Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والغرام بالمعادلات الرياضية - السياسية

أول الجهود الدولية لمحاصرة الطموحات النووية لطهران بدأت مع الخطوة الأوروبية لفتح باب الحوار

تطورات البرنامج النووي الإيراني لم ترفع فقط مستوى المخاوف الغربية بل أثارت قلق الدول التي تملك حينها علاقات جيدة مع طهران كروسيا والصين (أ ف ب)

ملخص

من الضروري مراقبة ما يجري خلف الكواليس من مفاوضات توصلاً لمعادلة تضع المنطقة على سكة السلام

المؤتمر الصحافي الذي عقدته جماعة "مجاهدي خلق" وكشفت فيه عن أنشطة سرية إيرانية لبناء برنامج نووي وامتلاك دورة تخصيب اليورانيوم، شكل صدمة للنظام الإيراني، فبادر إلى اتهام أجهزة استخبارات غربية، وتحديداً فرنسية وأميركية، بالوقوف وراء هذا المؤتمر والمعلومات التي كشفت خلاله.

هذه الخطوة أو المؤتمر الصحافي شكل ضربة للطموحات الإيرانية، وانهار معه "السر الأكبر" الذي حاول إخفاءه عن أنظار المجتمع الدولي، مما أجبر الرئيس الإيراني حينها محمد خاتمي على الخروج في مؤتمر صحافي ليكشف عن هذه الأنشطة، وعن أن بلاده قد استطاعت بناء دورة إنتاج وتخصيب اليورانيوم، وأن الهدف منها سلمي لا يتعدى درجة الوقود النووي بنسبة 3.57 في المئة.

أول الجهود الدولية لمحاصرة الطموحات النووية لطهران بدأت مع الخطوة الأوروبية لفتح باب الحوار، فشكلت عواصم القرار الأوروبية لجنة ثلاثية أو ما عرف بالترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) للحوار مع إيران ومحاولة تقديم إغراءات لها مقابل التخلي عن هذا البرنامج وإخضاعه للرقابة الدولية الصارمة عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

معادلة الترويكا مقابل إيران سرعان ما تطورت لتصبح معادلة "3+1" مع إدخال الاتحاد الأوروبي، عبر منسق السياسات أو العلاقات الخارجية للاتحاد حينها خافيير سولانا، مفاوضاً ومحاوراً بالنيابة عن الترويكا والمجتمع الدولي. وعلى رغم توصل الطرفين "3+1" وإيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 إلى اتفاق لتجميد الأنشطة النووية مقابل حزمة من المحفزات الاقتصادية والسياسية، فإن طهران لم تر في هذه الصيغة القدرة على الاستمرار من دون دخول الفاعل الأميركي الذي يقف في الظل وراء هذه المجموعة ويملك القدرة على التعطيل.

التطورات التي شهدها البرنامج النووي بخاصة بعد وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي أعاد تفعيل الأنشطة النووية وأطلق العنان لجهود تطويره من دون حدود، لم ترفع فقط مستوى المخاوف الغربية، بل أيضاً أثارت مخاوف وقلق الدول التي تملك حينها علاقات جيدة مع النظام الإيراني كروسيا والصين، اللتين لم تترددا بإبلاغ طهران أن العلاقات الحسنة بينهما لا يعني أنهما يسمحان لها بالتحول إلى قوة نووية أو امتلاك سلاح نووي. من هنا كان لا بد من الانتقال إلى صيغة أوسع لطاولة التفاوض، وتوسيع دائرتها وتطوير صيغة الترويكا الأوروبية لتشمل جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، مما سمح بدخول الولايات المتحدة وروسيا والصين مع الاحتفاظ بدور منسق العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، مما سهل الانتقال إلى معادلة "5+1" التي أنتجت المفاوضات التي خاضتها مع إيران على مدى سنوات للتوقيع على اتفاق خطة العمل المشتركة الدائمة عام 2015.

على رغم الانسحاب الأميركي من الاتفاق، فإن تمسك إيران به وإصرارها على إعادة إحيائه بعودة واشنطن للالتزام به يكشف عن مدى الأهمية التي يوليها النظام الإيراني لهذه المعادلة والمسار الذي تطورت به وما أنتجته، بخاصة مع وجود صعوبة في إنتاج اتفاق بديل أو جديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سياسة التكتلات الدولية للتفاوض حول الأزمات التي بدأت من الترويكا الأوروبية "3+1" وصولاً إلى السداسية "5+1"، يبدو أنها شكلت إغراء للدبلوماسية الإيرانية، ودفعتها إلى البحث في صيغ مماثلة للتعامل مع الأزمات التي تحيط بها في منطقة غرب آسيا، من هنا جاء طرح صيغة "7+1" للتعامل مع الوضع في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي في أغسطس (آب) 2021، وهي صيغة تضم دول الجوار الأفغاني السبع (إيران وروسيا والصين وباكستان وطاجيكستان وتركمنستان وأوزبكستان) وحكومة "طالبان"، والهدف منها هو وضع خريطة طريق للتعامل مع تداعيات الانسحاب الأميركي السلبية والعمل على استيعاب عودة "طالبان" إلى السلطة وتفريغ هذه العودة من أي خطر قد تشكله، بخاصة في ظل المخاوف من وجود تفاهمات سرية بين هذه الجماعة والإدارة الأميركية.

وفي ظل تراجع الدور الروسي في المجال الحيوي الأوراسي، بخاصة أنه لم يستطع توفير الأرضية للدفع بتنفيذ الاتفاق الذي رعته موسكو بقيادة رئيسها فلاديمير بوتين بين القيادتين الأذربيجانية والأرمينية لحل النزاع حول ناغورنو قره باغ والتوصل إلى اتفاق سلام دائم بينهما، وهو مما دفع موسكو إلى القبول بالصيغة التي طرحها النظام الإيراني والتي قد تشكل المخرج للأزمة الروسية، من خلال توسيع لقاء موسكو التشاوري، ليضم كل الأطراف المعنية بالمعادلات الجيوسياسية والجيواقتصادية والاستراتيجية في المحيط الأوراسي والقوقاز الجنوبي.

وأمام الضغوط التي تعرضت لها طهران من الخاصرة القوقازية والإرباك الذي أصابها جراء الطموحات الأذربيجانية المدعومة من تركيا وإسرائيل والساعية إلى فرض معادلات جيوسياسية تلحق الضرر الأكبر بالمصالح الاستراتيجية للنظام الإيراني، وتفتح حدودها الشمالية - الغربية أمام رياح التدخل الإسرائيلي، ومن ورائه الأميركي من جهة، وطموحات أنقرة وأردوغان (الرئيس التركي رجب طيب أردوغان) ببناء عالم تركي يحاصرها ويهدد مصالحها الجيواقتصادية وموقعها على الخريطة الدولية لأنابيب الغاز والنفط الآسيوية باتجاه العمق الأوروبي، فضلاً عن موقعها ومصالحها على خريطة الممرات البرية للتجارة العالمية بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب.

لذلك كان من الطبيعي أن تلجأ طهران إلى تركيب معادلة رياضية - جغرافية جديدة تقوم على تشكيل منتدى "3+3" للأمن والسلام والشراكة، تضم، من جهة، كلاً من أذربيجان وأرمينيا وجورجيا التي تشكل دول القوقاز الجنوبي المتنازعة على المصالح، ومن جهة أخرى، دول الجوار القوقازي المعنية والمتأثرة بأي تغييرات في هذا الإقليم، وهي إيران وتركيا وروسيا، إذ سارعت الأخيرة (موسكو) للترحيب بهذه الصيغة الإيرانية التي ستكون قادرة على إعادة ترتيب الإقليم بما يضمن مصالح جميع الأطراف، بخاصة أن التجربة الروسية مع المعادلات الإيرانية سواء في مجموعة "5+1" حول الملف النووي، أو "7+1" حول أفغانستان وفرت لروسيا وقياداتها دوراً فاعلاً في التفاوض حول هذه الأزمات وتحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة وواسعة على مختلف الصعد والمستويات.

بانتظار ما ستخرج به طهران من معادلات رياضية - سياسية جديدة حول مستقبل علاقاتها مع الجوار العربي أو حول ما يتعلق بمستقبل ومآلات المعركة التي تخوضها "حماس" مع إسرائيل، قد يكون من الضروري مراقبة ما يجري خلف الكواليس من مفاوضات إقليمية ودولية من أجل التوصل إلى معادلة تضع المنطقة على سكة السلام الحقيقي والمستدام.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل