Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يجري داخل حركة "حماس" وما توجهاتها الجديدة؟

يمكن تفهم خطوتها بتبني الدعوة إلى إجراء الانتخابات المحلية في سياق حرصها على تأكيد حضورها السياسي

لجأت "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 إلى تشكيل مجالس البلديات بالتعيين (أ ف ب)

ملخص

ستستمر حركة "حماس" في تأكيد توجهاتها بالالتحاق بمنظمة التحرير الفلسطينية وفق شروطها على قاعدة المحاصصة

تتحرك حركة "حماس" في الوقت الراهن في مساحة رحبة من الخيارات والمسارات لا تتعلق فقط بالدعوة إلى إجراء الانتخابات المحلية فقط، إنما أيضاً في ممارسة العملية السياسية داخل قطاع غزة، وفي إطار علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية من جانب، والسلطة وحركة "فتح" من جانب آخر، مما يشير إلى حالة من النضج السياسي والقدرة على المناورة والتحرك لتحقيق أهدافها داخل القطاع بل وفي الضفة الغربية.

وفي العام 2007 سيطرت "حماس" بشكل كامل على غزة، وبعد أيام من القتال أطاحت الحركة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بعد عام من فوز حماس في الانتخابات البرلمانية للفلسطينيين.

ويعاني القطاع الفقر والبطالة والقهر والظلم، إذ إن أكثر من 60 في المئة من سكان غزة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بعدما بلغ معدل انعدام الأمن الغذائي في غزة 65 في المئة، ومعدل الفقر 65 في المئة، بحسب تقارير صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وعلى المستوى السياسي، دائماً ما تشير تقارير إلى أن الحركة تطمع في أن تكون البديل المرتقب، لذا فإنها تسعى إلى تشويه صورة المؤسسة الأمنية والسلطة الوطنية الفلسطينية. وعلى الصعيد الدولي، يُنظر إلى "حماس" على نطاق واسع على أنها "جماعة إرهابية". 

خطوات محسوبة

ويمكن تفهم خطوة حركة "حماس" بتبني الدعوة إلى إجراء الانتخابات المحلية في سياق حرص الحركة على تأكيد حضورها السياسي والأمني في قطاع غزة، وهو ما أكدت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية جاهزيتها لإجراء انتخابات مجالس الهيئات البلدية في قطاع غزة حال صدور قرار حكومي يحددها.

وأجريت آخر انتخابات محلية في قطاع غزة عام 2005، واقتصر إجراؤها منذ ذلك الوقت على الضفة الغربية، في وقت لجأت فيه "حماس" التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007 إلى تشكيل مجالس البلديات بالتعيين، وكان بعض الفصائل الفلسطينية وممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني قد دعوا إلى إجراء انتخابات للمجالس والهيئات المحلية في قطاع غزة والضفة الغربية تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية وتذليل العقبات أمام ذلك.

وأصبحت حركة "حماس" بمكانة لاعتبارات متعلقة بترسيخ وجودها، واعتبارها مسؤولة أيضاً عن إدارة القطاع أمنياً وإدارياً، وهو ما تعمل على ترسيخه والحفاظ على وجودها الراهن، بل والتطلع إلى أن تكون بديلاً عن حركة "فتح"، وفي ظل خطاب إعلامي وسياسي دعا بصورة مكررة إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لتجديد حضورها في المشهد الفلسطيني العام، وليس فقط في القطاع، وقد شهد معظم مجالس بلديات الضفة الغربية انتخابات محلية في 2017 و2021 و2022، لكن تعذر إجراؤها في قطاع غزة أيضاً.

ولهذا، تجاوبت "حماس" مع التحركات التي أبدتها السلطة الفلسطينية منذ دعوتها إلى إجراء الانتخابات منذ أعوام قبل أن يقوم الرئيس محمود عباس بإلغائها لعدم قبول وموافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، الأمر الذي دفع الرئيس عباس لإلغاء الانتخابات برمتها لأسباب متعلقة بما جرى داخل حركة "فتح" بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، بل إن هناك شخصيات وازنة في حركة "حماس" أبدت سلسلة من الملاحظات على إجراء الانتخابات في توقيتها السابق، واليوم تتغير المعطيات على الأرض.

معطيات مستجدة

وهناك مؤشرات مهمة إلى ذلك، أولها انضواء حركة "حماس" في مسار التوافقات وقبولها بالمشاركة في اجتماع الأمناء العامين ولقاء الرئيس محمود عباس وقيادات "فتح" في القاهرة خلال قمة "العلمين"، والانتظار إلى تواصل الاتصالات المصرية - الفلسطينية لعقد "العلمين" بعد قبول مقترح الرئيس الفلسطيني بتشكيل آلية لتواصل الاجتماعات، والتوافق على بعض الخطوات، وهو ما حمله البيان الختامي لاجتماع "العلمين"، وتكرر أيضاً في تأكيد ثوابت ومعطيات التحرك في القمة الثلاثية التي عقدت أخيراً في القاهرة، مما يؤكد وجود إرادة فلسطينية تشكل في هذا المسار التوافقي بين "حماس" من جانب و"فتح" من جانب آخر.

وثانيها عدم إعطاء "حماس" كل اهتمامها أو تركيزها على أهداف حركة "الجهاد الإسلامي" في التوقيت الراهن ومقاطعة "العلمين" رغم ترحيبها المبدئي بكل الخطوات الداعية لتوحيد الصف الفلسطيني على عكس القوى الفلسطينية التي توقفت عند مواقف حركة "الجهاد"، وما يمكن أن تمثله من توجهات جديدة في مواجهة إسرائيل وتحولها للفصيل القوي المقاوم بعد أن رفضت حركة "حماس" المشاركة في المواجهتين الأخيرتين، مما يشير إلى أن حركة "حماس" باتت تضع أولويات الاستقرار في القطاع، وبناء شراكة غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي مقابل الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، وهو ما يتحقق على أرض الواقع مع عدم الدخول في مواجهات قد تخسر فيها "حماس" كثيراً.

تحركات مدروسة

لهذا تحركت "حماس" في إطارين، عدم التصادم مع "الجهاد الإسلامي" والسماح للفصائل الفلسطينية بالعمل إلى جوار "الجهاد" في إطار غرفة المقاومة المشتركة، وفي وقت لا تضر فيه بالواقع داخل القطاع من ثوابت، وكذلك تأكيد أنها المسؤولة الأولى عن توفير الأمن والاستقرار في القطاع، وأنها قادرة على ضبط المواقف، والتوجهات على الجميع ما يؤكد أن الحركة قوية، ولن تتراجع عن مسار التهدئة، وهو ما تتعامل معه إسرائيل بجدية بالغة وإدراك تام عما يجري من تطورات في الحركة يمكن البناء عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمضي الموقف الراهن داخل الحركة داعماً لتيار واقعي نفعي مؤثر يدفع بضرورة مراعاة خصوصية الموقف الراهن، وضرورة التركيز على فطرة المصالح الممتدة، لا الوقتية، في إشارة إلى أن الحركة باتت من القدرة والإمكانات ما يمكن أن تدير المرحلة المقبلة وعدم الاستمرار في مخطط المعارضة أو الرفض.

ولهذا ستمضي في إطار استكمال خطواتها بالعمل على خطة إجراء الانتخابات تأهباً لاحتمالات التغيير على الجانب الآخر في الضفة الغربية، ودفع السلطة الفلسطينية للدخول في شراكات جديدة تتجاوز إطار المصالحة الشاملة على اعتبار أن هذا الإجراء لن يتم في المدى المنظور مع التأكيد أن الانتخابات المحلية ليست بديلاً عن الانتخابات العامة التي تشمل المجلسين الوطني والتشريعي والرئاسة، فهي أكثر ضرورة.

