نعي منذ زمن بعيد الأثر العميق الذي تخلّفه ثقافة الاغتصاب في المجتمع. كما شهد الكثيرون منا في وقت من الأوقات على عدم اكتراث البعض بظاهرة التحرش الجنسي على الرغم من الجهد العالمي المتزايد الذي تبذله الضحايا من خلال حركة #MeToo على سبيل المثل.
كل من تدفعهم غريزتهم إلى الدفاع عن المتّهمين بدلاً من التفكير، على أقل تقدير، في احتمال جدّية الاتهامات الموجّهة إليهم، غالباً ما يعبّرون عن خوفهم من تشويه سمعة أحدهم من غير وجه حق. فهذه الخسارة جسيمة بالنسبة إلى الرجال، وهي تهدد صحّتهم النفسية ووضعهم المهني. ولن تهمّهم بالطبع الصدمة النفسية التي تعانيها الضحية والآثار الموثّقة لما يحصل للناجين من محنة مثل التحرش الجنسي.
ولطالما اعتقدت بأنّ تصديق رواية الرجال المتهمين بالتحرش بالنساء بشكل أعمى دليلٌ أكيد على كراهية بشعة للنساء، وعلى وجود شك دائم مضمر وغير مدقق به بكل أقوال المرأة وتصرفاتها حتى عندما لا تشير الدلائل إلى أي سبب واقعي لرفض أقوالها.
ولكن السبب الذي يحدو بالرجال إلى الدفاع عن أيّ متّهم بالتحرش أو الانتهاك أو الاعتداء الجنسي ليس بالبساطة الذي تفترضونها.
في الواقع أظهرت دراسة مشتركة بين جامعات إيكسيتر وباث وكوينزلاند أنّ سبب انحياز الرجال إلى غيرهم من الرجال المتهمين بالتحرش الجنسي لا يعود إلى معاناتهم من نقص التعاطف مع الغير بل إلى تمتّعهم بفائض من التعاطف مع الرجال فقط كما يبدو.
وأثناء إجراء الدراسة طُلب إلى رجال داخل الجامعات التفاعل مع أمثلة "واضحة وصريحة" من التحرش الجنسي فتفاعلوا مع الحالات الأكثر تعقيداً عبر زيادة التدقيق والتساؤلات بشأن الضحايا (أو بالأحرى لومهنّ) فيما زاد تعاطفهم مع الرجال المتهمين بالتحرش بالنساء.
وتقول ريناتا بونجورنو التي ترأست الدراسة للاندبندنت "يفترض الاعتقاد الشائع أن نقص التعاطف مع النساء هو ما يبرر لوم الناس لهنّ لكننا اكتشفنا أنّ التعاطف مع المتحرّش الجنسي هو التفسير الأنسب للتفاوت في لوم الضحية".
وليست هذه الأنباء بمفاجئة. فواضح من خلال مثال نشطاء حقوق الرجال أنهّم يوفّرون تعاطفهم لغيرهم من الرجال فهم لا يعبّرون عن سخطهم سوى كي يدافعوا ويقولوا إن "النساء يتحرشنَ بالرجال جنسياً أيضاً" كلما أفصحت امرأة عن تعرّضها للتحرش أو كي يصرّحوا بأنّ أخذ اتهامات التحرش الجنسي على محمل من الجدّ يتيح المجال أمام إطلاق اتهامات باطلة للرجال. لكن هذا الاكتشاف يسلط الضوء على جوانب أخرى من الموضوع أيضاً فيشرح كيف تسهم نظرتهم المشوّهة إلى حالات التحرش الجنسي المعقّدة، وهي أكثر شيوعاً مما نعتقد، في خلق حواجز إضافية على النساء تخطّيها كي يصدّقهنّ الآخرون.
كما يفسّر ما تقدم غياب المساءلة بين الرجال. فهم لا يجدون مبرراً لذلك ببساطة لأنّ العديد منهم يشعرون بأن مساءلة بعضهم بعضاً في مثابة إقرار بعيوبهم.
ويرى الأكاديميون الذين عملوا على الدراسة "أن الاتهامات بارتكاب خطأ داخل الجماعة كما هو الحال مع تحرّش رجل بامرأة جنسياً قد تهدد لحمة جماعتهم الأخلاقية".
"ومن أجل تقليص هذا التهديد، ربما يميل الرجال إلى تصديق الجاني حتى يثبت العكس وتفسير الأحداث بطريقة متحيّزة لوجهة نظر هذا الجاني".
ما الحل إذا؟ وإذا كان فضح التحرّش لا يعني أن الرجال لا يصدقون النساء فحسب، بل إنّهم يسعون إلى إلقاء اللوم عليهنّ جزاء تعرّضهنّ إلى هذه التجربة، ما هي فرص نجاحنا في تغيير رد الفعل التلقائي هذا على الحقائق التي نقولها؟
يشير الأكاديميون الذين أعدّوا الدراسة إلى أنّ التوصل إلى فهم مفهوم الانحياز الجائر وفضح زيف الخرافات الضارّة التي تغذّي الميل إلى لوم الضحايا- من قبيل ملابسها أعطتني الضوء الأخضر أو كانت تبادلني الغزل- قد يساعدان الرجال كي يتبيّنوا حقيقة الأشخاص الذين يدافعون عنهم فعلياً عندما يرفضون ادعاءات النساء قطعياً.
ولكنني أظن بأنه علينا اتخاذ خطوات أكبر وأهمّ. فأفضل طريقة للتعامل مع هذا الموضوع، مثله مثل أنواع كثيرة من التحيّز الجائر، تقتضي أن يأخذ من هم في موقع الاستفادة من التحيّز على عاتقهم مهمة التصدي للناس الذين يشبهونهم، ولكل من يصيبهم مناقضة الآخرين لآرائهم بمقتل.
وفي وسع الرجال بداية أن يسعوا إلى فهم دورهم في تفاقم التحرش، حتى إن كان دورهم –بنظرهم- غير مباشر مثل إيلائهم ثقة أكبر لمن يشبهونهم "تلقائياً" أو سكوتهم لأنه أسهل الطرق. وحبذا لو تتوقّف لبرهة وتسأل نفسك لماذا يميل حدسك إلى التصدي للنساء وليس للرجال ولماذا تغلّب كفة بعض العوامل مثل اختيار إحداهنّ لملابسها أو رأيك بدرجة انحلال أخلاقها، على الوقائع كل مرة.
ويصعب التصدي للناس ولا سيما إن كنتم تدورون في الفلك الاجتماعي ذاته. ولكن شتّان ما بين هذا الموقف وبين استجماع القوة اللازمة للوقوف في العلن واتهام أحدهم بالتحرش الجنسي، مع العلم أنّ النساء اللواتي يقدمنَ على هذه الخطوة غالباً ما يتعرّضنَ للرجم. مثلما يُكتسب التحيّز الجائر، في الإمكان العودة عنه. وحبذا لو يدرك مزيد من الرجال ذلك في أسرع وقت ممكن.
© The Independent