Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريمر: نتنياهو لم يتعلم درس 11 سبتمبر واجتياح غزة حتمي

عالم السياسة الأميركي في حوار مع "اندبندنت عربية": بريطانيا وليست واشنطن من تستحق اللوم عن معاناة الفلسطينيين 

إيان بريمر، شخصية جاذبة للضوء والجدل، أحد علماء السياسة البارزين في الولايات المتحدة ومؤسس شركة "أوراسيا" الرائدة في تحليل الأخطار الجيوسياسية، ربما يفصله عن الرئيس الأميركي شخص أو شخصان. يكتظ حسابه في منصة "إكس" هذه الأيام بأخبار الحرب بين فلسطين وإسرائيل، إذ يعبر بوضوح عن آرائه التي لا يتفق معها الجميع. تزامناً مع التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط، أجرت "اندبندنت عربية" معه حواراً امتد لنصف الساعة حول الحرب المشتعلة ومآلاتها. قبل المقابلة، كان بريمر يتناول الإفطار مع مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك بعد يوم من كتابته منشوراً ينتقد فيه "الفيتو" الذي رفعته السفيرة ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى هدنة إنسانية.

"ماذا لو كنت كندياً؟"

سؤالي الأول تطرق إلى تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بأن "منطقة الشرق الأوسط اليوم أكثر هدوءاً مما كانت عليه قبل عقدين"، إذ ذكرت بريمر بأنه بعد ثمانية أيام من ذلك التصريح اشتعل أوار الحرب الدامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ألا ينم ذلك عن فشل سياسي من جانب إدارة بايدن؟

قال بريمر إن هذا السؤال يحمل الولايات المتحدة دون غيرها المسؤولية عما يحدث، وأبدى اعتراضه بالقول "هل كنت ستبدأ بهذا السؤال لو كنت كندياً، هي، هل أفسد جيك سوليفان كل هذا؟!"، قائلاً إن "الولايات المتحدة لم تكن تعطي الأولوية للشرق الأوسط، رأيت التحول نحو آسيا، ثم غزو الروس لأوكرانيا، لذلك ما من شخص ينظر إلى سياسة الولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية ويقول إن الأولوية القصوى هي الشرق الأوسط، ربما للحظة عندما أصبح ترمب رئيساً وكانت رحلته الأولى إلى إسرائيل ثم إلى السعودية، ولكن في المجمل، حتى ترمب نسي المنطقة" (زار ترمب في رحلته الخارجية الأولى السعودية أولاً، ثم إسرائيل). 

ودافع بريمر الذي يترأس شركة "يوراسيا" التي تقدم المشورة السياسية للحكومات والشركات عن تصريح سوليفان قائلاً إن تقييمه المنطقة كان "دقيقاً قبل هجمات حماس، نظراً إلى اتفاقات أبراهام بين إسرائيل والبحرين والإمارات والمغرب، والوساطة الصينية التي أعادت العلاقات بين إيران والسعودية، وحل الخلاف بين قطر والسعودية والإمارات، وعودة سوريا، إضافة إلى وقف إطلاق النار في اليمن الذي كان صامداً بدرجة كبيرة. أي شخص ينظر إلى المنطقة كان سيقول إن هذا أفضل وضع جيوسياسي شهدته منذ وقت طويل جداً".


ورفض الباحث الأميركي إلقاء اللوم على بلاده بعد تأزم الأوضاع في الشرق الأوسط وقال "لن أقول إن الأميركيين مسؤولون عن الحرب، وبالتأكيد لن أقول إنهم أسهموا فيها، لكنني أعتقد أن القيادة مفقودة على مستوى جماعي، في ظل إهمال جماعي لوضع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وعدم تحرك نحو حل الدولتين المستدام، وتدهور الظروف المعيشية لنحو 2.3 مليون فلسطيني في غزة".

وأضاف "إذا كنت تريد إلقاء اللوم، فربما يجب أن تلوم البريطانيين لأنهم من قرروا أن يذهب اليهود إلى هناك (فلسطين) بعد المحرقة، في وقت لم ترغب أوروبا والولايات المتحدة باستقبالهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السعودية تجدد تمسكها بدولة فلسطينية

يقول بريمر إن "الحرب بين إسرائيل وحماس تدل على أمرين، الأول أن الجميع تجاهل القضية الفلسطينية. سألتني هل كان ذلك فشل الأميركيين، لكنك لم تسألني إذا كان فشلاً إماراتياً أو مصرياً أو إسرائيلياً أو سعودياً... أتفهم أن الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم ولكن لا يبدو أن هناك من يكترث بالفلسطينيين، هناك دول في المنطقة سعيدة بالتعامل مع إسرائيل، حتى عندما كان الإسرائيليون يستولون على مزيد من أراضي الفلسطينيين، حتى السعوديين كانوا يستعدون للقيام بذلك". الأمر الثاني هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تقبع تحت تصرفه بعض القدرات الأكثر فاعلية في مجال أمن الحدود والاستخبارات على مستوى العالم، فشل في حماية شعبه، واستهان بحماس، من فشل هم الإسرائيليون، هم أصحاب الاستخبارات وأصحاب أمن الحدود، ولم يكن لديهم أي فكرة أن هذا قادم".

لكن هل كان بريمر دقيقاً في استحضاره الموقف السعودي حيال إقامة علاقات مع إسرائيل؟

حاول الإسرائيليون تصوير القضية الفلسطينية بأنها مشكلة ثانوية بالنسبة إلى الرياض، على رغم تصريحات المسؤولين السعوديين المتكررة حول مركزية حقوق الشعب الفلسطيني، سواء ما قبل الحرب أو أثناءها.

عندما افتتح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قمة دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول "آسيان" في العاصمة الرياض أمس الجمعة، لم يبدأ كلمته بالفرص الاقتصادية الضخمة بين بلدان المجموعتين، بل افتتحها برفض قاطع للعنف المتصاعد الذي تشهده غزة ويدفع ثمنه الأبرياء، ودعا إلى وقف العمليات العسكرية ضد المدنيين والبنى التحتية، وإقامة دولة فلسطينية وفق حدود 1967.

ووفقاً لمقالة الباحث بجامعة هارفرد محمد اليحيى المنشورة في صحيفة "واشنطن بوست"، رد مسؤول سعودي رفيع المستوى على المسؤولين الإسرائيليين الذين يقللون من أهمية القضية الفلسطينية، وقد غلب على نبرته شيء من الإحباط، فعبر للكاتب على هامش الجمعية العامة في نيويورك الشهر الماضي، عن استغرابه الشديد من "عدم فهم الإسرائيليين أن إيجاد إطار موثوق للمفاوضات يمكن أن يؤدي إلى سلام دائم هو مسعى يصب في صالحهم، إذ إن أية مفاوضات من دون إطار مماثل ستبقى رهينة أهواء أولئك الذين يحرضون على العنف الدائم، وكذلك رهينة الردود المتوقعة للمتشددين من الطرف الآخر".


الضفدع المغلي وقنبلة التطرف

لتوضيح أسباب اندلاع الحرب، يستحضر بريمر تشبيه الضفدع المغلي "عندما تضع ضفدعاً في وعاء من الماء بدرجة حرارة معتدلة ثم تبدأ في تسخين الماء ببطء شديد، وتزيد الحرارة أكثر فأكثر، لا يلاحظ الضفدع أن حرارة الماء تزداد بالتدرج، لينتهي الأمر بموت الضفدع". 

يقول من جاء بهذا التشبيه لم يذهب إلى غزة قط، لأن الوضع يزداد سوءاً باستمرار على أولئك الذين يعيشون في تلك البيئة، والنتيجة ليست الفناء، بل التحول إلى "التطرف والانفجار، وعلى رغم أن هذا لا يبرر الإرهاب، ولا يبرر أعمال حماس، فإنه بالتأكيد يساعد على تفسير سبب اندلاع الحرب".

