Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كونفوشيوس ونظرته العميقة... لماذا تلقت بكين مكالمة زيلينسكي؟

تنطلق الصين من حكمة قديمة مفادها "الوقوف مع الجيد وضد السيئ" وهكذا نجت من فخ أميركا المضطرة الآن إلى تبرئة نفسها

تقول الشواهد إن الرئيس الصيني اختار "الوقت المناسب" للاستجابة إلى الاتصال بعد أن فرغ من زيارة موسكو (أ ف ب)

ملخص

لم تصدر عن الجانب الصيني أي إشارة إلى "إدانة ما تصفه أوكرانيا بـ’الغزو الروسي الشامل’، على أن ذلك لم يحل دون الإسهاب في إدانة من ’يصبون الزيت في أتون الصراع القائم’"

بعد "تمنع" لم يكن منذ بدايته تردداً بقدر ما كان أقرب إلى المناورة، قبل الرئيس الصيني شي جينبينغ الرد على مكالمة نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بعد أن سبق ورفض الاستجابة لمثل هذا الطلب من جانب الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون وآخرين.

وكما حدد سلفاً حول أنه سيستجيب لما طلبه منه بايدن وآخرون في شأن ضرورة الاتصال مع زيلينسكي لبحث ما اقترحته الصين من مبادرة سلمية أوجزتها في 12 نقطة، فقد جرت المكالمة الهاتفية "عندما سمح الوقت وبقدر ما تناسبت الظروف"، بحسب ما أشار إليه شي جينبينغ خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو في مارس (آذار) الماضي. أما عن ماهية هذه الظروف فثمة ما يشير إلى أنها تتعلق، على حد تقدير كثير من المراقبين، بما قد يكون مرتبطاً بتعثر "القتال" حول باخموت أو "أرتيوموفسك" بحسب التسمية الروسية، للشهر التاسع على التوالي، وتأخر تنفيذ ما وعدت به القيادة الأوكرانية حول "الهجوم المضاد" في الربيع.

من اللافت في هذا الصدد أن الرئيس الأوكراني تعمد اختيار 26 أبريل (نيسان)، وهو تاريخ الذكرى 37 لانفجار المفاعل الرابع لمحطة "تشير نوبل" النووية موعداً لمكالمته الهاتفية مع نظيره الصيني، في أول اتصال بين الزعيمين منذ بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، الذي حرص خلاله على التوقف كثيراً عند مخاطر الأسلحة النووية، وأهمية استعادة محطة "زابوروجيا" النووية في جنوب شرقي أوكرانيا، التي تعد الأكبر في القارة الأوروبية. وثمة من يقول في روسيا، إن توقيت "مبادرة زيلينسكي بالاتصال" يجيء مواكباً أيضاً لما تواجهه القوات الأوكرانية من عثرات في "صراعها" ضد القوات الروسية، التي عادت لتظهر ثانية في كثير من المناطق التي سبق أن انسحبت منها في العام الأول من "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. وهو ما قد يبدو أيضاً في صدارة أسباب تأخر "الهجوم المضاد" الذي طالما توعدت به كييف القوات الروسية في أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صيغة فضفاضة

في معرض تغطيتها لما دار في تلك المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الصيني والأوكراني، أشارت المصادر الصينية والأوكرانية إلى أنها تناولت "العلاقات الثنائية بين البلدين والأزمة الأوكرانية" من منظور ما وصلت إليه العلاقات من "شراكة استراتيجية" على مدى 31 عاماً، والاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي". وتلك صيغة فضفاضة تحتمل جميع التأويلات في ما يتعلق منها بعلاقات الصين مع موسكو وما وصلت إليه بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني إلى هناك.

تقول الشواهد، إن الرئيس الصيني اختار "الوقت المناسب" للاستجابة لمبادرة نظيره الأوكراني بالاتصال بعد أن فرغ من زيارته لموسكو ومباحثاته مع "الصديق" فلاديمير بوتين، وما أعقبها من لقاءات واستقبال في بكين لكثير من الوفود الغربية، وفي مقدمتها زيارتا أورسولا فان دير لاين مفوضة الشؤون الأوروبية، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ما سبق وتناولته "اندبندنت عربية" في سابق تقاريرها من موسكو، وكذلك بعد كثير من المشاورات واللقاءات التي أجراها الرئيس زيلينسكي مع نظرائه الغربيين، إلى جانب زيارته لوارسو التي وصفها "الأصدقاء" البولنديون بـ"التاريخية"، وما كشفت عنه في شأن قيام "الكونفيدرالية" بين البلدين بكل تبعات هذا الاتفاق واحتمالات تغيير شكل المنطقة وتحالفاتها على ضوء "تعقد الموقف" على جبهة القتال، وما تحققه القوات الروسية من "تقدم نسبي" في جنوب شرقي أوكرانيا.

