Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل هو تخادم أميركا و"الممانعة" أم التخبط؟

تفسير حرب القطاع وما بعدها لا يستقيم من دون العبور على جسر "المؤامرة"

الحرب في القطاع وتعاطي الأطراف الإسرائيلية والأميركية والإيرانية معها لا يمكن فهمها من دون توظيف جدلية "المؤامرة" (اندبندنت عربية)

ملخص

الحرب في القطاع وتعاطي الأطراف الإسرائيلية والأميركية والإيرانية معها لا يمكن فهمها من دون توظيف جدلية "المؤامرة"... فكيف تنظر هذه الآلية أحداث 7 أكتوبر ومآلاتها؟

ليس سياج الحدود بمفرده تلقى الضربات يوم سبت إسرائيل الأسود كما تصنفه صحافة تل أبيب، ولا أحياء غزة الشمالية وحدها التي منيت بالدمار؛ فثمت استراتيجيات أخرى وعقائد في المنطقة والعالم، كشفت حرب القطاع عنها القناع، ما يجعل تفسيرها عصياً على الفهم، مالم تكن نظرية "المؤامرة" جسر الباحثين عن التفسير لما وقع وسيقع.

فبالنسبة لما يسمى "تيار المقاومة" أو الممانعة، ويُعنى بها القوى الدائرة في فلك إيران، كانت بإقرارها من بادر بالهجوم، وهي التي اختارت الأرض والتوقيت، وبالتالي فهي المستفيدة منه حتى وإن تراجعت القهقرى وتسابقت إلى ما سماه الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد "البراءة من الهجوم" ساعة أوان الحساب. لماذا هذا الأمر غريباً بعض الشيء؟

ذلك لأن تلك القوى مثلما يقول كل المنظرين في طهران، يعتبرون أميركا هو الطرف المزعزع للاستقرار في الإقليم، وبنوا خطابهم الأيديولوجي والسياسي والثوري بكل أطيافهم السنية والشيعية من الحرس الثوري إلى القاعدة وحزب الله والإخوان المسلمين، على أن "إخراج القوات الأميركية من المنطقة"، واجب ديني ووطني، لا يمكن للأمن أن يسود من دونه.

طرد القوات الأجنبية أم استدراجها؟

ولا يمل المسؤولون الإيرانيون من المرشد الأعلى إلى المتحدثين الرسميين، يكررون هذه الفكرة، وآخر ذلك تأكيد وزير الخارجية حسين عبداللهيان أن بلاده تعد "وجود القوات الأجنبية بمثابة تهديد للسلام والاستقرار الإقليميين، وأن دول المنطقة لديها القدرة للحفاظ على السلام والاستقرار"، ثم يأتي ناصر كنعاني ليفسر المقصود بالقوات الأجنبية هاهنا، ويضيف " الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط من شأنه أن يفاقم التوترات الإقليمية، لذلك يتعين سحب القوات الأمريكية من المنطقة في أقرب وقت ممكن"، وهذا خطاب ليس جديداً، نادى النظام في طهران منذ قيامه، قبل أن تنافسه "القاعدة" منذ التسعينات على رفع الصوت بذلك أكثر.

لكن الذي يحدث أنه كلما همت واشنطن بالخروج، إذا بتيار الممانعة، يستدرجها على هيئة هجوم أو اختطاف أو قرصنة أو تفجير، فتعود بوتيرة أكبر، وتقنع دول المنطقة خارج ما يسمى محور المقاومة بأن سياسة خفض التصعيد لا تناسب الجيران فيضطرون إلى تعبئة عسكرية جديدة، وتحالفات أوسع من ذي قبل، وتحديث العتاد.

من هنا جاء الاعتقاد بأن هذا المحور، إما أن يكون متواطئاً مع الجانب الأميركي في توفير الذرائع له طبقاً لنظريات المؤامرة التي تستند على سبيل المثال إلى صفقة النووي بين أميركا وإيران أيام أوباما، ومنع التحالف العربي من طمس الحوثي، ثم انزعاج واشنطن وإسرائيل من الوفاق بين الرياض وطهران؛ أو أنه قاصر النظر إلى حد غير منطقي حدوثه من جانب قوى واسعة الحيلة والإمكانات، يفترض أن تؤهلها لقراءة المشهد على نحو أفضل.

