Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانفجار العظيم يضاعف تاريخه ويقلق علوم الفلك

البحوث عنه تتصل بنظريات النسبية والثقوب السوداء والفيزياء الكمومية

نظرية أينشتاين عن النسبية أسهمت في وضع الفرضيات العلمية عن عمر الكون (اندبندنت عربية/ جنكرافت)

ملخص

حرك فريق من جامعة أوتاوا الكندية نقاشات كبرى في علوم فيزياء الفلك عبر دراسة تقدم براهين على أن عمر الكون يقارب 27.6 مليار سنة، أي ضعفي ما قدرته نظرية الانفجار العظيم التي باتت موضع نقد متجدد.

لعلها مجرد مصادفة أن تترافق ضجة عرض فيلم "أوبنهايمر" مع خبر عن تجدد نقد نظرية "الانفجار العظيم" في شأن عمر الكون، عبر بحث مدقق أنجزه فريق علمي من "جامعة أوتاوا" الكندية عمل تحت قيادة البروفيسور راجندرا غوبتا، إذ راجع ذلك الفريق مجموعة البيانات التي رصدها "تلسكوب الفضاء جيمس وويب" James Webb Space Telescope، فتبين لهم أن الزمن الذي يفصلنا عن نقطة بداية تشكل الكون الذي نعرفه يصل إلى ضعفي ما توقعته نظرية الـ"بيغ بانغ"، فيسجل 27.6 مليار سنة.

لكن، ما الذي يربط عمر الكون مع العالم الأميركي المثير للجدال روبرت أوبنهايمر الذي ذاع صيته منذ استهدافه في أواخر أربعينيات القرن الماضي بمزاعم لم تصمد طويلاً عن تسريبه أسرار القنبلة الذرية؟ ربما يفيد في ذلك الرجوع إلى كتاب "الكون الطفل والثقب الأسود" (1994) الذي وضعه العالم الراحل ستيفن هوكينغ الذي ارتبط اسمه بظاهرة الثقوب السوداء، وبالرقم الشائع عن عمر الكون، أي ما يتراوح ما بين 13.6 و13.8 مليار سنة.

ففي ذلك الكتاب، يستعيد هوكينغ قصة التفكير العلمي المعاصر في عمر الكون. وقد ابتدأ ذلك مع العالم الشهير آلبرت أينشتاين ونظريته عن النسبية التي رسم فيها صورة للكون بأبعاد وحدود ثابتة. وفي 1929، أثبت العالم الأميركي إدوين هابل أن الكون يتمدد باستمرار، مما يعني أن حدوده ليست ثابتة. وفي قصة معروفة، استضاف هابل أينشتاين في مرصده، ووضع بين يديه البيانات عن تمدد الكون، خصوصاً ظاهرة "الانزياح إلى الأحمر" Red Shift بمعنى ميل موجات الضوء الآتي إلينا من النجوم إلى الهبوط نحو مستوى موجات اللون الأحمر في مروحة طيف الضوء المرئي، وهو ما يحدث حينما يبتعد مصدر الضوء عنا، ويحدث العكس مع اقترابه منا فتميل موجاته نحو الضوء الأزرق. واقتنع أينشتاين ببراهين هابل. ووصف معادلته التي وضعها عن ثبات حدود الكون، بأنها غلطة كبرى.

الكون في نقطة الـ"بيغ بانغ"

بعد عقود مما حدث مع هابل وأينشتاين، فكرت مجموعة من علماء الفلك من بينهم روجر بنروز وستيفن هوكينغ، بأن تمدد الكون يوحي أيضاً بأنه كلما رجعنا في الزمن إلى الوراء، تكون أرجاء الكون أكثر تقارباً من بعضها البعض. وبرز سؤال عن وجود زمن كان فيه الكون كله متجمعاً في نقطة واحدة، ثم ابتدأ تشكله منها. وباختصار مملوء بعدم الدقة، ليس ممكناً أن يتجمع الكون في نقطة واحدة إلا على هيئة طاقة هائلة فائقة الضخامة. ولتوضيح ذلك، يجدر العودة مرة أخرى إلى أينشتاين، بالطبع. لقد وضع ذلك العالم معادلته الشهيرة عن تبادل الطاقة والمادة التي تعني أنه يمكن النظر إلى كل مادة في الكون باعتبارها طاقة، والعكس صحيح، بمعنى أن الطاقة حينما "تبرد" تتحول إلى مادة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعل أحد التغييرات الكبرى التي أحدثها أينشتاين في العلم الحديث تتمثل في اختفاء الحدود الراسخة في العقول تاريخياً، بين المادة والطاقة.

وقد أتاح ذلك التغيير للعالمين بنروز وهوكينغ أن يفكرا بأنه من المستطاع التفكير في أن الكون كله قد يتجمع وينضغط في نقطة واحدة إذا تخيلنا أن كل مادة فيه ليست سوى طاقة، بالتالي يغدو مستطاعاً تصور نقطة واحدة فيها طاقة ضخمة مهولة ومكثفة تماماً، ويفوق الضغط فيها حتى حدود الخيال.

وإذ تنفجر تلك النقطة، فإن الطاقة تتنشر وتمدد، و"تبرد" الطاقة فتشكل الذرات ثم الجزيئات ثم المواد المختلفة التي يتألف منها الكون بكواكبه ونجومة ومجراته وغيرها.

