Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجات الحر ستكون قريبا المناخ المعتاد الجديد في بريطانيا

تختنق أوروبا تحت وطأة موجة الحر الحالية، تماماً كما قاست المملكة المتحدة العام الماضي. ولكن فيما نشهد مستوى قياسياً من الحرارة بعد انخفاض قياسي فيها، ماذا يخبئ لنا المستقبل؟

ثلاثة رجال ينظرون إلى إحدى الغابات فيما تحترق في لا بالما في جزر الكناري يوم السبت (أ ب)

ملخص

كيف ينعكس القيظ على كوكب الأرض وعلى سكانه إذ تحول من ظاهرة موقتة إلى مناخ معتاد؟

ستواجه أوروبا مستويات حرارة بالغة الشدة تصل إلى 49 درجة مئوية. فالحرائق تلتهم غابات إسبانيا. وقد أصدرت إيطاليا إشعاراً يضع أكثر من 12 مدينة من مدنها في حال تأهب قصوى بسبب الحر الشديد. كذلك أغلق موقع "أكروبوليس" الأثري في اليونان أبوابه أمام السائحين فيما يرزحون تحت وطأة أشعة الشمس في منتصف النهار.

لقد قيل لنا إنه من المحتمل أن تؤدي موجة الحر الحالية "سيربيروس"Cerberus  التي تضرب جنوب أوروبا، إلى "درجات الحرارة الأعلى المسجلة في أوروبا مقارنةً مع أي وقت مضى". كذلك علمنا أن الأسبوع الأول من يوليو (تموز) كان أكثر الأسابيع حرارة على الإطلاق في مختلف أنحاء العالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك شهدت المملكة المتحدة هذا العام يونيو (حزيران) الأشد حرارة على الإطلاق، إذ بلغ متوسط درجة الحرارة 15.8 درجة مئوية خلال تلك الفترة. وفي العام الماضي، تجاوزت درجة الحرارة في المملكة المتحدة 40 درجة مئوية للمرة الأولى إطلاقاً.

ولكن هذه المستويات من القيظ ليست مجرّد ظاهرة خارجة عن المألوف، بل صارت مناخاً اعتيادياً يتكرر بشكل روتيني. يحل علينا الصيف في كل عام، ويقول لنا خبراء الأرصاد الجوية إننا قد شهدنا تواً اليوم أو الأسبوع أو الشهر الأكثر حراً على الإطلاق.

معلوم الآن أن السنوات العشر الأكثر قيظاً في تاريخ البشرية قد حدثت كلها منذ عام 2010، وأنه في العقد الماضي، صارت الظواهر المناخية الشديدة مثل الفيضانات وحرائق الغابات مشهداً أساسياً في الأخبار. ولكن إلى أي مدى من المتوقع أن تسوء الأمور خلال السنوات العشر المقبلة؟

يخبر تيم بينتون، مدير برنامج البيئة في مركز "تشاثام هاوس"  Chatham House للبحوث في لندن صحيفة "اندبندنت" أن الاتجاه الذي شهدناه خلال العقد الماضي سيستمر، وأن احتمال حدوث اضطراب مناخي مريع أو تأثير مناخي آخر سيكون أكثر ترجيحاً مما كان عليه سابقاً".

في الواقع، تقدم لنا البحوث العلمية بشأن المناخ فكرة عن أشكال "تأثيرات المناخ" هذه.

أولاً، درجة الحرارة. لن يكون مفاجئاً أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع: وفق "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" (WMO)، نحن إزاء احتمال نسبته 98 في المئة أن تكون سنة واحدة على أقل تقدير من السنوات الخمس المقبلة، وفترة الخمس سنوات ككل، الأشد حراً على الإطلاق.

من المتوقع أيضاً أن تؤدي الظاهرة المناخية "إلنينو" El Nino [التي تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الجفاف في بعض أنحاء العالم وأمطار غزيرة في مناطق أخرى] التي يشهدها حالياً المحيط الهادئ إلى ارتفاع درجة الحرارة العالمية على مدار العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة. نتيجة هذه الظاهرة، تعتقد "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" أنه من المحتمل بنسبة 66 في المئة أن يتجاوز متوسط درجة الحرارة في العالم 1.5 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل العصر الصناعي للمرة الأولى، وذلك في عام واحد. في المقابل، كان متوسط درجة الحرارة العالمية في 2022 نحو 1.15 درجة مئوية فوق المستوى الأساس.

كذلك يشير بينتون إلى احتمال أن تتجاوز درجة الحرارة خلال عقد من الزمن الاتجاهات والتوقعات الحالية، في وقت يحفل سجل النماذج المناخية الافتراضية بإساءة تقدير الأخطار.

أوضح بينتون أن "مكتب الأرصاد الجوية في البلاد قد نشر دراسة في عام 2020 أشارت إلى أن احتمال تعرض المملكة المتحدة لـ 40 درجة مئوية بلغ نحو واحد في المئة إلى 300 في الوقت الحالي. ولكن تجاوزت المملكة المتحدة الـ40 درجة مئوية في عام 2022، في وقت أقرب بكثير من أي توقعات".

[ثانياً]، إذا استمرت درجات الحرارة في تسجيل ارتفاعات مهولة، من المتوقع أيضاً أن يزداد خطر حدوث اضطرابات مناخية متطرفة من قبيل الفيضانات. وجدت ورقة بحثية نُشرت في يونيو في المجلة العلمية "نيتشر"Nature  أنه مع كل زيادة في درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة، تزداد كثافة متوسط هطول الأمطار بنسبة 15 في المئة.

يقول بينتون: "تتجلى حقيقة هذا النمط المناخي في أنه بعد الطقس الحار الذي شهدناه في الأسابيع الأخيرة تتصدر الفيضانات الأنباء حالياً". وخلال الأسابيع الأخيرة مثلاً، أبلغت الهند والولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن مواجهتها فيضانات كبيرة.

[ثالثاً]، حرائق الغابات. كذلك سيتهددنا أكثر هذا الحدث المناخي الشديد في غضون عقد من الزمن. معلوم أنه قبل 2010، كانت حرائق الغابات ظاهرة نادرة في المملكة المتحدة. ولكن في العام الماضي اشتعلت النيران بأكثر من 20 ألف هكتار من أراضي البلاد، فيما احترقت أعداد كبيرة من المنازل في حرائق كبيرة اندلعت في يوركشاير وشرق لندن.

في تصريح أدلى به إلى "اندبندنت"، قال ماثيو كاسوار، من "إمبريال كوليدج" أنه "مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بسبب ارتفاع تركيزات غازات الاحتباس الحراري [ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما...]، فإن كل منطقة في العالم تقريباً تواجه فترات أطول من الحرائق، مع تفاقم خطر اندلاع الحرائق في الغطاء النباتي الجاف. والمملكة المتحدة ليست استثناءً من هذا النمط: شهد هذا الربيع فقط ثاني أكبر حريق مسجل في اسكتلندا."

[رابعاً]، من المتوقع أن تترك درجة الحرارة المرتفعة تأثيراً كبيراً على الطبيعة والتنوع البيولوجي. يعاني الريف البريطاني أصلاً من أزمة، حيث انخفض عدد الحشرات بنسبة 60 في المئة في السنوات العشرين الماضية، وتراجع عدد الطيور بنسبة 50 في المئة منذ 2015. ومن المرجح أن يتفاقم هذا الاتجاه نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.

تحدث في هذا الشأن فريدريك أوتو، كبير المحاضرين في "إمبريال كوليدج"، فقال إن "معظم الأنواع الحية، من بينها النباتات، قد تطورت لتعيش بشكل صحي في نطاق ضيق من درجات الحرارة". بالنسبة إلى المزارعين، ذلك معناه أن في مقدور الحرارة الشديدة أن "تقتل المحاصيل أو تضعفها، فتنخفض الغلة تالياً ويرتفع ثمن المنتجات".

يتحدث تقرير تقني مهم صدر عام 2021 عن الهيئة الاستشارية المستقلة "لجنة تغير المناخ في المملكة المتحدة" (CCC) عن بعض هذه الأخطار. ويقول إن ظواهر تغير المناخ، من بينها "ندرة المياه، وحرائق الغابات [و] الفيضانات"... كلها تهدد التنوع البيولوجي المحلي، كما الحال بالنسبة إلى تهديدات مثل "الفيضانات الساحلية [و] التعرية"، إضافة إلى الارتفاع المتوقع لأعداد "الآفات ومسببات الأمراض والأنواع الحية الغازية غير المحلية" مع تصاعد درجة حرارة الطقس.

يذكر التقرير أيضاً أن "الشتاءات الأكثر رطوبة وفصول الصيف الأكثر جفافاً" قد تسفر عن مواسم من المحاصيل السيئة، ما يترتب عنه "خسائر كبيرة في إنتاج المحاصيل"، ويؤثر سلباً في النتيجة على الأمن الغذائي في المملكة المتحدة.

ويشير تقرير "لجنة تغير المناخ في المملكة المتحدة" نفسه إلى أخطار متزايدة تشمل أماكن أخرى، من بينها البنية التحتية، حيث الظواهر الجوية الشديدة مثل العواصف الرعدية والفيضانات المفاجئة تتهدد محطات الكهرباء، فيما تطرح الحرارة الشديدة والطقس القاسي خطراً على سلامة الطرقات، والسكك الحديد. ويشرح التقرير أن اعتماد مناطق أخرى عدة على شبكات البنية التحتية يعني أن أي انعكاس مناخي ربما يترك تأثيراً "متعاقباً" على مناطق أخرى.

[خامساً]، سيتفاقم التأثير الذي يطرحه ارتفاع درجات الحرارة على صحة الإنسان، لا سيما بين صفوف كبار السن، خلال العقد المقبل مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف.

أوضح فريدريك أوتو من "إمبريال كوليدج" أنه "إضافة إلى الوفيات الناجمة مباشرة عن ضربة الشمس، فإن موجات الحر تشكل خطورة على المسنين لأن الحرارة الشديدة تقوض قدرة الجسم على التعامل مع المشكلات الصحية الموجودة لديهم أصلاً".

وتُظهر بيانات صادرة عن "مكتب الإحصاءات الوطنية" حجم العواقب الوخيمة التي تتأتى عن ذلك: خلال فترات الحرارة الخمس التي حدثت بين يونيو وأغسطس (آب) 2022، سجلت إنجلترا وويلز 56 ألفاً و303 حالة وفاة، أي أكثر بثلاثة آلاف و271 وفاة (6.2 في المئة) فوق متوسط الخمس سنوات. وتحدد فترات الحرارة عندما يكون في يوم، أو أيام، متوسط درجة الحرارة في ميدلاندز أعلى من 20 درجة مئوية.

تتوافق هذه البيانات مع نمط يبين حدوث عدد أكبر من الوفيات في أيام فترات الحرارة مقارنة مع الأيام غير الحارة خلال العقد الماضي.

على مدى العقد المقبل في أقل تقدير، من المرجح أن تشكل الثروة النسبية والمناخ المعتدل خط دفاع المملكة المتحدة ضد بعض التأثيرات المناخية الأكثر تطرفاً والتي ربما تسجلها مناطق أخرى من العالم. ولكن إذا حدثت مثل هذه التأثيرات في مكان آخر من العالم، لا يعني ذلك أننا لن نشهد تأثيرات غير مباشرة.

وقال تيم بينتون إن "حدوث جفاف شديد أو اضطراب مناخي في بلد ضعيف، ربما تترتب عنهما [كوارث وأزمات] مثل المجاعة، ونزوح البشر، والصراع، وصعود القومية والشعبوية. قد نشهد هجرة جماعية إلى المملكة المتحدة، وظواهر أخرى من بينها خلخلة نظامنا الغذائي وسلاسل التوريد، كما رأينا بعد "كوفيد".

يضيف بينتون أن تغير المناخ يفاقم أيضاً خطر ظهور جائحة أخرى. وقال في هذا الصدد: "أن تقطع الغابات المطيرة، وفي ظل المناخ المرتفع الحرارة، أنت بذلك تعيد وصل الأنظمة الإيكولوجية ببعضها البعض، وتعمل على الجمع بين حيوانات لا تعيش عادةً معاً، ما يفاقم احتمال انتقال الأمراض من حيوان إلى آخر."

عام تلو آخر، يزداد احتمال تحول هذه الأخطار إلى حقيقة واقعة، حتى لو أننا لا نعرف متى سيحدث ذلك تحديداً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة