Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا بريطانيا بمنأى عن موجة الحر "سيربيروس" التي تجتاح أوروبا؟

في وقت تكابد أوروبا درجات الحرارة القصوى يشرح عدد من الخبراء السبب وراء المناخ المختلف الذي تشهده المملكة المتحدة

ملخص

في وقت تكابد أوروبا درجات الحرارة القصوى يشرح عدد من الخبراء السبب وراء المناخ المختلف الذي تشهده المملكة المتحدة

تجتاح أوروبا موجة حر قاتلة، ومن المتوقع أن تحطم درجات الحرارة الأرقام القياسية في الأيام المقبلة، في مشهد يتناقض تماماً مع الطقس الذي سيطر على المملكة المتحدة محملاً برطوبة ورياح متواصلين هذا الأسبوع.

في وقت تتساقط الأمطار لفترات طويلة على بريطانيا، إذ يتوقع "مكتب الأرصاد الجوية" في البلاد أن تستمر هذه الأحوال المناخية غير المستقرة في الأيام القليلة المقبلة، تنازع منطقة البحر الأبيض المتوسط تحت وطأة الارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي ربما تلامس رقماً قياسياً أوروبياً جديداً في أقرب وقت هذا الأسبوع.

ومن المتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية في أجزاء من إسبانيا وفرنسا واليونان وكرواتيا وتركيا في الأيام القليلة المقبلة.

وفي إيطاليا، يبدو أن درجة الحرارة سترتفع حتى 48.8 درجة مئوية، وفق توقعات وكالة الأرصاد الجوية في البلاد، إذ بلغت درجات الحرارة الأربعاء 40 درجة مئوية مرة أخرى، مما استدعى إصدار تحذير أحمر يضع 10 مدن في حال تأهب قصوى، من بينها روما وفلورنسا.

الحرارة الملتهبة في البلاد أودت بحياة رجل يبلغ من العمر 44 سنة، بينما أصيب بالإغماء سائح من المملكة المتحدة كان يزور المدرج العملاق الشهير "الكولوسيوم" في روما، مما تسبب في إصدار تحذيرات صحية.

وأطلقت خدمة أخبار الطقس الإيطالية "متيو دوت إت" يوم الأحد تحذيراً من "أن علينا الاستعداد لعاصفة حرارية شديدة ستشمل البلاد بأسرها يوماً تلو الآخر".

"وفي بعض المناطق، ستحطم درجات الحرارة الشديدة الأرقام القياسية المسجلة سابقاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشفت تسجيلات التقطتها الأقمار الاصطناعية أن درجة حرارة اليابسة، علماً أنها ليست نفسها درجة حرارة الجو التي يتتبعها خبراء الأرصاد الجوية في توقعات الطقس، قد تخطت 60 درجة مئوية في بعض مناطق إسبانيا الثلاثاء.

صحيح أنه عموماً يبقى متوسط درجات حرارة اليابسة قريباً من درجات حرارة الجو، غير أنه يتخطاها في بعض الأحيان لأن التربة في الصيف تحبس مقداراً أكبر من الحرارة، ولكن مع ذلك، فإن وصول درجة الحرارة عند سطح اليابسة إلى 60 درجة مئوية يعتبر ارتفاعاً شديداً جداً قلما تشهده أوروبا.

وتوقع خبراء في الأرصاد الجوية أن تشتد موجة الحر اعتباراً من يوم الاثنين، لتبلغ درجات الحرارة 44 درجة مئوية (111.2 فهرنهايت) في "الوادي الكبير" بالقرب من إشبيلية في جنوب إسبانيا.

وبطبيعة الحال، أثارت هذه الظروف القاسية مخاوف من أن تتكرر الأحوال المناخية الشديدة الوطأة التي جلبتها معها الحرارة المتطرفة في العام الماضي، إذ كان صيف 2022 الصيف الأكثر حراً على الإطلاق الذي تشهده أوروبا، فقد أطبقت على القارة موجات حر بالغة الارتفاع، وأهلكها الجفاف، وعصفت بها حرائق الغابات المستعرة بسبب أزمة المناخ الناجمة عن أنشطة الإنسان.

وللأسف، كشفت دراسة حديثة عن أن الحرارة أسهمت في وفاة أكثر من 61 ألف إنسان.

وفي تحليلاتهم، عزا عدد من الخبراء موجة الحر الأوروبية إلى نظام من الضغط المرتفع يسيطر على المنطقة أطلق عليه اسم "سيربيروس" Cerberus تيمناً بالوحش الجهنمي في [الكوميديا الإلهية] "الجحيم" (أو "إنفيرنو" Inferno) التي كتبها [الشاعر والفيلسوف الإيطالي أليغييري] دانتي.

وتسود منطقة الضغط المرتفع [منطقة يكون فيها الضغط الجوي أعلى من المناطق المحيطة بها] في وقت سجل العالم أخيراً درجات حرارة حطمت الأرقام القياسية وأججت موجات شديدة من الحر في بلاد كثيرة من بينها الولايات المتحدة، التي شهدت من جانبها تقلبات مناخية قصوى متناقضة [تتراوح بين نقيضي الحر والجفاف والفيضانات قياساً على ما كانت عليه في القرن الماضي].

هكذا، اجتاحت الحرارة الشديدة جنوب الولايات المتحدة في وقت يغرق شمال شرقي البلاد بفيضانات عاتية.

في المقابل، يؤثر في المملكة المتحدة، كما أوضح عدد من الخبراء، نمط مختلف من المناخ حمل معه كميات كبيرة من الأمطار، أسفرت عن انخفاض في درجات الحرارة بعدما مرت البلاد أخيراً بشهر يونيو (حزيران) الأشد حرارة على الإطلاق [منذ بدء عمليات التسجيل].

تحدثت في هذا الشأن الدكتورة ميليسا لازنبي، وهي أستاذة محاضرة في تغير المناخ في "جامعة ساسكس" البريطانية، فقالت إن الوضع الحالي لنظام الضغط المرتفع الواقع في أقصى الجنوب يمثل السبب الرئيس وراء هذا التباين في أحوال المناخ [بين المملكة المتحدة وغيرها من مناطق أوروبا].

وأوضحت الدكتورة لازنبي أن "موجة الحر الأوروبية الحالية مردها إلى أحوال جوية مستقرة ناتجة من أشكال من الضغط تتميز بأنها عالية وثابتة".

وفيما يبقى من المحال حتى الآن البت في جميع العوامل وتدخلاتها المحددة التي تسهم في موجة الحر المندلعة حالياً، وفق كلام الدكتورة لازنبي، "نجد أن أوروبا "خصوصاً في منأى عن التأثر المباشر بحوادث النينيو المناخية" [التي تتزامن عموماً مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الجفاف في بعض أنحاء العالم وأمطار غزيرة في مناطق أخرى].

"لذا من المحتمل أن يكون نظام الضغط المرتفع وتغير المناخ هما المساهمان الرئيسان في موجة الحر هذه"، أضافت الدكتورة لازنبي.

ومضت تقول "لا تواجه المملكة المتحدة حالياً درجات الحرارة المرتفعة نفسها خلافاً لبقية مناطق القارة الأوروبية، ويرجع ذلك أساساً إلى انتشار نظام الضغط العالي الحالي، الذي لا يغطي المملكة المتحدة بل يقع في أقصى الجنوب" موضحة "أن ذلك يوفر للبلاد أحوالاً جوية مستقرة على مستوى الاحترار المتصاعد والحرارة الناجمة عنه".

