Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحمد غصين يطلق صرخته الفنية فوق أنقاض مرفأ بيروت

"سيروتونين، بنزين وجسد خائن" عرض تجهيزي يجسد خراب بيروت

من أعمال غصين الفنية (خدمة المعرض)

انطلق معرض "سيروتونين، بنزين وجسد خائن... شذرات من الواقع" للمخرج والفنان اللبناني أحمد غصين في غاليري "المرفأ" الملاصق لمرفأ بيروت الذي كان انفجاره المشهود قبل سنوات، سبباً لمزيد من الحفر اللبناني في وادي الانهيار المرافق لانهيار العملة اللبنانية والشلل الإداري والانقسامات السياسية اللبنانية، ومعها مصادرة المصارف لأموال مودعيها.

إلا أن انفجار المرفأ وإعادة إعمار المنطقة المجاورة المتضررة أسهما في ظهور عشرات الغاليريهات وصالات العرض في محاولة لإحياء الحياة في تلك الشوارع المقبلة على الموت بانفجار ومن دونه، لكن الانفجار نفسه، مضافاً إليه كل الجوائح التي أصابت اللبنانيين في العقدين الأخيرين، لم ينتج خطاباً ثقافياً لبنانياً يؤرشف تلك المرحلة وينبع من معاناتها، على افتراض أن المعاناة الكبرى والجماعية تنتج فناً أو تقدم بديلاً جذرياً مع الفنون السائدة، كما فعلت حرب العالمية الأولى حين أدت صدمة الوحشية البشرية إلى ظهور حركات أدبية وفنية مثل الدادائية والسوريالية، اللتين تحدتا التقاليد والمعايير القديمة في الفن والثقافة. بل وأسهمت الحرب الأولى في منح النساء حقوقاً كثيراً ما طالبن بها، ولم ينلنها إلا بعد جهودهن في القوى العاملة في الحرب، في المصانع وعلى الجبهة.

في لبنان لم يؤسس الانهيار آلة فنية جديدة تخرج من قراراته، لم يظهر الفنانون الشباب، على رغم توفر الدعم المالي لمشاريعهم، فناً يؤرشف ما يمرون به، سواء على المستوى الشخصي بسبب تأثير الانهيار على حياتهم الفردية داخل الجماعة، أو من خلال تعبير جماعي ينقل، ولو بانعكاس المرآة، الانهيار الحاصل في كل شيء، من أعلى الهرم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي تحديداً، حتى أسفله.

 

الفن الشامل

قد يكون معرض أحمد غصين الذي يستعرض فيه عبر وسائل فنية متعددة منها الفيديو والفوتوغرافيا وفنون التجهيز والنصوص الأدبية الشارحة، مجموعة مختلفة من المسارات الحياتية التي مر بها هو شخصياً خلال السنوات الماضية، والتي يمكن تعميمها على كل فرد لبناني، إحدى البشائر الأولى لفنون تقول ما يفرزه الواقع الانهياري فيها.

في الفيديو "شو قلبك عم يوجعك؟" أو "القاع"، هذا العمل، الذي يعرض المحاولات التي مارسها كي يبقى شخصاً سوياً في ظل الانهيار، وهوسه بكيفية عمل هرمونات السعادة والاكتفاء والرضى. يتناول غصين في هذا الفيديو حالته النفسية القلقة والمتوترة، لكنه تخفيفاً من حدة التوتر يستعرض أخباراً من الصحف، تبدو أكثر غرائبية من كل ما يمر به هو نفسه، مما يجعل الفنان والمواطن في حيرة، بين أيهما مصيبته أشد، هو نفسه أم كل ما يحيط به. ومن هذه الأخبار مثلاً، مذيعة تشم رائحة الغاز من حقول النفط في عرض البحر، ثم ظهور متنبئ جديد في المدينة، أو أن يقوم صاحب مواتير الكهرباء بقطع الكهرباء عن مركز للشرطة لعدم قدرتهم على دفع الفاتورة، أو استعادة السفارة الأميركية في لبنان من الجيش اللبناني، 16 كلباً مدرباً كانت أهدتها إلى الجيش بسبب عدم توفر الطعام لهذه الكلاب. أو خبر آخر تصدر في حينه نشرات الأخبار والصحف خلال جائحة تفشي فيروس كورونا، حين أعلن وزير التربية أنه سيرسل إلى الأحياء سيارات مع ميكروفونات، لإلقاء الدروس على مسامع الطلاب المنزوين في منازلهم.

 

 

وعلى قدر ما هي حقيقية هذه الأخبار وغيرها يكون انعكاسها في مرآة نفس الفنان كأنها كوميديا سوداء، شيء ما بين الواقعي والخيالي، وما بين القدرة على تصديقه وعدم تصديقه. وهذا ما يحاول أحمد غصين نقله إلى من يشاهد عرضه. وكان قد كتب في نص التعريف بالمعرض ما يفيد هذا المعنى: "وحين تضربك موجة تنسى صوتك وترتحل في الفراغ. يتغلل العصف، يضرب عميقاً في أبعد نقطة من روحي، في أصغر نقطة من العصب الذي بت أسمع نبضه متواصلاً لا يهدأ ما إن أغمض عيني… هكذا حملتني موجة منذ عام 2019، تداخل فيها كل ما حصل في بيروت عصفاً إلى داخل جسدي، رجلاي تركضان على الكورنيش، يداي مشغولتان برفع ساعة الكهرباء وحمل غالون البنزين، نفسي مشغول بالتقاط هواء فاسد يعبئ رئتيَّ المصابتين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم ينقل غصين ما يحدث حين تنتقل المشاعر والأحاسيس من الدماغ الذي لا يستوعب ما يجري، إلى الجسد الذي يترجم كل هذه المأساة في تحكم مرضي بصاحبه، وإلى هوس في الخوف من تأثير ترجمة الدماغ لما يحدث على شكل أضرار جسدية. من هنا كانت فكرة فيديو "شو قلبك عم يوجعك؟" أو "القاع"، هذا العمل، الذي يعرض المحاولات التي مارسها كي يبقى شخصاً سوياً، في ظل الانهيار وهوسه بكيفية عمل هرمونات السعادة والاكتفاء والرضى.

يقول غصين في تعريف المعرض بشكل مباشر ما قاله في الفيديو المرافق ومن دون تظليل فني، فالانهيار المالي كان أولى الصدمات. يقول إنه قضى ساعات ينظر إلى دفتر حسابه البنكي، ليقرر أن يحول الأموال التي تمكن من الحصول عليها من البنك وهي قليلة جداً، إلى عمل فني بعنوان "عم قص مصاري قص"، وكانت ورقة الـ1000 ليرة والـ5 آلاف والـ10 والـ20 ألف ليرة لبنانية، التي فقدت قيمتها الشرائية، هي العمل، ومجموعها هو المبلغ نفسه الذي تم حجزه وسرقته، بشكل أو بآخر عبر البنك.

في معرض أحمد غصين عمل من الكاوتشوك لخريطة بيروت بعد انفجار المرفأ، يحاور عملاً فنياً سابقاً للفنان مروان رشماوي، عرض في مؤسسة "أشكال ألوان" بعنوان "أجزاء من بيروت 2019".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة