Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا تتعثر في استخدام سلاح الرقائق ضد الصين

القيود المفروضة على تصدير أشباه الموصلات أداة مهمة في السياسة الخارجية لكن العواقب قد تكون خطرة بالنسبة لواشنطن والعالم

كانت الشركات الأميركية حتى وقت قريب تلعب دوراً حاسماً في مساعدة الصين على تحقيق طموحاتها التكنولوجية (أ ف ب)

ملخص

تعمل الصين الآن على مضاعفة جهودها عبر استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقلال التكنولوجي

أطلقت إدارة بايدن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي العنان لواحد من أكبر تدابيرها المضادة حتى الآن ضد الطموحات العسكرية للصين يتمثل في ضوابط التصدير، من بين أمور أخرى، على أشباه الموصلات المتطورة المستخدمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهي تدابير لا تقيد القاعدة الجديدة للشركات الأميركية فحسب، بل تقيد أي شركة مصنعة تستخدم برامج أو تكنولوجيا أميركية محددة لبناء منتجاتها.

وقال كيفن وولف الذي أدار نظام مراقبة الصادرات الأميركية من عام 2010 إلى عام 2017 إن الاعتماد الأجنبي على المعدات الأميركية يعني أن كل شريحة من هذا القبيل "على الكوكب" تخضع الآن للضوابط الأميركية.

وأثارت ضوابط التصدير قلق الصين، فيما ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ باللوم على الولايات المتحدة في تنظيم حملة لتطويق وقمع واحتواء بلاده، في حين يزعم المعلقون أن الولايات المتحدة تغلق "ستار السيليكون".

ذات يوم، استشهد النقاد مثل توماس فريدمان بسلسلة توريد أشباه الموصلات باعتبارها مثالاً رئيساً لعالم العولمة المسطح، إذ يؤدي الاعتماد الاقتصادي المتبادل إلى السلام والرخاء، والآن قامت الولايات المتحدة بتحويل الاعتماد المتبادل إلى سلاح، فالتكنولوجيا الأميركية، التي تمتد مثل خط طويل لسفينة صيد عبر نظام إنتاج أشباه الموصلات العالمي بالكامل، تعود الآن إلى الوراء.

في هذه المرحلة المبكرة من الصعب تقييم العواقب الأوسع نطاقاً للسياسة الأميركية الجديدة، ففي حين أن الصين ليست غريبة على مثل هذه التكتيكات، فقد استخدمت لفترة طويلة القيود المفروضة على الوصول إلى أسواقها الخاصة والحظر على المواد الاستراتيجية مثل المعادن النادرة لمعاقبة الدول التي تتجاوز خطوطها الدبلوماسية الحمراء، ولكن هناك نوعاً جديداً من مبدأ العين بالعين آخذ في الظهور، وبينما تستجيب الصين للتحول في السياسة الأميركية، فإن خطر تصاعد الموقف على نحو قد يضر بأمن الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي على السواء.

"سمكة بيضاء هائلة"

وكانت الشركات الأميركية حتى وقت قريب تلعب دوراً حاسماً في مساعدة الصين على تحقيق طموحاتها التكنولوجية، من خلال الشراكات والاستثمار ونقل التكنولوجيا الطوعي أو القسري، وكما قال نائب مستشار الأمن القومي لدونالد ترمب مات بوتينجر لصحيفة "نيكاي آسيا" في مايو (أيار) الماضي، "لقد رأينا سمكة قرش صغيرة، واعتقدنا أننا قادرون على تحويلها إلى دولفين، ولقد واصلنا إطعام سمكة القرش، والآن نحن نتعامل مع سمكة بيضاء هائلة".

ويصف مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن جيك سوليفان نظام مراقبة الصادرات بأنه "أصل استراتيجي" بالغ الأهمية، مما يسمح للولايات المتحدة وحلفائها "بفرض كلف على الخصوم، وحتى مع مرور الوقت إضعاف قدراتهم في ساحة المعركة"، لكن الإدارة الأميركية لا تقوم بتجويع القرش تماماً، إذ تستهدف استراتيجيتها في مراقبة الصادرات إنشاء "ساحة صغيرة" ذات "سياج مرتفع" وتتلخص الفكرة في عرقلة تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري والأسلحة المتقدمة مع محاولة الحد من التداعيات الاقتصادية الأوسع نطاقاً لهذه السياسة.

وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن الكيفية التي توصلت بها الولايات المتحدة إلى مثل هذه السياسات تشكل قصة مهمة في حد ذاتها، فهي ليست نتيجة لخطة طويلة المدى جيدة التنظيم. وتضيف الصحيفة "قبل عقد من الزمن لم يكن أحد ليتوقع أن تصبح ضوابط التصدير سلاحاً مهماً، فعندما عمل وولف في إدارة أوباما قال مازحاً إن منظومة مراقبة الصادرات تشبه إلى حد كبير قانون الضرائب، لكنها لا تتمتع بالجاذبية".

الثقب الأسود

وارتكبت شركة الاتصالات الصينية "زد تي أي" أخطاء عدة، وفي ظل إدارة أوباما، انتهكت العقوبات الأميركية ضد إيران، ومن ثم وضِعت على "قائمة الكيانات" الأميركية، مما يجعلها منبوذة تجارياً، كما لم يسمح للشركات الأخرى بتوفير سلع محددة للشركة دون إذن من الحكومة الأميركية، ولم تخرج الشركة من القائمة إلا بعد موافقتها على تغيير أساليبها ودفع غرامة قدرها 430 مليون دولار وقبول عقوبة مع وقف التنفيذ، بحسب الصحيفة.

ولكن بعد ذلك انتهكت شركة "زد تي أي" اتفاقها وكذبت في شأنها، وفرضت وزارة التجارة في عهد ترمب العقوبة مع وقف التنفيذ، مما أدى إلى قطع وصول الشركة إلى التكنولوجيا الأميركية لمدة سبع سنوات، وكان هذا بمثابة حكماً بالإعدام وأدى إلى أزمة سياسية في الصين، وبدأت الصحف الصينية تشعر بالذعر في حين روى مسؤول أميركي كبير سابق، للصحيفة، كيف استمر الرئيس الصيني شي في الحديث عن شركة "زد تي أي" في مكالمات هاتفية مع ترمب، وطلب منه تخفيف العقوبة كـ"خدمة شخصية".

وأعلن ترمب، الذي أراد بشدة التوصل إلى اتفاق تجاري مع شي رده عبر تغريدة وكان يعمل مع شي لمنح الشركة "وسيلة للعودة" إلى العمل، لأن "كثيراً من الوظائف فقدت في الصين".

وتوصل ترمب وشي إلى اتفاق تدفع بموجبه "زد تي أي" غرامة أكبر، ولكن لا يزال بإمكانها الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية، ونجت الشركة بفضل ما وصفه مستشار الأمن القومي لترمب، جون بولتون، في مذكراته لعام 2020 بأنه "الثقب الأسود" لرغبة ترمب في التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، "والذي يقلب جميع القضايا الأخرى" حوله، ولكن حتى لو كان ترمب يهتم بالتوصل إلى اتفاق أكثر من اهتمامه بعرقلة الصين، فإن المسؤولين الأكثر تشدداً رأوا الاحتمالات، فعلى سبيل المثال، لم يكن بولتون، على علم من قبل بقائمة الكيانات، على رغم أنه قال إنه "مسرور للعثور على هذه الأداة الإضافية".

عواقب وجودية على شركة "هواوي"

وفي مايو (أيار) 2019 اتخذ وزير التجارة الأميركي ويلبر روس الخطوة التالية، بإضافة شركة الاتصالات العملاقة "هواوي تكنولوجيز" إلى قائمة الكيانات لأسباب تتعلق بالأمن القومي والسياسة الخارجية، وذات يوم، قال مؤسس شركة "هواوي" رن تشنغفي للأمين العام للحزب الشيوعي جيانغ تسه مين إن "الأمة التي لا تمتلك معدات تحويل خاصة بها هي مثل تلك التي تفتقر إلى جيشها الخاص".

ويخشى المسؤولون الأميركيون من أن خطة "هواوي" لبناء الجيل القادم من البنية التحتية للاتصالات في العالم من شأنها أن تعزز الأهداف الأمنية للصين على حساب أميركا، في حين أن وضع "هواوي" على قائمة الكيانات وحده لا يمكن أن يمنعها من شراء أشباه الموصلات التي تصنعها شركات غير أميركية.

وأخبر نائب مستشار الأمن القومي لدونالد ترمب، مات بوتينجر، الصحيفة "لم نعتقد أن ضوابط التصدير سيكون لها تأثير كبير" دون دعم. أضاف "لقد وجد مسؤولو إدارة ترمب ما يحتاجون إليه في لائحة تنظيمية غامضة، أو قاعدة المنتجات الأجنبية المباشرة".

بما أن الملكية الفكرية الأميركية منتشرة في كل مكان في سلسلة توريد أشباه الموصلات، فقد كان لهذه الخطوة عواقب وجودية على شركة "هواوي"، إذ حذرت مذكرة مسربة عام 2022 من قبل تشنغفي موظفي "هواوي" من أن "الحصار المستمر" من قبل الولايات المتحدة أسهم في جعل "البقاء هو المبدأ التوجيهي الأكثر أهمية" للشركة.

وقامت إدارة ترمب بتحويل ضوابط التصدير بشكل متقطع، من خلال التغريدات العشوائية ووضع القواعد البيروقراطية العادية، وأصبح استخدامها الموسع لقاعدة المنتجات الأجنبية المباشرة الآن أساس عمل فريق بايدن ضد الصين وجهوده لحرمان روسيا من بعض المنتجات الاستراتيجية.

وتقول الصحيفة إن ما بدأ بخطوة إدارة ترمب ضد شركة واحدة تطور إلى حملة إدارة بايدن لمنع الوصول إلى التقنيات الرئيسة لدول بأكملها.

وتقول الصحيفة، "تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل هذا بفضل نقاط الاختناق في الاقتصاد العالمي، فالعولمة لم تخلق سوقاً عالمية لا مركزية كما توقع النقاد والسياسيون. وبدلاً من ذلك، ركزت السلطة بشكل منهجي في عدد صغير من الشركات الكبرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته، جادل بحث أكاديمي صدر عام 2019 حول "الاعتماد المتبادل المسلح"، بأن لدى حكومة الولايات المتحدة صلاحيات هائلة للإكراه والمراقبة، عبر استخدام نقاط الاختناق في إنتاج أشباه الموصلات، لكن استخدام نقاط الاختناق الاقتصادية بهذه الطريقة ينطوي على جانب سلبي محتمل خطر، ففي الوقت الحالي، تنتقم الصين من الولايات المتحدة من خلال التهديد بفرض قيود على المواد الأساسية اللازمة لإنتاج أشباه الموصلات، وفي المقابل ربما تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها مصادر أخرى، لكن الصين تبحث أيضاً عن نقاط ضيقة أخرى قد تستخدمها لإلحاق الألم، والخطر بالنسبة لكلا الجانبين هو تعمق دوامة الفعل ورد الفعل.

ساحة صغيرة وسياج مرتفع

واستجابة للضغط الأميركي تعمل الصين الآن على مضاعفة جهودها عبر استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقلال التكنولوجي، وكما حذر أحد كبار المحللين في مجموعة "أوراسيا"، علي واين، فإن "الشيء الوحيد الأسوأ من الاعتماد المتبادل كسلاح قد يكون عدم الاعتماد المتبادل على الإطلاق. وإذا لم تكن الصين مضطرة إلى الخوف من الانتقام الغربي، فقد تتجرأ على مهاجمة تايوان، والضغط على مطالباتها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وضد الهند والسعي إلى الهيمنة الآسيوية، وقد تتعاون دول أخرى مع الصين، أو تتجه نحو تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، خوفاً من أن تكون التالية على قائمة الدول المستهدفة بضوابط التصدير. وحتى الشركاء المقربون مثل ألمانيا، التي لديها حصة اقتصادية كبيرة في الصين، قد يجدون ولاءاتهم تتلاشى إذا لم يعرفوا أين تبدأ وأين تنتهي الساحة الصغيرة لأميركا.

أخذت إدارة بايدن في الاعتبار هذه الأخطار وغيرها، وقد يكون نهج "ساحة صغيرة وسياج مرتفع" هو أفضل الخيارات السيئة، ولكن لكي تكون هذه السياسة أقل زعزعة للاستقرار، فلا ينبغي أن تكون مفتوحة وعشوائية إلى هذا الحد، كما تقول الصحيفة.

اقرأ المزيد