Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قطع الأشجار يجرد سوريا من غطائها الأخضر

مساحات حرجية واسعة مهددة في ظل أزمة اقتصادية خانقة تدفع كثيرين إلى التحطيبنهر

نيران تلتهم الشجر في سوريا في 29 يوليو 2023 (أ ف ب)

ملخص

على ضفة لنهر الفرات في شمال سوريا ترتفع أشجار خضراء فتية بين جذوع أخرى مبتورة بعضها قطع حديثاً جراء ظاهرة القطع العشوائي التي فاقمتها سنوات الحرب

على ضفة لنهر الفرات في شمال سوريا ترتفع أشجار خضراء فتية بين جذوع أخرى مبتورة، بعضها قطع حديثاً جراء ظاهرة القطع العشوائي التي فاقمتها سنوات الحرب وتهدد الغطاء الحرجي في أنحاء البلاد.

وداخل الغابة الواقعة في قرية جعبر بمحافظة الرقة، يعاين أحمد الشيخ (40 سنة) الجذوع المقطوعة التي ترك الحطابون قرب بعضها أغصاناً لا تزال نضرة.

ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية، "تقطع الناس الأشجار لبيعها والحصول على المال، بينما يريد آخرون استخدامها للتدفئة خلال فصل الشتاء". ويضيف، "منذ فترة، رأيت أربع أشجار مقطوعة، وكانت جذوعها لا تزال خضراء. اعتصر قلبي ألماً".

لطالما شكلت الغابة في تلك المنطقة الصحراوية المواجهة لقلعة جعبر الأثرية، متنفساً لسكان القرى المجاورة وحتى زوار القلعة الذين يبحثون عن فيء، خصوصاً في فصل الصيف حين تلامس درجات الحرارة عتبة الـ50 درجة مئوية، لكن سنوات الحرب الطويلة والفوضى الأمنية، مصحوبة بأزمة اقتصادية خانقة، تهدد اليوم هذه الثروة الحرجية.

ويشرح الشيخ، وهو صاحب متجر للمواد الغذائية، "كانت الغابة تعني كثيراً للقرية، تجذب الزوار والطيور وتنقي الهواء، لكن الوضع الآن في تدهور، ومساحتها تنقص في كل عام".

خطر التصحر

وعلى رغم تسيير السلطات المحلية دوريات لحماية الغابة، فإنها لا تجدي نفعاً مع قلة عدد الحراس المسؤولين عن مراقبة مساحات شاسعة.

ويقول الشيخ، "نسمع خلال الليل أصوات دراجات نارية تسلك الطرق الترابية لتتسلل إلى الغابة، ويمكن سماع صوت منشار الحطابين بشكل واضح".

ويتسلل آخرون خلال ساعات النهار لقطع الأشجار مستخدمين أدوات يدوية لعدم جذب الانتباه إليهم، ثم يحضرون لاحقاً لنقلها إلى منازلهم، وفق ما يروي الشيخ، منبهاً إلى أنه "إذا استمر الوضع على هذا الحال، سنواجه التصحر".

وعلى بعد نحو 10 كيلومترات، يتكرر المشهد ذاته في قرية الطويحينة الواقعة بدورها على ضفاف نهر الفرات الذي يعاني انخفاض مستوى المياه.

ويتجول الممرض محمد علي (30 سنة) بين أشجار مقطوعة في أحراج قريته. ويروي، "أيام الطفولة كنا نأتي مع بعض الأصدقاء للجلوس تحت ظلال شجر الكينا والصنوبر، لكنها باتت الآن أرضاً قاحلة"، بعدما أطاح القطع العشوائي حزاماً أخضر كان يمتد إلى قرية مجاورة.

جهود محلية

وغالباً ما يقطع السكان الأشجار لاستخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء الذي يحل قارساً في تلك المنطقة، في ظل شح محروقات مزمن تعيشه سوريا في السنوات الأخيرة وانقطاع طويل في التغذية بالكهرباء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد أكثر من 12 عاماً من نزاع دام، تشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة، خسرت معها العملة المحلية أكثر من 99 في المئة من قيمتها. وتعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر.

ويرى علي أنه "ما لم تتم إعادة تشجير المنطقة من جديد، سيقضي على كل الأشجار".

وتعمل الإدارة الذاتية الكردية التي تدير مناطق واسعة في شمال سوريا وشمالها الشرقي على حماية الغابات والمحميات الطبيعية من القطع العشوائي، بما توفر لديها من إمكانات.

ويقول الرئيس المشترك لهيئة البيئة إبراهيم أسعد لوكالة الصحافة الفرنسية من مكتبه في مدينة عامودا في محافظة الحسكة، "ليس لدينا إحصاء دقيق عن الأضرار، لكنها واضحة في الغابات". ويضيف، "نحاول زيادة وتيرة زراعة الأشجار وحمايتها" تزامناً مع تطبيق القوانين التي تعاقب كل جهة تلحق ضرراً بالبيئة أو الطبيعة.

ويعول أسعد على أهمية توعية السكان للحفاظ على المساحات الخضراء، مشدداً على أن "حماية شجرة هي إحياء حياة الإنسان وقطعها يقضي على المجتمع" على المدى الطويل.

التغير المناخي

وعلى وقع انتشار ظاهرة القطع العشوائي في المحافظات كافة، نبهت منظمة "باكس" الهولندية "لبناء السلام" في تقرير أصدرته في مارس (آذار) من تنامي ظاهرة قطع الأشجار.

وأورد التقرير أن "ارتفاع أسعار الوقود إلى جانب النزوح الجماعي يشكلان الدافع الرئيس لإزالة الغابات على نطاق واسع في أنحاء سوريا، إذ يقطع المدنيون الأشجار بهدف الطهي والتدفئة".

وأضاف التقرير، "ثمة مؤشرات واضحة إلى أن الجماعات المسلحة تستخدم كذلك قطع الأشجار غير القانوني ومبيع الأخشاب كمصدر للدخل".

وخسرت محافظات اللاذقية وحمص وحلب أكثر من 36 في المئة من أشجارها منذ عام 2011، تاريخ اندلاع النزاع الذي أودى بحياة أكثر من نصف مليون سوري، وفق "باكس". وتعرضت الغابات الكثيفة في غرب البلاد للخطر الأكبر خلال سنوات الحرب، خصوصاً جراء قطع الأشجار والحرائق، بحسب التقرير ذاته.

وفي قرية الناصري بمحافظة الحسكة، يشكو حسين صالح الحلو (65 سنة) من عوامل التغير المناخي. ويقول بحسرة، "أثر الجفاف على الأرض والزراعة والغنم... حتى الأشجار يبست".

أما الأشجار التي نجت من الجفاف، فلم تنج من القطع العشوائي "الذي أثر بشكل كبير على القرية" وحرمها "من غطاء من الخضراوات". ويضيف، "أثر قطع الشجر بشكل كبير على القرية، ازدادت الحرارة ولم يعد المناخ كما كان في السابق".

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة