Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يقضي المجتمع على ثقافة اللعب المعهودة؟

تغلق النوادي أبوابها ويتذمر الناس من أصوات لعب الأطفال فيما الشرطة على تمام الاستعداد لتطبيق قانون منع الفرح. هل نحن على بوادر نظام جديد وكئيب؟

أيام المجد: أطفال يلعبون كرة القدم سوية أيام الزمن الجميل في عام 1983 (شاترستوك)

ملخص

تغلق النوادي أبوابها ويتذمر الناس من أصوات لعب الأطفال فيما الشرطة على تمام الاستعداد لتطبيق قانون منع الفرح. هل بريطانيا على بوادر نظام جديد وكئيب 

أنا شخص يحب أطفاله كما يحب السهر في النوادي الليلية، ولذلك من المفترض أن أعجب للغاية بمفهوم "حفلات الرقص للأطفال"- إذ يشغل دي جي حقيقي في نواد حقيقية موسيقى إنما في وضح النهار، وبطابع ممتع كي يلعب الأطفال تحت العاشرة من العمر وأهاليهم بأمان معاً. لكن من دواعي الغرابة أنني بعد ثمانية أعوام من الأبوة، لم أشعر بالحاجة إلى أن أدمج هذين العالمين بعد. ليس لأن بعض الهواجس لا تزال تطاردني عن حفلة "هالوين" كنت اصطحبت ابنتي إليها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين كانت بعمر السابعة وأقفلت على نفسها داخل حجيرة لكي "تأكل كل الحلويات" في السر مع صديقتها المفضلة. بل ربما يرتبط الأمر بشكل أكبر بصورة رأيتها مرة لـ ليز تراس عندما كانت فتاة صغيرة، وهي تتظاهر برفقة أبويها ذوي الميول اليسارية ضد الأسلحة النووية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي - وهي صورة مذهلة تزيد من قلقي من أنك لو ضغطت على أطفالك كي يسيروا في اتجاه معين، فنزعتهم الفطرية نحو المشاكسة ستجعلهم يسيرون في الاتجاه المعاكس. عموماً، دعيت إلى الذهاب لحفلة عائلية راقصة بعد بضعة أسابيع من الآن، وأذهب حقاً لأنني بدأت أقلق من اقتراب نهاية المرح، للبالغين إنما أيضاً للأطفال وهذا أسوأ.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كلنا يعلم بأن الموسيقى تساعد البالغين في اللعب، سواء في ناد أو حفلة، وسواء كانوا ثملين أم غير ذلك. فالقيام بحركات سخيفة مضحكة على أنغام الموسيقى أمر يجمع الناس عبر مختلف الثقافات والأعمار والعوالم. وفيما غالباً ما يكون واقع البالغين مملاً وجدياً، نلجأ إلى الموسيقى والرقص والاحتفال باعتبارها طريقة لعب، وطريقة تواصل. لكننا نعيش أيضاً في زمن يصبح فيه من شبه المستحيل أن نجد أماكن نرقص ونمزح ونمرح فيها. فلنأخذ مثال الحفلة الأكثر شيوعاً في العالم: الزفاف. تتحول كلفة الزواج في المملكة المتحدة إلى نكتة حقيقية. إذ وصلت الكلفة المتوسطة لاستئجار قاعة زفاف في المملكة المتحدة إلى 8400 جنيه استرليني (10 آلاف و500 دولار أميركي). لا عجب في انتشار مفهوم "الزفاف المصغر" بشكل واسع هذه الأيام. ولا عجب أيضاً في تناقص أعداد المقبلين على الزواج. لكن ما يجعل الموضوع سخيفاً هو أن جزءاً لا ينتهي من قيم المحافظين (سواء الأشخاص أم الحزب الحاكم) يدور حول أفضلية الوحدات الزوجية بالنسبة إلى البشر. يحفزوننا بشكل مكشوف على الزواج عبر منحنا إعفاءات ضريبية، لكن لم يفكر أي سياسي ولا مرة واحدة في تقديم الدعم أيضاً لجزئية حفلة الزفاف الباهظة الثمن. لو أردتم التحفيز على الزواج، لبنيتم 100 قاعة مدنية في كل أنحاء البلاد وجعلتموها متاحة على مدار العام لقاء عشر السعر الحالي. 

وفي ما عدا حفلات الزفاف، نحن نعلم أن المملكة المتحدة تعاني من نزيف في الأماكن العامة التي تعزف فيها الموسيقى الحية والنواد الليلية بوتيرة كبيرة في الوقت الحالي، والأسباب في ذلك ترجع جزئياً إلى أن المجالس المحلية تميل إلى تقييد هذه الأماكن بعد تقديم سكان المنطقة شكاوى قليلة بسبب الضجيج. نعم، لا شك أنه من المزعج أن يقلق راحتك مكان قريب فيه ضجيج، لكن في كثير من الأحيان تغيب الصورة الأكبر - وهي أن المساحات التي تعزف فيها الموسيقى تجلب كثيراً من البهجة للمجتمعات المحلية - عن بال أعضاء البلدية فيما يتجاهله المسؤولون السياسيون الأرفع مقاماً. كل ذلك مزعج لكنه ليس بالجديد. منذ إقرار مشروع القانون الجنائي في عام 1994، وحتى الآن تتكرر رواية "المسؤول" الذي يقمع "المحتفلين" في المملكة المتحدة باستمرار، إرضاء لوسط صغير الحجم لكن كبير التأثير من المحافظين الاجتماعيين.   

لكنني لم أتوقع أبداً أن ينطبق هذا التمادي في القسوة على الأطفال.

الأسبوع الماضي، زارت الشرطة منازل تقع داخل زقاق في مدينة هل وأصدرت بياناً حول شكاوى قدمت في شأن أطفال يلعبون كرة القدم خارجاً. وقالت شركة Places for People، المسؤولة العقارية عن إدارة المنطقة، إن "أي لعب بالكرة بشكل متواصل ومستمر. يمكن اعتباره سلوكاً معادياً للمجتمع". ومن المزمع وضع لافتات كتب عليها "ممنوع اللعب بالكرة". يستخدم الأطفال- وأصغرهم بعمر ثلاث سنوات- هذه المساحة للهو على الدراجات الهوائية والدراجات ثلاثية العجلات والتزلج بالعجلات، كما يلعبون بالكرة، وفقاً لسكان المنطقة. وقال أحدهم لصحيفة هل دايلي مايل "لا أصدق أن أحدهم اتصل بالشرطة بسبب أطفال يلهون".   

 

من السيئ أن يجد البالغون صعوبة في اللعب، لكن تقييد قدرة الأطفال على اللعب تصرف بلا رحمة ولا يمكن غفرانه ويكاد أن يكون إساءة لهم حتى. ما أخشاه هو أن أحد الجوانب المظلمة للجائحة هي أن بعض الأشخاص اعتادوا كثيراً على وجود الأطفال داخل المنازل، بما فيهم المجالس المحلية التي تعاني ضائقة مالية وتهمل الملاعب بشكل مقلق حالياً. تناول تحليل صدر أخيراً انخفاض المبلغ المخصص للملاعب بقيمة 350 مليون جنيه استرليني منذ 2011، فيما أهملت الخبرات في تشكيل وتصميم ألعاب الأطفال، مع التخلص من المناصب المختصة بمسائل اللعب. 

وإن وضعنا الملاعب على جنب، نجد في مطالبة الأطفال عدم اللعب خارج منازلهم تماماً بعض الشر الذي يشبه روايات رولد دال. يلفت تقرير حديث أصدرته منظمة  Play England أن زهاء 40 في المئة من الآباء أحسوا بأن الأحياء التي يقطنونها لا تؤيد لعب الأطفال خارجاً. شهدت هذا التوجه شخصياً في منطقة تاور هاملتس في لندن، إذ طرح رئيس المجلس المحلي ترشحه وفق برنامج مناصر للسيارات لدرجة أن برامج شوارع المدارس، الرامية إلى الحد من حركة السير في محيط المدارس في أوقات معينة (لإبعاد رئات الأطفال عن انبعاثات عوادم السيارات السامة)، تنتهك في كل المنطقة التي ما عادت تطبق إجراءات التخفيف من السير. حصل تغير ملموس على مدار السنة في السلطة والقوة: فانتقلت من يد الأطفال الذين يسكنون المنطقة إلى السيارات التي تسيطر على المكان الآن.

إنه كابوس المرحلة النهائية في مجتمع يقوم على الحقوق إذ- كما شهدت مرات عدة في دائرتي المحلية الخاصة- يشعر السكان الأكبر سناً والأكثر إيماناً باستحقاقاتهم أنه "من حقهم" عدم الاستماع إلى أصوات الأطفال وهم يلعبون في الخارج ولا أصوات ارتطام الكرة بالسياج خلال النهار. لا يهم أن أبناء جيلهم ربما عذبوا السكان الأكبر سناً بلعبهم المستمر في الشوارع في زمن سبق وجود أجهزة التسلية المنزلية الحديثة (وربما أيضاً باستخدام المسدسات البلاستيكية أو الألعاب الخشبية التي تصدر خشخشة، بحسب الفترة الزمنية التي نعود لها). في أية حال، من الواضح وجود شعور بالامتياز لدى الجيل الأكبر، لا سيما إن نظرنا إلى ما جاء في دراسة صادرة في عام 2013 عن كون 82 في المئة من البالغين لعبوا في الشوارع في طفولتهم في مقابل 12 في المئة من الأطفال اليوم فقط. هل تريدون حل مشكلة عدم احترام حقوق الأطفال؟ امنحوا الأطفال في فترة ما قبل المراهقة حق التصويت. برأيي للأطفال في سن العاشرة من عمرهم، لكن بعضهم يذهب حتى عمر السادسة. من الواضح أن عدم السماح بالتصويت لمن هم دون سن الـ18، فيما يتوقع منهم أن يحترموا القوانين والقيم الاجتماعية التي لا يمكنهم الإدلاء برأيهم في شأنها أمر مجحف. برأيي، إن كان أي سياسي عاجزاً عن تفسير برنامجه السياسي لطفل في العاشرة من عمره، فهو لا يستحق تولي المنصب. في كتابه أعطوا الأطفال صوتاً (Give Children the Vote) الصادر في عام 2021، يكتب الأكاديمي وعالم الأخلاق جون وول أن إعطاء حق التصويت لربع سكان البلاد الذين لا صوت لهم حالياً "أمر بالغ الأهمية من أجل جعل مجتمعاتنا المعاصرة أكثر ديمقراطية. وهو ليس حل كل المشكلات لكن لا بد أن يكون جزءاً من الحل".

لا شك في أن المملكة المتحدة مكان مسل ومرح. نحن أفضل من الجميع في تنظيم المهرجانات. ونحن البلد الوحيد الذي كان من الممكن فيه لتيمي ماليت وكيث تشيغوين وبات شارب أن يصبحوا نجوماً على نطاق الوطن. مجلس نوابنا قريب من برج عال يشبه العضو الذكري اسمه بيغ بين. لست مهووساً بطفولة السياسيين لكن يبدو بأننا عالقون في حلقة حيث يحكمنا أشخاص لا تقتصر جديتهم على المظهر فحسب، بل يبدو أنهم لم يعيشوا طفولتهم أبداً، فما بالك بطفولة مليئة باللعب (أو حفلات الأطفال الصاخبة الراقصة). يعرف عن ويليام هيغ بأنه أدلى بخطاب في مؤتمر حزب المحافظين بعمر الـ16، فيما بدأ جيكوب ريس موغ بتجارة الأسهم بعمر الـ12. يمكنني الاعتياد على تقييد وسائل اللهو للبالغين لكن فكرة تدخل الشرطة لإيقاف ألعاب الأطفال تقلقني جداً ولا يمكنني تجاهلها. من سيدافع عن القدرة على اللعب واللهو في المملكة المتحدة؟  

© The Independent

المزيد من منوعات