عندما يهدأ الغبار

ويرى الكاتب في مجلة السياسة الخارجية الأميركية "فورين فيرز" ماثيو ليفيت لدى تعليقه على هجوم 7 أكتوبر، أنه بني على حسابات واضحة لمجموعة إيران وحزب الله وأذرعها في الإقليم، تمارس من خلالها لعبة تسخين جبهات، وخفض التصعيد في أخرى تكتفي بدور التلويح بالإسناد، في مثل الحالة اللبنانية والعراقية والسورية واليمنية فيما تشن الفلسطينية المعركة الأصلية. إلا أن الكاتب يعتقد أن اللعبة التي بدا في الوهلة الأولى أنها نجحت في غايتها الكبرى وهي إجهاض الصفقة بين السعودية وإسرائيل بوساطة أميركية؛ سترتد بفشل أكبر مما توقع التيار المصمم لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال " عندما يهدأ الغبار فإن ما ستستخلصه بعض الدول من الحرب سيكون في اتجاه معاكس تماماً، إذ من المرجح أن ترى القوى الإقليمية، مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن خلاصة ما حصل تفترض التعاون لمواجهة الشبكات المتنامية لإرهابيي إيران وميليشياتها وحلفائها، وهذا ناد لا يضم "حماس" و"حزب الله" وحسب بل أيضاً الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق. الدروس المستخلصة من هذه الحرب بالنسبة إلى دول الخليج ستكون متعلقة بإيران، وبشبكة وكلائها عموماً".

اختلال موازين القوى

ويعتقد مراقبون أن انزعاج إيران الذي دفعها لتأجيج المعركة، ليس بحث الوفاق بين إسرائيل والسعودية الذي جرى تعليقه من جانب الأخيرة تضامناً مع الفلسطينيين، وإنما مصدر الانزعاج الأكبر، كان الخشية من بروز الرياض قوة في الإقليم عند إبرام صفقتها المرتقبة النووية والدفاعية مع واشنطن، بما يجعل موازين القوة يميل لصالح المملكة العربية، في مقابل تزايد الضغوط على الجمهورية الإسلامية التي لن يكون حينئذ أمامها غير المضي في التصالح مع جيرانها، والحد من طموحاتها الإمبراطورية بالتمدد في دول المنطقة، على حساب الأمن القومي العربي، ومنافسيها السعوديين، الذين لايزال اتفاق التهدئة معهم في طور الامتحان، ولن يحرز التقدم المرجو، مالم تغير طهران سياستها التوسعية.

إلا أن بقاء الاتصال بين القوتين العربية والإيرانية البارزتين في الإقليم، مهما يكن مستواه ينظر إليه بترحيب، خصوصاً في لحظات الإقليم الحرجة، في مثل المكالمة الطويلة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بشأن جهود الرياض نحو تخفيف حدة الصراع في غزة ومحيطها، وبحث ما يمكن فعله عربيا وإسلامياً ودولياً لوقف "الجرائم الشنيعة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة"، حسب آخر بيان للخارجية السعودية، بعد استهداف المستشفى المعمداني، وقتل مئات المدنيين.

 

أما الكاتب السعودي بن بجاد وآخرين في الخليج، فهم يعتبرون أن التصريحات المتضاربة لقوى تيار الممانعة من مواقعهم المختلفة، مرده إلى التخبط، المعتاد في إدارة جماعات الإسلام السياسي الملفات المعقدة، وخطئها التقدير الذي أورثها الفشل في كثير من معاركها، حسب الكاتب.

وأضاف "جماعات الإسلام السياسي من أكثر التيارات فشلاً في السياسة وجرأةً على اقتحامها دون وعيٍ ولا رؤية، والنماذج كثيرةٌ ومتعددةٌ وبعضها قريب العهد إبان ما كان يعرف بـ"الربيع العربي"، ثم إنهم بسبب انتشار خطابهم وتفشي أتباعهم لا ينجحون إلا في المزايدة فحسب، وأخطر من هذا أنهم يشكلون تياراً سياسياً لا يستهان بتأثيره ولا يمكن التقليل من دوره".

فخ للتصفية

ولا تستبعد إحدى سيناريوهات قراءة اقتحام السياج من جانب حماس ورد فعل إسرائيل الانتقامي الذي أعقبه، أن تكون قوى "الممانعة" استدرجت من تل أبيب وحلفائها الأميركيين المتسيدين المشهد الاستخباراتي والعسكري في المنطقة، لنية مبيتة بتصفية الحركة، قبل الذهاب إلى حل الدولتين مع السلطة الفلسطينية، إذ يمكن لحماس إفساد أي اتفاق في فلسطين لا تريده هي أو حليفتها إيران.

ووضع المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، هذا السيناريو في مقدمة فرضياته لقراءة دوافع الهجوم وتبعاته، بأن تذهب اسرائيل في اتجاه "اجتياح كامل قطاع غزة واحتلالها، وقد تكون إسرائيل قد رصدت العملية وتركت حماس تقوم بتنفيذها لتجد المبرر لاجتياح غزة والسيطرة عليها كأحد كروت الحل المستقبلي لأي حل للقضية الفلسطينية".

 

لكن حتى هذا السيناريو، يرى الكاتب الأميركي توماس فريدمان، عديم الجدوى في تقدير أحد أصدقاء إسرائيل المخلصين بالنظر إلى كلفته، ويرى أن "احتلال إسرائيل لغزة مرة أخرى سيكون خطأ كبيراً، خاصة أنه يمكن أن يجر واشنطن إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، ويقوّض 3 من أهم مصالح السياسة الخارجية الأميركية في الوقت الحالي: مساعدة أوكرانيا للانضمام للغرب، واحتواء الصين، وتشكيل كتلة عربية مؤيدة لواشنطن".

 بينما رجح المعهد أن تكلفة خطوة من هذا القبيل ستكون كبيرة جداً في مقابل احتمالات نجاح ضعيفة جدا بحكم التجارب التاريخية السابقة، غير أنه لفت إلى عوامل أخرى، مثل أن "حركة حماس تمتلك أوراق ضغط كبيرة على اسرائيل لمنعها من التوجه لهذا السيناريو أهمها وجود عدد كبير من الأسرى الإسرائيليين الذين قد يتعرضوا للقتل اذا ما خاطرت اسرائيل باجتياح القطاع وهو ما سيعرضه لضغوط شديدة من قبل أهالي الأسرى والمجتمع الإسرائيلي".

المحور الأميركي

الجبهة المقابلة ليست أفضل، فالمحور الغربي في المنطقة المتمثل في أميركا وإسرائيل، وبشكل أقل بعض دول الاتحاد الأوروبي؛ تغض الطرف عن صلف إسرائيل في فلسطين، رغم إمكانها تكثيف الضغط وسط تحذير دول مثل السعودية ومصر والأردن وحلفائها بعواقب "حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته"، إلا أنها لم تحدث فرقاً يذكر، في وقت أظهر فيه الإقليم استعداداً تاريخياً للسلام؛ مما يقوي حجة المزايدين المحسوبين على إيران، ويحرج الدول المتمسكة بخيار "حل الدولتين" والمقاربات السلمية للقضية أمام شعوبها، بما يظهرها كما لو أنها تتواطأ مع تل أبيب في انتهاكاتها ضد أرومتها العربية، وهذا خط أحمر عند دول مثل مصر والأردن السعودية، التي لطالما اعتبرت فلسطين قضيتها الأولى، وبذلت في سبيلها أثماناً باهظة.

أكثر من ذلك، عملت إسرائيل من دون مواربة، على تقويض السلطنة الفلسطينية، والإجهاز على أي آمال لشعبها في الكرامة، المكفولة لهم قانونياً وإنسانياً، بما في ذلك تلك التي وقعت عليها إسرائيل في "أوسلو"، في سياسية لا يخفى الغرض منها وهو الاستيلاء على الضفة الغربية، بينما يتعاظم نفوذ غريماتها "حماس" وبقية الفصائل، وتعقد الصفقات بوصفها دولة، على مرأى ومسمع من إسرائيل، إمعاناً في عزل السلطة وفتح، قبل أن يرتد ذلك السلاح على تل أبيب ومحورها، حسب الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد، الذي رأى هجمات حماس هذا الشهر حصيلة " ترسخ الانفصال، وتبخر حلم الدولة الفلسطينية" الذي دفعت إسرائيل هي الأخرى الآن ثمنه.

لهذا كانت الرياض حذرة

ولهذا يرى معهد الدراسات الإيرانية، في دراسته التي أشير إليها سابقا أن حرب قطاع غزة، أثبتت "صحة وجهة نظر الرياض في الإصرار على عقد اتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة بصورة ثنائية، بدلا عن مشاركة غير مباشرة في هياكل أمنية إقليمية (اتفاقات ابراهام)...حتى لا تكون تحالفاتها الاستراتيجية عرضة لأى تداعيات للصراع في الأراضي المحتلة ولسياسة التعنت الإسرائيلي".

ولفتت الدراسة إلى البعد الآخر الذي يتمثل في أن المملكة "قد تتحسب إلى مكانتها التي قد تتأثر بشدة في العالمين العربي والإسلامي في حالة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والذي ستستغله إيران لتقويض دور المملكة، لا سيما إذا كانت الحدود التي وضعتها إسرائيل في صفقة التطبيع والتي تخص القضية الفلسطينية محدودة وتتخطى الخطوط الحمراء الفلسطينية، وذلك بحسبان المكانة الدينية للسعودية".

 لا يتوقف الأمر عند إسرائيل وقطاع غزة، ذلك أن فظائع إيران وحلفائها في المنطقة، لم تزد المحور الغربي، إلا غضاً للطرف عن طهران، وضغطاً على الحلفاء العرب، الذين يفترض أنها تشاركهم مخاوف انهيار الدولة العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتمدد الخراب والإرهاب والفوضى، بدلاً من مقاربة التنمية والاستقرار التي تنادي بها أطراف الاعتدال في المنطقة.

بل إن واشنطن في الوقت الذي كان عليها أن تضغط على موقع التهديد على الحلفاء، تقوم بالنقيض وتقطع إمدادات السلاح عن الرياض في اللحظات الحرجة، ثم تقرر الانسحاب من كل المنطقة، قبل أن تعيدها الحرائق الدولية إلى الإقليم بعد حرب أوكرانيا، ثم الآن هجوم "حماس" نيابة عن محورها في إسرائيل.

عودة أميركا لا انسحابها

هذا التناقض، دفع جمع من الخبراء الأميركيين في معهد واشنطن لتوقيع بيان، يلخصون فيها ما يرونه عبرة مما جرى يوم السابع من أكتوبر، يجب على البيت الأبيض أن يستقيها، وأن ما وقع في جانب كبير منه، يعود إلى الخطأ الأميركي في ترك المنطقة، وعدم أخذ تقويض المحور الإيراني لاستقرارها على محمل الجد، حتى بعد صفقة بكين بين السعودية وإيران في مارس (آذار) الماضي، إلى جانب عدم اتخاذ خطوات حاسمة لإيقاف حكومة نتنياهو المتطرفة في تبديدها مساعي فرص السلام التي تنشط فيها الإدارة، قبل يوم 11 سبتمبر الإسرائيلي، كما يصورون.

 

ومما جاء في البيان، أن الأحداث شكلت "نقطة تحول ينبغي لها أن تسلط الضوء على الحقائق التي كثيراً ما يتم التغاضي عنها فيما يتصل بالشرق الأوسط، وأن ترغم صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة على إعادة النظر في المفاهيم المسبقة بشأن المنطقة ودور أميركا ومصالحها فيه"، مشيرين إلى ضرورة عودة واشنطن بجدية إلى المنطقة بدل الانسحاب منها.

شبكات إيران بعد القاعدة

واعتبروا أن "هزيمة شبكة التهديد التي تقودها إيران – مع منع طهران من تحقيق قدرة نووية عسكرية – يتطلب التزاماً لا يتزعزع. ولا يمكن أن يكون هذا مجرد هدف بلاغي؛ فهو يستحق ما لا يقل عن مستوى الجهد والاهتمام والموارد الممنوحة لحملة هزيمة تنظيم القاعدة قبل عقدين من الزمن والحملة اللاحقة لضمان الهزيمة الدائمة لداعش".

وبما أننا عدنا إلى ذاكرة 11 سبتمبر، فإن أكثر ما تعلمنا والأحداث التي أعقبتها، خصوصاً غزو العراق، وما بعد "الربيع العربي"؛ هو أن محوري "المقاومة" والأميركي-الاسرائيلي، غالباً ما خلصا إلى النتائج نفسها، في جانب إلحاق الأذى بالدولة العربية، ومنظومة أمنها الإقليمي.

وفي هذا الصدد ومن زاوية "المؤمرة" كذلك، يجادل معلقون عرب هذه الأيام، بأن سياسة توحيد الجبهات التي تهدد بها إيران وحزب الله بعد فتك إسرائيل بغزة، ماهي إلا تهديد لن يترجم إلى واقع، فالمنطقة عربية والقتيل عربي، ولا يعني الأمر طهران إلا في توظيفه سياسياً، ومفاوضة الطرف الأميركي-الإسرائيلي على تلك الورقة، كي لا تتوجه الضربة نحو الداخل الإيراني.

المزيد من تقارير