Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جبهة تيغراي تترك مصابي الحرب بين أنياب الإعاقة

حكومة الإقليم تجاهلت الرعاية الطبية اللازمة لهم وسرحت آلاف الأصحاء بلا تعويض

فاتورة حرب تيغراي والجيش الإثيوبي باهظة التكاليف  (أ ف ب)

ملخص

تظاهرات متكررة في إقليم تيغراي لمصابي الحرب الذين تجاهلتهم حكومة الإقليم بعد اتفاق السلام مع الجيش الإثيوبي

خرج مئات من عناصر "قوات الدفاع التيغراوية"، المعروفين بمصابي حرب تيغراي، في تظاهرات احتجاجية بشوارع مدينة مقلي شمالي إثيوبيا، طالبوا خلالها بضرورة حصولهم على حقوقهم كضحايا للحرب التي استمرت لعامين (2020-2022) بين جبهة تحرير تيغراي والجيش النظامي الإثيوبي وحلفائه من ميليشيات الأمهرة ووحدات من الجيش الإريتري، انتهت بتوقيع اتفاق لوقف العداء في بريتوريا جنوب أفريقيا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. 

تظاهرات متكررة

وتعد هذه التظاهرة، التي نظمت أول من أمس السبت، الثالثة لمصابي الحرب في تيغراي الذين يقدرون بعشرات الألوف، من دون أدنى استجابة من الحكومة الموقتة في الإقليم بقيادة جيتاشوا الذي تعهد في أكثر من مناسبة بتنفيذ مطالبهم وفقاً لخطة وضعتها إدارته بالتنسيق مع حكومة أديس أبابا. 

فما مطالب المعوقين الذين حاربوا إلى جانب قوات تيغراي ودفعوا جراءها أثماناً باهظة، ولماذا تتجاهل تلك المطالب على رغم شروع الحكومة الموقتة في تسريح نحو 50 ألف مجند سابق في قواتها تطبيقاً لاتفاق بريتوريا والاتفاقات الأمنية والعسكرية المكملة لها التي وقعت في العاصمة الكينية نيروبي.

وقود المعركة

تقول مجندة سابقة، مشاركة في التظاهرة تدعى "أديب هبلو" لإحدى القنوات الإذاعية المحلية، إن مصابي الحرب يشعرون بأسى، فمن جهة فقدوا جزءاً من أجسادهم دفاعاً عن قضية عادلة وأصبحوا غير قادرين على العمل وقيادة حياتهم، ومن أخرى تخلت عنهم الحكومة وعدتهم عالة عليها.

تضيف وهبنا أنفسنا لقضية تيغراي وشعبها لكن تضحياتنا قوبلت بالتجاهل، إذ لا نحصل على الرعاية الطبية اللازمة، كما رفضت الحكومة الموقتة تقديم أي تعويضات مادية، في حين شرعت حكومة جيتاشوا في تسريح الجنود الأصحاء مع تقديم شهادات تقديرية لنضالهم.

وأكدت المجندة كان الأولى أن نكون في مقدمة من يحظون بالتسريح من الجيش مع تقديم تعويضات تعيننا على تجاوز الإعاقة الجسدية والذهنية، إلا أن الإدارة الموقتة تحتفظ بوجودنا لضمان الحصول على المساعدات سواء من المنظمات الدولية، أو الجمعيات الخيرية للتغراويين في الخارج، في حين لا نحصل على أبسط الحقوق من تلك المساعدات. 

وطالبت بضرورة تشكيل لجان من المجالس المحلية والإدارة الموقتة، إضافة إلى ممثلي معوقي الحرب لإيجاد حلول لمشكلاتهم. 

 

 

100 دولار في مقابل عامين من الحرب 

من جهته قال يعبيوا برهي، أحد ممثلي مصابي الحرب في تيغراي، أضحى واضحاً أننا لسنا على  أولويات الحكومة الموقتة، فعلى رغم اللقاءات خلال الأشهر الماضية بيننا وبين عناصر من الحكومة والوعود المتكررة للاستجابة لمطالبهم إلا أن شيئاً لم يحدث على أرض الواقع. 

وحدد برهي المطالب بضرورة توفير الرعاية الطبية العاجلة لتضع المصابين الذين يعانون وجود شظايا في أجسادهم كأولوية لإخضاعهم لجراحات، وتوفير العلاج لبقية المصابين علاوة على وضع برنامج تسريح يعتمد على جدول زمني محدد لبقية المصابين، لا سيما الذين فقدوا أجزاء من جسدهم وضمان توفير معاش دائم لهم يعتاشون منه بعد التسريح. 

يضيف البرنامج الحكومي الحالي يسعى إلى التخلص من عبء التكاليف المادية بوضع الأصحاء في مقدمة خطة التسريح عبر تقديم تعويضات لا تتجاوز 100 دولار أميركي لكل مجند، وأكد أن رئيس أركان الحرب في قوات تيغراي أعلن أخيراً تسريح 50 ألف مجند ليس بينهم المصابون، مما يعني أن الدولة تخلصت من عبء هذا العدد عبر غلاف مالي لا يتجاوز 600 ألف دولار فقط.

فساد المنظومة 

وأشار برهي إلى أن الجاليات التيغراوية في الخارج تبرعت بما يتجاوز مليوني دولار لمساعدة مصابي الحرب، وثمة قنوات بدأت في التشكل مع الجاليات بالخارج لتقديم المساعدات بشكل مباشر للمصابين من دون المرور بالجهات الحكومية.

ويدلل على فساد المنظومة الحكومية من خلال قرار منظمتي الإغاثة العالمية وUSAAID الأميركية، اللتين علقتا مساعداتهما الإغاثية في تيغراي، بعد اكتشاف التلاعب بأن ما يقدمانه من مساعدات تباع بالأسواق المحلية. 

وشدد على أن جزءاً من مطالبهم موجه للجهات المانحة بعدم تقديم أي مساعدات عبر القنوات الحكومية إلا بعد إعادة تشكيل لجان ذات نزاهة وصدقية، تعتمد على الشفافية في توزيع المساعدات وفقاً للاحتياجات. 

التعويض وتحديات الموارد 

بدوره يرى المتخصص في الشأن التيغراوي محاري سلمون أن ثمة إشكالاً تعانيه الحكومة الموقتة في تيغراي، يتمثل في تجميد الأصول المالية للحكومة السابقة، وتوقف الموازنة السنوية الواردة من المركز منذ ثلاث سنوات.

وأكد أن أديس أبابا وفقاً لاتفاق بريتوريا وافقت على إلغاء قرار تجميد الموازنة السنوية المجمدة، لكن لم يتم تفعيل القرار بشكل كلي، كما أن الموظفين الحكوميين لم يحصلوا على رواتبهم منذ بداية الحرب وبالتالي ثمة تنازع بين الأولويات. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضيف سلمون أن "برنامج تسريح عناصر جيش الدفاع التيغراوي" يعد من بين أولوية الإدارة الموقتة، إذ إن الاحتفاظ بجيش قوامه 250 ألف عنصر يمثل عبئاً كبيراً على إقليم صغير لا يتجاوز تعداده 6 ملايين وبموارد شحيحة. 

ويؤكد أن هناك بنوداً في اتفاق بريتوريا تنص على ضرورة تسريح المقاتلين، والاحتفاظ بعدد أقل يستوعب ويعاد دمجه داخل الجيش النظامي، ويخضع هذا البرنامج لدعم من الدول المانحة بينهم الولايات المتحدة.  

ويرى الباحث أن هذا البرنامج يسعى إلى التخلص من المظاهر المسلحة كأولوية لضمان توحيد القوة العسكرية في الجيش النظامي، أكثر من سعيه إلى تعويض ضحايا الحرب من المصابين وذوي الشهداء.

 

 

التضحية ومرارة التجاهل 

وأشار إلى أنه يدرك المرارة التي يشعر بها مصابو الحرب نتيجة ما يعتبرونه تجاهلاً من حكومتهم للتضحيات الباهظة التي قدموها، وأشار إلى أن تاريخ الحروب في أفريقيا يبدو متشابهاً تماماً"، فعلى رغم خطابات الوطنية التي يغدقها المسؤولون عن التضحيات التي قدمت في هذه الحرب، إلا أنهم لا يقدمون ما يكفي من الدعم للضحايا الأحياء. 

وأضاف أن الفساد الإداري جزء من المشكلة، إلا أن ثمة عوامل أخرى تتعلق بقلة الموارد أمام تضاعف الاحتياجات الضرورية من توفير الغذاء في ظل توقف أعمال الإغاثة، إضافة إلى أن استعادة الخدمات الاجتماعية تمثل تحديات قائمة أمام حكومة الإقليم. 

ويشير المتخصص في الشأن التيغراوي إلى أن تنظيم مهرجانات فنية في كبريات المدن الأميركية، ومشاركة رئيس الإقليم فيها يضاعف شعور المرارة لدى ضحايا الحرب، إذ تزامن خروجهم للشارع مع انتظام هذه المهرجانات في الخارج. يوضح في الواقع أن تلك المهرجانات تمثل مورداً مالياً إضافياً للحكومة الموقتة، إذ تسعى من خلاله إلى جمع التبرعات، إضافة إلى حث المهاجرين من أبناء تيغراي للإسهام في عملية التنمية وإعادة التعمير. 

ما بعد الاحتجاج 

وفي رده على سؤال يتعلق بالحلول الممكنة لقضية المصابين، يجيب سلمون أنها جزء من تداعيات الحرب ولا يمكن النظر إليها بشكل مستقل، إذ إن الحرب كلفت البلاد ككل خسائر بشرية ومادية باهظة. 

وأشار إلى أن ثمة معضلة تتعلق بتصنيف الحزب الحاكم في تيغراي كمنظمة إرهابية من البرلمان الإثيوبي، وعلى رغم توقيع اتفاق السلام فإن الجهات القضائية لم تسقط تلك التهم بشكل كامل، بل أبقت الأصول المالية التابعة لحكومة الإقليم مجمدة، فيما لا تزال الموازنة السنوية لعامي 2020 و2021 بحوزة الحكومة المركزية علاوة عن دخول البلاد ككل في تكاليف الحرب لعامين.

وأوضح فاتورة الحرب جعلت الموارد المالية للبلاد في أزمة لم يسبق لها مثيل منذ أربعة عقود مضت، وبالتالي فإن أزمة مصابي الحرب تبدو حلقة واحدة في سلسلة محكمة من الأزمات التي تتخبط فيها البلاد.   

وأكد أن رؤية الحل ينبغي أن تستصحب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يمر به الإقليم المنكوب، كما على الإدارة الحكومية أن تولي الأهمية القصوى لهذا الملف، خصوصاً أن عديداً من هؤلاء يعانون أزمات نفسية وذهنية، نتيجة الأهوال التي عاشوها إلى جانب الإعاقة الجسدية.

ويختم بالقول "ينبغي تشكيل لجان وزارية تضم فريقاً ممثلاً للمصابين لدراسة الإشكالات القائمة وتقديم الرعاية الصحية، مع وضع جدول زمني محدد لتسريح عدد منهم مع تخصيص معاش يضمن لهم حياة كريمة. 

من جانبه رد رئيس الحكومة الموقتة لإقليم تيغراي جيتاشوا ردا، على احتجاج مصابي الحرب في اجتماع عقده مع عدد من ممثليهم، أكد فيه أن "قضية جرحى الحرب تعد من أولويات إدارته، وأن الحديث عن تخلي حكومته عن أبطالها عار من الصحة"، واستطرد قائلاً "أتفهم هذا الغضب تماماً ولا أدينه كما فعلت بعض الكوادر المتفلتة من الحزب، بل أقدره، لكن في المقابل عليكم معرفة التحديات التي تعيشها الإدارة الموقتة، وأهمها العجز المالي، إذ ظلت الميزانية العامة للإقليم مجمدة لأكثر من ثلاثة أعوام".

وأوضح أن الحكومة المركزية في أديس أبابا قد أطلقت أخيراً ميزانية عام 2021، والتي تصل إلى 23 مليار بير إثيوبي، في وقت تترتب على حكومته التزامات تتعلق بدفع رواتب الموظفين الحكوميين، المعلقة منذ ثلاثة أعوام .

وكشف عن أن دفع رواتب الموظفين لعامين تتطلب 35 مليار بير إثيوبي، وهو ضعف الميزانية التي تم سدادها من المركز.

وتعهد أن حكومته ستعمل على تشكيل لجان لدراسة ملف مصابي الحرب، ومن ينبغي تسريحه بتعويضات مالية، ومن يتطلب وضعه البقاء تحت رعاية وزارتي الدفاع والصحة في الإقليم.

وطالب المحتجين بالتعبير عن مطالبهم بطريقة حضارية، تستصحب حجم تضحياتهم التي تتجاوز الوضع المادي.

متعهداً بمتابعة "هذا الملف بشكل شخصي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير