Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مطالب إثيوبيا بالحصول على منفذ في البحر الأحمر أثارت مخاوف الجوار

البعض يعتبر أن "تصريحات آبي أحمد تعد نوعاً من إعلان حرب مغلفة بلغة الدبلوماسية والسياسة"

بدأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عهده في الحكم بحلحلة جملة من الأزمات المزمنة  (أ ف ب)

 

ملخص

كشف خطاب آبي أحمد، المُطالب بضرورة توفير موانئ، عن أزمة صامتة بين حكومته وحليفه السابق في حرب تيغراي النظام الإريتري

لا يزال خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، حول ما أسماه "الضرورة الوجودية، لإثيوبيا في الوصول إلى منفذ في البحر الأحمر"، يثير ردوداً عدة، ويطرح تساؤلات ملحة حول دوافع ونوايا الحملة التي أطلقها أمام المشرعين، مستنكراً "فكرة تحريم الحديث عن أحقية بلاده في ضمان موطئ قدم على مياه البحر الأحمر، في حين لا تكف كل من السودان ومصر عن مناقشة قضايا مياه النيل". ففيما وجد الخطاب تجاوباً كبيراً في الإعلام الإثيوبي والأوساط السياسية، بخاصة لدى بعض الأحزاب الأمهرية، فإنه أثار مجموعة من المخاوف لدى دول الجوار، لا سيما في إريتريا وجيبوتي والصومال، وهي الدول التي تناولها الخطاب كوجهات محتملة لضمان المنفذ البحري.

وكانت وزارة الإعلام الإريترية، قد ردت على الخطاب المطول الذي استمر حوالى 46 دقيقة، ببيان مقتضب لا يتعدى أربعة أسطر، وذلك من دون ذكر اسم آبي أحمد ولا منصبه، واصفة الخطاب بأحاديث "القيل والقال حول المياه والمنافذ البحرية". ونصح البيان الإريتري المتابعين بعدم الانجرار لتلك "الأقاويل"، وزاد على ذلك بالقول "إن الحكومة الإريترية لا تعير تلك الدعوات والموائد أهمية تذكر".

وبث التلفزيون الإريتري برامج وثائقية تتناول صراع القوى الدولية تاريخياً حول حوض البحر الأحمر، في إشارة إلى مآل كل تلك المحاولات الدولية، التي أفضت إلى احتفاظ إريتريا بكامل شواطئها، بخاصة تلك المتعلقة بـ"الثورة المسلحة التي استمرت لثلاثة عقود في الفترة من 1961 وحتى 1991.

أزمة صامتة

وكشف خطاب آبي أحمد، المُطالب بضرورة توفير موانئ، عن أزمة صامتة بين حكومته وحليفه السابق في حرب تيغراي النظام الإريتري، إذ إن اللغة المستخدمة في الخطاب والمطالبات التي تنتقص من السيادة الإريترية على الأراضي والمسطحات المائية كافة، فضلاً عن قوله "إن المزاج الشعبي الذي أفضى إلى استقلال إريتريا عن إثيوبيا لم يعد قائماً الآن"، يقرأها المراقبون باعتبارها "إشارة واضحة إلى فشل حليفه السابق في إقامة دولة وطنية تحافظ على استقرارها وسيادتها الوطنية وكرامة شعبها".

كما أن الرد المقتضب الذي أصدرته وزارة الإعلام الإريترية، بتجاهل اسم ومنصب رئيس وزراء الجارة الكبرى، علاوة على استخدام مفردات ساخرة من خطاب آبي أحمد، كوصفه بحديث "القيل والقال"، يكشف حجم الأزمة الصامتة بين الحليفين السابقين، فضلاً عن تعمد إصدار البيان من وزارة الإعلام وليس من الخارجية الإريترية المعنية بالرد على هكذا مواقف من جهات خارجية.

وفي حين لم تصدر الحكومة الجيبوتية أي رد رسمي حول التصريحات الإثيوبية، ردت وسائل الإعلام الجيبوتية على تلك المطالبات، معتبرةً "أنها مزاعم تتجاوز الواقع الجغرافي والتاريخي لبلاده ولدول المنطقة". وذكّرت صحف جيبوتية عدة بالاتفاقيات المبرمة بين أديس أبابا وجيبوتي حول استخدام الموانئ منذ نهايات التسعينيات من القرن الماضي، التي لا تزال سارية حتى الآن. بينما حذرت "حركة الشباب" الصومالية في بيان، مما أسمته "ادعاءات النظام الإثيوبي لاحتلال أراض ومياه سيادية صومالية"، مؤكدة أنها "سوف تتصدى لأي محاولة للعبث بسيادة الصومال أرضاً وبحراً"، كما تطرقت إلى "مصير الأطماع الحبشية تاريخياً تجاه الأراضي الصومالية".

أسباب التصعيد

بدوره قال المتخصص بشؤون القرن الأفريقي، عبدالرحمن سيد، إن "تصريحات آبي أحمد تعد نوعاً من إعلان حرب مغلفة بلغة الدبلوماسية والسياسة"، موضحاً أن ذلك عائد لأسباب عدة، أهمها،  أنه تحدث عن "أحقية إثيوبيا في امتلاك منفذ على البحر" وليس "استخدام منفذ بحري"، والفرق بين الاثنين أنه في الحالة الأولى يريد اقتطاع ميناء من سيادة دولة مجاورة مطلة على البحر، وضمها إلى السيادة الإثيوبية بكل السبل بما في ذلك استخدام القوة العسكرية"، في حين تخضع الحالة الثانية لعقد اتفاقيات مشتركة للاستفادة من الموانئ المجاورة، وهذا ما ظل قائماً منذ استقلال إريتريا عام 1993، إذ تم توقيع اتفاقيات مع إريتريا ظلت سارية حتى عام 1998، قبل أن توقف أديس أبابا التعامل مع الموانئ الإريترية نتيجة اندلاع الحرب الحدودية، إذ وقعت اتفاقيات بديلة مع دولة جيبوتي لا تزال سارية حتى الآن.

ورأى سيد أن حديث رئيس الوزراء الإثيوبي نص حرفياً على أن "المنفذ البحري يمثل ضرورة وجودية لإثيوبيا"، الأمر الذي يبعث برسالة غاية في الخطورة، إذ يعني أنه أمر غير قابل للتفاوض، بخاصة وأن الخطاب اعتبر مسألة الوصول إلى البحر بمثابة "حرب مؤجلة"، مطالباً بعدم توريث الأجيال المقبلة "مسؤولية خوض حرب من أجل المنفذ البحري"، مما يكشف حسب رأيه، عن "نوايا عدائية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح المحلل المتخصص بقضايا القرن الأفريقي، أن مسألة استفادة الدول الحبيسة من موانئ الدول الجارة يكفله القانون الدولي للبحار، بخاصة الفقرة 125 التي تشير إلى إمكان استفادة الدول الحبيسة من خدمات موانئ الدول المطلة على البحر، على أن يتم وفق اتفاقيات ثنائية تنص على احترام سيادة الأخيرة على أراضيها ومياهها الإقليمية، وبعدم الإضرار بمصالحها الوطنية"، منوهاً إلى أن القانون الدولي يشير بشكل واضح في هذه الفقرة إلى أن "الاستفادة من الموانئ تتم عبر التراضي بين الدول، ولا يتعلق الأمر بالقوة ولا بحجم الدولة الحبيسة الجغرافي والديموغرافي".

ويضيف سيد "ليست ثمة مسوغات قانونية أو مبررات تاريخية لأديس أبابا لإعادة تشكيل خريطتها الجغرافية بشكل جديد وفق القانون الدولي، كما لا يستند الطرح الذي تقدم به رئيس الوزراء الإثيوبي إلى أي مبرر تاريخي، إذ إن تاريخ إثيوبيا بحدودها الحالية، لا يختلف في شيء عن تواريخ دول المنطقة المطلة على البحر، بما فيها إريتريا التي تأسست بحدودها الحالية عام 1890.

دور القوى الغربية

وفي قراءته للرد الرسمي الإريتري على تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، يقول عبدالرحمن سيد "لم يكن البيان الإريتري واضحاً بشكل كاف، إذ بدا مقتضباً أكثر مما ينبغي، كما لم يرد على الحجج التي صاغها آبي أحمد في البرلمان، بل اكتفى برفض التصريحات واعتبارها مجرد مهاترات لا ينبغي الانجرار خلفها".

ويرجح أن يكون ذلك عائداً لرغبة أسمرة في متابعة الأمر بهدوء، وبعيداً من الضوضاء في وسائل الإعلام، إضافة إلى سبب آخر قد يتعلق باطمئنان الطرف الإريتري، ومعرفته المسبقة بوضع إثيوبيا وقدراتها الحالية على المستويات كافة، بما في ذلك القدرات العسكرية التي أنهكت في حرب تيغراي، فضلاً عن الإمكانات الأمنية الهشة، إذ لا تزال مساحات شاسعة من البلاد ترزح تحت سيطرة حركات التمرد المسلحة، المناوئة للحكومة المركزية، سواء في إقليم أمهرة أو أروميا وغيرهما.

وأضاف "قد يكون الوضع الداخلي الذي تعيشه البلاد، دافعاً رئيساً لخروج هذه التصريحات، في محاولة لصرف الأنظار عن الاستحقاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية، التي بلغت مداها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بخاصة مع تقلص القبول الشعبي لشرعية النظام السياسي الحاكم نتيجة الحروب المستمرة في أكثر من إقليم.

ويطرح المحلل السياسي سيناريو آخر يضاف إلى الأسباب الداخلية، وهو المتعلق بالقوى الغربية التي قد تكون انزعجت أكثر من تقارب الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مع كل من الصين وروسيا، مما قد يدفعها إلى تحريك الحليف الإثيوبي لوضع حد لتقارب أسمرة مع كل من موسكو وبكين، من خلال دفع إثيوبيا لاحتلال ميناء عصب وإبعاد إريتريا من مضيق باب-المندب الاستراتيجي، وضم هذا الجزء الإريتري إلى إثيوبيا أسوة بما قامت به روسيا في شبه جزيرة القرم في البحر الأسود.

حلول ممكنة

ويختم سيد حديثه لـ "اندبندنت عربية" بالقول، إن ثمة فرصاً مواتية لرئيس وزراء إثيوبيا لبناء علاقات جيدة مع دول الجوار، بخاصة وأن عهده في الحكم قد بدأ بحلحلة جملة من الأزمات المزمنة، من بينها العلاقات الإريترية - الاثيوبية، التي استحق على إثرها جائزة نوبل للسلام.

ويوضح أن "هناك 17 دولة أفريقية حبيسة تتمتع بضمانات استخدام الموانئ المجاورة عبر اتفاقيات ثنائية"، وأن إثيوبيا ليست استثناء، وبإمكانها الاستفادة من أكثر من ميناء مطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي، بإبرام جملة من الاتفاقيات الثنائية والجماعية المرتكزة على احترام السيادة لكل دولة وتعميق المصالح المشتركة، من دون الحاجة إلى الدخول في حرب التصريحات، بخاصة وأن هناك تاريخاً طويلاً قد خاضته الدولة الإثيوبية خلال قرن من الزمن للحصول على منفذ بحري، من دون أن تكلل كل تلك الجهود العسكرية والدبلوماسية بالنجاح.

بدوره يرى الباحث في الشأن الإثيوبي سلمون محاري، "أن خطاب آبي أحمد لا يتضمن أي إشارة سالبة، تتعلق بالاستيلاء على أي منفذ بحري إريتري بالإكراه، إلا أنه سلط الضوء على ضرورة الوصول إلى اتفاقات جديدة مع ضمانات دولية بعدم النكوص عنها لاحقاً، لا سيما وأن للبلدين تجارب في هذا الشأن".

وأضاف "على رغم الطابع الدبلوماسي والسياسي للخطاب الذي قدمه رئيس الوزراء في البرلمان، إلا أن بعض القوى السياسية الإثيوبية، بخاصة الأمهرية، التي لا تخفي رغباتها في استعادة الموانئ الإريترية للسيادة الإثيوبية، قد وجدت فرصة مواتية لتحريف وجهة الخطاب نحو برامجها السياسية المعلنة".

واعتبر أن ما ينبغي التركيز عليه في الخطاب، هو ذلك الجزء المتعلق بأن "اعتماد أديس أبابا على ميناء جيبوتي في ظل الكثافة السكانية المتزايدة، يكبد البلاد خسائر فادحة، إذ يؤدي إلى تضاعف كلفة البضائع الإثيوبية المصدرة وكذلك المستوردة من الخارج، بالتالي ثمة ضرورة لإثارة نقاشات سياسية حول الحلول الممكنة، ليس لغرض الاستيلاء على موانئ الدول المجاورة، بل للوصول إلى اتفاقيات منصفة، بما في ذلك العروض التي قدمها آبي أحمد، لاستفادة الدول المطلة على البحر من ميزات تجارية في إثيوبيا، كحصولها على أسهم في سد النهضة أو الخطوط الجوية الإثيوبية، مقابل وضع استثنائي لإثيوبيا في البحر الأحمر تحقيقاً لمصالحها التجارية والأمنية".  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير