Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روائح المخالفات المرورية تزكم كردستان العراق

غضب بين قائدي المركبات بعد تطبيق نظام متطور للغرامات

النظام المروري الجديد في كردستان العراق يعمل باحتساب معدل سرعة المركبات بين كاميرتين (أ ف ب)

ملخص

خطوة السلطات الكردية لتطبيق نظام مراقبة جديد للمخالفات المرورية أثارت شداً وجذباً بين مؤيد يرى فيها تعزيزاً للسلامة ومعارض يعتبرها غطاء "لتحقيق الأرباح"، ما دعا منظمات مدنية إلى التوجه لرفع شكوى أمام هيئة النزاهة الحكومية والادعاء العام.

بدا قائدو المركبات في إقليم كردستان العراق كمن تلقى لكمة حكومية مع تفعيل المرحلة الأولى من نظام المراقبة المرورية المرتبطة برصد مخالفات السرعة، وتزايد الحديث عن منح عقد تشغيله إلى شركة خاصة بدافع "التربح"، ودفاع حكومي عن الإجراءات الهادفة إلى خفض الحوادث المميتة يقابله رفض متزايد شعبياً ونيابياً.

محافظة السليمانية في الإقليم الواقع شمال العراق بدأت مطلع يونيو (حزيران) الجاري أولى خطواتها لتطبيق نظام كاميرات الضبط المروري المتطور المعروف باسم (point to point) بعد أن سبقتها في ذلك العاصمة أربيل، تطبيقاً لقرار مجلس وزراء الإقليم رقم 79 لعام 2016، لكن الخطوة الانضباطية وضعت حكومة الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بقيادة بافل طالباني أمام غضب شعبي إثر فرض زيادة غير مسبوقة في نسب الضرائب والرسوم في ظل عجز مالي تواجهه لتأمين مرتبات موظفي القطاع العام، منذ عام 2004.

يعمل النظام المروري الجديد في كردستان العراق، باحتساب معدل السرعة الذي تقطعه المركبات بين كاميرتين توضعان على طول مسافة محددة، يتعرض خلالها متجاوز السرعة المحددة إلى غرامة مالية. وينص العقد المبرم مع الشركة المعنية على نشر 500 كاميرا، تحصل بموجبه لحين استيفاء كلفة المشروع والأرباح على 70 في المئة من مجموع قيمة الغرامات، على أن تخفض حصتها في ما بعد إلى 20 في المئة بعد إجراء تعديل على العقد ليصبح خدمياً تتولى بموجبه الشركة حينها أعمال الصيانة فقط. أما الغرامات التي ستفرض على كل مخالفة فإنها تبدأ من 50 دولاراً وتصل إلى 170 دولاراً كحد أقصى.

"غير قانوني"

خطوة السلطات الكردية أثارت شداً وجذباً بين مؤيد يرى فيها تعزيزاً للسلامة المرورية ومعارض يعتبرها غطاء "لتحقيق الأرباح"، ما دعا منظمات مدنية إلى التوجه لرفع شكوى أمام هيئة النزاهة الحكومية والادعاء العام، بل ولقيت رفضاً من الإدارة المحلية في السليمانية ومن قبل نواب، وتعرضت بعض الكاميرات خلال المرحلة التجريبية إلى أضرار خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر (تشرين الأول) وحتى 29 مايو (أيار) الماضيين نتيجة هجمات نفذها مجهولون عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطالب الاتحاد العام لمنظمات المجتمع المدني في كردستان العراق قائدي المركبات بالتواصل مع مكاتبه لتخصيص محامين متطوعين للدفاع عن حقوقهم، حال تغريمهم وفق نظام الكاميرات الجديد، معتبراً أن "هذه الطريقة في فرض الغرامات غير قانونية وإهدار للمال العام، فهي تخالف قانون المرور رقم 86 لعام 2004، وقد رفضت من قبل مجلس السليمانية والادعاء العام".

ويرى الحقوقي الكردي زردشت أحمد أن فرض إجراءات صارمة للحد من سرعة المركبات "أمر مرحب به، ولكن الهدف بالدرجة الأولى يجب أن يكون الحفاظ على سلامة المواطنين وليس إثراء هذا وذاك، وأن يخصص إيراد الغرامات للصالح العام، وصرفها لتحسين الطرق بخاصة في السليمانية"، متسائلاً "هل من المعقول أن تتمكن من تطبيق نظام متطور لرد المخالفة في حين يعاني الناس منذ سنوات من عدم رصف (تبليط) شارع ما؟".

ويقر زردشت "بوجود عديد من المخالفات ترتكب يومياً، خصوصاً من قبل مركبات الشحن ونقل البضائع التي لها النصب الأكبر من الحوادث المميتة، ونحن مع فرض عقوبات صارمة بحقهم، لكن يجب أن يتم ذلك بما يلائم القوانين، وأن تصرف الإيرادات للمصلحة العامة، وليس كما يحدث اليوم حيث تفرض رسوم على المركبات تحت تسميات البيئة والطرق ولا يعلم أحد إلى أين تذهب، بينما حال البيئة والطرق في تدهور مستمر".

إجراء شرعي

ومع اتساع دائرة الشد والجذب امتد الأمر إلى رأي الدين، إذ يقول رجل الدين لاوند جوارباخي إن وضع نظام الكاميرات المتطور إجراء شرعي ويجب ألا يكون محل اعتراض، مضيفاً "هذا ليس زواج المسيار لنختلف عليه؟... هل كاميرات رصد المخالفات تحتاج إلى أن نشك في جانبها الشرعي بكونها حلالاً أم حراماً؟، بالطبع لا نحتاج لذلك بل الخطوة صحيحة طالما تهدف إلى الحد من حوادث المرور وسلامة المواطنين، وإذا كان الفرد يريد الحفاظ على حياته فليطبق إذاً إجراءات السلامة".

في المقابل، وجه النائب الكردي البارز علي حمه صالح، عبر تدوينة له، انتقاداً إلى السلطات، قائلاً إن "السلطة لا تعرف كيف تقوم بترقيع هذا العقد غير القانوني فلجأت إلى رجل دين ليفعل ذلك بدلاً عنها"، في إشارة إلى جوارباخي.

ونشر نسخة من وثيقة قانونية قال إنها تعود للادعاء العام تشير إلى عدم قانونية هذا المشروع"، منوهاً بأنه "لا يعارض أية إجراءات تستهدف سلامة المواطنين، لكن نشر هذا العدد المبالغ به من الكاميرات لم يحدث في أية دولة، ويدل أن الغاية هي تحقيق مكاسب تجارية من جيوب الكسبة والفقراء".

وكان النائب صالح صدر بحقه حكماً قضائياً يلزمه دفع 90 مليون دينار (62 ألف دولار أميركي) كغرامة إلى الشركة المعنية بتطبيق نظام الغرامات الجديد بتهمة "إثارة الرأي العام وإلحاق الضرر بها".

أرقام مقلقة

محافظ أربيل أوميد خوشناو، تمسك بالمضي قدماً في نصب الكاميرات على الطرق داخل مركز المحافظة والخارجة منه "لأننا نواجه يومياً حوادث مرورية مأسوية"، مستنداً إلى إحصاءات رسمية العام الماضي سجلت أكثر من 3700 حادثة مرورية، لقي فيها 445 مواطناً حتفهم، وأصيب أكثر من سبعة آلاف آخرين، ومع التزايد المتواصل في أعداد المركبات فإن الحوادث تشهد زيادة متوازية.

وتحذر الجهات الرسمية والمدنية المعنية من استمرار ضحايا الحوادث المرورية، ما يتوجب وضع إجراءات أشد صرامة للحد منها. وتقول عضو جمعية "سلامة الطريق" أفان كريم إن "عدد الضحايا يفوق بأضعاف ضحايا الأمراض المميتة، وهي في ازدياد، ومن أجل وضع حد لهذه المأساة، لدينا مشروع مطروح لتطبيقه في السليمانية، من خلال البدء بمرحلة توعوية لطلاب المدارس، والقيام بحملة واسعة سواء عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أو نشر الملصقات في الشوارع والأماكن العامة". 

ويرجع مراقبون ومعنيون ارتفاع معدل الحوادث المرورية في كردستان العراق إلى تزايد أعداد المركبات وعدم وضع سقف محدد لاستيرادها بالمقارنة مع حجم عدد سكانه الذي لا يتجاوز 6 ملايين نسمة، في حين تخطى عدد المركبات المسجلة لغاية نهاية العام الماضي مليونين و40 ألف سيارة، وفقاً لمديرية المرور العامة، أي بزيادة فاقت 123 ألف مركبة عن عام 2021.

ويعد اقتناء سيارة خاصة في الإقليم ظاهرة لافتة، نتيجة انعدام وسائل النقل العام الحديثة كالقطارات أو حافلات الترام ومترو الأنفاق. ويقول مسؤولون في دائرة المرور إن هناك مركبة لكل ثلاثة أكراد في الإقليم "وهي نسبة تتجاوز إلى حد كبير المعايير العالمية".

سوء التنفيذ

أما المفاجأة فيزيح صاحب فكرة مشروع مراقبة المرور المقيم في بريطانيا سروت محمد، الستار عنها بالإشارة إلى "أخطاء في طريقة التطبيق"، مضيفاً "لم أشهد في أية دولة أن يتم وضع مثل هذه الكاميرات على الطرق السريعة، كما أن نسبة الغرامة المحددة ليست قانونية".

وفي حديثه إلى وسائل إعلام كردية، يرى سروت أنه "لا يحق للشركة أن تفرض الغرامة مباشرة على المخالف، بل إخطاره برسالة تحذير في البداية"، مبيناً أن "عديداً من الطرق في الإقليم من الناحية الهندسية غير سليمة، خصوصاً عند الانعطافات".

من جانبه، يذكر المتخصص في شؤون المرور العامة هلكوت عبدالله أهمية اتباع سياقات وإجراءات قانونية من شأنها تحقيق العدالة "وإلا فإن من حق السائق الطعن في قانونية النظام الجديد". وعن طبيعة تلك الإجراءات، قال "يجب وضع علامات التنبيه مسبقاً والتنويه حول تواقيت عمل الكاميرات، ونصب علامات السرعة المحددة، والتوعية في طريقة احتساب معدل المخالفة، والتقاط صورة للمخالف مع تقديم إيضاح عن طبيعة المخالفة، وأن تنفذ الغرامة بعدالة على الجميع مسؤولين ومواطنين بالتساوي، من دون إعفاءات خاصة".

انتقادات سياسية وشعبية

الوسط السياسي الكردي بدوره، سجل اعتراضات أيضاً، وعلاوة على الأصوات والقوى المعارضة للحكومة فإن قياديين من الحزبين الحاكمين أبديا تحفظات، إذ وجهت القيادية في حزب "الاتحاد الوطني"، بليسة جبار فرمان، انتقادات لاذعة، قائلة "لقد جرت محاولات حثيثة بهدف وقف تطبيق هذا النظام، سواء عبر الاحتجاج أو من قبل النواب والحكومات المحلية لكن من دون آذان مصغية، ولمن لا يعرف بأن الخطوة تهدف إلى انتزاع الأموال من جيوب المواطنين فإنه لا يشعر بمدى أوجاع الشعب". 

سائق الأجرة الكردي هاوجين أحمد (32 سنة) تحدث إلى "اندبندنت عربية" قائلاً إن "التقنية الحديثة ابتكرت في الأساس من أجل الحفاظ على حياة الناس، بالتالي يفترض أن تطبق في المناطق السكنية التي تشهد حركة وزحاماً لإجبار السائقين على الحد من السرعة". وأردف "لكن ما نشهده هو أن الكاميرات تم وضعها على الطرق السريعة، ما رسخ قناعة بأن ما يجري هو تحقيق أرباح على حساب قوت المواطن".

بدوره، يعتقد الموظف في القطاع العام محمود كوجر (25 سنة) أن السائقين يمكنهم تجنب التعرض إلى غرامات بكل بساطة، مضيفاً "لا أعرف لما كل هذه الضجة على تطبيق نظام من المفترض أنه يحافظ على سلامة الجميع، فالأمر بسيط طالما بإمكان كل شخص أن يلتزم بالسرعة المحددة، وإذا كان المعترضون يتهمون الحكومة أو الشركة بالسعي إلى حصول الأموال، فبإمكانهم أن يقطعوا الطريق على هذا المسعى عبر الالتزام بالشروط والتعليمات، بالتالي سيحمون أنفسهم من الحوادث ويحافظوا على أموالهم".

المزيد من متابعات