Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صحوة النازيين... الطريق إلى "الرايخ الرابع"

ما الأسباب والمحددات والتداعيات التي زخمت التيارات اليمينية الألمانية مثل منظمة "أرتغيماينشافت" وهل سيجد هؤلاء في العسكرة طريقاً للعودة إلى زمن الشعب الآري؟

شعارات ورموز النازية تدخل من جديد إلى الحياة السياسية الألمانية ودول أوروبية أخرى (رويترز)

ملخص

ما الأسباب والمحددات والتداعيات التي زخمت التيارات اليمينية الألمانية مثل منظمة "أرتغيماينشافت" وهل سيجد هؤلاء في العسكرة طريقاً للعودة إلى زمن الشعب الآري؟

في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، حظرت وزارة الداخلية الألمانية مجموعة يمينية متطرفة تعرف باسم "أرتغيماينشافت" أو "مجتمع الأعراق" باللغة الألمانية، بتهمة العنصرية ومعاداة السامية، ويشمل الحظر كل المنظمات التابعة للمجموعة التي تعتقد السلطات الأمنية أنها تصب في إطار التعصب القومي.

وزارة الداخلية الألمانية شددت في بيان لها بعد مداهمة المقر الرئيس للجماعة اليمينية المتطرفة على أن أعضاءها يواصلون نشر الأيديولوجيا النازية حتى اليوم. ويضيف البيان أن "قادة الجماعة حاولوا اجتذاب أعداء جدد للدستور من خلال تعليمها المثير للاشمئزاز للأطفال واليافعين".

لم تكن جماعة "أرتغيماينشافت" هي الجماعة الوحيدة المتطرفة التي تم حظرها الأيام الماضية، فقد حظرت السلطات الألمانية كذلك جماعة أخرى للنازيين الجدد تتخذ اسم "هامر سكينز دويتشلاند"، التي لها جذور في الولايات المتحدة الأميركية.

يعن لنا أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل من هذه الصحوة النازية، سردية مستمرة على خطورتها، سيما أنه يكاد يكتشف يوماً تلو الآخر جماعات فرعية ذات رؤى أصولية راديكالية في المجتمع الألماني، وبالمعنى الذي عرفه الغرب قبل نشوب الحرب العالمية الثانية.

تالياً، يبدو هناك تساؤل آخر عن العلاقة بين جانبي الأطلسي على صعيد اليمين المتطرف، الذي يخصم يوماً تلو الآخر من رصيد الليبرالية التقليدية الغربية، وهل يجري بالفعل تنسيق بين الجانبين، وإلى أي مدى يمكن أن يحدث هذا التحالف اليميني ضرراً في البنية التكتونية الغربية، أوروبية كانت أو أميركية، إذا استمر الحال على هذا المنوال، والعديد من التساؤلات الأخرى التي نحاول أن نجد لها جواباً.

ألمانيا والنازية عود على بدء

ربما ينبغي الإشارة بداية إلى أن إشكالية العنصرية في الداخل الألماني لم تغب أبداً عن جوهر المكون الألماني، ربما تكون قد توارت بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، لكن العسف والخسف بكل ما له صلة بالنازية، وبخاصة بعد محاكمات نورمبرغ، قد جعلها ساكنة في القلوب والعقول منتظرة أن تحين الفرصة لتستعلن من جديد.

والشاهد أنه حين نتحدث عن أسباب نشوء وارتقاء النازية في مهدها الألماني، فالأمر يعود بنا اليوم إلى قرابة قرن كامل، سيما أن البعض يرى أنها نتاج طبيعي لما تعرض له الألمان من إذلال وإجحاف بعد الحرب العالمية الأولى، والاتفاقيات التي رأوها ظالمة، وآثارها الكارثية التي امتدت جهتهم بشراً وحجراً.

لاحقاً ومع ثمانينيات القرن الماضي، كانت إرهاصات عودة النازية تختفي وراء ملامح مغايرة، جلها يتمثل في معاداة الأجانب الذين قدموا إلى البلاد، هناك حيث خسائر الحرب الكبرى أعوزت ألمانيا إلى أيد عاملة، مما دعا لفتح أبواب الهجرة للأتراك تارة، ولسكان شمال أفريقيا تارة أخرى.

ثم جاءت موجة أخرى عاتية من الهجرات من بلاد الشرق الأوسط، لا سيما من سوريا والعراق، ثم من قلب أفريقيا، في أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، قادت بدورها إلى حركات يمينية ألمانية لها ذات الرؤية القديمة، وإن حملت أسماء معاصرة.

أعطت هذه التغيرات الديموغرافية في بنية ألمانيا السكانية، مفاتيح العمل غير الخلاق لجماعات التطرف الألماني المختلفة أسماؤها وأعضاؤها مثل "بغيدا" ومن لف لفها، وبدا وكأن ألمانيا أمام قصة مغايرة من قصص العنصرية التي لا تضيف إلا مزيداً من الانهيار الإنساني والمخاوف الأمنية الحياتية.

هل "الأكزنوفوبيا" هي السبب؟

تعني "الأكزنوفوبيا"، رهاب الأجانب، أي الخوف من التقلبات الديموغرافية التي يمكن أن تجري بها المقادير، وقد وجد هذا الفكر رواجاً كبيراً، بعد أن دعمه كتاب ومفكرون من نوعية الفرنسي "رينو كامو"، الذي أنذر وحذر الأوروبيين من أن شعوباً أخرى، من خلفيات عقدية مغايرة، تسعى لاحتلال أوروبا واستبدال شعوبها بشعوب أخرى.

هل كان الخوف من الأجانب هو أحد أسباب صعود النازية مرة أخرى في الداخل الألماني؟

تقودنا استطلاعات الرأي في هذا السياق، فعلى سبيل المثال نجد في استطلاع رأي أجرته جامعة "لاينبرغ" الألمانية منذ أربع سنوات، أن ثلث الألمان يؤيدون شعارات الحقد على الأجانب واللاجئين، وارتفعت هذه النسبة إلى النصف في شرق ألمانيا، أما ردود الاستفتاء فقد بينت كيف أن الخوف من العناصر غير الألمانية، قد انتشر منذ سنوات وأن نسبة عالية من الألمان تطالب بفرض الدور الريادي الثقافي لألمانيا ذات الصبغة والهوية المسيحية بالقوة لو أمكن.

عطفاً على ذلك بين استطلاع الرأي عينه أن 50 في المئة من الألمان يشعرون بأن بلادهم باتت تزدحم بالأجانب وبأنهم يخشون على المجتمع الألماني من تفكك نسيجه المجتمعي.

هل المشهد النازي الألماني آخذ في التصاعد مرة أخرى؟

يكاد الأمر يكون كذلك، إذ تبدو ألمانيا اليوم قلقة ومضطربة من جراء ما يحدث فيها سواء داخل مؤسساتها المدنية، أو على صعيد ما هو موصول بأوضاعها الأمنية الداخلية، فعلى سبيل المثال بدأت جماعات اليمين المتطرف في تشكيل مجموعات للدفاع الذاتي في بعض مدن ولاية بافاريا، مجموعات تتخذ مما تسميه "أخطار المهاجرين" تكئة لإعادة بلورة مجموعات ذات ميول عنصرية نازية، وقد نُشرت صور للمجموعات هذه على وسائط التواصل الاجتماعي، ظهر فيها عدد من أعضاء تلك المجموعات من "الحزب الوطني الديمقراطي اليميني" المتطرف، يرتدون سترات حمراء واقية عليها شعار الحزب، وبدأت هذه المجموعات في تسيير دوريات في الأماكن التي وقعت فيها الاعتداءات قبل احتفالات الألمان عامة، ومناسبات مثل رأس السنة خاصة... فماذا يعني ذلك؟

باختصار غير مخل، يفيد بأن ألمانيا أمام حالة من التمدد والتوسع غير المسبوقين حديثاً لجماعات النازية المحدثة، لا سيما في ظل تكاثر عدد مؤيدي حزب "البديل من أجل ألمانيا" من جهة، ومريدي جماعة "بغيدا" من جانب آخر، وبخاصة في ظل تقديم نفسيهما وتابعيهما بوصفهما مجموعات الدفاع الذاتي التي تحافظ على الأمن والأمان، في حين أنهما في واقع الحال يرسخان من جذور التطرف وصعود الراديكالية داخل البلاد.

على أن علامة الاستفهام المثيرة اليوم لقلق الألمان عامة: هل هذه التيارات تشكل خطراً على الأجانب والمسلمين واليهود فقط، أم إنها تكاد تهدد النظام الديمقراطي الألماني واستقرار الحكم في البلاد؟

"مواطنو الرايخ"... التهديد القائم والقادم

الجواب على علامة الاستفهام المتقدمة يتطلب نوعاً من البحث المعمق بداية عن ملامح ومعالم تلك الجماعة المعروفة باسم "مواطني الرايخ"، التي هي تنظيم متطرف وعنيف لا يعترف بدولة ألمانيا الديمقراطية.

يؤمن أعضاء التنظيم بأن الدولة الألمانية بواقعها المعاصر، ليست إلا بناء إدارياً لا تزال القوى الغربية تحتله، أما تلك القوى فهي الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا.

يعني هذا المفهوم أن ألمانيا لا تزال تحت حكم التقسيم أو الانتداب الذي صارت إليه الأمور بعد هزيمة الرايخ الثالث عام 1945.

من هذا المنطلق يؤمن أعضاء "مواطني الرايخ" بأن حدود ألمانيا الإمبراطورية لا تزال قائمة كما كانت في عام 1937، وأن جذور الرايخ التي تأسست وتأصلت عام 1871 ينبغي أن تكون هي بعينها المحدد الرئيس لتوجهات ألمانيا جغرافياً وديموغرافياً.

خطورة "مواطني الرايخ" أنهم لا يتكلمون أو ينظرون فحسب بل يسعون في طريق إنجاز خطوات حقيقية على الأرض تعزز الانقسام والتشظي، سعياً لبلوغ روح الرايخ الرابع.

الحركة تتكون من مجموعات صغيرة، تقع بشكل أساسي في ولايات براندنبورغ ومكلنبورغ وبافاريا، ويرفض عناصرها دفع الضرائب، وكانوا سابقاً قد أعلنوا عما يسمى "أقاليمهم الوطنية" الخاصة بهم، التي يطلقون عليها اسم "الإمبراطورية الألمانية الثانية"، أو "دولة بروسيا الحرة" أو إمارة جرمانيا، وكلها أسماء تحمل دلالات على النوستالجيا والحنين للعودة إلى الماضي من 100 إلى 150 عاماً، حتى لو تطلب الأمر سعياً إلى تفتيت الدولة الألمانية بصورتها المعاصرة.

وإلى أبعد من ذلك، فإن "مواطني الرايخ" مضوا في طباعة جوازات سفر خاصة بهم، ورخص قيادة لأنفسهم.

هل رقم أعضاء الجماعة يدعو إلى الخوف حال التنامي في قادم الأيام؟

بحسب وكالة الاستخبارات المحلية الألمانية، "مكتب حماية الدستور"، يبلغ عدد هؤلاء نحو 21 ألف عضو، يصنف خمسة في المئة منهم على أنهم متطرفون يمينيون معظمهم من الذكور، وفي المتوسط تزيد أعمارهم على 50 عاماً وينسبون إلى الأيديولوجيات اليمينية الشعبوية المعادية للسامية وينتشرون في جميع أنحاء البلاد.

والمؤكد أنه من رحم منظمة "مواطني الرايخ"، وكما الحال مع كل الجماعات التي تؤمن بفكر "ملكية الحقيقة المطلقة"، تتفرخ جماعات أصولية مغايرة أصغر عدداً، لكن عادة ما تكون أكثر عدائية، وهذا ما تم اكتشافه بالفعل من خلال القبض على مجموعة يمينية تسمى "وطنيون متحدون" في أبريل (نيسان) 2022 خططت لاختطاف وزير الصحة الفيدرالي "كارل لوترباخ" وإجبار الحكومة الألمانية على الاستقالة بالقوة.

الاتحاد الوطني وانقلاب ديسمبر 2022

لعله من غير المعتاد على الأذن الأوروبية عامة، والألمانية خصوصاً، الاستماع للفظة "انقلاب" في الداخل الأوروبي، غير أن هذا ما جرت به الأقدار بالفعل في ديسمبر (كانون الأول) 2022، إذ استيقظ الألمان في السابع من ذلك الشهر على أنباء القبض على  25 عضواً من مجموعة إرهابية يمينية متطرفة مشتبه فيها بتهمة التخطيط لانقلاب في البلاد.

حملت المجموعة اسم "الاتحاد الوطني" وتعتبر ضمن حركة "مواطني الرايخ".

قام أكثر من 3 آلاف شرطي وعشرات الضباط في القوات الخاصة، بتفتيش نحو 130 موقعاً في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى اعتقال العشرات من المشتبه فيهم، بما في ذلك "هنري الثالث عشر"، الأمير المتحدر من عائلة رويس الملكية الألمانية، الذي يبلغ من العمر 71 عاماً، وهو رجل أعمال نشط في مجال العقارات ومقيم في مدينة فرانكفورت بوسط ألمانيا، وكذلك النائب السابق بيرجيت مالساك.

والثابت أننا لسنا بصدد الحديث عن أبعاد قصة الانقلاب بقدر اهتمامنا بتقييم الخطر الناجم عنها، فقد أعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن قلقه البالغ إزاء "محاولة الانقلاب"، معتبراً أن "التطرف اليميني" يظل أكبر خطر على الديمقراطية في البلاد.

جاء ذلك على لسان المتحدث باسمه "ستيفن هيبيستريت" الذي قال في تصريحات صحافية، إن "الحكومة الألمانية ستظل يقظة عندما يتعلق الأمر بمحاربة هذا التهديد اليميني المتطرف". وشدد على أن السلطات "لن تتسامح مع التطرف".

أما الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، فبدوره صرح بأنه "قلق للغاية" في شأن المؤامرة، معتبراً أنه تم الوصول إلى "مستوى جديد".

هل كان هناك أمر آخر لافت للنظر ضمن ملامح ومعالم حركة "مواطني الرايخ"، في سعيها لإحداث انقلاب داخل حدود الدولة الألمانية التي تعد واحدة من أهم الديمقراطيات الغربية في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؟

هل تغلغل النازيون في الجيش الألماني؟

بحسب التحقيقات التي جرت حول محاولة الانقلاب، تم اكتشاف عناصر من الجيش والشرطة، بعضهم من الذين لا يزالون في الخدمة، والبعض الآخر ممن تقاعد، ضمن صفوف "مواطني الرايخ"، الأمر الذي دعا المدعي العام الألماني، وقتها، بيتر فرانك إلى تصنيف الجماعة على أنها "منظمة إرهابية".

ومع تعميق التحقيقات تبين أن هناك "ذراعاً عسكرية" لحركة مواطني الرايخ، الأمر الذي دعا الحكومة الألمانية للاستعانة بوحدات من قوات مكافحة الإرهاب، خلال تفتيشها أكثر من 100 عقار ومنشأة، من بينها ثكنات عسكرية تابعة للجيش الألماني.

وبحسب مكتب المدعي العام، عقدت هذه الخلية أربعة اجتماعات في الأقل خلال صيف 2022 لتوسيع شبكتها، وترسيخ جنود التجنيد التي طالت بشكل خاص أفراد الشرطة والجيش.

