ملخص
على أية حال إذا كان المواطنون البريطانيون العاديون ناقمين على حكومة حزب المحافظين، بعد أن وضعتهم في مأزق معيشي غاية الصعوبة، إذ يعد الأسوأ بين الدول المماثلة، إلا أن ثقتهم في قدرة الحزب المعارض على تحسين الأوضاع المعيشية ليست كبيرة
بدأت الحملات الانتخابية على الفور على إثر إعلان رئيس الوزراء ريشي سوناك الأربعاء الماضي موعد الانتخابات العامة في الرابع من يوليو (تموز) المقبل.
وعلى رغم أن هناك قضايا كثيرة ستثار في الحملات الانتخابية، خصوصاً من جانب حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض، إلا أن الاقتصاد البريطاني هو في قلب الحملة ويعد القضية الأهم التي تهيمن على اتجاهات التصويت.
إلى ذلك سيتبارى الحزبان في محاولة إقناع الناخبين بالعمل على مواجهة قضايا مثل الهجرة وخفض معدلات الجريمة وغيرها، لكن حتى تلك القضايا وإن بدت ظاهرياً بعيدة من الاقتصاد فهي في الأساس قضايا اقتصادية تتعلق باعتماد النشاط الاقتصادي على المهاجرين، في مقابل تقليل استهلاكهم للخدمات العامة التي تتحملها الموازنة أو توفير التمويل لزيادة أعداد الشرطة وتجهيزها لمواجهة الجرائم، خصوصاً تلك التي تستخدم فيها الأسلحة البيضاء بعد أن ارتفعت معدلاتها أخيراً.
على أية حال إذا كان المواطنون البريطانيون العاديون ناقمين على حكومة حزب المحافظين، بعد أن وضعتهم في مأزق معيشي غاية الصعوبة، إذ يعد الأسوأ بين الدول المماثلة، إلا أن ثقتهم في قدرة الحزب المعارض على تحسين الأوضاع المعيشية ليست كبيرة، ومع ذلك يتقدم العمال على المحافظين في استطلاعات الرأي بفارق يزيد على 20 نقطة.
ربما من المهم الإشارة إلى أن وضع الاقتصاد بالأساس هو الذي دفع سوناك للتعجيل بالانتخابات العامة التي كان يعتقد أنها مؤجلة إلى نهاية الصيف وربما الخريف، إضافة إلى أن البريطانيين سيصوتون على أساس من يمكنه إدارة الاقتصاد بالصورة التي تخفف أعباءهم المعيشية.
انتخابات بدلاً من خفض الضرائب
أولا كان رئيس الحكومة ووزير الخزانة جيريمي هانت يريد تأجيل الانتخابات حتى يتمكن من إعلان خفوضات ضريبية جديدة في موازنة للخريف قبل موعد الانتخابات بما يمكن أن يحسن من فرص حزب المحافظين الحاكم، إلا أن عدداً من المحللين يرون السبب الأهم وراء التعجيل بالانتخابات هو أن سوناك وهانت اكتشفا أنه ليس هناك ما يكفي في الخزانة لتمويل أي خفض للضرائب.
وعن ذلك قال غوردون راينر في صحيفة الـ"ديلي تلغراف" إن هانت حسم أمره بأنه لا يستطيع طرح خفوضات ضريبية إضافية، بينما لا يوجد في الخزانة سوى ستة مليارات جنيه استرليني (7.6 مليار دولار).
ذلك أن خفض الضرائب الذي أعلن في موازنة الربيع في مارس (آذار) الماضي بتقليل إسهامات التأمين الاجتماعية بنسبة اثنين في المئة قلل من قدرة الخزانة على المناورة، وكي يتمكن هانت من إعلان أي خفض آخر في الضرائب فإنه في حاجة إلى فائض لدى الخزانة يصل إلى خمسة أضعاف هذا المبلغ، أي نحو 30 مليار جنيه استرليني (38 مليار دولار)، ومن دون ذلك ستضطر الحكومة لزيادة الاقتراض لتمويل أي خفوضات ضريبية، وهو ما لا يريده لا سوناك ولا هانت.
أما البديل للاقتراض فهو خفض الانفاق العام بشدة، وهذا أمر شبه مستحيل في عام الانتخابات، إذ إنه سيعني زيادة حنق المواطنين نتيجة تدهور الخدمات العامة.
أما الاعتماد على احتمال النمو الاقتصادي القوي لزيادة موارد الخزانة فهذا الأمر محل شك لخضوع النشاط الاقتصادي للتقلبات، على رغم نمو الناتج المحلي الإجمال في الربع الأول من هذا العام بعد فترة ركود تقني في النصف الثاني من العام الماضي.
وهكذا يرى راينر أن ريشي سوناك أدرك أن أية موازنة لا تتضمن خفضاً للضرائب أو محفزات للمواطنين قبل الانتخابات ستضر بفرص حزبه في تحسين وضعه، بالتالي قرر أن أهون الشرين هو إجراء الانتخابات بدلاً من الانتظار وإعلان موازنة لا تتضمن رشى انتخابية في صورة خفض ضرائب أو تقديم حوافز للمواطنين.
تدهور الأوضاع المعيشية
هذا بالنسبة إلى الحكومة وقرار إعلان موعد الانتخابات، الذي كان الاقتصاد عاملاً حاسماً فيه، بالنسبة إلى الناخبين فالعامل الحاسم هو ما وصفته صحيفة "فايننشال تايمز" في تحقيق مطول لها بأنه "شعور اقتصادي سيئ يخيم على الانتخابات".
فالناخبون البريطانيون سيذهبون للتصويت في ظل ارتفاع كبير في نسبة الفائدة على القروض العقارية، مما يعني زيادة مدفوعاتهم الشهرية، كذلك الزيادة الكبيرة في إيجارات المساكن مع تباطؤ سوق التوظيف، وفي النهاية فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمال في بريطانيا يظل أقل مما كان عليه قبل أزمة وباء كورونا.
ومع أن معدل التضخم وصل إلى نسبة 2.3 في المئة، أي اقترب من النسبة المستهدفة لبنك إنجلترا (المركزي البريطاني) عند اثنين في المئة فإن الأسواق لا تتوقع أن يبدأ البنك خفض سعر الفائدة من مستواها الحالي عند نسبة 5.25 في المئة خلال اجتماعه في شهر يونيو (حزيران) المقبل.
وتعليقاً على ذلك قال مدير الأبحاث في بنك "بانميور غوردون" الاستثماري سايمون فرينش إن "ارتفاع الأسعار سيظل يرهق كاهل الأسر البريطانية، على رغم مؤشرات النمو الاقتصادي وتراجع معدلات التضخم عن مستوى نسبة 11 في المئة التي وصلت إليها العام قبل الماضي 2022، ذلك لأن الأسعار ارتفعت بالفعل بنسبة 20 في المئة منذ عام 2021".
كلفة السكن
في غضون ذلك تستهلك كلفة السكن القدر الكبر من موازنة أية أسرة بريطانية، وكان ارتفاع نسبة الفائدة على القروض العقارية من أهم أسباب تراجع ثقة الناخبين في حكومة حزب المحافظين، فهناك نحو خمسة ملايين أسرة تضررت بشدة من ارتفاع مدفوعات قروضها العقارية ما بين عام 2021 ونهاية العام الماضي.
وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي قال بنك إنجلترا إن هناك 5 ملايين أسرة بريطانية إضافية ستكون مضطرة لإعادة اتفاقات قروضها العقارية بنسبة فائدة أعلى حتى عام 2026.
أما من لا يستطيعون شراء البيوت ويلجأون لتأجير مساكنهم فيعانون ارتفاع معدلات الإيجار غير المسبوقة، فوصلت نسبة ارتفاع إيجارات المساكن في شهر أبريل (نيسان) الماضي إلى 9.2 في المئة، ونتيجة ذلك فإن اثنين من كل خمسة من المستأجرين، أي نسبة 40 في المئة، يجدون صعوبة في تدبير إيجارات مساكنهم الشهرية بحسب تقديرات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني.
ونتيجة ذلك أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يو غوف" قبل أيام أن ربع البريطانيين فحسب نسبة 25 في المئة تقريباً يوافقون على طريقة إدارة الاقتصاد، وذلك في مقابل نسبة 69 في المئة لا يوافقون على طريقة إدارة الحكومة لاقتصاد البلاد. وبحسب مؤشر "جي أف كيه" فإن ثقة المستهلكين في بريطانيا هوت إلى (سالب 19-) الشهر الماضي، في مقابل (سالب 5.3-) في الفترة من 2014 إلى 2019.
قيمة الأجور الحقيقية
ومع أن معدلات الأجور ارتفعت في الآونة الأخيرة إلا أنه بحساب التضخم فإن قيمة الأجور الحقيقية لم تختلف كثيراً عما كانت عليه قبل أزمة وباء كورونا.
وخلال كل فترة حكم حزب المحافظين من عام 2010 فإن ارتفاع القيمة الحقيقية للأجور لم يزد على نسبة 3.6 في المئة.
على رغم أن ذلك سيعني في الأغلب تصويتاً احتجاجياً لغير صالح حزب المحافظين الحاكم، إلا أن كثيراً من البريطانيين لا يرون في ما يطرحه حزب العمال حلولاً ناجعة لمشكلات البلاد الاقتصادية.
لذلك تتفتت الأصوات الاحتجاجية فيذهب بعضها لحزب العمال وبعضها لأحزاب صغيرة مثل الليبراليين الديمقراطيين أو الخضر أو للمرشحين المستقلين، مما قد يسفر عن "برلمان معلق" (أي يحصل فيه حزب العمال على أكبر عدد من المقاعد، لكن ليس بالغالبية الحاسمة التي تمكنه من تشكيل الحكومة بصورة مريحة).
خفض فواتير الطاقة
في غضون ذلك، أعلنت الهيئة المنظمة للطاقة في بريطانيا، أمس الجمعة، خفض فواتير المنازل، اعتباراً من يوليو (تموز) المقبل لتنتقل مسألة كلفة المعيشة المهمة إلى اليوم الثاني من حملة الانتخابات العامة. وكشفت هيئة "أوفغيم" أن الحد الأقصى لفواتير الطاقة لمعظم الأسر في المملكة المتحدة سينخفض بنسبة سبعة في المئة بسبب انخفاض كلف الجملة، لكنه لا يزال أعلى بكثير من ذروته قبل "كوفيد"، وسينخفض المبلغ السنوي المسموح أن تتقاضاه الشركات من الأسرة المتوسطة التي تستهلك الكهرباء والغاز في إنجلترا واسكتلندا وويلز من 1690 جنيهاً استرلينياً إلى 1568 جنيهاً (1990 دولاراً) اعتباراً من الأول من يوليو المقبل وهو ثاني خفض منذ أبريل (نيسان) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالطبع استغل الوزراء المحافظون على الفور مسألة خفض الأسعار معتبرين ذلك دليلاً آخر على أن سوناك يعمل على دفع عجلة الاقتصاد وتغيير مساره، وإن كان منتقدوه يشددون على أن الأمر يتعلق بقوى السوق أكثر منه بالسياسات الحكومية وسط أزمة كلفة معيشة مستمرة.
وعن ذلك، قالت وزيرة الطاقة كلير كوتينيو إن ذلك "ثاني أكبر خفض شهدناه"، معتبرة أنها "أنباء مرحب بها بالفعل". وأضافت "أسعار الغاز لدينا الآن أدنى من المعدل مقارنة بدول أوروبية أخرى"، قائلة "أود أن أرى الفواتير تواصل الانخفاض".
وبناء على ذلك، سيكون الحد الأقصى الجديد للسعر أقل بنحو 500 جنيه استرليني عما كان عليه في يوليو 2023، لكنه يظل أعلى بأكثر من 400 جنيه استرليني عما كان عليه في 2021، قبل ارتفاع أسعار النفط والغاز على إثر غزو روسيا، منتج الطاقة الرئيس، لأوكرانيا. وكان "حزب العمال" قد تعهد حال فوزه في الانتخابات بإنشاء شركة طاقة نظيفة مملوكة للقطاع العام، هي شركة "غلوبال بريتيش إينرجي"، بموجب خطة ينتظر أن تخفض فواتير الطاقة.
وعن ذلك قال زعيم الحزب المعارض كير ستارمر إلى قناة "سكاي نيوز" خلال حملته الانتخابية في إسكتلندا "في كل مكان أذهب إليه، يخبرني كثير من الناس أن كلفة المعيشة لا تزال تؤثر فيهم".
انتكاسة أخرى
وفي انتكاسة أخرى، أظهرت بيانات أن مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة تراجعت بنسبة 2.3 في المئة الشهر الماضي، في وقت تسبب الطقس الماطر في ابتعاد المتسوقين عن المتاجر.
من جهتها، قالت الرئيسة التنفيذية لمجموعة "سيتيزنز أدفايس" لحقوق المستهلك كلير موريارتي إن "أخبار أسعار الطاقة اليوم ستوفر بعض الراحة للأسر التي لا تزال تواجه ضغوط كلفة المعيشة"، مضيفة أن "خفض الحد الأقصى لأسعار الطاقة يخفض الفواتير قليلاً، لكن بياناتنا تظهر أن الملايين باتوا مديونين أو غير قادرين على تغطية تكاليفهم الأساسية كل شهر".