الأولويات الراهنة

ويحتاج مسار حركة "حماس" الراهن إلى مدى محسوب، وربما قواعد ناظمة، ومن ثمّ فإن الأولوية الراهنة العمل على محور إعادة تقديم حركة "حماس" إلى الواجهة الإقليمية مع عدم التخلي عن دوائر تحالفاتها، بخاصة مع إيران وتركيا ومصر والتركيز على الجانب السعودي وتجاوز الخلافات السابقة ومحاولة طرح وجودها السياسي بصورة مغايرة، وهو ما ينطبق على التعامل مع سوريا والأردن، الأمر الذي يشير إلى تغيير مفصلي يجري في إطار حسابات المكسب التي تعمل وتؤكد عليها "حماس"، لا سيما أن إجراء الانتخابات المحلية قد يكون مقدمة للعمل وفق استحقاقات أوسلو كما كان يجري على عكس حركة "الجهاد" التي لم تدخل أية انتخابات في الساحة الفلسطينية، ورفضت العمل بمقررات أوسلو كموقف تاريخي بالفعل، مما يؤكد أننا أمام تحوّلات هيكلية حقيقية للحركة وتوجهاتها، ولهذا فإن "حماس" ستتحرك في مسارات منضبطة.

الأول مسار عاجل بالانتقال من كونها حركة مقاومة ومسؤولة عن إدارة الأمن والاستقرار في القطاع إلى إطار سياسي أقرب إلى الحزب، وعدم الاصطدام بأي طرف داخلي مع حركة "الجهاد" رغم التوتر المكتوم، مع الحرص على اتباع استراتيجية جني الثمار التي تسعى إليها الحركة في التوقيت الراهن، وعدم العمل على مسار مفتوح، وهو ما يؤكد النهج الجديد للحركة مع توحيد المواقف، وضبط الخطاب السياسي والتوجهات الراهنة داخل الحركة بقدر الإمكان، مما يؤكد أن التباينات في مواقف التيارات داخل "حماس" ستقل، وستجتمع على مسار واحد في الأقل في المدى المنظور.

أما المسار الثاني فتدريجي مرحلي يعمل على خيارات متعددة، بعضها تكتيكي وبعضها استراتيجي، في إشارة إلى أن الحركة تملك خيارات وتوجهات عدة وتعمل في مساحات جديدة، وهو ما يفسر عدم اصطدام "حماس" بأي طرف فلسطيني وتركيزها على الشراكة الممتدة مع "فتح" رغم الخلافات غير المعلنة، والتماهي مع موقف الوسيط المصري، والالتزام بالمواقف مع إيران وتركيا، مع تأكيد العمل الفلسطيني الموحد.

وفي هذا الإطار، ستستمر في تأكيد توجهاتها بالالتحاق بمنظمة التحرير الفلسطينية وفق شروطها على قاعدة المحاصصة، التي تطرحها في إطار منضبط مثل حركة "الجهاد الإسلامي"، بل والتجاوب مع خطوات إصلاح النظام الفلسطيني بأكمله، في خطوة مهمة تؤكد فيها أنها شريك رئيس في ما يجري من تحولات داخل الساحة الفلسطينية، وأنها طرف رئيس لا يمكن تجاوزه حتى في معركة الخلافة الفلسطينية بعد الرئيس محمود عباس.

والرسالة أن الحركة لديها كل المؤهلات للتحرك والانطلاق لتحقيق مكاسبها الكبرى في الساحة الفلسطينية، وليس فقط في قطاع غزة، مما يشير إلى أن قيادات "حماس" تتجه إلى واقعية حقيقية في إطار الممارسة السياسية التي يمكن أن تتبعها الحركة وتسوق لها في الوقت الراهن والمنتظر.

الخلاصات الأخيرة

من الواضح أن حركة "حماس" تتجه إلى مشهد واقعي وعملي في إطار ما يجري، وما خطوة الدعوة لإجراء انتخابات محلية في قطاع غزة إلا خطوة تمهيدية لما يتم التخطيط له في المنظومة الفلسطينية الحالية، التي لا تزال تعاني حالة من الانقسام بين القطاع والضفة.

ومع ذلك هناك تجاوب لافت من حركتي "حماس" و"فتح" في إطار من الثوابت المستجدة، التي تدفع "حماس" للتحرك ومحاولة تحقيق مكاسب فلسطينية في الداخل أولاً وعلى مستوى النطاقات الإقليمية، وفي الدوائر المساندة خارجياً، مما سيؤكد أن الحركة تعمل في مسارات منضبطة محسوبة بالفعل، ولن تتخلى عما حققته وتسعى إلى تحقيقه في الفترة المقبلة مع تجاوز عثرات ما كان يجري من سياسات كلفتها كثيراً من التبعات والتداعيات.

المزيد من تحلیل