تدفعنا السطور السابقة لطرح تساؤل جذري مهم للغاية: هل تغلغل النازيون الجدد في صفوف الجيش الألماني؟

مع ظهور حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي يعد أول حزب قومي ألماني يدخل البرلمان منذ الحرب العالمية الثانية، تعززت المخاوف في الأوساط السياسية من تمدد اليمين وذراعه إلى مؤسسات الدولة الحيوية، وعلى رأسها الشرطة والجيش، وقد بدت إشارات ذلك في عدة حوادث ومناسبات خلال الأعوام القليلة الماضية.

كان في مقدمة الأحداث التي عززت المخاوف في نفوس الألمان عامة، حادثة الضابط فرانكو، المشتبه في تخطيطه لهجوم إرهابي على اللاجئين السوريين تحديداً في أبريل 2017، التي فتحت الباب على هذه الظاهرة، مما أدى إلى الإبلاغ عن حالات مماثلة في الجيش الألماني، علماً أن فرانكو كان يعيش حياة مزدوجة لأشهر عدة بعدما سجل نفسه كلاجئ سوري وحصل على الحماية الفرعية تحت اسم مزيف وبهوية وهمية، وكان الهدف منها توجيه الشكوك للاجئين بعد الهجوم.

هذا الأمر، دفع أيضاً بأعضاء من كتلة اليسار في البوندستاغ (البرلمان الألماني) لمطالبة الحكومة بمعلومات في شأن موضوع الحوادث المتطرفة والحالات المشتبه فيها من اليمين المتطرف داخل الجيش، وبعد أن بينت الأرقام أن هناك تفاوتاً كبيراً في الأعداد المصرح بها من قبل مكتب مكافحة التجسس، التي عرضت خلال جلسة اللجنة البرلمانية، مقارنة مع ما جاء في رد وزارة الدفاع على طلب حزب الخضر بهذا الملف، في ظل التشكيك بأن يكون هناك محاولة للتعمية حول ارتفاع أعدادهم في صفوف القوات المسلحة الألمانية.

هل هي عودة حقيقية مخيفة للنازية مرة جديدة؟

المخيف أنه في سبتمبر (أيلول) من عام 2020 كشف في ولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية عن مداهمة 200 شرطي ألماني 34 منزلاً تعود لضباط عناصر شرطة.

كشفت المداهمة، التي بنيت على خلفية مراقبة جهاز الاستخبارات الداخلي، أن 29 ضابطاً في الأقل، معظمهم من مدينة إبسن، يتبعون الفكر النازي.

أما الصدمة التي نقلتها بعض وسائل الإعلام الألمانية فتتعلق باكتشاف المحققين صوراً للزعيم النازي أدولف هتلر والصليب المعقوف (سواستيكا) وصوراً وهمية للاجئين في غرف الغاز الهتلرية.

صادر المحققون هواتف وحواسيب الضباط، ووجدوا كماً هائلاً من الأدلة على تطرفهم ونازيتهم، وعلى الفور ذكرت الشرطة أن 14 ضابطاً من هؤلاء جرى طردهم من جهاز الشرطة، بحسب ما صرح به وزير داخلية ولاية شمال الراين ويستفاليا، هربرت رول.

النازيون وألمانيا خارج الاتحاد الأوروبي

لا تبدو تبعات النازيين الجدد متقاطعة فقط مع الداخل الألماني، بل ممتدة من دون أدنى شك إلى بقية سياقات الاتحاد الأوروبي، وغالب الأمر بصورة سلبية.

في 2018 عقد اليمين الألماني المتطرف مؤتمراً يهدف إلى تنظيم حملة لخروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، وبات حزب "البديل من أجل ألمانيا" يتهم الاتحاد الأوروبي بأنه "أصبح هيكلية غير ديمقراطية، أعدها بيروقراطيون لا يتحلون بكثير من الشفافية ولا يخضعون إلى مراقبة".

هل من مطالب بعينها لـ"البديل من أجل ألمانيا"؟

نعم، إنهم يرون حتمية إجراء إصلاحات عميقة بحلول عام 2024، أي مع انتهاء الولاية البرلمانية الأوروبية الحالية، ويحذر من أنه في حال لم يتم ذلك "فسيكون من الضروري انسحاب ألمانيا أو القيام بحل منصب منسق الاتحاد الأوروبي".

وعند رئيس الحزب يورغ موتين أن حزبه يريد "اتحاداً أوروبياً أفضل"، وقد هدف المؤتمر بإجمالي أحداثه إلى وضع استراتيجية استعداداً للانتخابات الأوروبية المرتقبة.

هل يعني ذلك أن اليمين النازي الألماني يدعم ويزخم فكراً مماثلاً لخروج ألمانيا من عباءة الاتحاد الأوروبي، بالضبط كما حدث في بريطانيا، ما عرف بـ"بريكست"؟

ذلك كذلك قولاً وفعلاً، فهناك رؤية تعرف اليوم باسم "ديكسيت" بالألمانية، في إشارة إلى "دويتشلاند"، وكلاهما يعنيان خروج ألمانيا من هذا الإطار التنظيمي الأوروبي والبحث عن سياقات ألمانية وحدوية، أي العودة إلى المسارات الأحادية، والانغلاق على الذات اليمينية مرة جديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

علاقات اليمين المتطرف الأوروبي والأميركي

الذين لهم دالة على القراءات الأيديولوجية، يدركون عمق العلاقة التي تربط بين الحركات ذات البعد الواحد، المغرقة في تشددها، ذاك الذي يقودها حكماً إلى التطرف والإغراق في يمينيتها.

من هنا نتساءل: هل يمكن أن تكون هناك علاقة بين تصاعد المد اليميني النازي في ألمانيا مع نظيره في الولايات المتحدة الأميركية؟

المؤكد أن هناك خيطاً رفيعاً يربط بين الجانبين، ذهنياً أول الأمر وتنظيمياً تالياً... هل من دليل على ذلك؟

في أواخر سبتمبر الماضي، حظرت الحكومة الألمانية جماعة "هامر سكينز" النازية الجديدة، وهي أحد فروع منظمة متطرفة أميركية، باتت اليوم عابرة للمحيط، وساعية لنشر أفكارها المتشددة في مختلف أنحاء أوروبا، وفي ألمانيا بنوع خاص.

هذه المنظمة تأسست في الولايات المتحدة عام 1988، وقد قدر لها أن تجد أرضاً خصبة في الداخل الألماني، ويعتقد أعضاؤها في عموم القارة الأوروبية أنهم "إخوة" يمارسون حياة ثقافية خاصة بهم، كما تعتبر الجماعة نفسها أيضاً نخبة حليقي الرؤوس اليمينيين المتطرفين وفقاً لوزارة الداخلية الألمانية.

في هذا الصدد كانت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر تصرح بأن حظر "هامر سكينز" بألمانيا يمثل ضربة قوية ضد التطرف اليميني المنظم، مضيقة أن الحظر شمل الفروع الإقليمية للجماعة ومنظمتها الفرعية، "كرو 38". أضافت "بهذا الحظر، نضع حداً للأنشطة غير الإنسانية لجماعة النازيين الجدد الناشطة دولياً في ألمانيا، وهذا أمر يبعث بإشارة واضحة ضد العنصرية ومعاداة السامية".

هل بذلك يمكن القول إن ألمانيا قطعت العلاقة بين المتطرفين النازيين الأميركيين ونظرائهم على الأراضي الألمانية؟

الراسخون في شؤون الجماعات اليمينية المتشددة أشد ما يخشونه هو أن الأفكار المتطرفة ليس لها أجنحة، خصوصاً في عالم وسائط التواصل الاجتماعي، وعما قريب حين يحل أوان الميتافيرس، ربما ستكون هناك صعوبات قاتلة في تحجيم أو لجم الأفكار مهما بلغ قدر خطورتها.

ألمانيا إلى أين في ظل هذا المد النازي المخيف؟ ربما على الألمان اليقظة خوفاً من الهول القادم سريعاً لا محالة.

المزيد من تقارير