Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نقص الدواء يضع فرنسا بين خياري الاستيراد أو الإنتاج 

تسجيل 4925 حالة نفاد في المخزون والحكومة تطرح خطة بديلة قبل اجتماع نقابة الصيادلة في مايو المقبل

تم تسجيل 4925 حالة من نفاد المخزون وأخطار نفاده، مما يُظهر زيادة بنسبة 30.9 في المئة مقارنة بالعام السابق (أ ف ب)

ملخص

تعاني نحو 4900 نقطة توزيع في فرنسا من نقص الدواء، والحكومة تعتمد أداة جديدة تمكن الصيادلة من تحديث قائمة الـ450 دواء أساسياً مثل "الأموكسيسيلين" أو "المورفين" سنوياً بدءاً من 2025.

تزايدت التحديات المتعلقة بتوريد الأدوية بشكل كبير إلى فرنسا منذ بداية يناير (كانون الثاني) 2024، مما جعل قطاع الصيدلة يواجه صعوبات متنامية، يعود هذا التصاعد إلى ارتفاع عدد حالات نقص الأدوية، مما أثار استياءً وغضباً كبيرين بين الخبراء والمختصين في هذا المجال.

أمام هذه الأزمة المتفاقمة، يسعى اتحاد نقابات الصيادلة الهيئة التمثيلية الرئيسة خلال اجتماعه في 30 مايو (أيار) المقبل إلى زيادة الوعي لدى الجَمهور والسلطات حول الضرورة الملحة للتصدي للوضع الطارئ، وتُعتبر هذه الخطوة منعطفاً هاماً في محاربة نقص الأدوية، حيث تهدف إلى جذب الانتباه إلى الآثار الخطيرة التي يمكن أن يسفر عنها هذا النقص على الصحة العامة.

وفقاً لتقارير وكالة الأدوية الفرنسية لسلامة الأدوية، تم تسجيل 4925 حالة من نفاد المخزون وأخطار نفاده، مما يُظهر زيادة بنسبة 30.9 في المئة مقارنة بالعام السابق، و128 في المئة مقارنة بعام 2022، في حين يُظهر انخفاضاً بنسبة 128 في المئة مقارنة بـ 2021.

تحديات الحصول على الدواء

المرضى يواجهون تحديات في الحصول على علاجهم، مما يدفع الصيادلة إلى قضاء نحو 12 ساعة في الأسبوع في البحث عن حلول بديلة، وعادةً ما ينجح الصيدلي في العثور على حل بديل من خلال البحث في مخزونه للعثور على دواء آخر يشترك في الصفات نفسها، أو بطلب الدواء البديل من الموزع، وعلى رغم أن المريض قد يحتاج أحياناً إلى تناول جرعات مزدوجة أو مضاعفة، يبذل الصيدلي جهوداً كبيرة لتوفير بدائل متاحة.

ومع ذلك، فإن العملية ليست دائماً سهلة، كما توضح تجربة نزيهة وهي مسنة تقيم في فرنسا، حيث واجهت صعوبة في الحصول على دواء القلب من الصيدلية، إذ قدم لها الصيدلي دواء بديلاً موقتاً، ولكن كان له تأثير سلبي على صحتها، مما أدى إلى حدوث مضاعفات صحية غير متوقعة.

 

هذا الوضع دفع نزيهة إلى التفكير في التوقف عن استخدام الدواء البديل، ولكنها واجهت صعوبة في العثور على الدواء الذي كانت تستخدمه بانتظام، لأنه غير متوافر في الصيدليات في الوقت الحالي، إلا أن تجربة نزيهة تسلط الضوء على أهمية توفير الدواء المناسب للمرضى، وتظهر الحاجة الماسة لتوفير بدائل فعالة في حال عدم توافر العلاج المعتاد.

لفهم هذا الوضع المهم بشكل أكبر، أجرت "اندبندنت عربية" مقابلة مع رئيس اتحاد نقابة الصيادلة سيريل كولومباني الذي أكد أن جميع فئات الأدوية تأثرت بنقص في المخزون، بما في ذلك المضادات الحيوية ومضادات السرطان وأدوية القلب، مما يوضح حجم الأزمة التي تواجهها صناعة الصيدلة، مشيراً إلى وجود نقص في الفنتولين والكورتيكوستيرويدات، مما يعكس تأثيرات واسعة النطاق لهذه الأزمة على الأدوية الأساسية.

وقال نقيب الصيادلة إن فرنسا تعاني حالياً من نقص حاد في الخدمات الطبية، حيث يتمثل هذا النقص في زمن الانتظار الممتد للحصول على مواعيد مع الأطباء، الذي يتجاوز في كثير من الأحيان شهراً واحداً، لافتاً إلى أن هذا الوضع ليس جديداً، إذ إنه نتيجة لفكرة خاطئة تقول إن زيادة عدد الأطباء ستؤدي إلى زيادة الإنفاق.

ويرى كولومباني أن الوضع الحالي غير مقبول على الإطلاق على رغم تخصيص الحكومة مبلغاً ضخماً قدره 650 مليون يورو (695.3 مليون دولار) لدعم مراكز الرعاية الصحية الأساسية، معبراً عن قلقه إزاء احتمالية أن يتعين على المرضى في المستقبل السفر لمسافات تصل إلى 35 أو 40 كيلومتراً للعثور على صيدلية.

تراجع جودة الرعاية الصحية

بخصوص القضايا الرئيسية والمطالب التي دفعت نقابات الصيادلة إلى الإعلان عن الإضراب وطلب إغلاق الصيدليات في 30 مايو المقبل، أوضح كولومباني أن السبب الرئيس لهذا الإجراء يعود بالأساس إلى نقص الأدوية في فرنسا، حيث تعاني نحو 4900 نقطة توزيع من هذا النقص أو الانقطاع، وأضاف قائلاً "الجانب الآخر من القضية يتمثل في رغبة الحكومة في تخفيف القيود على قطاع الدواء".

وأشار كولومباني إلى أن دور الصيدلي في فرنسا لا يقتصر على توزيع الأدوية بل يتجاوز ذلك ليصبح متخصصاً في مجال الرعاية الصحية ورائداً في مجال الأعمال أيضاً، متابعاً "تشير تقديرات السلطات إلى أن تحديد تكاليف وأسعار الأدوية يمثل 80 في المئة من إيرادات الصيدليات في فرنسا، حيث يبلغ عددها 20 ألف صيدلية، فيما نكرس ساعات كل أسبوع للبحث عن الأدوية الحيوية لمرضانا".

مفاوضات وتحرش إداري

في سياق التعامل مع دعوة الإضراب والمطالبة بإغلاق الصيدليات، أشار نقيب الصيادلة إلى وجود محادثات بين القطاع والحكومة منذ نحو سنتين، لافتاً إلى بطء سير المفاوضات التي لم تكن فعّالة بالشكل المأمول، في حين أن الصيادلة يواجهون تحديات تتمثل في تحرش إداري من قبل الصندوق.

وأوضح كولومباني أنه على رغم تكرار طلبات الصيادلة لفتح النقاش، يعمل بعض النواب على إعداد تقارير تهدف إلى تخفيف قوانين مهنتهم من دون الاستماع إليهم أو التواصل معهم، مما يخلق بيئة غير مريحة لأنهم لا يشعرون بالاحترام أو الاهتمام.

تحديات إمدادات الأدوية

تتعدد أسباب تحديات إمدادات الأدوية في فرنسا، حيث تشمل العوامل الجغرافية والاقتصادية والإنتاجية، منها النزاعات والحروب، حيث تؤدي الأحداث السياسية والعسكرية إلى تعطيل سلسلة التوريد وتعثر الإمدادات الأدوية، على سبيل المثال، حرب أوكرانيا، إذ تعتبر كييف منتجاً للعديد من المكونات الأساسية المطلوبة لتعبئة الأدوية، مثل الألومنيوم والزجاج والمواد اللازمة للإبر الطبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويزداد الطلب العالمي على الأدوية بشكل ملحوظ، مما يزيد من تفاقم هذا النقص، حيث أصبحت دولٌ جديدة مثل الصين مستهلكة للأدوية بشكل كبير، وهذا يفرض ضغطاً متنامياً على سلسلة التوريد الدوائية العالمية.

إضافة إلى ذلك، تسبب نقل إنتاج الأدوية إلى البلدان التي تتمتع بتكاليف إنتاج أقل في تعزيز ضعف سلسلة التوريد، حيث تعتمد فرنسا بنسبة تتراوح بين 60 إلى 80 في المئة من وارداتها، بخاصة من الصين، لإنتاج الأدوية المعروفة بالنضج مثل المضادات الحيوية ومنتجات التخدير، وتصل هذه النسبة إلى 95 في المئة لبعض الأدوية البيولوجية.

التركيز المفرط في إنتاج بعض الأدوية يُعَدّ أحد الأسباب الرئيسية لذلك النقص، حيث تنتج شركة واحدة العديد من الأدوية مما يجعل سلسلة التوريد هشة للغاية، وهذا ما يحدث في حالة دواء "الأكتيليز" المستخدم أساساً في علاج السكتات الدماغية، والذي يتم توفيره من مصنع واحد فقط في ألمانيا للعالم أجمع، وإضافة إلى ذلك، يتطلب هذا الدواء عمليات تصنيع معقدة نظراً لتقنيته المتقدمة.

رد وزارة الصحة الفرنسية

من جهتها، قالت وزارة الصحة الفرنسية إنها تعمل على تعزيز التدابير الوقائية لمواجهة نقص الأدوية منذ 2019، مؤكدة أن الإجراءات تلزم الشركات الصناعية بتشكيل مخزون آمن من منتجاتها للسوق الوطنية، ومنع الصادرات، وكذلك منح الصيادلة إذناً بتحضير الوصفات الطبية المخصصة، إضافة إلى توفير معلومات منتظمة للأطباء المعالجين بشأن حالة التوتر، وأشارت إلى أنه تم العمل على إيجاد حلول سريعة جديدة للفرنسيين لمواجهة التوتر في استخدام عقار "الأموكسيسيلين".

خطة عمل جديدة

وأفادت وزارة الصحة بأنه تم إعداد خطة عمل جديدة للفترة من 2024 إلى 2027، بهدف ضمان توافر الأدوية وتحقيق السيادة الصناعية على المدى الطويل، ومع ذلك، كشفت الصعوبات في التوريد خلال الموسم الشتوي الأخير عن ضرورة المضي قدماً في تحسين الإجراءات، مثل اكتشاف الإشارات المبكرة للتوتر وتطوير قنوات جديدة لتبادل المعلومات بين المهنيين الصحيين والمرضى.

ولتعزيز القدرات الصناعية في مجال الأدوية الحيوية وتنفيذ إجراءات وقائية، قامت السلطات الصحية بإعداد قائمة بالأدوية "الأساسية" لصحة المواطنين وفقاً لتوصيات ممثلي الوصفاء، ومن المقرر أن تكون هذه الأدوية موضوع متابعة مكثفة لمواجهة ضعف الصناعة بدفع السوق الفرنسية للتبعات الناجمة عن الاعتماد على الواردات من خارج الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، يمكن تحديد هذه الأدوية ومن ثم توجيه استراتيجية لإعادة تنمية القدرات الصناعية، إضافة إلى إطلاق مبادرة مشابهة تهدف إلى الوقاية والتنبؤ بنقص الأجهزة الطبية.

 

بدوره، أعلن وزير الصحة والوقاية فريدريك فاليتو، أن هذه الخطة الاستراتيجية تمثل خطوة حاسمة في الالتزام الجماعي بتحسين إمكانية وصول الفرنسيين إلى الأدوية، مؤكداً في بيان صحافي، إلتزامه بمواجهة هذه المشكلة وضمان توفير الأدوية للجميع.

وفي هذا السياق، أشارت وزيرة العمل والصحة والتضامن كاثرين فوترين، إلى أن التوجهات الرئيسة المطروحة في هذه الخطة، التي تهدف إلى التحديث المستمر، تشكل مجموعة من الحلول للمساهمة في مكافحة نقص المنتجات، شريطة أن تشارك جميع الجهات المعنية، بما في ذلك المرضى والمهنيون الصحيون وأصحاب توزيع الأدوية وصناعها.

وفي ما يتعلق بوزير الصناعة والطاقة المنتدب رولاند ليسكور، فأكد أن هذه الخطة توفر أدوات هامة لمكافحة نقص الأدوية بشكل أفضل، وتتطلب تعاوناً كاملاً من جميع أطراف السلسلة، إذ يجب علينا الحفاظ على إنتاج الأدوية الأساسية في المنطقة وتعزيز الجهود لإعادة توطين بعض الصناعات، بل وينبغي أيضاً العمل على مستوى الاتحاد الأوروبي لتقليل التوترات في التوريد وتعزيز قدرتنا على الإنتاج في أوروبا.

سجل النقص

تهدف السلطة التنفيذية أيضاً إلى تعزيز معلومات الصيادلة، حيث يمكن لهم الآن الإبلاغ عن انقطاع الإمدادات في "سجل النقص"، وهو الأداة، التي يستخدمها الصيادلة بشكل كبير بالفعل والتي ستتاح في جميع الصيدليات، إضافة إلى ذلك، سيتم تحديث قائمة الـ450 دواء أساسياً مثل "الأموكسيسيلين" أو "المورفين" سنوياً بدءاً من 2025.

 

وسيتم تعزيز رصد هذه الأدوية من قبل الوكالة الوطنية لسلامة الأدوية والمنتجات الصحية لمنع أي انقطاع، مع إضافة بعض الأدوية إلى القائمة لضمان توافرها في البلاد. ومن بين الإجراءات الأخرى قد يتغير عدد الأدوية في العبوة لتجنب الهدر إذ ستقدم عبوة تحتوي على سبعة أقراص على سبيل المثال بدلاً من عبوتين تحتوي الواحدة على خمسة أقراص.

لجنة التحقيق

لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ استعرضت خيارات أخرى لمواجهة أزمة نقص الأدوية، حيث اقترحت إما إنشاء إنتاج أوروبي للأدوية الأساسية أو إنشاء هيئة عامة للدواء تخضع لسلطة رئيس الوزراء. ودعت رئيسة اللجنة، لورانس كوهين، إلى إنشاء مركز عام للدواء يعتمد بشكل خاص على المؤسسة الصيدلانية التابعة للوكالة العامة للتجهيزات والمنتجات الصحية في مستشفيات باريس، ويعنى هذا المركز بتصنيع الأدوية التي لا يتم تسويقها من قبل الشركات لمصلحة المستشفيات العامة.

وأعلن وزير الصحة الفرنسي السابق، أوريليان روسو، في أغسطس (آب) 2023 عن زيادة بنسبة 10 في المئة في سعر "الأموكسيسيلين" بشرط أن تضمن الشركات الصناعية توفير مخزون كاف، ومع ذلك، وفقاً لتقييم الخبراء والمحللين، فإن هذه الزيادة لا تضمن النتيجة المرجوة.

بولين لونديكس، من مرصد "الشفافية في السياسات" كانت من بين الذين اعتبروا هذه الخطوة غير فعّالة، وأوضحت أن أسعار الأدوية الأساسية في سويسرا تكون أعلى بنسبة تصل إلى 42 مرة مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي، مشيرةً إلى وجود نقص هناك أيضاً.

المزيد من تقارير