Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المجلس الشيعي" في لبنان يتراجع عن نزع أهلية رجال دين منتقدين لحزب الله

على رغم التهديد والوعيد والترغيب بقيت داخل البيئة الشيعية أصوات معترضة لم يسكتها "السحسوح"

تتوسع الأصوات المعارضة لحزب الله في لبنان (مواقع التواصل)

ملخص

برز الشيخ ياسر عودة بسبب مقاطع الفيديو التي ينشرها وتلقى إقبالاً مشهوداً من المهتمين بالمواضيع السياسية والدينية، وتتمحور حول مصلحة لبنان المتعارضة مع مصالح "حزب الله" ومشاريعه

برزت خلال الأزمة الاقتصادية الكبرى التي عصفت بلبنان منذ عام 2019 ظاهرة خروج أفراد من الطائفة الشيعية في لبنان التي يسيطر على قرارها السياسي "الثنائي الشيعي" المتمثل بـ"حركة أمل" و"حزب الله"، لإعلان موقف سياسي معارض أو يتهم مسؤولين في هذا الثنائي بالفساد أو بعدم القيام بالدور المنوط بهم كممثلين سياسيين عن الجماعات الأهلية الغارقة في فوضى الأسعار والاحتكارات وكتمان الرأي بمجريات الأحداث السياسية في لبنان خوفاً من الترهيب.
إلا أن هذه الأصوات المعترضة داخل الاجتماع الشيعي أو داخل البيئة الحاضنة المقربة من "حزب الله" سرعان ما تخفت وتختفي، إلا لمن أبدى اعتراضه وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، فكان يقوم في اليوم التالي بتقديم اعتذار عما بدر منه، بل ويقدم فروض الطاعة والإجلال للقيادة التي كان يشتمها في اليوم السابق. حدث هذا الأمر مرات كثيرة في السنوات القليلة الماضية، التي عانى فيها شيعة لبنان كغيرهم من اللبنانيين من قسوة الأزمات المتتالية. أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الظاهرة، أي الاعتذار عما بدر سابقاً، بعبارة "ما قبل السحسحوح، وما بعد السحسوح" (أي قبل التعنيف أو التأنيب وبعده). وانتشر هذا التوصيف انتشاراً واسعاً بسبب تكرار هذه الظاهرة، وتشير هذه العبارة إلى "التهديد" الذي يتلقاه المعتذر، وربما إلى الترغيب أيضاً لإسكات صوته. وبالطبع لم يكن "حزب الله" يهدف من خلال هذه الاعتذارات إلى مسح ما قاله المعترض بالأمس، بل أن يظهر للجميع داخل الطائفة بأن من يتعدى حدود التعبير سيقوم بالاعتذار في اليوم التالي، وهذه الطريقة السلسة والدبلوماسية أنجع في إسقاط الصوت المختلف وكتمه من المنع المباشر والعنيف الذي سيضر بسمعة الحزب. فالاعتذار عدا عما يظهره من ندم المعترض المباشر، فإنه يترك رسالة للآخرين. وهذا ما حدث لكل المعترضين الشيعة الذين عبروا عن آرائهم بحرية في ظروف سياسية ومالية واقتصادية سيئة جداً في لبنان، تضاعفت منذ اندثار "حراك الـ17 من أكتوبر" (تشرين الأول) 2019 الثائر على المنظومة الحاكمة التي أوصلت لبنان إلى الوضع الذي وصل إليه اليوم، وكان رئيس الجمهورية السابق ميشال عون سماه "الجحيم".

الاعتراض داخل الطائفة الشيعية في لبنان

على رغم التهديد والوعيد والترغيب بقيت داخل البيئة الشيعية أصوات معترضة لم يسكتها "السحسوح"، وهذه الأصوات غالباً ما تصدر عن رجال دين يرتدون الزي الديني الرسمي، وهؤلاء يمتلكون القدرة ولو المحدودة على الإدلاء بآرائهم السياسية والدينية حول أداء "الثنائي الشيعي" داخل الطائفة وخارجها على مساحة الوطن، وتأتي قدرتهم على مخالفة الرأي الجماعي العام من الحصانة التي تمنحها لهم رتبهم الدينية. وبرز من بين هؤلاء الشيوخ الشيعة في لبنان الشيخ ياسر عودة الذي باتت مقاطع الفيديو التي ينشرها على وسائل التواصل تلقى إقبالاً مشهوداً من المهتمين بالمواضيع السياسية والدينية التي يطرحها التي تتمحور حول مصالح لبنان التي تبدو متعارضة مع مصالح "حزب الله" ومشاريعه الأكبر والأوسع من البلد الصغير، وهناك عدد من المشايخ الذي يعبرون عن مواقف مختلفة كالشيخ عودة إلا أنهم لم يفوقوه شهرة.
ومن المعروف أن كل رجال الدين الشيعة في لبنان يعملون في الإطار المؤسسي والإداري لـ"المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، وهو مؤسسة رسمية حكومية منوط بها إدارة محاكم الشيعة في لبنان، وكذلك إدارة كل ما يتعلق بالعوة والتبليغ وإرساء القواعد الإدارية والقضائية المتعلقة بشؤون الشيعة اللبنانيين. وسلك المشايخ وأصحاب العمامات يدخل أيضاً في إطار مسؤوليتها، ولا يحق لرجل دين غير مسجل في "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" أن يمارس أية مهمة، بل ولا يحق له ارتداء الزي الديني أو الإدلاء بأي موقف وإجراء أية معاملة تدخل في إطار عمل رجل الدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وبطبيعة الحال فإن هذا المجلس، الذي يترأسه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان وريث والده، الرئيس السابق الشيخ عبدالأمير قبلان في هذا المنصب، يخضع لإدارة "الثنائي الشيعي" وتحديداً "حزب الله"، وبطبيعة الحال أيضاً أن يكون لهذا المجلس حق فصل أي رجل دين يدلي برأي يخالف مصالح هذا الثنائي. وهكذا أصدر المجلس وبعد ذيوع صيت مجموعة من رجال الدين المعارضين قراراً بفصلهم، بناء على توصية "لجنة التقييم والتنسيق" بمكتب شؤون الحوزة العلمية، المتخذة بالإجماع في اجتماعها الشهر الماضي، مما جعل هؤلاء "غير مؤهلين للقيام بالإرشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، إما للانحراف العقائدي أو للانحراف السلوكي أو للجهل بالمعارف الدينية وادعاء الانتماء للحوزة العلمية. وباتوا غير مؤهلين لارتداء الزي الديني مع إنذارهم بخلعه تحت طائلة اعتبارهم منتحلي صفة رجل دين وإجراء المقتضى القانوني في حقهم"، بحسب ما جاء في بيان المجلس. ونشر البيان أسماء 15 رجل دين شيعياً من مختلف المناطق اللبنانية وعلى رأسهم الشيخ ياسر عودة، والمشايخ سامر عبد الحسين غنوي وبلال إبراهيم سليم ومحمد يوسف الحاج حسن نزار محمد حمزة وإبراهيم حسن حرز وعبد الكريم الشيخ علي ويوسف حسن كنج وأحمد عباس عيدي وعباس حمود مخ (أبو الحسن مرتضى) ومحمد علي الفوعاني وهاشم علي الموسوي ومحمود عبد الله فقيه وعبد السلام نيازي دندش ونظير جمال الجشي.
لكن على خلاف المعتاد وبدل أن يعتذر الشيوخ الذين ذكر بيان هيئة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أسماءهم، قام المجلس في اليوم التالي بتقديم الاعتذار في بيان جديد، معتبراً أن "البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني لا يعبر عن رأي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ولم يطلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني نائب رئيس المجلس سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب بغض النظر عن مضمونه". واعتبر البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني كأنه لم يصدر، ويقول معلقون كثر إن سبب العودة عن هذا البيان كان الردود الواسعة التي واجهت البيان الأول من فئات ومجموعات واسعة داخل أطر الطائفة الشيعية في لبنان من جهة، وكذلك مواقف رجال الدين المذكورين التي باتت أكثر تشبثاً بعد صدور البيان، مما جعله غير ذي فعالية، فكان سحبه من التداول سريعاً أنجع السبل لوقف الخسائر.
واعتبر مراقبون أن القرار المسحوب كان يقصد الشيخ ياسر عودة مباشرة، لذا نستعرض سيرة سريعة للشيخ الذي ترعرع في قرية برعشيت جنوب لبنان في بيئية دينية محافظة داخل مجتمع فقير، ومنذ سنوات قليلة بدأ يطلق خطاباته من مسجد "الإمام السجاد" في حي من أحياء ضواحي بيروت الأكثر فقراً بين المناطق ذات الغالبية السكانية الشيعية، وأسعفته وسائل التواصل الاجتماعي في الإضاءة على البؤس وعلى أسبابه التي يرجعها إلى أداء "الثنائي الشيعي" السياسي والاجتماعي، ولقيت مقالاته وخطبه قبولاً واسعاً لدى موجة واسعة من المجتمع الفقير والبائس الذي يتوجه إليه.

المزيد من متابعات