Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سابقة في مشاريع الموازنة اللبنانية... الجباية بالدولار والإنفاق بالليرة

وضع ضريبة على نعش من يموت خارج لبنان شكل صدمة عند الرأي العام والاقتصاديين

قد يتخطى عجز الموازنة 30 في المئة عام 2024 (أ ف ب)

ملخص

من غرائب مشروع موازنة الحكومة اللبنانية لعام 2024 ضرائب على النعوش والحمير

يسجل لمشروع موازنة 2024 في لبنان، أنه جاء ضمن المهل الدستورية، وهو ما افتقدته البلاد خلال العقدين الماضيين، حيث لجأت الحكومات إلى الصرف وفق القاعدة "الإثني عشرية" لأسباب عدة منها الفراغ وعدم انتظام المؤسسات الدستورية، والأزمات السياسية المتلاحقة، ناهيك بإغلاق مجلس النواب لفترات طويلة، وصولاً إلى الانهيار المالي.

لم تخف وزارة المالية اللبنانية هدفها الرئيس من خلال الموازنة للعام المقبل 2024، فهي تعطي الأولوية لـ"تخفيض العجز". وفي سبيل ذلك، انتهجت أسلوبين: من جهة، قامت بتأجيل "مشاريع البرامج" من أجل تقليل النفقات الواقعة على كاهلها، على غرار مشاريع إنشاء أبنية خاصة بالإدارات العامة والوزارات في سبيل الاستغناء عن كلفة استئجار المباني أو إقامة وتجهيز مدارس وأبنية للجامعة اللبنانية، وتأجيل برنامج إنشاء نظام اتصالات معلوماتية بين المدارس والإدارة المركزية لوزارة التربية والتعليم العالي أو حتى مشاريع خاصة ببعض المناطق على غرار مشروع "أليسار" لتحسين الضاحية الجنوبية لبيروت، وأعمال التحديد والتحرير والكيل والمساحة، أو حتى تسديد ديون وأعباء الاستملاك، ومشروع معهد العلوم البحرية والتكنولوجيا في البترون، أو استكمال جزء من الطريق السريع بين طرابلس والحدود السورية. والمشروع لم يلحظ أي نفقات استثمارية، مما يشي بعدم وجود ترف الإنفاق على المشاريع الإنمائية العامة.

في المقابل، صبت المالية اهتمامها نظرياً على رفع المداخيل، فطلبت رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 12 في المئة، كما استحدثت "رسم بدل خدمات سريعة وطارئة لدى الإدارات العامة يسمى خدمات مأجورة"، يستوفى من الراغبين في إنجاز معاملاتهم بسرعة، حيث تنجز في اليوم ذاته أو خلال ثلاثة أيام عمل. ويوزع حاصل هذا الرسم وفق المعادلة التالية: 50 في المئة لموظفي المديرية التي قدمت الخدمات، وخمسة في المئة لموظفي الهيئات الرقابية، و10 في المئة لموظفي الإدارات التي لا تقدم خدمات، و15 في المئة لصندوق تعاضد موظفي الإدارات العامة، و20 في المئة للخزانة اللبنانية.

كما أخضعت للضريبة كل شخص طبيعي أو معنوي عندما يقوم بتنظيم حفلة فنية أو موسيقية أو ترفيهية أو غير ذلك من أنواع الحفلات المماثلة حتى قبل تحقيقه أي رقم أعمال.

الضريبة بالدولار

في موازنة 2024، تقر الدولة اللبنانية من خلال وثيقة رسمية بظاهرة "الدولرة"، وبسعر صرف الدولار المعتمد وفق تسعيرة مصرف لبنان، حيث تبلغ صيرفة حالياً 85500 ليرة لبنانية (حوالي 5.69 دولار) . وتضمن مشروع الموازنة الإجازة للمكلف ضريبة أو رسم تسديدها "من حساباتهم المفتوحة بالعملة الأجنبية لدى المصارف العاملة في لبنان بتاريخ سابق لـ18 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وذلك على أساس 40 في المئة من سعر الدولار على منصة صيرفة". ففي المادة 22 من مشروع قانون الموازنة إقرار بأن الودائع في البنوك اللبنانية لا تمتلك قيمتها الاسمية في التعاملات الفعلية.

وفي المادة التي تليها، نص المشروع على تقاضي الرسوم لقاء سلة كبيرة من الخدمات بالدولار الأميركي أو وفق التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان للدولار. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، استثنى واضع المشروع من استيفاء الرسوم بالليرة اللبنانية، تلك المتأتية من "الحصص والأرباح التي تعود للدولة اللبنانية المحددة بالعملات الأجنبية" كحصة الدولة من قطاع استخراج النفط والغاز، ومشتقاتها وبيعها. وحصة الدولة من إيرادات ألعاب كازينو لبنان، وحصة الدولة بالعملات الأجنبية الناتجة عن الشراكة مع القطاع الخاص، كذلك "رسوم المغادرة عن المسافرين بحراً وجواً بالدولار الأميركي"، "الرسوم القنصلية التي تستوفيها دوائر المفوضيات السياسية والقنصليات اللبنانية في الخارج"، "الرسوم الجمركية"، و"رسوم المطار"، والضريبة على القيمة المضافة المتوجبة على رسوم المطارات"، و"رسوم الاستهلاك الداخلي عند الاستيراد"، و"كافة الرسوم المرفئية لقاء استعمال خدمات محطات الحاويات الموجودة في المرافئ البحرية إضافة إلى رسوم التحميل والتفريغ في الباحات والمستودعات العامة والسفن (البضائع العامة) وسائر الرسوم المرفئية بما فيها الرسوم التي يدفعها الوكلاء البحريون عن السفن الأجنبية، وذلك بالدولار الأميركي النقدي".

كما عدلت قانون ضريبة الدخل، وألزمت رب العمل أن "يقتطع الضريبة من الرواتب والأجور التي يدفعها للأجير وأن يؤدي المبالغ المقتطعة إلى الخزانة بالعملة ذاتها التي دفعت فيها تلك الرواتب"، كما زادت الرسوم التي تستوفيها وزارة العمل عن الموافقات المسبقة للعمالة الأجنبية، ومنح إجازات العمل أو تجديدها، وتصديق النظام الداخلي للشركات والمؤسسات والنقابات، وغيرها من المعاملات. أدخل مشروع موازنة 2024 إلى حيز البحث والنقاش "رسوماً لخدمة جمع النفايات الصلبة ونقلها بطرق فعالة ومعالجتها والتخلص النهائي منها بطريقة سليمة بيئياً"، و"تطبق هذه الرسوم على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، العامين والخاصين، جميعاً من دون استثناء. وفق الدولار الأميركي. على أن تجبى بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف المعتمد من وزارة المالية لاحتساب الضريبة على القيمة المضافة".

ضريبة "النعوش"

تضمنت الموازنة قائمة طويلة من السلع الزراعية والصناعية والحياتية، وكان أكثرها استفزازاً للرأي العام هي تلك الضريبة على "النعوش المحتوية على جثة بشرية"، ولكن هذه الضريبة هي غيض من فيض الضرائب التي طالت الخيول والحمير والبغال والأبقار والخنازير والماعز والدجاج وغيرها من الحيوانات الحية، وكذلك اللحوم الطازجة والمبردة والمجمدة والأسماك والزبدة والقشريات والرخويات واللافقاريات المائية والألبان والقشدة ومصل اللبن والجبن والزيوت على أنواعها كجوز الهند والخردل وزيت اللفت والدهون والشحوم الحيوانية والنباتية والغليسرول وسكر القصب والسكاكر "بما فيها الشوكولاتة البيضاء"، وحبوب الكاكاو، وخلاصات الشعير والخضر والفواكه وأجزاء النباتات والشاي والمتة والبن والحساء والصلصات والكحول والخل والدقيق والسميد إضافة إلى الفحم الزفت وزيوت النفط والهلام النفطي (الفازلين) والكربون والهيدروجين والفليور والكلور والدهانات والأوان ومواد الدباغة والأسمدة والزيوت العطرية ومستحضرات التجميل والبارود والألعاب النارية وحبر الطباعة وغيرها المئات من المواد الأولية والاستهلاكية.

لم تسلم الأوراق والكرتون وأقلام الحبر الجاف والطبشور والألواح وأفلام التصوير الفوتوغرافي من "ضريبة البيئة". وكذلك الملابس الرياضية والداخلية وألبسة الأطفال والحفاضات والفوط و"الكورسيه" المشدات والجوارب والكثير من المنسوجات والمصنوعات الزجاجية والمعدنية والساعات والأدوات الموسيقية.     

الملكية الأدبية

 كما فرضت رسماً مالياً على طلبات براءات الاختراع بقيمة مليون و250 ألف ليرة لبنانية ( حوالي 83.29 دولار)، كما فرضت ضرائب على إيداع الأعمال المطبوعة والأفلام السينمائية أو صورة أو رسم خريطة أو بطاقة بريدية أو صورة شمسية أو نشرة يومية أو دورية، كما تضمنت رسماً للحصول على ترخيص لاستثمار مؤسسة سياحية والحصول على إفادة تأكيد استمرارية الاستثمار. إضافة إلى استحداث رسوم في المديرية العامة للتعليم العالي على طلبات الاعتراف بدراسة أو شهادة جامعية ومعادلتها، وعلى المعاملات والإفادات والمصادقات وامتحانات "الكولوكيوم" التي تنجز في المديرية العامة للتعليم العالي.

تضمن مشروع قانون موازنة 2024 تعديلاً لقانون "طابع المختار"، وأصبح بقيمة 50 ألف ليرة لبنانية( نحو 4 دولار)، "على كل مختار أن يلصق الطابع على جميع المعاملات والإفادات والمصادقات الصادرة عنه، كما على الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات وكافة المراجع المعنية عدم تسلم المعاملات الصادرة عن أي مختار إذا لم تتضمن الطابع المختار".

سؤال الشفافية والفاعلية

يعتقد محللون أن الحكومة ذهبت إلى الطريق الأقصر لتمويل العجز من خلال "مد يدها إلى جيوب المواطنين الفقراء بدلاً من إقرار الإصلاحات واسترداد الأموال المنهوبة أو مواجهة الاعتداءات على الأملاك العامة البحرية والنهرية التي تقدر أعداد المخالفات فيها بـ10 آلاف مخالفة، يمكن أن تدر 300 مليون دولار إلى الخزانة وكذلك المشاعات والأراضي المصادرة أو حتى المطالبة بالمستحقات والغرامات في الكسارات والمرامل التي تتراوح بين نصف المليار والمليار دولار"، "ولم تأت على ذكر التهريب لفائدة جهات معينة أو حتى تصنيف الودائع إلى مؤهلة وغير مؤهلة الذي يجب أن تنجزه لجنة الرقابة على المصارف"، بحسب قراءة الدكتور بلال علامة الذي يضيف "لا توجد دولة تجبي ضرائبها بالعملة الأجنبية، وتنفق بالعملة الوطنية".

يعتقد أن "هدف موازنتي 2023-2024، هو تسديد الخسائر من حساب المواطن اللبناني، وكما أنها لا تسمح لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي طالب تخفيض العجز إلى أقصى حدود من خلال الإصلاحات، وهذا ما لا ترغبه السلطة التي تهربت من إقرار القوانين المطلوبة، حيث غابت البنود الإصلاحية أو البنود الاستثمارية عن الموازنة"، مضيفاً "نعيش في ظل الاقتصاد النقدي ولم يعد هناك طريقة لسحب الأموال إلا من خلال الضرائب الكثيرة المفروضة".   

ينوه علامة إلى "اعتماد الحكومة لسعر الصرف 85500 ليرة لبنانية، وهذا يعني أنه ثبت على هذا النحو بديلاً عن سعر 1500 ليرة"، لافتاً إلى "تماهي هذه الرسوم مع مطالب حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري الذي أعلن عن وقف تمويل الدولة مطلقاً، مما دفع الحكومة إلى البحث عن إيرادات بطريقة جنونية لتغطية الإنفاق والمصاريف التشغيلية بعيداً من الاستثمارات وقوانين البرامج".

لا يستبشر علامة خيراً بهذه الموازنة، مشككاً بنسبة العجز المقدرة بـ5.13 في المئة. ويعلل موقفه بأن "لم تذكر وزارة المالية الأرقام الحقيقية لواردات الأعوام السابقة"، معتقداً أن "العجز سيفوق نسبة 25 في المئة"، و"قد عمدت الوزارة إلى تحويل مبالغ تفوق 80 ألف مليار ليرة لبنانية (نحو 90 مليون دولار) إلى حساب احتياطي الموازنة، التي في حال لحظها قد يفوق العجز الـ30-35 في المئة". 

يعلق علامة على تضمين مشروع الموازنة مادة تسمح للدولة بالاستدانة من خلال طرح سندات الخزانة في ظل "إعلان الحكومة اللبنانية التخلف عن السداد"، وهو ما يعتبر شكلاً من أشكال الإفلاس، قائلاً "لا أحد يشتري السندات من دولة مفلسة من وجهة نظر العلم المالي والضريبي، وهذا يخلق مخاوف من اللجوء إلى الطريقة اللبنانية لناحية عرضها لقاء فوائد عالية جداً من أجل تغطيها، أو تحويل المنافع إلى البعض من النافذين".