Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي دور لـ"إيغاد" في السودان بعد الطعن في حيادها؟

الخرطوم حذرت المنظمة من الانحراف عن مبادئها ومراقبون "سيؤدي فشلها المتلاحق إلى خروج الدول منها"

يتساءل مراقبون عن مستقبل عمل المنظمة في ظل ما تواجهه من انعدام ثقة (أ ف ب)

ملخص

ثمة شكوك تثار حول نشاط الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" تجاه ملف القضية السودانية بعد وصف السودان قيادتها بعدم الحيادية.

أعلنت اللجنة الرباعية المعنية بالأزمة في السودان، للهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، عن اجتماع عقدته في العاصمة الكينية نيروبي الأربعاء السادس من سبتمبر (أيلول) الجاري، لبحث تطور الأوضاع، وضم الاجتماع كلاً من الرئيس الكيني ويليام روتو، والجيبوتي إسماعيل عمر، ورئيس جنوب السودان سيلفا كير، ووزير الدفاع الإثيوبي أبراهام بلاي، بجانب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسي فكي، والسكرتير التنفيذي لـ"إيغاد" ورقنه قبيهو.

وفي حين لم تعلن منظمة "إيغاد" عما أفضي إليه الاجتماع من توصيات، إذ اكتفت بالقول إن الجلسة كانت "بناءة وموجهة، يسأل مراقبون إلى أي مدى يمكن للمنظمة المساهمة في حل الأزمة السودانية بعد الاتهام الذي وجهه السودان لها في يونيو (حزيران) الماضي بعدم الحيادية؟ وما مستقبل عمل المنظمة في ظل ما تواجهه من انعدام ثقة؟

فثمة شكوك تثار حول نشاط الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" تجاه ملف القضية السودانية بعد وصف السودان قيادتها بعدم الحيادية، وكان رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان رفض في يونيو الماضي المشاركة في دعوة وجهتها المنظمة لطرفي الصراع (القوات المسلحة السودانية، والدعم السريع) لبحث إنهاء الحرب الدائرة في السودان، متهماً قيادة المنظمة التي يرأسها الرئيس الكيني ويليام روتو بالانحياز ضد الحكومة السودانية، ومحذراً من أنه "إذا انحرفت الإيغاد عن مسارها، فنحن السودانيون قادرون على حل مشكلاتنا من دون الحاجة إلى أحد".

وضمن هذه الحيثيات يتشكك المراقبون في جملة جهود منظمة "إيغاد" في الملف السوداني، وفي مستقبل عملها بعد أزمتها هي الأخرى مع السودان الذي يعتبر أحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة.

وكان الرئيس الكيني روتو اعترف في لقاء أجرته معه قناة CNN"" الأميركية الإثنين الرابع من سبتمبر الجاري بأن المفاوضات الإقليمية التي تهدف إلى إنهاء الصراع في السودان لم تسفر عن أية نتائج حتى الآن.

عدم الحيادية

والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" (IGAD) هي منظمة أفريقية شبه إقليمية تتخذ من جيبوتي مقراً لها، وأسست عام 1996 كبديل للسلطة الحكومية الدولية لمكافحة التصحر (IGADD) التي أنشئت عام 1986 بهدف مقاومة الجفاف والتصحر الذي كانت تعانيه دول أفريقية هي جيبوتي والسودان وأوغندا والصومال وكينيا وإثيوبيا.

وفي عام 1996 اتفقت الدول الأعضاء على تعديل ميثاق المنظمة وتغيير اسمها إلى الهيئة الحكومية للتنمية ليتوسع عملها لأهداف متعددة، وتضم إليها دولاً أخرى لاحقاً كجنوب السودان وإريتريا التي فعلت عضويتها أخيراً بعد أزمة الحرب في الخرطوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف الرئيس الكيني في لقائه مع قناة "CNN" عن اتصال مع رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، أوضح فيه أنه تم التوافق على سحب السودان اتهاماته السابقة لدولة كينيا بعدم الحيادية.

وكانت الحكومة السودانية رفضت في يونيو الماضي رئاسة كينيا للجنة الرباعية لوساطة "إيغاد". وقالت الخارجية السودانية إن "التسرع الذي تبديه الحكومة الكينية في معالجة ملف الأزمة السودانية والتصريحات التي تصدر من مسؤوليها وتشير إلى استرشادها بالمبادرات الدولية لا تخدم مبدأ الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية".

وأكدت الخارجية السودانية "رفضها القاطع اختزال الحكومة الكينية ضمن دعوتها لاجتماع الرباعية توصيف الصراع في السودان على أنه قتال (بين جنرالين)، مشيرة إلى أن في ذلك تسمية مخلة بين مؤسسة القوات المسلحة الوطنية والمجموعة المتمردة عليها".

وأشارت إلى أن "تعاطي الحكومة الكينية مع ملف الوساطة بهذه الطريقة يتنافى مع المبادئ الأساسية لمنظمة الإيغاد والمتمثلة في احترام سيادة الدول وميثاق المنظمة الإقليمية."

وفي خطوة مستحدثة دعا الرئيس الكيني ضمن حديثه للقناة الأميركية إلى العمل مجدداً مع الآخرين بما في ذلك مصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بهدف الوصول إلى إحلال السلام في السودان.

دور مهم 

الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد يقول إن "المنظمات الإقليمية لها دور مهم في تحقيق التواصل والتعاون والتنمية بين الدول الأعضاء. ويقوم عملها على تعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة بين الدول، وتعزيز التفاهم والمساعدة في حل النزاعات، إلى جانب التنمية المشتركة."

