Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تخلت واشنطن عن ملف انتهاكات تيغراي؟

محللون: إسقاط التهم عن الحكومة الإثيوبية يحقق مصلحة أميركية في منطقة القرن الأفريقي بعد الاتفاق الإريتري - الروسي

ما تبقى من ضحايا إحدى مذابح إقليم تيغراي (مواقع التواصل)

ملخص

أعربت كل من "هيومان رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، في بيان مشترك، عن قلقهما في شأن إفلات الضالعين في تلك الجرائم من العقاب، فضلاً عن استمرار هذه الممارسات في إثيوبيا.

أعربت منظمات حقوقية دولية بارزة عن قلقها من الموقف الأخير لحكومة الولايات المتحدة في شأن محاولة إسقاط التهم التي ظلت تلاحق الحكومة الإثيوبية، والخاصة بمزاعم ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في إثيوبيا، بما فيها تهم تتعلق بجرائم حرب ترقى إلى "جرائم ضد الإنسانية، وممارسات تصفية عرقية" في إقليم تيغراي خلال العامين الماضيين.

وأعربت كل من "هيومان رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، في بيان مشترك، عن قلقهما في شأن إفلات الضالعين في تلك الجرائم من العقاب، فضلاً عن استمرار هذه الممارسات في إثيوبيا.

ويأتي هذا الموقف بعد يومين من إبلاغ وزارة الخزانة الأميركية الكونغرس، بناءً على تقييم وزارة الخارجية، بأنها "لم تعد تعتقد أن الحكومة الإثيوبية متورطة في نمط من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان". 

وهذا الإعلان يمهد الطريق لمناقشات بين وزارة الخزانة ومؤسسات المساعدة الاقتصادية مثل صندوق النقد الدولي، لرفع العقوبات المفروضة على أديس أبابا، تماشياً مع جهود واشنطن لاستعادة علاقاتها مع إثيوبيا بعد اتفاق سلام تم توقيعه في بريتوريا نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مما يضع حداً فعلياً للصراع في تيغراي.

رسائل خاطئة 

قال بيان المنظمات الحقوقية الدولية إن "هذا القرار لا يتجاهل الانتهاكات المستمرة والخطرة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد فحسب، بل يرسل أيضاً رسالة ضارة حول الأهمية المحدودة لتقييم الولايات المتحدة الفظائع المرتكبة في حق المدنيين".

وقالت مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" بواشنطن سارة ييجر "إننا قلقون للغاية من أن حكومة الولايات المتحدة لم تعد تعتقد أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تحدث في إثيوبيا. لا يقتصر الأمر على تجاهل القرار حقيقة استمرار الانتهاكات في جميع أنحاء البلاد، ولكنه يرسل أيضاً إشارة كارثية بأن قرارات الولايات المتحدة الفظيعة تأتي بنتائج قليلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت المديرة الوطنية للعلاقات الحكومية والمناصرة في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة أماندا كلاسينج "تهدف إدارة بايدن إلى وضع حقوق الإنسان في قلب سياستها الخارجية. ومع ذلك فإن إعلانهم أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لم تعد تحدث، ذبابة في وجه هذا الوعد".

في أول يونيو (حزيران) أصدرت "هيومن رايتس ووتش" تقريراً يكشف عن استمرار التطهير العرقي وانتهاكات حقوق الإنسان والطرد القسري لتيغراي من غرب الإقليم على رغم اتفاق السلام في 2 نوفمبر 2022، وحثت الحكومة الفيدرالية على التحقيق فيه بشكل مناسب.

وفي وقت سابق من شهر مارس (آذار) الماضي قررت الولايات المتحدة أن عناصر من قوات الدفاع الوطني الإثيوبية والقوات الإريترية وقوات الأمهرة ارتكبوا "جرائم ضد الإنسانية" في منطقة تيغراي، بينما ارتكبت جميع الأطراف "جرائم حرب" خلال المعارك التي استمرت عامين في الإقليم، وامتدت إلى إقليمي أمهرة وعفر. 

استغلال حقوق الإنسان 

يرى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن سيد أن الإدارات الأميركية المتعاقبة ظلت تستخدم قضية حقوق الإنسان في إطار سياسي بغرض ممارسة ضغوط سياسية على الحكومات المتعارضة مع المصالح العليا للولايات المتحدة، أو التي ترفض تبني الرؤية الأميركية في قضايا بعينها.

ويضيف أن "الحال الإثيوبية ليست استثناء من هذه السياسة، على رغم أن الحكومة الإثيوبية هي التي تعرضت لاعتداء من قبل متمردي تيغراي عندما أغاروا على الجيش الشمالي"، موضحاً "لم يكن أمام الجيش الإثيوبي في الرابع من نوفمبر 2020 إلا صد الهجوم العسكري، والسعي إلى إنقاذ خطة الدولة في مواجهة ميليشيات تيغراي".

يؤكد سيد "أن استخدام ملف حقوق الإنسان بناءً على مزاعم عن ارتكاب جرائم أتى كجزء من الضغط على الإدارة الإثيوبية"، منوهاً بـ"أن تلك المزاعم لم تكن في البدء منصفة على الإطلاق، ولم تطالب متمردي تيغراي بالكف عن الاعتداءات والانتهاكات التي قاموا بها ضد الشعوب المجاورة لهم مثل عفر وأمهرة".

ويوضح أن "الحرب شهدت انتهاكات شملت كل الأطراف، إذ تعرض المدنيون للقتل المتعمد وهدم المنشآت ودور العبادة، فيما كانت الاتهامات تلاحق طرفاً واحداً فقط وهو الحكومة المركزية وحلفاؤها، وسارت على النهج الأميركي ذاته منظمات حقوقية دولية، إذ تبنت السردية الأميركية من دون الالتفات إلى معاناة كل الأطراف".

صفقة سياسية 

وحول القرار الأميركي الأخير، يعلق سيد بأن "تراجع الإدارة الأميركية عن إدانة الحكومة الإثيوبية يعد تعبيراً عن موقف تم دفع ثمنه مسبقاً من قبل أديس أبابا، عندما قبلت الأخيرة بتوقيع اتفاقية السلام مع جبهة تيغراي التي يعتقد أنها صياغة أميركية للحل".

ويشير إلى أن "أديس أبابا التزمت الرؤية الأميركية، وبدأت في مطاردة حلفاء الأمس من ميليشيات الأمهرة سعياً إلى تجريدهم من السلاح".

وتوقع إمكانية الاعتماد على الحكومة الإثيوبية لاحقاً للدخول في حرب بالوكالة ضد النظام الإريتري، الذي سارع أخيراً بتقوية علاقاته مع كل من بكين وموسكو، مؤكداً أن ذلك "قد يعتبر نوعاً من التهديد للمصالح الأميركية في المنطقة".

تقديم المصالح 

بدوره قال الناشط التيغراوي آلولا سلمون "في الوقت الذي كنا ننتظر موقفاً حقوقياً تجاه الضالعين في ارتكاب جرائم التصفية العرقية ضد التيغراويين، نفاجأ بالموقف الأميركي الأخير"، مطالباً الجهات الحقوقية الدولية بـ"العمل بمعزل عن الموقف السياسي الأميركي".

وأكد آلولا، الذي يعد أحد أبرز الوجوه التيغراوية التي عملت لأكثر من عامين مع المنظمات الحقوقية الأميركية لإدانة الجيش النظامي بارتكاب جرائم ضد المدنيين، "أن لا شيء سيتغير حتى تتراجع حكومة الولايات المتحدة عن اتهاماتها السابقة"، مشيراً إلى أن "من المؤسف تقديم المصالح السياسية لحكومتي واشنطن وأديس أبابا على القضايا القانونية، لا سيما المتعلقة بجرائم الحرب والتصفية العرقية". 

ولام آلولا "صمت حكومة إقليم تيغراي الموقتة برئاسة جيتاشوا رداً حيال هذا التطور الذي يفتح الباب واسعاً أمام المتهمين للإفلات من العقاب المستحق. بخاصة أن الجبهة الحاكمة في الإقليم تتمتع بعلاقات واسعة مع واشنطن والنخب الحاكمة في البيت الأبيض، وبإمكانها التأثير في القرار الأميركي".

توافق الإرادات 

يقرأ الناشط الحقوقي الإثيوبي آماري طلاهون قرار وزارة الخزانة الأميركية على أنه "قائم على تقدير الخارجية الأميركية لما يمكن تحقيقه من مصالح بين البلدين في حال إسقاط التهم"، مؤكداً "أن ذلك يحقق مصلحة أميركية بالدرجة الأولى تتعلق بسياساتها الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، بخاصة بعد الاتفاق الإريتري الروسي الذي تم التوصل إليه في موسكو".

ويشير طلاهون إلى "أن ثمة معلومات عن رغبة موسكو بإقامة قاعدة عسكرية على الساحل الإريتري بالبحر الأحمر كمقدمة لتمدد روسي في هذه المنطقة المهمة للمصالح الأميركية، بالتالي ثمة تلاق للمصالح الإثيوبية والأميركية، باعتبار أن الأولى منسجمة مع الرؤى الاستراتيجية للولايات المتحدة في أفريقيا عموماً، ومنطقة القرن الأفريقي بشكل خاص".

وحذر طلاهون من أن مواقف الإرادات السياسية في واشنطن وأديس أبابا ومقلي قد تقضي على آمال تحقيق العدالة في شأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. منوهاً بأن "التعاطي الأميركي مع هذه الملفات غالباً ما يخضع لحسابات السياسة والمصالح، وليس للقيم التي تنادي بها الإدارة في العلن". 

وأوضح أن "الرهان يبقى على الجهد الأهلي والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان"، مشيداً بالبيان المشترك لكل من "هيومان رايتس ووش" ومنظمة العفو الدولية، لكنه أعرب عن خشيته من ألا يتجاوز موقف هذه المنظمات واقع التنديد والمناشدة، إذ يتطلب الأمر مواقف جدية من الدول الكبرى في مجلس الأمن الدولي، لضمان عدم إفلات المتهمين من العقاب.

المزيد من تقارير