Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرقابة الدولية على الطاقة الذرية

قد يكون من المفيد الآن أن نتذكر كيف تبدت المشكلة لنا في صيف عام 1945، عندما أصبح من الواضح تماماً أن الأسلحة الذرية وإطلاق الطاقة الذرية على نطاق واسع لم يكونا ممكنين فحسب، بل كان تطبيقهما على أرض الواقع وشيكاً أيضاً

الجنرال ليزلي غروفز وجي روبرت أوبنهايمر في موقع تفجير ترينيتي النووي سبتمبر 1945 (مختبر لوس ألاموس الوطني)

ملخص

قد يكون من المفيد الآن أن نتذكر كيف تبدت المشكلة لنا في صيف عام 1945، عندما أصبح من الواضح تماماً أن الأسلحة الذرية وإطلاق الطاقة الذرية على نطاق واسع لم يكونا ممكنين فحسب، بل كان تطبيقهما على أرض الواقع وشيكاً أيضاً

في أحد الأيام، وفي منطقة خلت من الأشجار ضمن الغابة، صادف كونفوشيوس امرأة يعتصرها الألم وفي حالة حداد عميق. علم حينها أن نمراً كان قد التهم ابنها للتو، حاول مواساتها وتوضيح عدم جدوى دموعها، لتجدي محاولاته في جعلها تستعيد رباطة جأشها، ولكن ما إن غادر، وبالكاد وطأت قدماه أراضي الغابة الكثيفة مجدداً، حتى سمع صوت نحيبها مرة أخرى. قالت له المرأة: "هذا ليس كل شيء. ذاك النمر نفسه التهم زوجي قبل عام". حاول كونفوشيوس مواساتها مرة أخرى، وما كاد يغادر حتى سمع بكاءها المتجدد. فسألها "أليس هذا كل شيء؟" فأجابت عندئذ: "آه، لا. في العام الذي سبق ذلك، التهم النمر أبي أيضاً". فكر كونفوشيوس للحظة، ثم قال "لا يبدو هذا الحي آمناً جداً. لماذا لا تتركينه؟" ففركت المرأة يديها ببعضهما وقالت "أنا أعلم"، "أعلم ذلك، ولكن في الحقيقة، أداء الحكومة هنا رائع جداً".

تتبادر هذه الحكاية الساخرة إلى أذهاننا في كثير من الأحيان حينما نرى الجهود التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة من أجل توجيه تطوير الطاقة الذرية نحو غايات خيرة، وحينما نلاحظ أن تلك الجهود الرامية إلى تعزيز الرقابة الدولية على هذا النوع من الطاقة لم تعد تقتصر حالياً إلا على مفاوضات متعثرة وصعبة داخل مفوضية الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.

في ما يلي، أود أن أكتب بإيجاز عن بعض العوامل التي تؤثر في صنع سياسة الولايات المتحدة، وعن صياغة تلك السياسة في ما يرتبط بعالمنا المعاصر. وفي ضوء التوقعات الحالية، التي تجعل النجاح على المدى القصير غير مرجح إلى حد ما، فإن الكتابة عن هذه الأمور اليوم لا بد من أن تكون صعبة. في الواقع، لقد تجاوزنا مرحلة الدفاع عن وضعنا أو سياساتنا الحالية، لكننا لم نصل بعد إلى نقطة زمنية حيث يمكن للتاريخ أن يحلل بشكل كامل ويقدم منظوراً كاملاً لأفعالنا أو قراراتنا. على رغم التحديات، قد يكون الجهد المبذول لتحليل السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة مفيداً بعض الشيء في تقدير ما كان منطقياً وما حدث في الوقت المناسب وما كان له أثر بعيد. وحتى أكثر من ذلك، في مساعدتنا على معرفة سبب عدم نجاح هذه السياسة. إن الإجابة ببساطة على أننا فشلنا بسبب عدم تعاون الحكومة السوفياتية هي بالتأكيد جزء أساسي من الإجابة الصحيحة. ومع ذلك، علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لم ننجح في مسألة بالغة الأهمية لمصلحتنا، وأن نكون مستعدين لمحاولة فهم الدروس المستفادة من ذلك لسلوكنا المستقبلي.

إن تحقيق فهم شامل للعوامل التي أسهمت في تشكيل السياسة السوفياتية والعمليات السياسية الخاصة بنا هو أمر ضروري لفهم الأسباب الكامنة وراء نجاحاتنا وإخفاقاتنا. ومع ذلك، فإن مثل هذا التحليل هو مهمة كبيرة قد تتجاوز نطاق هذه الورقة. في الوقت الحالي، نركز في الآتي فقط على الأسئلة المتعلقة بنوايانا في ما يتعلق بالتحكم الذري، في حين أن هذه الأسئلة قد تكون مجردة إلى حد ما، إلا أنها لا تزال جزءاً من السياق التاريخي.

لم يكن في تطوير الطاقة الذرية أي من السرمدية التي عادة ما تتسم بها الابتكارات الجديدة في العلوم. لقد تميز منذ البداية بالوعي الذاتي الشديد لدى جميع المشاركين، مما منحه غالباً جانباً بطولياً، وفي أحيان كثيرة جانباً طريفاً [وغريباً]، إلى حد ما. وهكذا عندما اكتشف هان ظاهرة الانشطار [أوتو هان هو العالم الذي اكتشف الانشطار النووي]، بعد أقل من عقد من الاستكشاف المكثف للبنية النووية والتحويلات النووية، سارعنا جميعاً إلى الإشادة به، ليس باعتباره اكتشافاً جميلاً، بل مصدراً محتملاً لتحقيق تطور تكنولوجي عظيم. قبل وقت طويل من معرفة أنه يمكن تهيئة الظروف للحفاظ على تفاعل انشطاري متسلسل، وقبل وقت طويل من إدراك الصعوبات في هذا المشروع أو تحديد طرق حلها، لاقت ظاهرة الانشطار ترحيباً باعتبارها مصدراً محتملاً للمتفجرات الذرية، وتم حث حكومات كثيرة على تطويرها. وحدث آنذاك أنه عندما كانت مقاطعة مانهاتن الأميركية تشارف على إتمام مهمتها، وكانت الأسلحة الذرية في الواقع جاهزة تقريباً للاستخدام، كانت هناك مجموعة من الأشخاص المطلعين إلى حد ما، ناقشوا في نوع من الخصوصية التامة ما قد تعنيه هذه التطورات، وما المشكلات التي قد تثيرها، وعلى أي أساس يمكن البحث عن الحل. بعد استخدام الأسلحة في نهاية الحرب، أصبح جزء كبير من هذا التفكير معروضاً للجمهور بشكل موجز وشامل؛ وذلك بسبب ضرورة فهمه بسهولة ومراعاة الأمان العسكري في الوقت نفسه.

في هذه الحرب الأخيرة، أصبح نسيج الحياة المتحضرة في أوروبا ممزقاً لدرجة أنه واجه خطراً جسيماً بألا يصمد

 

وعلى رغم ذلك، قد يكون من المفيد الآن أن نتذكر كيف تبدت المشكلة لنا في صيف عام 1945، عندما أصبح من الواضح تماماً أن الأسلحة الذرية وإطلاق الطاقة الذرية على نطاق واسع لم يكونا ممكنين فحسب، بل كان تطبيقهما على أرض الواقع وشيكاً أيضاً. حتى في ذلك الوقت، انصب جزء كبير من تفكيرنا على ما أصبح يعرف لاحقاً بالاستخدام السلمي للطاقة الذرية. من الناحية الفنية، كان من الطبيعي جداً أن ننهمك بهذا التفكير، نظراً إلى إغلاق عدد كبير من مسارات الاستكشاف المثيرة بسبب المتطلبات الرئيسة للبرنامج العسكري، وكان من الطبيعي أيضاً أن نشعر بالفضول لتخيل ما قد يكمن على طول تلك المسارات في وقت كان من المفترض أن ننال فيه متعة سلوك هذه المسارات وإطلاق العنان لمساعينا.

إضافة إلى ذلك كان هناك اعتبارات سياسية أيضاً. كان من الواضح بالنسبة إلينا أن الإجابة عن سؤال "هل هناك أي فائدة في الذرة؟" ستؤثر بصورة حاسمة في الأشكال والأساليب التي يمكن للبشرية أن تأمل في استخدامها مستقبلاً لحماية نفسها من أخطار الحرب الذرية غير المحدودة. منذ البداية، كان من الواضح أن الإجابة عن هذا السؤال ستظهر بلا شك نوعاً من الحذاقة. ستكون الإجابة "نعم"، وبشكل قاطع "نعم"، بيد أن هذه الـ"نعم" ستكون غير مقنعة ومشروطة وموقتة مقارنة بالإجابة القاطعة التي تحسمها القنبلة الذرية بحد ذاتها. على وجه الخصوص، لا يبدو أن المزايا التي يمكن أن تأتي من استغلال الطاقة الذرية ستكون من النوع الذي قد يسهم على المدى القصير جداً في رفاه البشرية في المجالين الاقتصادي أو التقني، إذ إنها من النوع الذي لا يظهر إلا على المدى البعيد، بالتالي لا يمكن أن نتوقع أن تتخذ طابعاً ملحاً وطارئاً بالنسبة إلى شعوب بلدان غارقة في الحروب وتعاني الجوع والفقر والتشرد وتواجه حالة الارتباك والفوضى المرعبة التي تسيطر على حضارة مدمرة. وربما لم يتم الاعتراف على نحو كاف بأهمية هذه القيود باعتبارها رادعاً يمنع اهتمام الشعوب الأخرى والحكومات الأخرى بتطوير الطاقة الذرية، الأمر الذي كان من الممكن أن يلعب دوراً كبيراً في ضمان دعم تلك الجهات لآمالنا. ولم نتوقع أن نلمس هذا الحماس الواعي إزاء التعاون في تطوير الطاقة الذرية إلا بين العلماء المحترفين، الذين يستفيدون مباشرة من عملية التطوير تلك، وقد لمسناه فعلاً.

ولم يظهر آنذاك سوى استخدامين سلميين للطاقة الذرية، وعلى حد علمي، ليس هناك سواهما حتى يومنا هذا. الأول هو تطوير مصدر جديد للطاقة. والآخر عبارة عن مجموعة من الأدوات الجديدة للبحث، والاستقصاء، والتكنولوجيا، والعلاج.

ومن الذي ذُكر سابقاً، كان واضحاً قبل عامين، وهو واضح اليوم، أن توليد طاقة فعّالة من مصادر ذرية سيكون بالتأكيد مشكلة قابلة للحل وسيحقق تقدماً حاسماً خلال عقد من الزمن في ظروف مواتية. ومع ذلك، فإن السؤال المتعلق بفائدة هذه الطاقة، والمقدار الذي يمكن توفيرها، والتكاليف والقيم الاقتصادية العامة، سيحتاج إلى وقت طويل للحصول على إجابات. كما نعلم جميعاً، تعتمد الإجابات على حالة المواد الخام، بشكل أساسي، على توافر اليورانيوم الطبيعي والثوريوم وكلفتهما، وعلى المدى الذي يمكن فيه عملياً استهلاك نظائر اليورانيوم والثوريوم كوقود نووي. وبالتالي، لم يكن من الممكن لأي تقييم صريح وصادق لمستقبل الطاقة في عام 1945 أن يفشل في الاعتراف بضرورة التطوير والاستكشاف المكثف. وعلى نحو مماثل، لا يمكن لأي تقييم نزيه وصادق أن يعطي ضمانات في شأن النتيجة النهائية غير الضمانات العامة التي يبررها تاريخ تقنيتنا. ومن المؤكد أنه لم يكن هناك في هذا الشأن أي تقييم في ذلك الوقت، ولا حتى اليوم، يبرر النظر إلى الطاقة الذرية باعتبارها مساعدة اقتصادية فورية لعالم مدمر ومتعطش للوقود، ويعطي تطوير تلك الطاقة صفة الإلحاح التي ستمنح بالتأكيد لموضوع السيطرة على الأسلحة الذرية بمجرد أن تصبح طبيعة الأسلحة وضراوتها واضحة للجميع.

 

بالنسبة لاستخدام المواد التتبعية [tracer materials - مواد تستخدم في العلوم والبحوث العلمية لتتبع وفهم العمليات الفيزيائية أو الكيميائية أو البيولوجية. تكون هذه المواد عادةً مشعة وتحتوي على نظائر نووية مشعة، مما يسمح للعلماء بتعقب حركة المواد والتفاعلات الكيميائية أو البيولوجية في النظم التجريبية]، والمركبات الإشعاعية، والأشعة في العلوم، والفنون العملية، والتكنولوجيا والطب، كنا في وضع أفضل للحكم على ما قد يأتي. فاستخدام المواد التتبعية لم يكن جديداً. وقد شهد العقد الماضي، أي الثلاثينيات، استخدامات متنوعة وفعالة بشكل متزايد. بالمثل، لم يكن استخدام الإشعاع من أجل دراسة خصائص المادة والتشخيص والعلاج أمراً جديداً. في الواقع، لقد أعطتنا عقود عدة من التجارب المريرة والمتفائلة فكرة عن قوة هذه الأدوات وحدودها. وما كان ينتظرنا من تطوير المفاعلات الذرية والطرق الجديدة في التعامل مع المواد المشعة وفصل النظائر، كان تنوعاً أعظم وكمية أكبر بكثير من المواد التتبعية، وإشعاعاً أقوى وأشد بكثير مما كان متاحاً في الماضي. كان من الواضح أن هذا سيكون حافزاً للدراسات الفيزيائية والبيولوجية، وأدركنا أيضاً أن قيمة هذا الاكتشاف تعتمد في المقام الأول على التطوير الماهر للتقنيات الكيماوية والفيزيائية والبيولوجية، وأن هذا التطوير حتى في ظل أفضل الظروف سيكون تدريجاً ومستمراً.

وهكذا، فإن الصورة التي رسمناها [تصوراتنا] حول الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية لم تكن بسيطة ولا بطولية: فمن ناحية، شملت تلك الصورة سنوات عديدة، وربما عقوداً عديدة، من التطوير، خصوصاً التطوير الهندسي، بهدف توفير مصادر جديدة للطاقة، ومن ناحية أخرى، ترسانة جديدة من الأدوات من أجل استكشاف العالم الفيزيائي والبيولوجي، ومع الوقت، من أجل التحكم بها بشكل أفضل، لتضاف إلى ترسانة أدوات العلماء والمهندسين المتنامية باستمرار.

وكان هناك ثلاث مسائل أخرى واضحة في ذلك الوقت. من جهة، لا يمكن فصل تطوير الطاقة الذرية عن التطور التكنولوجي الضروري والكافي لتصنيع الأسلحة الذرية. من جهة أخرى، لا يمكن أن يزدهر تطوير الطاقة أو الاستخدام الفعال والواسع النطاق للأدوات الجديدة في مجال البحث والتكنولوجيا ازدهاراً كاملاً من دون انفتاح وصدق كبيرين في ما يتعلق بالواقع التقني، وهما أمران [الانفتاح والصدق] يصعب التوفيق بينهما وبين المتطلبات التقليدية التي يفرضها الأمن العسكري حول تطوير أسلحة الحرب. وإضافة إلى هذه الاعتبارات العامة، يجب أن نؤكد أنه في حين أن الاستخدام السلمي للطاقة الذرية قد يكون مصدر إلهام للخبراء التقنيين ورجال الدولة المهتمين برفاه البشرية، فإنه قد لا يجذب بشكل مباشر الشعوب المنهكة والجائعة واليائسة التي تعيش في عالم دمرته الحرب. إن عرض مثل هذا الأمر، في حال المحاولة، سيفتقر إلى الصدق والأمانة، بالنظر إلى الظروف الملحة التي يواجهها هؤلاء الأشخاص.

في صيف عام 1945 أصبح من الواضح تماماً أن الأسلحة الذرية وإطلاق الطاقة الذرية على نطاق واسع لم يكونا ممكنين فحسب، بل كان تطبيقهما على أرض الواقع وشيكاً أيضاً

 

على رغم أهمية هذه الآراء حول المستقبل السلمي للطاقة الذرية، فقد طغى عليها آنذاك [فاقها أهمية] هاجس من نوع آخر تماماً، وما زال طاغياً منذ ذلك الحين. في عبارة مبسطة، إنه هاجس "التحكم في الطاقة الذرية بالقدر اللازم لمنع استخدامها من أجل أغراض تدميرية". وهناك نوعان من الاعتبارات يرتبطان بهذه المشكلة، الأول ينبع من طبيعة التسلح الذري، والثاني من المناخ السياسي في عالم ما بعد الحرب. ربما حظيت المجموعة الأولى من الحجج بأهمية أكبر نسبياً في المناقشات العامة، وبالطبع، ذكرت في المجموعة الثانية المصادر الأساسية للسياسة.

أظهرت الأسلحة التي اختبرت في مدينة نيو مكسيكو وكذلك استخدمت في هيروشيما وناغازاكي [اليابانيتين] التغييرات الثورية تماماً التي أحدثها استخدام الطاقة الذرية في تقنيات الحرب، كما كان من الواضح تماماً أنه إذا استمرت الدول في السعي وراء التسلح الذري، فإن أسلحة أكثر رعباً ستطور، وربما أكثر ترويعاً بكثير، من تلك التي استخدمت بالفعل. علاوة على ذلك، كشف تقدير بسيط للكلفة عن أن الدول المكرسة للتسلح الذري يمكنها تكديس هذه الأسلحة بكميات مثيرة للقلق حقاً.

مع انتهاء الحرب، لم تكن هناك تدابير أو استراتيجيات فعالة لمواجهة تسليم الأسلحة الذرية. ومع تقدم التكنولوجيا العسكرية، حدثت تغييرات واختلافات في مزايا الهجوم والدفاع. عندما كان يتم تطوير اعتراض فعال للطائرات قبل أنواع جديدة من الطائرات أو الصواريخ، كانت تأتي فترات تشهد ربما عرقلة في تسليم الأسلحة الذرية، ولكن كان من الواضح في ذلك الوقت أن هذه الأسلحة قد أدت في معظم الأحوال إلى زيادة جديدة ومهمة ونوعية في ضراوة القصف الاستراتيجي، وهو شكل من أشكال الحروب تميزت به الحرب الأخيرة بشكل خاص، وأسهم كثيراً في تدمير أوروبا وآسيا. ولم يكن من الضروري تصور طرق توصيل جديدة ومبتكرة، مثل الحقيبة والباخرة، لجعل هذه النقطة واضحة بالنسبة إلينا. وإضافة إلى ذلك، كانت هناك فكرة من الطبيعي أن تراودنا وتشغل بالنا نحن الأميركيين. في الواقع، بدا من غير المعقول أن نفترض أن أي صراع كبير في المستقبل من شأنه أن يترك هذا البلد سالماً نسبياً كما حدث في الحربين الأخيرتين وبلا أي ضرر من القصف الاستراتيجي. وقد استخدمت هذه الحجج بشكل شائع، وبحماسة كبيرة، لدرجة أنها ربما حجبت إلى حد ما الطبيعة الحقيقية للقضايا التي ينطوي عليها التحكم الدولي في الطاقة الذرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذه الحرب الأخيرة، أصبح نسيج الحياة المتحضرة في أوروبا ممزقاً لدرجة أنه واجه خطراً جسيماً بألا يصمد. مرتين في جيل واحد، كرس جزء كبير من جهود البشرية والتزاماتها الأخلاقية لخوض الحروب. لو أردنا أن نعطي للقنبلة الذرية أي دلالة في العالم المعاصر، لكان ذلك من خلال إظهار أن ما عفا عليه الزمن ليس الإنسان الحديث ولا القوات البحرية ولا القوات البرية، بل الحرب بحد ذاتها [بسبب قدرة هذه القنبلة على العمل كرادع ضد الحروب المستقبلية]. وهكذا ظهرت مسألة مستقبل الطاقة الذرية في سياق بناء رئيس واحد: "ما الذي يمكن فعله بهذا الاختراع لجعله أداة للحفاظ على السلام وتغيير العلاقات بين الدول ذات السيادة بطريقة تعطي سبباً للأمل في أن السلام سيبقى محفوظاً؟".

على رغم أن هذه المسألة كانت الأهم من حيث المبدأ، فإن العالم واجه مشكلة أكثر واقعية وإلحاحاً. صحيح أن حالة الانشغال الشديد بالعلاقات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قد طغى عليها نوع من قصر النظر. وصحيح أن مصادر الصراع الأخرى واحتمالات وقوع حروب أخرى وغيرها من المشكلات التي يجب حلها من أجل تحقيق السلام عالمياً، يمكن تمييزها بوضوح ويمكن أن تكون حاسمة، ولكن على رغم أن التعاون على نطاق واسع، بألفة وفعالية لم يسبق لهما مثيل بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ليس كافياً ربما لإحلال السلام، فلا شك أنه كان ضرورياً. وهكذا، نشأ السؤال بشكل بديهي عما إذا كان التحكم بالطاقة الذرية وتطويرها على أساس تعاوني قد لا يلعب دوراً فريداً وحاسماً في البرنامج الرامي إلى إنشاء مثل هذا التعاون. من الواضح أن وجهات النظر قد تتباين على نطاق واسع في ما يتعلق باستعداد الاتحاد السوفياتي للشروع في مثل هذا التعاون، بدءاً بفكرة أنه سيكون قريباً إذا أشارت الولايات المتحدة إلى رغبتها في ذلك، وصولاً إلى قناعتنا بأنه ليس في وسعنا تحقيق ذلك. كان الرأي السائد، الذي، على ما أعتقد، استندت إليه سياستنا اللاحقة، هو أن مثل هذا التعاون سيمثل تغييراً في السياسة السوفياتية السابقة وإلى حد ما تخلياً عن عناصر النظرية السياسية السوفياتية، وهو تغيير أكثر حدة في الواقع من المواقف والخطوات المماثلة المتخذة من جانبنا. إن وجهة النظر السائدة لم تر في مشكلات الطاقة الذرية فرصة للسماح لقادة الدولة السوفياتية بتنفيذ سياسة التعاون الدولي والانفتاح والصراحة ونبذ العنف الذي كانوا يمارسونه بالفعل، عوضاً عن ذلك، رأت فرصة لإحداث تغيير حاسم في اتجاه السياسة السوفياتية العام، وهو تغيير ستكون احتمالات السلام المؤكد قاتمة إلى حد ما من دونه، أما إذا تم تحقيقه، فسيشكل نقطة التحول في نمط العلاقات الدولية.

لماذا بدا مجال الطاقة الذرية واعداً في تحقيق هذا المسعى؟ لقد بدا واعداً في جزء منه بسبب الطبيعة المرعبة للحرب الذرية، التي ستوفر لجميع الشعوب وبعض الحكومات حافزاً قوياً للتكيف مع التكنولوجيا المتغيرة. على هذا النحو، كانت الأسلحة الذرية مجرد نوع من التتويج لطبيعة الحرب ككل على النحو الذي كانت تخاض فيه خلال الحرب العالمية الأخيرة، نوعاً من المرافعة الأخيرة إذا لزم الأمر، قشة قصمت ظهر البعير، لكن كانت هناك نقاط أخرى أكثر تحديداً بكثير. لطالما بدت السيطرة على الأسلحة الذرية ممكنة شرط أن تكون قائمة على التعاون المكثف والعملي بين الشعوب من جنسيات متعددة، من أجل خلق أنماط من التواصل والعمل والتنمية تتجاوز حدود الوطن (في الأقل في هذا المجال). والجدير بالذكر أن تطوير الطاقة الذرية يكمن في مجال يتناسب بشكل خاص مع هذا التدويل، لا بل في الواقع يحتاج إلى هذا التدويل، من أجل تحقيق الاستخدام الأكثر فاعلية، من الناحية التقنية فحسب. يكمن تطوير الطاقة الذرية في مجال دولي تقليدياً وغير متأثر بأنماط من السيطرة الوطنية الموجودة مسبقاً. وهكذا كانت المشكلة التي واجهناها في صيف عام 1945 تتمثل في استخدام فهمنا للطاقة الذرية، والتطويرات والابتكارات التي قمنا بها، بما تنطوي عليه من آمال وتهديدات ضمنية، لمعرفة ما إذا كان من غير الممكن كسر الحواجز الدولية في هذا المجال وإنشاء أنماط من الصراحة والتعاون التي من شأنها أن تصنع السلام في العالم.

كان من المستحيل حتى في ذلك الوقت عدم إثارة سؤالين جديين بعض الشيء. كان أحدهما ما إذا كانت السياسة السوفياتية قد قررت عدم التعاون بشكل شبه مطلق. يمكن بالتأكيد اعتبار الصعوبات خلال سنوات الحرب، سواء في التعاون في شأن المشكلات التقنية التي تملك بعض أوجه التشابه مع الطاقة الذرية، وفي المسائل الأكثر عمومية المتعلقة بتنسيق الاستراتيجية، على أنها نذير سيئ بالنسبة إلى المستقبل التعاوني. كان السؤال الثاني ذي الصلة بالموضوع هو ما إذا كان تطوير بريطانيا العظمى وكندا والولايات المتحدة الأسلحة الذرية، والإعلان عن هذا التطوير المكتمل في نهاية الحرب، قد لا يلقي في حد ذاته بظلال من الشك على استعدادنا للتعاون في المستقبل مع الحلفاء الذين لم نكن على استعداد للتعاون معهم في هذا المجال خلال الحرب.

على أي حال، أشارت هذه الشكوك بقوة إلى ضرورة إجراء مناقشات بين رؤساء الدول ومستشاريهم المباشرين، في محاولة لإعادة فتح قضية التعاون الواسع النطاق. وفي الحقيقة، يبدو أن إحالة مشكلات الطاقة الذرية في وقت لاحق على المناقشة داخل الأمم المتحدة، حيث لا يمكن التطرق إلى مسائل السياسة العليا إلا بصعوبة وطيش، قد أضرت بفرص حدوث أي تلاق حقيقي في الأفكار.

في مجال الطاقة الذرية، تطلب أمننا نهجاً جديداً تماماً للتعامل مع المشكلات الدولية، إذ إن أمن جميع الشعوب كان من الممكن أن يتعرض للخطر بسبب الفشل في إنشاء أنظمة جديدة تعتمد على الانفتاح والتعاون بين الأمم، وكان هناك كثير من الظروف المواتية التي جعلت العمل التعاوني الملموس يبدو جذاباً وممكناً. وهكذا كان للطاقة الذرية دور خاص في الشؤون الدولية، ولكن يجب تأكيد مرة أخرى أن أي احتمال لحدوث تعاون وثيق في هذا المجال لم يبد نجاحه ممكناً ما لم يقترن بتعاون مماثل في مجالات أخرى. كذلك، يجب التأكيد مرة أخرى أنه إذا بدت الطاقة الذرية مهمة كمسألة دولية، فذلك على وجه التحديد لأنها لم تكن منفصلة تماماً عن القضايا الأخرى، ولأن ما تم القيام به في هذا المجال قد يكون نموذجاً أولياً لما يمكن فعله في مجالات أخرى، ولأنه بدا أننا نمتلك في هذا المجال بعضاً من حرية المناورة، التي منحتنا إياها تطوراتنا التقنية على ما يبدو، والتي خولتنا أن نطلب النظر، بأعلى مستوى ممكن، في الوسائل التي يمكن من خلالها أن تتعلم دول العالم تغيير علاقاتها بطريقة تجعل الحروب المستقبلية غير محتملة.

لا شك في أن الآراء التي تم توضيحها للتو لا تجسد تقريباً إلا تلك التي كانت موجودة في الأشهر الأخيرة من الحرب، بين الأشخاص الذين فهموا طبيعة الطاقة الذرية بفعل إلمامهم أو مسؤوليتهم. وما يشكل نوعاً من المفاجأة بحد ذاته هو أن تلك الاعتبارات كان يجب أن يتم التعبير عنها في سياسة شعب الولايات المتحدة والحكومة الأميركية. في الواقع، يجب على المرء أن يضع في اعتباره أن مجال الطاقة الذرية لم يكن مألوفاً تماماً لشعب هذا البلد، وأن الروح والمزاج العام لإجراء ابتكار من هذا النوع يتطلبان شرحاً وإعادة تفسير. كذلك، على المرء أن يضع في اعتباره أنه لأسباب أمنية، لم يكن من الممكن الكشف عن أمور كثيرة وثيقة الصلة بفهم المشكلة، وما زال من غير الممكن الكشف عنها اليوم. واستطراداً، يجب على المرء أن يضع في اعتباره أنه مع نهاية الحرب انتاب جميع أفراد شعبنا حنين واسع النطاق إلى تضاؤل الجهود والتوترات التي سيطرت في سنوات الحرب والعودة إلى حياة مألوفة وأقل شقاءً، وأنه في ظل هذه الظروف كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تطور، وأن تلتزم إلى حد كبير، سياسة تدويل حقيقي للطاقة الذرية، وأنه كان ينبغي عليها تعزيز هذه السياسة بمقترحات ملموسة، وإن كانت سطحية، حول كيفية تحقيق التدويل، وأنه كان يتعين عليها بالفعل أن تأخذ زمام المبادرة في عرض هذه الآراء أمام حكومات الدول الأخرى، وهذه أمور ينبغي عدم تجاهلها باعتبارها إنجازاً بارزاً في صياغة السياسة العامة بشكل ديمقراطي، ولكن ترتب على ذلك كلفة معينة.

ربما كانت الكلفة الكبرى التي تكبدناها هي أنه في انشغالنا بتحديد سياستنا وتوضيحها، لم نفكر كثيراً في محاولة التأثير في سياسة الاتحاد السوفياتي في المجال الوحيد الذي كان من الممكن أن يكون فيه مثل هذا التأثير فعالاً. لقد سمحنا لانشغالاتنا الداخلية بأن تجعلنا راضين بطرح آرائنا في المنتدى العالمي للأمم المتحدة، من دون السعي في وقت مبكر بما فيه الكفاية، على مستوى عال بما فيه الكفاية، أو بقرار ثابت بما فيه الكفاية، وراء هدف جعل رؤساء الدولة السوفياتية طرفاً في جهودنا، جزئياً في الأقل. لقد كلفتنا مساعينا الداخلية تأخيراً وارتباكاً، وإدخال بعض العناصر غير ذات الصلة وغير المتسقة في سياستنا في ما يتعلق بالطاقة الذرية. وفوق كل شيء، لقد كلفنا الأمر نوعاً من الانفصال الفصامي بين تعاملاتنا في هذا المجال وتعاملاتنا في جميع الأمور الأخرى. في الواقع، من أجل مواكبة التطورات السياسية في جميع أنحاء العالم، وجدنا أنفسنا نرفض في عديد من السياقات السياسية الملموسة إمكانية الحصول على تلك الطمأنينة وذلك التعاون اللذين كنا نطلبهما في مجال الطاقة الذرية. بالطبع، من العبث التكهن، وقد يكون من غير المجدي التساؤل عما إذا كانت سياسات هذه الدولة لتحقق نجاحاً أكبر لو كانت لديها أفكارها الخاصة المنظمة بشكل أفضل في يونيو (حزيران) 1945 وكانت مستعدة للعمل بموجب تلك الأفكار. ولن يتمكن من البدء في الإجابة عن مثل هذا السؤال إلا المؤرخ الذي تتاح له إمكانية المعرفة المتعمقة في التفكير السوفياتي والقرار السوفياتي من دون قيود، لكن الدليل، وفق ما كشف عنه المسار الفعلي للأحداث، لا يدعم بشكل كبير الرأي القائل بأنه من خلال العمل بشكل أكثر عجلة وأكثر وضوحاً وأكثر شهامة، لتمكنا ربما من تحقيق أهدافنا.

إن تاريخ تطور سياسة الطاقة الذرية للولايات المتحدة، من التصريحات الأولى للرئيس ترومان والوزير [هنري] ستيمسون [وزير الدفاع] في 6 أغسطس (آب) 1945، إلى أحدث مستندات العمل التفصيلية التي قدمها ممثل الولايات المتحدة في مفوضية الأمم المتحدة للطاقة الذرية، موثقة بشكل جيد، وقد تم تلخيص جزء كبير منه في التقرير الصادر عن وزارة الخارجية والمسمى "التحكم الدولي في الطاقة الذرية". هناك جانبان من جوانب هذا التطور يجب ذكرهما بشكل خاص. أحدهما له علاقة بما يمكن أن يسمى هدف سياسة الولايات المتحدة - رسم تخطيطي لطريقة تصورنا للعالم كما نود أن نراه في ما يتعلق بالطاقة الذرية. هنا، نذكر مبادئ التدويل والانفتاح والصراحة والغياب التام للسرية وتأكيد التنمية التعاونية البناءة وغياب التنافس الدولي وغياب حق الحكومات الوطنية القانوني في التدخل، وهذه هي الركائز التي بنيت عليها سياستنا. من الواضح تماماً أننا في هذا المجال نود أن نرى إنشاء أنماط محددة، إذا تم توسيعها بشكل عام، فهي قد تشكل بعض أهم العناصر في القانون الدولي الجديد: أنماط ليست بغريبة عن المثل العليا التي يعبر عنها دعاة الحكومة العالمية بشكل عام وبليغ. لقد استغرق الأمر بعض الوقت بطبيعة الحال حتى يتضح أن المحاولات الأكثر تواضعاً للتحكم بالطاقة الذرية من المرجح أن تؤدي إلى مفاقمة، لا تخفيف، الخصومات والشكوك الدولية التي نسعى إلى القضاء عليها.

هذا الحل الذي اقترحته الولايات المتحدة ودعت إلى اعتماده هو حل جذري، ويدعو بوضوح إلى اعتماد روح الطمأنينة والثقة المتبادلة وذلك من أجل تضمينه عناصر ذات جوهر وأهمية. لم تبق سياسة الولايات المتحدة بحكم الضرورة متحفظة إلى حد ما إلا في مجال العقوبات، أي تنفيذ التعهدات في ما يتعلق بالطاقة الذرية. هنا في محاولة لجعل مشكلة الإنفاذ هذه تنسجم في الهيكل القائم مسبقاً للأمم المتحدة، كان عليها الاعتماد على آفاق الأمن الجماعي لحماية الدول الممتثلة من الجهود المتعمدة التي تبذلها دولة أخرى من أجل التهرب من الضوابط، والتسلح ذرياً.

الجانب الثاني من سياستنا الذي يجب ذكره هو أنه أثناء تطوير هذه المقترحات، وفهمها والتأكد من أنها منطقية وحكيمة، تم القضاء على أسس التعاون الدولي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من خلال الكشف عن عمق تضارب مصالحهما، والنفور المتجذر والمتبادل على ما يبدو من أساليب الحياة فيهما، والاقتناع الواضح من جانب الاتحاد السوفياتي بحتمية الصراع، ليس الصراع الفكري فحسب، بل صراع القوة أيضاً. لهذه الأسباب، أرفقت الولايات المتحدة مقترحاتها البعيدة المدى في شأن مستقبل الطاقة الذرية، بإشارة حذرة نوعاً ما إلى الضمانات المطلوبة، لئلا نجد أنفسنا في وضع غير موات نسبياً في خضم انتقالنا إلى حالة من الهناء تشهد سيطرة دولية على الطاقة الذرية.

أسهمت عوامل عدة في هذه الخلفية المتسمة بالحذر. يبدو أن هناك شكاً ضئيلاً في أن امتلاكنا الفريد لمنشآت وأسلحة الطاقة الذرية يشكل في الوقت الحاضر مزايا عسكرية لن نتخلى عنها إلا على مضض. يبدو أن هناك القليل من الشك في أننا نتوق إلى فكرة الوصاية، كما صاغها الرئيس ترومان في خطابه في يوم البحرية في أواخر عام 1945: نحن نرغب في وضع يعترف فيه بنوايانا السلمية، وترى فيه دول العالم بكل سرور أننا الدولة الوحيدة التي تمتلك الأسلحة الذرية. كنتيجة طبيعية لذلك، نحن مترددون في رؤية أي من المعرفة التي يعتمد عليها إتقاننا الحالي للطاقة الذرية، في أيدي الأعداء المحتملين. على رغم أن هذه الرغبات بديهية وحتمية، فإنها تقف في تناقض قاتم مع أبرز مقترحاتنا للتخلي عن السيادة والسرية والتنافس في مجال الطاقة الذرية. هنا مرة أخرى، لا شك في أنه من العبث السؤال كيف كان رد فعل هذا البلد ليكون لو تعامل الاتحاد السوفياتي مع مشكلة التحكم في الطاقة الذرية بروح حقيقية من التعاون. في الواقع، تفترض مثل هذه الحالة نوعاً من التغييرات العميقة في سياسة الاتحاد السوفياتي، التي بتأثيرها علينا كانت لتغير طبيعة أغراضنا السياسية وتفتح مسارات جديدة لبسط السيطرة الدولية، غير مقيدة بالظروف التي لا شك في أننا سنتمسك بها في الوضع الحالي السائد عالمياً. وينبغي ألا ننسى أنه لو كانت خطط تدويل الطاقة الذرية أكثر واقعية، فنحن أنفسنا، وحكومات البلدان الأخرى أيضاً، كنا لنجد صعوبات كثيرة في توفيق الأمن القومي والعرف والمزايا الخاصة، مع خطة دولية شاملة تضمن أمن شعوب العالم. والجدير بالذكر أن عدم تناول هذه المشكلات بجدية يعبر عن الافتقار إلى الواقعية في جميع المناقشات حتى الآن.

ولكن على رغم هذه القيود، فقد حدد عمل مفوضية الأمم المتحدة للطاقة الذرية نقطة واحدة: خلال أشهر عديدة من النقاش، وفي ظل ظروف من الاستياء المحبط غالباً، فإن الفكرة الأساسية المتمثلة بفرض الأمن من خلال التطوير الدولي التعاوني أثبتت حيويتها الاستثنائية والعميقة، وحتى لو طرحها مندوبون غير ملتزمين بها مبدئياً.

إن وجهة النظر المرسومة أعلاه حول الجوانب الدولية لمشكلات الطاقة الذرية تمثل بالتالي تاريخاً من الفشل، ومن الطموحات الكبيرة وإن كانت غير واقعية بوضوح. من الطبيعي أن تثار أسئلة حول ما إذا كانت الأهداف المحدودة، ولكن الجديرة بالاهتمام في هذا المجال غير قابلة للتحقيق. وبالتالي، هناك سؤال حول ما إذا كانت الاتفاقات التي تحظر الأسلحة الذرية، مثل الاتفاقات التقليدية، المستكملة بأجهزة تفتيش أكثر تواضعاً، قد لا تمنحنا بعض الأمن. ربما حاولنا إيجاد إجابة مؤكدة عن هذا السؤال عندما كانت خطوط العداء السياسي غير مرسومة بشكل واضح كما هي الحال الآن بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. لو لم نتعامل مع منافس تتضمن ممارساته المعتادة، حتى في الأمور التي لا علاقة لها بالطاقة الذرية، نوعاً من السرية والسيطرة البوليسية التي هي نقيض الانفتاح الذي دافعنا عنه واقترحنا تبنيه في ظل التطمينات المناسبة، لاعتقدنا أن خطوات التدويل الأقل جذرية يمكن أن تكون كافية. إن تاريخ الجهود السابقة الرامية إلى حظر الأسلحة وتقليل التسلح أو الحفاظ على السلام من خلال أساليب مماثلة لا يشجع على التفاؤل في ما يتعلق بهذا النهج.

ومع الوضع المسيطر على العالم الآن، وسياساتنا التي تعتمد بشكل واضح الآن على الصراع مع الاتحاد السوفياتي في مجالات أخرى غير الطاقة الذرية (علماً أن الصراع هو أمر مختلف عن الحرب)، لا يبدو من المنطقي أن نأمل في أن الحلول الوسيطة التي تشمل ربما التخلي الرسمي عن التسلح الذري وبعض التنازلات في ما يتعلق بالسماح بوصول المفتشين الدوليين إلى المرافق الذرية، ستروق لنا باعتبارها مفيدة. ومن غير المرجح أن تكون هذه الحلول مفيدة أيضاً في تحقيق الأمن حالياً أو علاقات التعاون في وقت لاحق. في الواقع، أصبح الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة يعتبر أن الحلول التلطيفية على هذا المنوال ستؤدي بشكل شبه مؤكد إلى زيادة الشكوك وتكثيف المنافسات، ومن الواضح أنها ستتسبب في خسارتنا لأي مزايا وطنية تمنحنا إياها ابتكاراتنا السابقة ومعرفتنا الواسعة بالطاقة الذرية- وهي مزايا لا يمكن استبعادها سلفاً باعتبارها غير مهمة.

بالطبع، لا يمكننا أن نتجاهل ببساطة مسألة ما إذا كانت هناك مقاربات أخرى للتعامل مع مشكلة الرقابة الدولية للطاقة الذرية قد تسهم في أمننا بشكل أفضل. في الواقع، إن الكتابات الحديثة مليئة باقتراحات على هذا المنوال. لا يمكن لأي شخص مدرك لخطورة الموقف أن يتوانى عن دعم ما يبدو طريقاً مفعماً بالأمل [ومبشراً بالتقدم]، وليس لأحد الحق في رفض هذه المقترحات من دون دراسة متأنية.

في رأيي الشخصي، لا تظهر في هذه المقترحات أي عناصر أمل على المدى القصير. في الواقع، يبدو من غير المؤكد على الإطلاق ما إذا كانت هناك الآن أي مسارات مفتوحة للولايات المتحدة يمكن أن توفر لشعبنا نوع الأمان الذي عرفوه في الماضي. والحجة القائلة إن مثل هذا المسار يجب أن يكون موجوداً تبدو حجة مضللة، ولكن في النهاية، إن معظم الحلول والمقترحات الحالية تستند إليها.

هذا لا يعني أنه على مستوى أدنى، ومع أهداف أقل طموحاً، لن تظهر مشكلات سياسة في ما يتعلق بالطاقة الذرية، حتى في المجال الدولي. من الواضح أن الترتيبات التي يمكن أن تقام بين حكومة الولايات المتحدة والحكومات الأخرى، بغرض استغلال الطاقة الذرية بشكل مربح أو تعزيز مكانتنا النسبية في هذا المجال، لها نوع من التأثير في الأمن، ولها تأثير مهم، حتى لو كان غير ظاهر، في احتمالات الحفاظ على السلام، لكن مثل هذه الترتيبات، على رغم صعوبة تحديدها، وبغض النظر عن مدى أهميتها لرفاهيتنا في المستقبل، لا تدعي، ولا يمكنها أن تدعي، بأنها توفر لنا أماناً حقيقياً، كما أنها ليست الخطوات المباشرة نحو الكمال التي تتسم بها الترتيبات التعاونية التي نعتبرها بحق أفضل ضمان للسلام. في وضعنا الحالي، تنتمي هذه الترتيبات إلى الفئة نفسها التي ينتمي إليها التنفيذ المبدع والحكيم لبرنامجنا المحلي للطاقة الذرية. إنها جزء من الشروط الضرورية للحفاظ على السلام الطويل الأجل، لكن لا أحد يفترض لوهلة أنها كافية.

وبالتالي، إذا حاولنا دراسة الدور الذي قد تلعبه الطاقة الذرية في العلاقات الدولية في المستقبل القريب، فلا يمكننا أن نصدق أنها وحدها قادرة على إبطال النزعة إلى التنافس والصراع الموجودة في عالم اليوم. وجهة نظري الخاصة أن لا شيء قد يدعم الآمال والطموحات الكبيرة الأولية إلا التغيير العميق في توجه السياسة السوفياتية العام، وإعادة توجيه مماثلة من جانبنا، حتى في الأمور البعيدة عن الطاقة الذرية. يجب أن يكون هدف أولئك الذين سيعملون من أجل إحلال السلام، والذين يرغبون في رؤية الطاقة الذرية تلعب أي دور مفيد في تحقيق ذلك، هو الحفاظ على ما كان سليماً في الآمال التي عقدت مبكراً، ومحاولة تحويلها إلى حقيقة في نهاية المطاف بكل الوسائل المتاحة لهم.

نحن بالتأكيد غير قادرين حالياً أن نحدد في أي وقت وإلى أي غايات فورية وفي أي سياق وفي أي نوع من العالم، قد نعود مجدداً إلى النظر في المسائل المهمة التي تطرق إليها التحكم العالمي بالطاقة الذرية، ولكن حتى في التاريخ الحافل بالفشل أخيراً، قد نميز العناصر التي تؤثر بشكل عام في سلامة حضارتنا. يمكننا أن نلاحظ التناغم الجوهري، في عالم أصبح فيه العلم يوسع ويعمق فهمنا للمصادر المشتركة للقوة المستخدمة لأغراض صالحة وتلك المستخدمة لأغراض طالحة، وكيفية الحد من واحدة وتعزيز الأخرى. هذه بذرة سنأخذها معنا، في رحلتنا إلى أرض لا نستطيع رؤيتها، لكي نزرعها في تربة جديدة.

 

 * "التحكم الدولي للطاقة الذرية: تطور سياسة." واشنطن: منشورات وزارة الخارجية 2702 ،1947.

** ج. روبرت أوبنهايمر، رئيس اللجنة الاستشارية العامة لمفوضية الطاقة الذرية، مدير مختبر مشروع القنبلة الذرية في لوس ألاموس أثناء الحرب، مدير معهد الدراسات المتقدمة في برينستون

مترجم من "فورين أفيرز"، 1 يناير 1948

المزيد من آراء