ويضيف "هناك عديد من النماذج للمنظمات العاملة في خدمة المجتمعات البشرية، ويشار إلى الاتحاد الأوروبي كنموذج للمنظمات الإقليمية الناجحة، لما يلعبه من دور في تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتنسيق السياسات والاستراتيجيات المشتركة للتنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان وحماية البيئة، إضافة إلى تحقيق التفاهم والسلام داخل أوروبا."

ويتابع حامد "أوروبا لديها تجارب سالبة خاضتها في حروب وتنافس خلال مرحلة سابقة من تاريخها، واكتشفت أخيراً أهمية العامل الجماعي في خلق الاستقرار والتنمية، مما حقق اتحادها على أهداف مشتركة لا تزال تنعم بها حتى الآن، فالاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة أنشئ لتعزيز الحرية والأمن وضمان سيادة القانون وعدم التمييز. وتعد دول الاتحاد والمنطقة الاقتصادية الأوروبية جزءاً من سوق واحدة تسمح بحرية الحركة لمواطنيها. وقد حصل الاتحاد عام 2012 على جائزة (نوبل) للسلام لإسهامه في تعزيز السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا."

ويستطرد "مقارنة بذلك لا تزال المنظمات والتجمعات الأفريقية بعيدة من تحقيق أهداف واضحة لدولها، إذ يعاني بعضها فشلاً تاماً في حل المشكلات، بخاصة ما يتعلق بتحقيق السلام والاستقرار، ناهيك بتحقيق التنمية والنهضة للشعوب الأفريقية التي خرجت من الحقب الاستعمارية ولا تزال ترزح تحت وطأة التخلف."

ويوضح حامد "هذه المنظمات ما زالت تعاني مشكلات معقدة تجعلها عاجزة عن تحقيق الأهداف المرجوة، وبعضها غارق في لعبة سياسية ضيقة، مستغلاً بعض الدول لحساب أخرى، مما يفقده وظيفته المنوطة به في خلق الاستقرار والتعاون والتنمية. أما بعضها الآخر فلا يزال متأثراً بأجندة خارجية لصالح الدول الاستعمارية السابقة التي تستغل واجهة هذه المنظمات لخدمة مصالحها بواسطة الحكام الأفارقة".

ويتابع "منظمة الإيغاد ارتبط إنشاؤها بهدف تحقيق الاستقرار والتنمية لدول القرن الأفريقي، ويتحدث ميثاقها بالأساس عن الأمن الغذائي وحماية البيئة والحفاظ على الأمن والسلام وتعزيز حقوق الإنسان والتعاون والتكامل الاقتصادي وتعزيز القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي. ومثلت في السابق نشاطاً ضد النزاعات وتغير المناخ عبر جهودها ومن خلال المساعدات الخارجية. ويحسب لها دور إيجابي في مشكلة النزاع بجنوب السودان، ومتابعة انتخابات بعض الدول ضمن التحولات السياسية نحو الديمقراطية، لكنها انحرفت في الآونة الأخيرة إلى لعب أدوار سياسية قائمة على التنافس الإقليمي أخرجتها من وظيفتها الأساسية، مما جعلها موضع خلاف مع بعض الدول. وهناك دول داخل المنظمة تحاول لعب أدوار سالبة ليست في صالح وحدة وتعاون المجموعة، وبعضها مدفوع من الخارج مما ينذر بانحراف عن الغايات الإقليمية المجمع عليها."

المصالح القطرية

عباس محمد صالح الكاتب والباحث في الشؤون الأفريقية يقول إنه "على رغم تحول وظيفة منظمة الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) من قضايا ضيقة كالتصدي للجفاف والتصحر لتشمل كثيراً من الهموم والقضايا القارية فإن المنظمة لا تزال محصورة في نطاق ضيق من الأعمال، واجتماعاتها روتينية، مما أعاق التكامل الإقليمي والتعاون الحقيقي كطموح ضمن جملة أهدافها."

ويضيف "المواقف التي صدرت أخيراً من بعض الدول الأعضاء في الإيغاد تجاه الصراع في السودان وضعت صدقية المنظمة على المحك، إذ بدا واضحاً أن المصالح القطرية لبعض الدول تكون في الغالب مقدمة على أهداف المنظمة فوق القطرية مما يشكك في صدقيتها وتوجهاتها لحل الأزمات، كما كشف التصدي لملف الصراع في السودان أيضاً مدى ازدواجية المعايير والتدخلات الخارجية في أمر المنظمة بشكل فاضح، مما يمس سمعتها ودورها المنتظر."

يشير عباس إلى أن "من الطبيعي أن تظهر الخلافات والتنافسات بين الدول الأعضاء في المنظمة، لكن توظيف ذلك نحو مصالح ضيقة ومساومات يؤدي إلى إضعاف المنظمة وإخراجها من أهدافها الأساسية في الوصول إلى التكامل والتعاون والكفاءة والحوكمة."

ويضيف "أتوقع أن تظل المنظمة على المدى المنظور على حالها الراهنة إذا لم تلتفت إدارتها إلى وظيفتها الفعلية في تحقيق التعاون البناء، وأتمنى أن تتحلى بالشفافية في معالجتها للقضايا من دون تأثر بأجندة ضيقة أو إملاءات خارجية، لأنها إذا تجاهلت ذلك فستظل منظمة بيروقراطية ولن تتحول إلى كيان يقود عمليات تعاون وتكامل جدية على غرار الكيانات الإقليمية المماثلة في الدول الناجحة، وسيؤدي فشلها المتلاحق إلى خروج الدول منها."

المزيد من تقارير