Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التخلص من بريغوجين قد يبدو نصرا لبوتين لكنه باهظ الثمن

مهما كانت الحقيقة التي أدت إلى مقتل زعيم مرتزقة "فاغنر" فإن التداعيات ستكون خطيرة بالنسبة لروسيا

من المعروف عن الرئيس الروسي أنه لا ينسى أولئك الذين يعتبرهم خونة (غيتي)

ملخص

ما يمكن أن يعتبر انتصاراً حققه بوتين على الساحة الداخلية من خلال التخلص من بريغوجين قد يكون خسارة بالنسبة إلى روسيا في الخارج وتحديداً في أفريقيا.

لأسابيع عدة، بقي سؤال واحد ملح بانتظار إجابة من الكرملين: كيف نجح زعيم مجموعة مرتزقة في قيادة قواته في عملية تمرد قصيرة الأجل ضد كبار القادة العسكريين الروس ثم تمكن لاحقاً من التنقل بحرية مطلقة في طول البلاد وعرضها، وحتى في دول العالم، من دون أي محاسبة؟ هذا على رغم التحذيرات التي أطلقها الرئيس بوتين في بداية عملية التمرد بأن ما جرى يمثل عملية خيانة وأن البلاد مهددة بالانزلاق إلى حرب أهلية وأي من المسؤولين عن ذلك لن يفلتوا من العقاب.

يوم الخميس من هذا الأسبوع، وتحديداً بعد مرور شهرين كاملين على عملية التمرد، يبدو أن الإجابة على ذلك السؤال قد وجدت. إذ تحطمت واحدة من طائرتين خاصتين كانتا في طريقهما من موسكو إلى سان بطرسبورغ في منطقة تفير. ومن بين الركاب العشرة المدرجين على قائمة ركاب الرحلة كان اسم يفغيني بريغوجين، زعيم مجموعة "فاغنر" المرتزقة، إضافة إلى نائبه، دميتري أوتكين.

وكما هو معلوماً، فقد قاد بريغوجين التمرد بينما أوتكين هو مؤسس مجموعة "فاغنر"، ويقال إنه قد أطلق على المجموعة اسم "فاغنر" نسبة إلى لقبه الذي عرف به عندما كان عضواً في القوات الخاصة الروسية وخدم في حروب الشيشان.

لكن كيف وقع حادث تحطم الطائرة؟ هل نحن أمام عملية انتقام مبتذلة وعديمة الرحمة أو أمام عملية أكثر تعقيداً؟ هل يمكننا حتى استبعاد اعتداء من جهة معادية؟ ولكن ومرة جديدة، ما هو الدليل الذي بحوزتنا لاعتبار أن بريغوجين قد قتل، بدلاً من أن يكون أخفي بشكل يلائم الجميع؟ وهل ربما كان ذلك مجرد حادث؟ لقد تحسنت نسبة الأمان في قطاع الطيران الروسي بشكل كبير منذ زمن الاتحاد السوفياتي ولكنه لم يتحسن بشكل مطلق.

على رغم خيبة الأمل التي ربما تكون قد أصابت بعض الميالين للإيمان بنظريات المؤامرة، بدت التقارير الأولية والتالية وحتى اللاحقة وكأنها تتفق على النظرية الواضحة للغاية وهي أن الطائرة أسقطت عن عمد، فيما بدا أنها عملية هجوم انتقامي. هذه التقارير كان مصدرها في الوقت نفسه، الإعلام الرسمي الروسي ومواقع تواصل اجتماعي قريبة من مجموعة "فاغنر". الشك [بأسباب الهجوم] كان يدور بشكل أقل حول الدوافع من الطريقة [التي أسقطت بها الطائرة]: هل جرى تلغيم الطائرة قبل إقلاعها، أو كما أشارت بعض التقارير أسقطت أثناء تحليقها في الجو بواسطة قوات الدفاع الجوي الروسية؟ أحد التقارير الروسية المثيرة تحدث عن فتح تحقيق في إمكانية حصول انتهاك قوانين الأمان الجوية الروسية، كما لو أن الطائرات التابعة لـ"فاغنر" لم يكن لديها تصاريح الطيران المطلوبة للقيام برحلاتها.

أما النظرية الثانية، فقد تكون لها أهمية خاصة ومفيدة. ففيما كان بريغوجين وقافلته المسلحة يشقون طريقهم نحو شمال البلاد من مدينة روستوف على الدون، في 24 يونيو (حزيران)، في المرحلة الأولى لما وصف في حينه، بأنه كان مسيرته نحو موسكو، قامت تلك القوات بإسقاط طائرة واحدة على الأقل تابعة للقوات الجوية روسية، وما لا يقل عن ست مروحيات، فيما بدا أنها كانت المواجهات الوحيدة التي جرت خلال محاولة التمرد تلك. الرئيس بوتين كان أشار بعد ذلك إلى مقتل طيارين روس من دون تحديد عددهم. فإذا كان سلاح الجو الروسي قد قام بإسقاط طائرة بريغوجين فإن الحادث يبدو وكأنه عملية انتقامية مقصودة للغاية.

وحتى في تلك الحالة، ليس بالضرورة أن تكون عملية إسقاط الطائرة جرت تنفيذاً لأوامر صدرت مباشرة أو صدق عليها من قبل فلاديمير بوتين شخصياً. القوات الجوية، وبوصفها السلاح الوحيد في القوات المسلحة الروسية الذي حاول وقف التمرد وعانى من خسائر ألحقت به من قبل مجموعة "فاغنر"، قد يكون لديها دافع خاص، تماماً مثل الدوافع التي لدى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس أركان القوات المسلحة الجنرال فاليري غيراسيموف والذي كان بريغوجين قد هاجم عدم كفاءتهما بشكل مباشر. في المقابل، كان بريغوجين حذراً طوال الوقت لتفادي ذكر بوتين وهو الذي كان يعتبره بمثابة زعيمه منذ تعرفهما في سان بطرسبورغ في تسعينيات القرن الماضي، مشيراً بشكل واضح بأن التمرد لم يكن موجهاً أبداً إلى شخص الرئيس الروسي.

ولا يعني هذا أن الرئيس بوتين لم تكن لديه أي علاقة بالحادثة: فالحدة الأولية التي كان قد ندد من خلالها بوتين بالمتمردين، كانت قد أظهرت وبوضوح أنه كان يعتبر عملهم هذا بمثابة خيانة، تماماً مثل التهديدات التي أصدرها بأن ذلك العمل لن يمر من دون عقاب. إن الرئيس الروسي يتمتع بذاكرة قوية بالنسبة إلى من يعتبرهم بأنهم خونة على رغم أن الأوامر نفسها قد لا تكون صادرة عنه (مع أن هذا قد يكون دليلاً على أحوال سلطته في الكرملين. فلو لم يكن يعرف أي شيء عن عملية اغتيال قامت بتنفيذها القوات المسلحة الروسية وعلى الأراضي الروسية، كان ذلك ليثير مجموعة أخرى من التساؤلات).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد كل ما قيل في هذا السياق، هناك تفسيرات أخرى محتملة لسقوط طائرة بريغوجين. فلدى أوكرانيا دوافعها الخاصة. لقد هُزمت قواتها وتكبدت ثمناً كبيراً في المعركة القاسية والطويلة من أجل السيطرة على باخموت، في شمال شرقي أوكرانيا، حيث لم تكن المواجهة مع جنود الجيش الروسي النظامي، بل مع مرتزقة بريغوجين. من جهة أخرى، برهنت أوكرانيا عن قدراتها على ضرب أهداف بعيدة في العمق الروسي - أقله حتى العاصمة موسكو - من خلال هجمات بطائرات مسيرة تطلق من الأراضي الأوكرانية أم بواسطة عمليات للقوات الخاصة الأوكرانية التي تنشط من داخل الأراضي الروسية. إن الاستخبارات الأوكرانية والقوات الخاصة باتوا معروفين بهجماتهم الفريدة والجريئة، وعلى الأقل بدا البعض منها أنه نفذ من دون انتظار الأوامر من الرئيس زيلينسكي.

حالياً، تبدو العملية بتوقيع روسي لكن مسؤولية أوكرانيا في هذا السياق لا يمكن استبعادها تماماً، على رغم توضيح زيلينسكي أن أوكرانيا "ليس لديها أي علاقة بالحادثة". لذلك فإن عملية التخلص من بريغوجين، هي حالة نادرة وفريدة من نوعها، حيث أنه وفي هذا التوقيت بالذات، توافقت مصالح روسيا وأوكرانيا.

بالطبع، هناك احتمال آخر بأن ما جرى يمكن أن يكون مجرد حادث بسيط أو حادث نتج من هجوم من مسيرة أوكرانية أو صاروخ أطلق من دون سابق معرفة عمن كان على متن الطائرة، أو حتى أنه [مطلق الصاروخ] كان يجهل تماماً وجود طائرة تحلق في المنطقة من الأساس. فحادث مماثل كان قد وقع قبل تسع سنوات، عندما قام متمردون تدعمهم روسيا في شرق أوكرانيا بإطلاق صاروخ أرض جو من منظومة "بوك" للدفاع الجوي على ما كان يعتقد في حينه أنه طائرة عسكرية أوكرانية، ليكتشفوا في ما بعد أنهم أطلقوا الصاروخ على طائرة ركاب مدنية تابعة للخطوط الماليزية كانت تقوم بالرحلة "أم أتش 17" MH17، ما أدى إلى مقتل 300 شخص تقريباً.

ومن المحتمل طبعاً، أن كامل الحقيقة عن ملابسات الحادثة لن تعرف أبداً، وأن المتاح سيبقى ضمن نطاق الظن والاحتمالات كما في حالة عملية تخريب خط أنابيب "نورد ستريم" في قعر بحر البلطيق. لكن ميزان الاحتمالات المتعلق باغتيال بريغوجين ربما يميل لكفة ضلوع موسكو.   

وسؤال آخر يطرح على رغم ذلك، وهو يتعلق بالجهة المستفيدة من مقتل بريغوجين ونائبه، وأثر ذلك على ميزان القوة أولاً في روسيا نفسها، ثم في الحرب الدائرة [بين أوكرانيا وروسيا]؟

وأشارت التقارير الأولية إلى تواجد كافة القيادات الرفيعة لمجموعة "فاغنر" على متن الطائرة المنكوبة. ذلك، ووفق ما ظهر، ليس دقيقاً، ومن المحتمل أن تنجو مجموعة "فاغنر" مما جرى. والمجموعة لو استمرت على رغم كل شيء، فإنها في الغالب ستكون تحت إدارة شخصية مقبولة أكثر من قبل بوتين، وبشكل أدق، يجب أن تكون مقبولة من قبل المؤسسة الدفاعية الروسية، وهو ما سينهي إلى حد كبير ما كان قد تبقى من استقلالية للمجموعة.

أن يظهر الكرملين وأنه قد نجح في معاقبة بريغوجين بسبب تمرده – في حال هذا ما سترسو عليه الأدلة أو ما ستشير إليه الرواية الرسمية في النهاية - من شأنه أيضاً أن يزيد من قوة بوتين، إذا ما اعتبرنا أنه كان قد واجه الانتقادات، وبدا ضعيفاً لأنه قد ترك بريغوجين من دون محاسبة في ضوء كلماته الحادة عن الخونة. على رغم هذا، قد يكون هناك بعض التذمر في بعض الأوساط بسبب المدة التي تطلبها الوقت كي يقوم بوتين "بمعاقبة" بريغوجين، وربما قد يكون هناك غضب في أوساط بعض عناصر "فاغنر" والمؤيدين لهم بسبب الطريقة التي جرى فيها التخلص من زعيمهم. ولكن إلى أي درجة سيكون مقنعاً أن يشكل ذلك مركزاً بديلاً للسلطة، لا بد أن ننتظر لنرى.

أما عن تأثير مقتل بريغوجين على مجرى الحرب، فإن ذلك في الغالب سيكون طفيفاً جداً، ما عدا دفعة موقتة لمعنويات الأوكرانيين. قوات "فاغنر" كانت قد سُحبت من أوكرانيا بعد النصر الذي حققوه في باخموت. إن الاتفاقية التي جرى التوصل إليها لإنهاء التمرد، منحت عناصر "فاغنر" خيارات عدة، إما التوقيع للانضمام إلى الجيش الروسي النظامي، وإما إعادة الانتشار في بيلاروس، أو العودة إلى ديارهم. لذلك فهم لم يعودوا يشكلون عاملاً مؤثراً على الأقل في هذه المرحلة من الحرب.

ولكن قد تكون هناك ناحيتان يشكل فيهما موت بريغوجين تأثيراً سلبياً يضر بروسيا. إن بريغوجين شخصياً ومن خلال انتقاداته الحادة والمفصلة التي ساقها ضد طبقة النخبة الروسية، كان وسيلةً فعالة للغاية في تجنيد الشبان للقتال، وربما كان من الممكن استخدامها لزيادة أعداد القوات إذا لزم الأمر في المستقبل.

ثم هناك [مستقبل] نشاطات "فاغنر" في أجزاء من أفريقيا، ومن ضمنها في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. هذه النشاطات كانت منحت روسيا وجوداً من دون اعتراف رسمي من الكرملين ويمكنه أن ينفيه في أي وقت، بينما يُنظر إليه من قبل البعض على أرض الواقع، بأنه بديل مرحب به بدلاً من القوات التي لها علاقة بالمستعمر السابق. وبعض من هذا كنا قد تابعناه في أحداث النيجر الأخيرة. ولكن لا بد من الانتظار لنرى إلى أي مدى ستنجح "فاغنر" في المحافظة على شبكتها الأفريقية والتي كانت تعتمد على علاقات بريغوجين الشخصية أكثر من اتفاقات وعقود رسمية.

وعليه، فإن ما يمكن أن يعتبر انتصاراً حققه بوتين على الساحة الداخلية، من خلال إزالة ما مثل تحدياً لسلطته بشكل مباشر أو غير مباشر، قد يكون خسارة بالنسبة إلى روسيا في الخارج. وليس من الواضح بعد ماذا ستكون التداعيات بالنسبة إلى موسكو مما يبدو أنه عملية قتل سياسية تمت في روسيا وتزامنت مع قمة مجموعة "بريكس" ذات الأهداف النبيلة والتي عقدت في جنوب أفريقيا.

كانت روسيا تسعى إلى الحد من تأثير عزلتها المفروضة من الغرب بسبب حرب أوكرانيا من خلال تمديد أذرعها الدبلوماسية نحو أفريقيا وآسيا. ولكن الاضطرابات الأخيرة تشير إلى دولة لا تتحلى بالقوة أو الاستقرار. لذلك، فإن ملحمة بريغوجين ربما لم تنته بعد.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء