Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سبب ارتفاع أعداد "غير النشطين اقتصاديا" في بريطانيا؟

المشكلة ليست في قوائم الانتظار في المشافي أو كورونا طويل الأمد وإنما في نظام الرعاية الاجتماعية

يتعين على صناع السياسات أن يجدوا سبلاً لتشديد القيود مع الحرص على عدم معاقبة المرضى الحقيقيين (رويترز)

ملخص

على مدى العقدين اللذين سبقا جائحة كورونا، تمتعت بريطانيا بسجل هو الأفضل ضمن الدول الأكثر تقدماً، في ما يخص الأشخاص المعروفين باسم "غير النشطين اقتصادياً"، فما الذي حدث بعد ذلك؟ 

على مدى العقدين اللذين سبقا جائحة كورونا، وحتى عام 2019، تمتعت بريطانيا بسجل هو الأفضل، ضمن الدول الأكثر تقدماً، في ما يخص الأشخاص المصنفين على أنهم "خارج القوى العاملة" والمعروفين باسم "غير النشطين اقتصادياً"، أي أولئك الذين هم في سن العمل ممن لا يعملون ولا يبحثون عن وظيفة لأسباب تتعلق بمرض أو إعاقة.

ثم جاءت جائحة كورونا وعمليات الإغلاق التي رافقتها فخنقت النشاط الاقتصادي في كل مكان تقريباً من هذا العالم، لكن، ومع بدء انتعاش الاقتصادات مرة أخرى والقفزة التي تلتها، بدأت معدلات هذا النوع من البطالة بالتراجع لتنخفض بنسبة 0.4 في المئة وسطياً داخل نادي الدول الغنية، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). إلا أن في بريطانيا، وعلى نحو فريد، استمر هذا المعدل بالارتفاع ليزيد بمقدار 0.5 في المئة، فما الذي حدث؟

بحسب صحيفة "إيكونوميست" البريطانية التي عرضت للموضوع، فإن السبب المباشر ليس موضع خلاف، فعدد البريطانيين الذين يصنفون على أنهم مرضى هم أكثر من أي وقت مضى. فالبيانات الصادرة أخيراً أظهرت أن 2.6 مليون شخص، وهو رقم قياسي، غير نشطين اقتصادياً بسبب أمراض طويلة الأمد، وبزيادة قدرها 476 ألف شخص عما كان عليه الرقم في أوائل عام 2020. وهو ما يفسر، بحسب الصحيفة، سبب معاناة كثير من الشركات من مشكلة نقص العمالة وكذلك ارتفاع التضخم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدوره ذكر "مكتب مسؤولية الميزانية" Office for Budget Responsibility، وهو الجهة الرقابية المالية، أن مزيداً من الأمراض طويلة الأجل أضافت 15.7 مليار جنيه استرليني (19.6 مليار دولار)، أو 0.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى الاقتراض الحكومي السنوي بسبب فقدان عائدات الضرائب وارتفاع الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.

"إيكونوميست" حاولت تشريح الأسباب الكامنة وراء ارتفاع أعداد هؤلاء الأشخاص المصنفين "غير نشطين اقتصادياً" بمعدل لا يتناسب مع بقية الدول المتقدمة. فمن ناحية ذكرت أنه بالكاد يمكن إلقاء اللوم على فيروس كورونا أو كورونا طويل الأمد أو حتى على الصحة العقلية للأشخاص المصابين بعد الجائحة. فالأمر، بحسب الصحيفة، لم يكن حكراً على بريطانيا وإنما تعرضت بقية البلدان المقارن بها للأمر نفسه.

ثم تحولت إلى مشكلات هيئة الخدمات الصحية الوطنية (أن أتش أس) NHS: فقوائم الانتظار للعلاج ارتفعت بشكل مهول من 4.6 مليون في فبراير (شباط) 2020 إلى 7.6 مليون هذا الصيف. ومع ذلك، قالت الصحيفة، من الصعب أن يكون هذا هو السبب. فبحسب الأرقام، فإن أكثر من نصف أولئك الذين ينتظرون الرعاية ليسوا في سن العمل، كما أن أبرز العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع قوائم الانتظار بحسب نوع العلاج (كالمشكلات العضلية مثلاً) لا تتطابق مع الحالات المبلغ عنها للمرضى المصابين بأمراض طويلة الأمد (والتي ترتبط غالباً بالصحة العقلية).

برأي "إيكونوميست" فإن السبب الرئيس هو في نظام الرعاية الاجتماعية. لقد عملت حكومة حزب العمال السابقة، وكذلك الحكومات التي قادها المحافظون منذ عام 2010، على زيادة صعوبة حصول المطالبين على إعانات العجز، هذا ما ساعد في الوقاية من الاحتيال وأبقى معدلات "غير النشطين اقتصادياً" منخفضة، لكن النظام نفسه حرم البعض من ذوي الحاجات الحقيقية من المطالبة بالمساعدات الحكومية بشكل خاطئ. وفي عام 2019، وبعد عدة حالات بارزة لأشخاص قيل لهم إنهم لائقون للعمل ثم توفوا، عكست الحكومة مسارها وجعلت الحصول على هذه المساعدات أسهل بكثير. وكانت النتيجة حصول أكثر من 80 في المئة من الطلبات المقدمة في السنة المالية 2019-2020 على الموافقة، مقارنة بـ35 في المئة فقط في العقد السابق.

وفي الوقت نفسه أضيفت الحوافز التي جلبت نتائج عكسية. فالنظام القديم عمل على دفع أولئك الذين كانوا عاجزين موقتاً إلى العودة إلى العمل بمجرد تحسن حالتهم. أما النظام الجديد فزاد المساعدات بشكل كبير لمن ادعى إصابته بعجز دائم. أولئك غير القادرين على العودة إلى العمل على الإطلاق هم يحصلون الآن على ضعف ما يتوقع أن يحصلوا عليه في حال عودتهم إلى العمل في يوم من الأيام. وهذا ما يعطي هؤلاء الناس حافزاً قوياً للمبالغة في أمراضهم، وعدم البحث عن وظيفة مرة أخرى.

"إيكونوميست" رأت أنه يتعين على صناع السياسات أن يجدوا سبلاً لتشديد القيود مع الحرص على عدم معاقبة المرضى الحقيقيين، من خلال تشجيع أولئك الذين يستطيعون العودة إلى العمل، حتى ولو بدوام جزئي. وهذا يعني زيادة المساعدات المقدمة للأشخاص العاجزين موقتاً، وإعادة تقييم المستفيدين بانتظام لمعرفة ما إذا كانت صحتهم قد تحسنت، وهو أمر نادر الحدوث اليوم وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات العامة في البلاد.