ولنتذكر مرة أخرى أن الكلمات السابقة ليست سوى وصف تبسيطي مختصر لمسائل فائقة التعقيد، ليس أقلها أن أينشتاين ربط الزمان بالمكان [أشار إلى تداخلهما معاً بمصطلح الزمان - المكان Space Time، وقد جعل الزمان مرتبطاً بسرعة الضوء]. واستطراداً، تعني تلك الصورة أن "الانفجار العظيم" أدى إلى تشكل المادة التي تكون المكان، إضافة إلى أنه صنع الزمان المتداخل معه أيضاً.

واستكمالاً، يحتوي الكون بعض المناطق، بالأحرى النقاط، التي تشبه نسبياً نقطة الـ"بيغ بانغ"، بمعنى أنها تحتوي كميات ضخمة من أحد أشكال الطاقة، هي الجاذبية، التي تكون كثيفة إلى حد أنها تبتلع كل ما يقترب منها، ولا شيء يستطيع الإفلات من جاذبيتها الهائلة ولا مغادرتها والهرب منها. وينطبق ذلك الوصف على الضوء الذي يسير، بالاحرى تحرك موجاته، بسرعة هائلة، لكنه لا يفلح في مغادرة تلك النقاط الكثيفة الجاذبية التي تعرف باسم "الثقوب السوداء" Black Hole.

 

واستكمالاً، لعل العمل الأبرز للعالم الراحل هوكينغ يتمثل في إثباته أن تلك الثقوب ليست سوداء تماماً، بل تخرج منها أنواع معينة من الموجات، سمي بعضها على اسم ذلك العالم. وفي السنوات الأخيرة، تبين أن هنالك أشياء كثيرة "تخرج" من تلك "الثقوب السوداء"، خصوصاً الطاقة، لكن ذلك يحتاج إلى نقاشات مستقلة.

جاذبية القنبلة الذرية

نعود إلى أوبنهايمر. قبل ظهور "مشروع مانهاتن" الذي تولى إدارته العالم أنريكو فيرمي، انكب أوبنهايمر على دراسة فيزياء الفلك. وتوصل إلى وضع نظرية عن تكون نقاط كونية فيها جاذبية وطاقة هائلة وكثيفة بحيث لا يفلت منها الضوء. واحتسب أوبنهايمر أن تلك النقاط تأتي من انهيار نجم عملاق، أو شمس عملاقة لأن النجوم هي شموس، إذا "تكوم" على نفسه وتتابعت آليات انضغاطه، فصار شيئاً فائق الصغر، لكنه يمتلك طاقة جاذبية هائلة لا يستطيع شيء الافلات منها، ولا حتى الضوء.

لم يصل أوبنهايمر إلى تصور عن ثقب أسود. ووفق هوكينغ في كتاب "الكون الطفل"، انصرف أوبنهايمر بسرعة عن دراسة النقاط الفائقة الجاذبية والكثافة، بسبب اجتذابه إلى "مشروع مانهاتن" عن القنبلة الذرية.

وبعد الحرب العالمية الثانية، انصرف بنروز وهوكينغ العمل على نظرية الثقوب السوداء التي يتضمن العمل عليها بالضرورة، الاشتغال على الوضعية الأولى في لحظة الـ"بيغ بانغ" التي ابتدأ تشكل الكون منها.

وثمة جهود علمية كثيرة تساوقت وترافقت مع أعمال بنروز وهوكينغ. وأدت تلك الجهود العلمية إلى بلورة نظرية الـ"بيغ بانغ"، مع احتساب أنها حصلت بين ما يتراوح ما بين 13.6 و13.8 مليار سنة.

وفي عام 2021، أعلنت وكالة "ناسا" أن مجموعة من الفرق العلمية راجعت الأرقام عن عمر الكون، وتوصلت إلى تحديده بقرابة 14 مليار سنة. ولم يشكل ذلك الإعلان تعديلاً أولاً على عمر الكون الذي شكل موضع تباينات ونقاشات علمية جمة.

العلم قابل للتغير والنقد والنقض

وفي أواخر أغسطس (آب) 2023، استيقظ العالم على دوي مذهل للإعلان عن تضاعف عمر الكون. ليس بالأمر البسيط القول إن علوم الفلك قد أخطأت إلى هذا الحد في تحديد عمر الكون. يكفي تذكر أن علوم الفلك تترابط بشكل وثيق مع فيزياء الذرة [انتقال أوبنهايمر عن معادلات الفيزياء الفلكية إلى العمل على القنبلة الذرية، ليس مصادفة]، وكذلك مع نسبية أينشتاين والفيزياء الكمومية. ويحمل ذلك الأمر أبعاداً عدة، ربما يفيد تذكر واحدة منها تتمثل في أن العلم ليس جامداً ولا خشبياً، بل إنه يمثل عمل العقل البشري في تقصي الكون وظواهره، بما في ذلك الإنسان نفسه، ما يعني أنه يتغير ويتجدد باستمرار. وفي العمق، يشكل ذلك التجدد أحد نقاط القوة في صدقية العلم وموثوقيته، وليس العكس وفق ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان التي قد تجد صعوبة في التعامل مع العلم بوصفه حدوداً مرنة ومتغيرة ومتفاعله وتتجدد باستمرار. ولعله يفيد استحضار مقولة شهيرة للمفكر الألماني كارل بوبر، أحد فلاسفة العلم في القرن العشرين. وقد شدد بوبر على أن العلم متغير وقابل للنقد والنقض، وما لا ينقد ولا ينقض لا ينتمي إلى العلم، بل يكون أقرب إلى الدين والأيديولوجيا. والأرجح أن تضاعف عمر الكون في نظر العلم من المحطات التي تفيد في استعادة ذلك النوع من النقاش الفكري النقدي في شأن العلم. وللحديث صلة.

المزيد من علوم