وعما عناه نتنياهو بـ"الحرب الطويلة"، وفرص نجاح الغزو البري، قال إن "الإجابة تعتمد على تعريفنا للنجاح هنا، إذا كان القضاء على الإرهابيين، فبالتأكيد سيقتل الاجتياح البري كثيراً من الإرهابيين"، مشيراً إلى أن هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وفق وجهة النظر الإسرائيلية الأسوأ في حق اليهود منذ المحرقة، ولذلك قررت إسرائيل تعبئة 360 ألف شخص، أي أربعة في المئة من إجمالي سكانها. لقد تأثر كل يهودي إسرائيلي بطرق غير مفهومة بالنسبة إلى معظم الناس في جميع أنحاء العالم، وهم لا يفكرون بالمدى الطويل بعد خمس أو 10 سنوات، السكان غاضبون ويعيشون مأساة ويريدون الرد".

مشاعر الغضب هذه تجعل من الغزو البري الإسرائيلي لغزة حتمياً ووشيكاً عند بريمر، بل يقول إنه مدهوش أن ذلك لم يحدث بعد. واستطرد قائلاً "أتفهم لماذا لم يأمر نتنياهو بغزو بري حتى الآن، فقد أخطأ بشدة في (اعتماده على قادة يمينيين متشددين وعديمي خبرة)، مما دفعه إلى تشكيل حكومة طوارئ موحدة، لخوض الحرب نيابة عن الشعب بأكمله، لكن تشكيل تلك الحكومة استغرق أياماً عدة من ثم تأخرت العملية البرية، ثم كان بايدن يخطط للسفر إلى إسرائيل، ولم يكن ممكناً بدء الغزو البري قبل وصوله مباشرة أو أثناء زيارته".

لكن كل هذا بات من الماضي، إذ زعم بريمر بأن الغزو البري لن يتأجل لمدة شهر. وقال "لا أملك كرة بلورية لأعرف ما سيحدث عند انطلاق العملية البرية، لكني سأفترض تخميناً جامحاً بأن كثيراً من الناس سيقتلون، من هؤلاء مقاتلو حماس ولا مشكلة لديَّ مع ذلك... لم أعارض جهود أميركا للقضاء على أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة... ولكني أشعر بالقلق من أن عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين سيقتلون".

هل جرأت سياسة بايدن إيران؟

تبرز إيران كطرف غير مباشر في الصراع الحالي، فهي من تزود "حماس" بالسلاح والتدريب، في إطار ما يعرف بـ"محور المقاومة". وعلى رغم نفي إيران تدخلها المباشر في الحرب فإن بعض المحللين يعتقدون أن إيران دفعت "حماس" نحو مهاجمة إسرائيل، بهدف عرقلة المفاوضات الأميركية لإقامة علاقات بين الرياض وتل أبيب. 

ويرجع سياسيون أميركيون جرأة طهران في دعم وكلائها ضد شركاء واشنطن ومصالحها إلى فشل إدارة بايدن في ردعها. ويتزامن ذلك مع وضع مربك في مكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي، المحال إلى إجازة من دون مرتب منذ يونيو (حزيران) الماضي، بعد تجميد تصريحه الأمني وإخضاعه للتحقيق وسط مزاعم حول إساءة التعامل مع معلومات سرية. 

وشهد الشهر الماضي قراراً جدلياً بإفراج واشنطن عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية مقابل إفراج إيران عن خمسة أميركيين كانوا محتجزين لديها، لكن إدارة بايدن توصلت قبل أسبوع إلى اتفاق مع قطر على وقف تسليم الأموال إلى طهران، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

عما إذا كان تذبذب سياسة إدارة بايدن مؤشراً إلى فشلها في ردع طهران، قال الباحث الأميركي إن إيران متواطئة في هجمات "حماس" الأخيرة وإن لم تكن من خططتها، مشيراً إلى أن "الأزمة هنا تكمن في أن إسرائيل غير مرحب بها في الأرض، وفي حقيقة أن الفلسطينيين يعانون ظروفاً غير قابلة للعيش، ولم تزدد إلا سوءاً في ظل إهمال الآخرين لهم". 

وأقر بأن الولايات المتحدة محظوظة لأنها أخرجت مواطنيها المحتجزين في إيران قبل هجوم "حماس" وقبل إعادة تجميد الأصول الإيرانية البالغة ستة مليارات دولار، وهي الخطوة التي تعني أن إدارتين أميركيتين متتاليتين أخلتا باتفاقيتين التزمهما الإيرانيون: خطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحب منها ترمب، وصفقة المليارات الستة في عهد بايدن، ورجح أن "أي مسؤول إيراني لن يثق في الأميركيين بالقدر نفسه في المستقبل"، مستحضراً المثل الأميركي بتصرف "اخدعني مرة، عار عليك... اخدعني مرتين، عار على آية الله".

غزة ليست بغداد ولا كابول 

حذر الباحث الأميركي من عواقب الحرب الإسرائيلية قائلاً إنها قد تعزز التطرف لدى الفلسطينيين حتى وإن حققت أهدافها بتدمير "حماس"، مشيراً إلى أن هذا ما قصده الرئيس بايدن عندما قال إن الأميركيين ارتكبوا أخطاء بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، إذ إن كلفة القضاء على "القاعدة" دفعها كثير من الأميركيين الذين سلبت حقوقهم، منهم المسلمون الذين تعرضوا إلى التنميط العنصري على رغم أنهم مواطنون أميركيون أبرياء، إضافة إلى ذلك، شنت أميركا حروباً فاشلة طويلة في العراق وأفغانستان أدت إلى تطرف شريحة أكبر من سكانها.

لكن عواقب الأخطاء الأميركية في العراق وأفغانستان لا تقارن بما قد يحصل للإسرائيليين، ففي نهاية المطاف تبعد بغداد وكابول آلاف الأميال عن أميركا. في المقابل إذا أخطأ الإسرائيليون حساباتهم في شأن غزة، فربما ترتد عليهم الحرب وتسبب لهم مشكلة خطرة طويلة المدى.
وافترض أن تكون الحكومة الإسرائيلية أكثر حذراً من "حماس"، ولكن أقل حذراً من الكنديين في هجماتها العسكرية، مشيراً إلى أنه يريدهم أن يكونوا أقرب إلى الكنديين، وهذا يلزم عدم محاصرة السكان المدنيين، وعدم قطع إمدادات الغذاء والماء والوقود، وعدم إجلاء 1.1 مليون شخص خلال 24 ساعة، وإرسال منشورات تحذيرية قبل القصف، وعدم قصف طريق الإخلاء الجنوبي، إضافة إلى فرض هدنة إنسانية قبل الحرب البرية لإدخال المساعدات الإنسانية من مصر. وأضاف "لا تكافؤ أخلاقياً بين إسرائيل وحماس، وأعتقد أيضاً أنه لا يوجد تكافؤ أخلاقي بين إسرائيل وكندا".

كيف يجب أن تنتهي الحرب؟

عندما نتأمل في واقع ما بعد حرب أكتوبر 1973 نجد أن كلاً من المصريين والإسرائيليين يحتفلون بالانتصار. كانت تلك طريقة هنري كيسنجر للمحافظة على علاقات واشنطن مع العرب والإسرائيليين. في ضوء ذلك النهج كيف يجب أن تنتهي هذه الحرب؟ 

يجيب بريمر بأنه "غير متفائل بأن توفر هذه الحرب فرصة للسلام على المدى القريب"، فالظروف الحالية تختلف عن ظروف 1973، لأسباب منها التطرف الديني، الذي من المحتمل أن "يزداد على خلفية الغزو البري المقبل، ولن يكون محصوراً على الفلسطينيين فقط، بل سيشمل جميع أنحاء المنطقة".

وعن الدروس التي يمكن استخلاصها من التاريخ قال إن "دروس 11 سبتمبر هي الأكثر أهمية لنتنياهو، وحتى الآن لم يتعلمها، وهذه الدروس هي ألا تبالغ في رد فعلك حتى تجاه جريمة وحشية فظيعة... لا يمكنك السماح لنفسك عندما تقاتل الوحوش بأن تصبح وحشاً، ويجب التعامل مع الآثار الطويلة المدى لجميع أفعالك، ولهذا السبب أنا سعيد لأننا لم نر اجتياحاً برياً على رغم مضي أسبوعين".

المزيد من حوارات