"إذا كنت في المملكة المتحدة اليوم، ستلاحظ هبوب رياح عاتية لا ترتبط بخاصية الضغط العالي [يرتبط وجود نظام الضغط العالي غالباً مع الرياح الخفيفة]، ولا تؤدي تالياً إلى نشوب موجات حر، وهو السبب وراء عدم ارتفاع درجات الحرارة في المملكة المتحدة إلى حدود غير طبيعية [استثنائية] خلافاً لبقية مناطق أوروبا"، على ما شرحت الدكتورة لازنبي.

ولكن في حين تنفست المملكة المتحدة الصعداء كونها بقيت في منأى عن الأحوال المناخية القاسية التي تكابدها نظيراتها من البلاد في أوروبا، فقد تركت درجات الحرارة القصوى وقعها الشديد على صيف البلاد هذا العام.

 

 

وذكر مكتب الأرصاد الجوية البريطاني أن درجات الحرارة القياسية في شهر يونيو بالمملكة المتحدة نجمت عن "ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض بسبب تغير المناخ الناجم عن [نشاط] الإنسان".

كذلك شهد البحر المحيط بالمملكة المتحدة وإيرلندا موجة حر بحرية شديدة "غير مسبوقة" تهددت بكثير من المخاطر النظام الإيكولوجي الساحلي.

وكان من المحتمل جداً أن يكون يوليو (تموز) الجاري أكثر الأشهر حرارة، متجاوزاً درجات الحرارة المسجلة في يونيو، إذ توقع الخبراء نشوب مزيد من موجات الحر في الأيام المقبلة، ولكن مع ذلك، تشير التغيرات المناخية الحالية إلى أن أي موجة حر لا تتهدد البلاد في الوقت الحاضر.

ويقول الخبراء إن الارتفاع السريع في درجات الحرارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط يمثل تذكيراً صارخاً بأن أزمة المناخ نظام معقد ينطوي على حلقات من ردود الفعل المحتملة وحوادث مناخية غير متوقعة.

"إلى حد ما، تعكس موجة الحر الأوروبية التي نشهدها في صيف 2023 ما توصلت إليه العلوم على مدى السنوات القليلة الماضية. وعلى وجه التحديد، أن درجات الحرارة في أوروبا كانت ترتفع بشكل أسرع كثيراً مقارنة مع القارات الأخرى في العقود الأخيرة، وأن هذا الاتجاه بدا واضحاً جداً في شمال غربي أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة"، قالت الدكتورة ليزلي مابون، أستاذة محاضرة في النظم الإيكولوجية في "الجامعة المفتوحة" في بريطانيا.

وأوضحت الدكتورة مابون أنه من الصعب تحديد عامل واحد مسؤول عن الحر الذي تقاسيه أوروبا بهذه السرعة، وذلك نظراً إلى العلاقات المعقدة بين العناصر المختلفة في النظام المناخي، "غير أننا لا نشك مطلقاً في أن الدافع الأساسي وراء هذا الاتجاه الاحتراري [الاحتباس الحراري] هو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري".

و"إلى أن نسارع إلى تحقيق انخفاض في مستويات انبعاثات الوقود الأحفوري، فإن احتمال نشوب الظواهر المناخية المتطرفة، من قبيل موجة الحر التي نشهدها في أوروبا حالياً، سيزداد أكثر وأكثر"، كما قالت الدكتور مابون.

"الاختلافات التي نشهدها في نطاق الاحترار على مستوى العالم وبين مناطق أوروبا تشكل أيضاً تذكيراً صارخاً بأن مناخ الأرض نظام معقد في حد ذاته"، أضافت الدكتور مابون.

"ومع بلوغ حرارة المناخ درجات عالية، يتفاقم خطر حدوث ردود فعل مناخية مرتدة أو حوادث غير متوقعة. عليه، الأجدر بنا أن نحد بشكل عاجل وبأي ثمن من انبعاثات الوقود الأحفوري ومن حجم الاحترار العالمي"، حذرت الدكتور مابون.

© The Independent

المزيد من بيئة