ذلك كله يعني أن الرئيس الصيني يراهن على النتيجة، وليس على الدخول في "مزادات" الخطط والمقترحات "العقيمة"، وبعيداً من "السلوك غير القويم" الذي دفع بالأزمة الأوكرانية إلى ما أضحت عنده من طرق مسدودة بعد خدعة "اتفاقيات مينسك" التي اعترف الزعماء الغربيون ومنهم المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند بأنهما كان يستهدفان بها "توفير الفسحة الزمنية اللازمة لإعداد الجيش الأوكراني "لحربه ضد روسيا" وتحرير "الأرض الأوكرانية" بالقوة المسلحة وليس حول مائدة المفاوضات. فما يعني بكين هو عملية تحقيق (أو عدم تحقيق) النتيجة بحد ذاتها، بعيداً من محاولات "تحجيم" الصين والسقوط في شرك "محاولات" الزج بها إلى صراعات أطراف ثالثة تريد إطاحة شراكتها الاستراتيجية مع روسيا.

احتياجات ومواضيع للتأمل

من هنا كان موقف الصين الذي أوجزه الرئيس شي من الأزمة الأوكرانية في ما طرحه حول "أربعة احتياجات" و"أربع خطوات مشتركة" و"ثلاثة مواضيع للتأمل"، أشارت إليها الوثيقة التي جرى نشرها حول "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية"، انطلاقاً من أن "الصين لم تخلق الأزمة الأوكرانية وليست طرفاً في الصراع". ومن منطلق كونها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وكقوة مسؤولة تتخذ الصين من هذه الأزمة ليس موقف المراقب من الخطوط الجانبية، بعيدة كل البعد من المشاركة في "صب الزيت على النار"، تأكيداً من جانبها على أن "الحوار والمفاوضات هما السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، وأنه "لا يمكن أن يكون هناك رابحون في حرب نووية"، وذلك يتطلب من الأطراف المعنية إدارة الأزمة في هدوء يبتعد بها عن التورط في استخدام هذه الأسلحة ومراعاة ما يبتعد بالبشرية عن أخطارها، وبما يتيسر معه التحكم في كل ما يتعلق باستخدامها، وأن تدير الأزمة بشكل مشترك من منظورها الخاص، و"عدم تفويت فرصة تهيئة الظروف المواتية لحل سياسي لها، وتلمس الطرق لضمان الأمن على المدى الطويل في أوروبا".

من هذه المنطلقات كشف الرئيس الصيني عن أن بلاده ستواصل تعزيز محادثات السلام وبذل قصارى الجهد من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار مبكر واستعادة السلام. وقال، إن بكين سترسل "مبعوثاً حكومياً خاصاً لشؤون منطقة أوراسيا إلى أوكرانيا ودول أخرى لتبادل وجهات النظر بالتفصيل حول التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية". ولعل ما كشفت عنه بكين من أن لي هوي، السفير السابق لها لدى موسكو هو ذلك المبعوث الخاص من جانب بكين في أوكرانيا والمنطقة، والمنوط به إدارة ومعالجة الموقف الراهن من منظور خطة بكين وما نصت عليه مبادرتها التي أعلنتها قبيل زيارة الرئيس الصيني لموسكو، يبدو الخيار الأفضل انطلاقاً من موقعه السابق، ومدى ما كان يتمتع به من علاقات واتصالات مع صانعي القرار في العاصمة الروسية.

وثمة ما يشير إلى أن كل ما جرى في هذا السياق يعني ضمنا أن "خطة السلام" الصينية تنطلق من أحكام ما سبق وأشرنا إليه في تراث فيلسوف الصين العظيم كونفوشيوس، وهو ما يمكن إيجازه في وجوب الوقوف إلى "جانب كل ما هو جيد وضد كل ما هو سيئ". ومن هنا فقد تمكنت بكين بطرحها مثل هذه المبادرة "من تجنب الفخ الذي نصبه لها الأميركيون، ووضعت الولايات المتحدة في موقف الدولة المجبرة، سياسياً، على تبرئة نفسها وتعليل موقفها" بحسب تقديرات مراقبين في موسكو، وذلك ما أشارت إليه صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" بتركيزها على أهم عناصر "خطة السلام" الصينية، وما يتعلق منها بوقف فوري لإطلاق النار، وذلك وحده يضع كل الأطراف المعنية والدولية على حد سواء عند مسؤولياتها، وفي المقدمة من هؤلاء تقف الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي و"الناتو"، وهم من تسميهم موسكو "الغرب الجماعي" الذي لا بد أن يكون مضطراً لإعلان موقفه وما لا بد أن يلتزم به للتوقف عن إذكاء نيران الصراع وإغراق أوكرانيا بأسلحة الدمار، وما قد يمكن أن يكون سبباً في اندلاع "حرب عالمية ثالثة" بكل أخطار إنزلاقها صوب استخدام الأسلحة النووية.

الهدف القاتل

من هنا يمكن التوصل إلى استنتاج مفاده أن الصين يمكن أن تكون قد أحرزت، وبلغة كرة القدم والرياضة، "الهدف القاتل في الوقت القاتل". بما يعني ضمناً أن الكرة الآن في ملعب الرئيس الأوكراني وحلفائه ممن يدفعونه إلى "حرب بالوكالة" يخوضها حتى آخر جندي أوكراني لتنفيذ أهدافهم ضد روسيا، ومن ثم الانتقال لاحقاً إلى "الحلم المؤجل" في الصين، التي هي غير غافلة عن ذلك. وقد كشفت بكين عن أنها تدرك أبعاد ما قاله الرئيس الأوكراني زيلينسكي في مكالمته التي بادر بإجرائها مع نظيره الصيني. وكان زيلينسكي استهل حديثه بتأكيد اعتراف بلاده بـ"صين واحدة"، وأن الصين كانت قبل ما وصفه بـ"الغزو الروسي الشامل" الشريك التجاري الأول لأوكرانيا، لينصرف بعد ذلك إلى تكرار ما سبق أن قاله في أكثر من مناسبة حول ما وصفه بـ"العواقب المدمرة للغزو الروسي، وقيام روسيا باختطاف 20 ألف طفل أوكراني"، ليخلص في ختام مقدمة المكالمة الهاتفية إلى "ضرورة استعادة سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها داخل حدود 1991 المعترف بها دولياً، بما في ذلك القرم، وبما يتفق تماماً مع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة".

وفي تلميح يرقى إلى حد التصريح تطرق زيلينسكي إلى "أهمية امتناع جميع الدول عن دعم روسيا في الحرب. يجب أن ينطبق هذا على التعاون العسكري التقني، بما في ذلك توريد الأسلحة"، في إشارة إلى ما سبق وتناوله رؤساء غربيون كثر حول "مخاطر" إمداد الصين لروسيا بالأسلحة والمعدات العسكرية، وذلك من دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى مخططات توسع "الناتو" شرقاً، وما يقوم به من محاولات في آسيا الوسطى إلى جانب استمرار محاولات استقطابه للخصوم التاريخيين للصين في مناطق الشرق الأقصى والمحيط الهادئ على مقربة مباشرة من الحدود الصينية.

قال زيلينسكي أيضاً، "إنه كلما قل الدعم الذي تتلقاه روسيا ستنتهي الحرب في أقرب وقت، وسيعود الهدوء إلى العلاقات الدولية"، وهو ما كان الرئيس الصيني رد عليه في سياق ما تناولناه عاليه حول ضرورة اضطلاع كل الأطراف الدولية بمسؤولياتها، في إشارة مباشرة إلى بلدان "الغرب الجماعي".

ويبدو ما يشبه الإجماع حول أن الجانب الصيني حرص على تناول تفاصيل ما تيسر نشره، وما يمكن استنباطه بين ثنايا التقارير الصينية والأوكرانية حول هذه المناسبة، من منظور تأكيد التمسك بحياد بكين تجاه الطرفين الرئيسين لهذه الأزمة: روسيا وأوكرانيا، في الوقت نفسه الذي لم تصدر عن الجانب الصيني أي إشارة إلى "إدانة ما تصفه أوكرانيا بـ"الغزو الروسي الشامل"، "وعدم وجود استنتاجات سلبية بشكل صريح عند ذكر أوكرانيا ورئيسها" على حد تقدير مصادر غربية. على أن ذلك لم يحل دون الإسهاب في إدانة من وصفتهم بأنهم "يصبون الزيت في أتون الصراع القائم"، ومن يسعون إلى تنفيذ ما قد يسمى "الأجندة الخاصة" على رغم موقع هذه الأطراف في صدارة قائمة من تستهدف الصين استمالتهم إلى جانب مواقفها ومصالحها التي تتفق إلى حد كبير والمصالح الاقتصادية لهذه البلدان.  

المزيد من تحلیل