Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لغة" الرصاص في كردستان... 70 قتيلا في 7 أشهر

جرائم القتل تؤرق الإقليم رغم الحملة على السلاح المنفلت ومطالب بتنفيذ أحكام الإعدام المتوقفة

منطق القوة في مثل هذا المجتمع يغلب على قوة المنطق ليصبح القتل لغة الحوار (أ ف ب)

ملخص

أمهلت حملة تقودها السلطات الأمنية في كردستان المواطنين مدة شهرين كآخر فرصة لتسجيل أسلحتهم في إطار مواجهة حوادث القتل.

بدم بارد وأمام مرأى أطفاله أطلق الرصاص من بندقية صيد على زوجتيه ليرديهما قتيلتين في واحدة من سلسلة جرائم وحوادث قتل باتت شبه يومية في إقليم كردستان العراق.

ففي حين تواصل السلطات الأمنية حملتها لكبح السلاح الشخصي المنفلت تتصاعد الأصوات الداعية إلى اتخاذ إجراءات وعقوبات أشد صرامة ضد الجناة، فما عوامل استمرار هذه الظاهرة والخيارات الناجعة لاحتوائها؟

في الأيام الثلاثة الأخيرة من يوليو (تموز) الماضي فقط قتل سبعة أشخاص، أي بمعدل ضحية كل 10 ساعات، ليصل مجموع الضحايا على امتداد الشهر نفسه إلى 14 قتيلاً، وكانت أشد الجرائم وقعاً عندما أقدم مواطن في منطقة سوران شمالي أربيل على قتل زوجتيه وهما نائمتان بالرصاص قبل وقوعه في قبضة الشرطة. وأفاد أقرباء الضحيتين أن الجاني كان معروفاً بتعنيفه لزوجتيه، في ما ذكر أشقاء له أنه عانى "مشكلات نفسية ومادية" عقب فصله من السلك العسكري بعد خدمة استمرت 25 عاماً.

كما قتل مواطنين اثنين بالرصاص في مناطق حاج عمران شرقي مدينة سوران، وقضاء عقرة شرقي محافظة دهوك، بينما توفي مطرب شعبي يدعى محمد بامندي في مدينة أربيل إثر جلطة قلبية على خلفية شجار تعرض خلاله منزله لإطلاقات نارية.

أما في السليمانية فقد اعتقلت الشرطة ثلاثة متهمين بقتل مواطن في حي سرجنار، تزامناً مع اعتقال متهم آخر قتل مواطناً بالسلاح الأبيض، في حين لقي شاب يبلغ من العمر 17 سنة مصرعه في قضاء "حاجي آوا" بعد إصابته بـ30 رصاصة من مجهولين، كما قتل عنصر أمني خلال مواجهة مسلحة مع مطلوب في قرية بمنطقة حلبجة.

بيانات مقلقة

بيانات أولية غير رسمية أوردتها وسائل إعلام مقربة من الحكومة تشير إلى مقتل نحو 70 شخصاً منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية أغسطس (آب) الجاري، معظمهم قتلوا بالرصاص نتيجة خلافات اجتماعية، وكان أبرزها مقتل امرأة وشقيقتها على يد زوجها، وكذلك قتل زوج لزوجته وابنتيه ومواطن آخر تصادف وجوده في مكان الجريمة.

وسجل الإقليم عام 2021 نحو 215 جريمة قتل متعمد، و59 جريمة قتل عن غير عمد، و287 واقعة انتحار، بينما ارتفعت نسبة جرائم القتل عام 2022 إلى 183، مع انخفاض حالات الانتحار إلى 240، منها 86 كانت بواسطة الحرق، في ما قتل عن الطريق الخطأ 32 شخصاً.

وفي ملف العنف ضد المرأة شهد العام الماضي مقتل 68 امرأة، كما بلغ عدد الشكاوى المتعلقة بحالات العنف الأسري نحو 15 ألف شكوى، وفقاً للمديرية العامة لمكافحة العنف ضد المرأة الحكومية.

حملة صارمة

تتزامن هذه الجرائم والحوادث مع إعطاء السلطات الأمنية الكردية مهلة أخيرة مدتها شهران في إطار حملة بدأتها منذ مطلع العام للسيطرة على السلاح المنفلت، عبر دعوة المواطنين إلى تسجيل أسلحتهم لدى الشرطة للحصول على رخصة حيازة السلاح سارية لمدة قابلة للتجديد وفق ضوابط قانونية.

وتلزم الإجراءات المتقدم للطلب أن يكون مستوفياً للشروط الصحية، وألا يقل عمره عن 21 سنة، ولا يكون له سوابق جنائية أو أمنية، ويقدم مبررات منطقية لحيازة السلاح، مع التوقيع على تعهد بعدم استخدامه إلا في حالات الدفاع عن النفس. وهددت السلطات باتخاذ عقوبات صارمة ضد المخالفين.

وتعود ظاهرة انتشار السلاح بين المدنيين في الإقليم إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما تقهقرت قوات نظام الرئيس الراحل صدام حسين أمام الانتفاضة الشعبية الكردية في أعقاب انهيار الجيش العراقي خلال حرب الكويت أمام قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وتمكن المنتفضون والقوى السياسية حينها من الاستحواذ على آلاف من مختلف أنواع الأسلحة، كما أسهمت لاحقاً متاجر بيع الأسلحة في الإقليم بوقوعها في أيدي المدنيين من دون إجراءات وموافقات رسمية مسبقة.

ضوابط وعقوبات

ومنحت السلطات الأمنية في الإقليم الموافقة على 17 ألف طلب رخصة لحيازة السلاح من خلال 90 مركزاً مخصصاً للتسجيل منذ المباشرة بتنفيذ القانون رقم 2 لعام 2022، الذي دخل حيز التنفيذ في 22 من يوليو (تموز) الماضي. وتفرض المادة 15 من القانون عقوبات بالسجن لمدة لا تقل عن عام ولا تزيد على ثلاثة أعوام، وغرامة تصل إلى خمسة ملايين دينار (نحو 3300 دولار أميركي).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وألزم قرار صدر، أخيراً، عن وزارة الداخلية العناصر الأمنية بترك أسلحتهم في أماكن عملهم بعد انتهاء مهامهم، وهددت الوزارة بمعاقبة وسجن كل شخص حامل لرخصة حيازة السلاح في حال مشاركته في أي تظاهرة.  

وبحسب مدير ديوان وزارة الداخلية هيمن ميران، فإن "لكل فرد حق الحصول على رخصة لحيازة السلاح بعد تجاوزه الفحوص الطبية وموافقات الجهات الرسمية المعنية، شرط ألا تكون له سوابق"، كاشفاً عن "مشروع جديد لإقامة متاجر عصرية خارج المدن لبيع وشراء الأسلحة تحت إشراف السلطات الأمنية ووفق نظام إلكتروني".

الجدير ذكره أن الوزارة سبق أن حضت الأحزاب على عدم إهداء الأسلحة لأعضائها ومناصريها، والمساهمة في الحملة التوعوية للحد من انتشار السلاح وجعل القضاء مرجعاً أوحد لحل المشكلات بعيداً من العنف بغية الحد من الجرائم.

أسباب مباشرة

وتقف جملة من العوامل وراء استمرار هذا النوع من العنف في الإقليم، منها "الحال الاقتصادية، والبيئة الاجتماعية والأسرية وتدني وعي الفرد، والعوامل النفسية، ويضاف إليها ضعف الثقة بالمؤسسة القضائية"، وفق ما يراه الباحث علي كريم، الذي أوضح أن "الدافع الأبرز لارتكاب الجريمة مرتبط بغياب الحوار في ظل ثقافة فرضتها طبيعة المجتمع الذي ما زال غارقاً في العشائرية والقبلية، وحيازة الفرد للسلاح كأداة ضامنة لحماية حياته أو حقوقه جزء من هذه الثقافة، تغذيه الصورة النمطية السائدة الخاصة بعدم الثقة في القضاء".

ويؤكد كريم أن "تدني المستوى المعيشي عامل مباشر آخر يقف وراء تفاقم الظاهرة مع اتساع الفوارق الطبقية وتدهور حياة المواطنين، وهذه البيئة بالطبع تخلق لدى الأفراد توترات نفسية بخاصة في غياب شروط التربية الأسرية السليمة".

كذلك يرجع الكاتب والباحث جمال عمر رغبة الأفراد في حيازة السلاح "إلى الأعراف والتقاليد المتوارثة، فضلاً غياب الثقة باستقلالية المؤسسة القضائية التي ما زالت خاضعة للتدخلات السياسية، ومقسمة بين الأحزاب الحاكمة، كما أن المؤسسات الحكومة المعنية ووسائل الإعلام لم تسهم بالمستوى المطلوب في تعزيز التوعية والثقافة الفردية".

وعن السبل الكفيلة بتشخيص المسببات يعتقد أن "الأمر يتطلب إجراء دراسة علمية كونها ظاهرة اجتماعية، فأي قراءة أخرى لهذا السلوك بالاعتماد على عوامل الصدفة ورد الفعل لن يساعد في تشخيص الخلل إلا من خلال تفكيك كل ما يتعلق بالأعراف والتقاليد والغريزة والميول السادية ومدى كفاءة التعليم والتربية الدينية ليتسنى لنا التوصل إلى الإجابة الشافية".

ويضيف "التقاليد القبلية والرغبات المكبوتة هي في الواقع محل استلهام لدى كثيرين، ويمكن رؤية حال التفكك العاطفي على مستوى الأسرة والمجتمع من خلال ما يحصل في المحاكم والمنازل وصولاً إلى أسلوب الحوار اليومي الهابط والمتشنج".

تنفيذ الأحكام

ارتفاع نسب جرائم القتل أثار استنكاراً وانتقادات واسعة وسط مطالب بإنزال أقصى العقوبات على المتهمين عبر تنفيذ أحكام الإعدام المعلقة منذ عام 2007 في إطار التزام السلطات الكردية بمعايير حقوق الإنسان الدولية.

ويعلق الصحافي بارزان حمه في تدوينة له قائلاً إن "جرائم القتل تجاوزت كل الحدود، هذا الوضع لن يعالج عبر شرطة متأنية ومتراخية وقضاء مرن، لأن القانون المدني ليس بمقدوره إيقاف هذا الجنون".

وأوضح "نلاحظ أنه مع وقوع كل جريمة يأتي التدخل من جهاز الأمن، في حين أنها من مهام الشرطة"، ودعا المواطنين للمشاركة في تقديم مقترحات "بغية صوغ مشروع حلول للمشكلة لطرحه على السلطات".

أما الصحافي والناشط المدني زيدان طه فحذر من "فقدان المجتمع سماته المدنية نتيجة غياب أبسط مقومات الحياة التي تتجلى سلبياتها في السلوك البشري، فنحن نعيش في إقليم لا يتجاوز عدد سكانه ستة ملايين، ويمتلك اليوم رسمياً 400 عنصر في قوات البيشمركة (قوات الجيش)، فضلاً عن بقية المؤسسات الأمنية، وقد خلق هذا الواقع مجتمعاً عسكرياً".

وختم بالقول إن "منطق القوة في مثل هذا المجتمع يغلب على قوة المنطق ليصبح القتل فيه لغة حوار، وليس من الغرابة أن يتجاوز عدد القتلى خلال ستة أشهر 50 شخصاً، بينهم 10 قتلوا خلال ثلاثة أيام فقط".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير