ملخص
لين ونايا وألكسندرا وأطفال إحدى الحضانات قضاياهم صدمت المجتمع اللبناني، ولكن ماذا عن القضايا التي تبقى طي الكتمان؟
قضايا عدة تتعلق بالأطفال شغلت الرأي العام اللبناني أخيراً، فإذا بنا نشهد تكرار الأخبار ومقاطع الفيديو التي تظهر انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال. من القضايا التي هزت الرأي العام، الطفلة لين طالب التي توفيت بعد تعرضها للاغتصاب من قبل خالها، والطفلة نايا حنا التي توفيت على أثر إصابتها بالرصاص الطائش، وأطفال إحدى الحضانات الذين تعرضوا للتعنيف الجسدي والمعنوي المتواصل فهزّت مقاطع الفيديو المجتمع بما تضمنته من مشاهد صادمة. هذا من دون أن ننسى الطفلة ألكسندرا نجار التي قضت في إنفجار مرفأ بيروت وقد أدمت القلوب بصورها التي اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي، وقضايا الأطفال الذين عاشوا معاناة داخل جمعيات ومنها "قرية المحبة والسلام" التي أقفلت بالشمع الأحمر بسبب مخالفات فاضحة بحق الأطفال. لكن، ثمة آلاف القضايا الأخرى لأطفال لم تخرج إلى العلن، ولم تأخذ هذا الحيز من الاهتمام على رغم المآسي التي عاشوها.
القضايا العلنية
التزم لبنان في دستوره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 والمواثيق الدولية الراعية لهذه الحقوق، ومنها الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، وصدّقت عليها الحكومة اللبنانية في عام 1990. نصّت الاتفاقية على العديد من هذه الحقوق كحق الطفل في الحياة، وحق التعبير عن أرائه بحرية، وحقّه في الحماية من أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية، أو النفسية، أو الإهمال أو الاستغلال كافة، وغيرها من الحقوق، لكن يبدو واضحاً أن الواقع على الأرض مغاير.
في الواقع، شغلت القضايا الأخيرة الرأي العام، لأن أصحاب العلاقة أرادوا ذلك، وفق ما أكدته مسؤولة القسم القانوني المتعلق بقضايا الأحداث في جمعية "حماية" باسمة روماني، سواء في قضية لين طالب، أو أطفال الحضانة، أو نايا، أو غيرها من القضايا التي تكررت فيها الانتهاكات بحق الطفولة. ففي الواقع، ليس لقضية طفل أهمية تتخطى أخرى، لأن كل قضية يحصل فيها انتهاك حقوق الطفل هي مستفزة بذاتها. أما قضية لين طالب، فشكلت صدمة في المجتمع وعلى مستوى القضاء، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تُغتصب فيها طفلة وتحصل الوفاة بسبب هذا الفعل. فثمة جريمة قتل هنا للطفلة من قبل ذويها، إضافة إلى الاغتصاب عندما لم تُقدم لها العناية الطبية اللازمة. فلو لم تُقتل لين، كان من الممكن ألا يظهر الرأي العام كل هذا الاهتمام بالقضية، وكان من الممكن تسخيف جريمة الاغتصاب والتستر عليها، كما يحصل في كثير من الحالات. إذ تعتبر قضايا اغتصاب الأطفال عديدة في البلاد، لكنها صادمة ومؤلمة دوماً، أياً كانت الظروف. وتشير روماني إلى وجود حالات حمل وولادات جراء اغتصاب أطفال من أحد أفراد العائلة، لكنها قضايا لا تخرج كلها للعلن، فتبقى طي الكتمان. "في الواقع، "حماية" كجمعية تعنى بالدفاع عن الأطفال وحقوقهم تفضل ألا تخرج كل قضايا الأطفال إلى العلن. فثمة حالات كثيرة يتعرض فيها الأطفال للأذى عندما لا تتناولها بعض وسائل الإعلام بالطريقة المناسبة، خصوصاً في حال نشر الاسم والصورة والتداول بكافة التفاصيل الخاصة بالطفل".
المتابعة لمنع التدخلات
في قضية لين طالب، تميز النائب العام الإستئنافي سمرندا نصار بالإصرار والعزم في البحث عن أسباب وفاة الطفلة. وهذا ما أسهم في بلوغ هذه المرحلة المتقدمة في التحقيقات بالسرعة المطلوبة. إذ يتطلب الوصول إلى الحقيقة دوماً إصراراً مماثلاً من النائب العام الاستئنافي وشغفاً في العمل، سواء خرجت هذه القضية إلى العلن أو لا. وقد لا يكون لدى الكل الشغف نفسه في البحث عن الحقيقة، ما قد يؤخر مسار التحقيق، كما في أي مهنة أخرى.
لكن، إضافة إلى هذا العامل الأساسي، تحصل المشكلة لدى وصول الملف إلى الهيئة الاتهامية أو محكمة الجنايات بوجود التدخلات، والوساطات، والضغوطات. فيُقفل الملف من دون أن يعرف أحد ما حصل ومن دون محاسبة، وقد حصل ذلك مراراً في السابق. تشدد روماني هنا على دور الإعلام الأساسي في متابعة القضية ومجرياتها حتى لا تُنسى مع مرور الوقت. ومما لا شك فيه أن هذه القضايا الأخيرة أخذت حيزاً أكبر من الاهتمام في الإعلام والمجتمع، لكن الأهم متابعة مجرياتها، وهذا ينطبق على أي قضية تخص الأطفال. هذا، إضافة إلى أهمية تسريع إجراءات المحاكمة والتحقيقات لإقفال الباب أمام التدخلات. بعد صدور القرار الظني في قضية الطفلة لين، من المفترض تسريع إجراءات المحاكمة في محكمة جنايات الشمال حتى تنزل المحكمة بالمرتكبين العقوبة التي يستحقونها على فعل الاغتصاب والتستر على الجرم والقتل. فما يجب توضيحه أن القرار الصادر في قضية لين طالب قرار ظني ولا يزال المسار طويلاً بين الهيئة الاتهامية ومحكمة الجنايات. لذلك، ثمة دور مهم للإعلام في الضغط المستمر والملاحقة حتى يصدر القرار القضائي المنصف في نهاية هذا المسار، فلا تدخل القضية طي النسيان وينتهي الأمر بإخلاء سبيل المتهم، كما يحصل في قضايا كثيرة، خصوصاً عندما تحصل تدخلات ووساطات، كما حصل عندما قرر أحد القضاة تبرئة والد اغتصب أطفاله لعدم وجود أدلة كافية. فلا بد من متابعة تفاصيل هذه القضايا والتحقق ما إذا كان القضاء يقوم بدوره كاملاً حتى النهاية وإلى حين الوصول إلى الحقيقة لمحاسبة الجناة على جرمهم، بما أن العبرة هي في صدور الأحكام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي مراحل سابقة، كانت هناك ملفات شغلت الرأي العام ثم زال كل أثر لها. عندما تبدأ التحقيقات وتتدخل النيابة العامة تحصل توقيفات، لكن تحصل المشكلات في إخلاءات السبيل للجناة عندما يتوقف التداول بالملف وتدخلات من جهات عدة. كما أن إجراءات المحاكمات في لبنان تطول كثيراً وهي بطيئة للغاية، منذ ما قبل الأزمة فكيف بالأحرى الآن، إلى درجة أن الناس ينسون القضية المعنية وينشغلون بقضايا أخرى جديدة. حتى أن لا أحد يسأل لاحقاً عما حصل في ذاك الملف الذي كثر التداول فيه وبتفاصيله في مرحلة سابقة، عندما تطول المحاكمات.
العنف والضرب والاغتصاب أكثر أشكال انتهاكات حقوق الأطفال شيوعاً في لبنان، وغالباً ما تحصل على يد أحد أفراد العائلة، ما يزيد من هول هذه الأفعال ومن تداعياتها على الأطفال.
قوانين موجودة صعبة التنفيذ
في لبنان، يوجد قانون خاص للأحداث المعرضين للخطر والمخالفين للقانون رقم 422/2002. ولكن ثمة حاجة إلى تعديل مواد كثيرة فيه، خصوصاً في ما يتعلّق بتعريف الخطر على الطفل ليتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل، وفق روماني. فالتعريف الوارد فيه لا يشمل مختلف أنواع العنف. كما لا يتساوى الأطفال في قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بكل مذهب وطائفة في لبنان، وهم لا يستفيدون من الحقوق نفسها أمام محاكم الأحوال الشخصية. وبالنسبة للقانون 422/2002، التحدي اليوم في استحالة تطبيق بعض الأحكام القضائية في ظل التفكك الحاصل في مؤسسات الدولة، وسهولة التهرب من المسؤولية، وعدم التزام تطبيق الأحكام والقرارات القضائية. ومن القوانين المتعلقة بالأطفال العالقة في البرلمان، اقتراح لتعديل القانون 422/2002، كانت "حماية" قد تقدمت به منذ عام 2021 لوزارتي العدل والشؤون الاجتماعية لتقديم اقتراح تعديل موحد للمجلس النيابي، ولكن حتى اليوم لم يحصل ذلك. وما لحظته "حماية" في اقتراح التعديل ألا يسري مرور الزمن في جرائم التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي المرتكبة بحق الأطفال.
وفي قضايا التحرش الجنسي بشكل خاص، المشكلة أن القضاء يطلب دلائل حسية ومادية ملموسة تؤكد حصول التحرش، وهو ما يصعب إثباته، فيكون الطفل عرضة لمزيد من الخطر، فيفلت الجاني من العقاب. إضافة إلى أن العقوبات في جرائم التحرش الجنسي او الاعتداء الجنسي على الأطفال لا ترقى إلى مستوى الفعل.