقة الذكر.

 

 

وهذه دعاء تراسل أختها من تحت الأنقاض بالكلمات التالية، "غيداء نحن تحت الأنقاض، ولكن معي جوالي، لم يأتِ أحد بعد لإخراجنا"، وبينما لا يصل رد غيداء عليها من الطرف الآخر، تتابع دعاء، "أنا أصرخ ولا أعلم إن كان البقية على قيد الحياة، لا أشعر بشيء ولكن ليال في حضني وفوقي حجارة، وفقط!".

دعاء ترسل رسائلها وهي تحت أكوام من الحجارة الثقيلة، تحت أنقاض جدران منزل حضنتها لأعوام وحمتها من كل أشكال الأخطار الخارجية، تتحول اليوم إلى ما يشبه القبر يحجب عنها الحياة ويعزلها عن الخارج. أما نحن، فنقف لثوانٍ نتأمل صورة الرسالة المرسلة، في حال عدم تصديق، فقبل دقائق كان هناك إنسان يحلم بغد أفضل، بسماء لا دخان فيها سوى قليل من الأبخرة المتجمعة على هيئة غيوم، والآن هو تحت الأنقاض، هل ظن أحدهم في أسوأ تخيلاته أن تتحول حجارة بيته الحبيب يوماً ما إلى قبر يدفنه حياً؟

مبدعون في غزة

في السياق ذاته، بدأ بعض العاملين عن بعد في مجالات مثل تصميم الغرافيك والتصميم الداخلي وبرمجة مواقع الإنترنت والتسويق الإلكتروني بالإعلان عن جنسيتهم وأماكن وجودهم، ليظهر عدد كبير من المبدعين في غزة كانوا يعملون عن بعد وسط الأوضاع الخانقة ونقص شروط الحياة الطبيعية، نجد كثير منهم وضع وصيته ثم فارق الحياة بعدها متنبئاً بوفاته بسبب كثافة القصف على مدينته.

يقول علاء الذي كان يعمل مسوقاً إلكترونياً في تغريدة نشرها في الـ11 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، "للأسف لربما أكتب لكم كلماتي الأخيرة، لربما لن يكون هناك معكم علاء بعد اليوم، لربما نقضي الساعات الأخيرة برفقتكم... يشهد الله أني أخلصت في عملي وعلمي...، قليل من كان يعرف أني أعمل بـثماني ساعات كهرباء فقط، قليل من كان يعرف أنني فلسطيني وأعيش في غزة الحبيبة، نجوت من الموت مرات عدة، شاهدت عشرات الجنائز لأصدقائي ودعتهم بدموعي، ودفنتهم وغطيتهم بيدي".

ويروي، "ها أنا اليوم، كما لم أعودكم إلا بكتاباتي الجميلة، أرثي لكم هذه الكلمات لأننا لسنا بخير وغزة ليست بخير وأتوقع الرحيل في أي ثانية، لأننا كلنا في ذمة الله لكن فرق التوقيت، سامحونا إذا قصرنا وإذا أخطأت بحق أحد منكم، عاشت فلسطين عربية حرة وستبقى قضية المسلمين الأولى وسيتوارثها كل طفل مسلم"، ثم يلحقها بتغريدة بعد يومين "نستودعكم فلسطين وأهل غزة... أنا وعائلتي حتى كتابة هذه التغريدة بخير، استشهد ابن عمي بالأمس وصباح هذا اليوم استشهدت ابنة عمي وجميع أولادها وزوجها وعائلتها من 13 شخصاً"، ثم ينقطع عن التغريد تماماً، وحتى اللحظة.

أما هديل وهي كاتبة محتوى، فكتبت، "أي عميل دفع لي مقدماً ولم يتسلم غرضه فحقه محفوظ بإذن الله، إن أكرمنا الله بالشهادة فأرجو أن تسامحوني وإن أكرمنا برؤية النصر فحقكم محفوظ ولو بعد حين، ولو أن الأوضاع تسمح لرددت لكل واحد منكم حقه الآن وفي هذه اللحظة، سامحونا ودعواتكم".

ثم حسان الذي يعمل في الكتابة والتسويق، فكان آخر ما نشره في الـ29 من أكتوبر الماضي تغريدة كتب فيها، "لا أزال حياً، فقدت الاتصال بالعالم الخارجي أمس لنشهد ما لا يمكن تصوره، إذ نتعرض للقصف البري والجوي والبحري، ونضطر إلى ترك منازلنا... ونفقد أرواحنا وأحباءنا، أشعر بالحرج من مشاركة حالي الصحية المزرية... الموت في كل مكان، حتى في الساعات الأولى من هذا الصباح".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات