Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آفة الاقتصاد الموازي تستفحل في تونس وتعمق أزمة البلاد

القطاع غير الرسمي أصبح وجهة نصف الأيدي العاملة هرباً من الضرائب المرهقة

1.6 مليون شخص لا يسددون مساهماتهم في صندوق الضمان الاجتماعي بحكم نشاطهم بقطاعات غير رسمية (أ ف ب)

ملخص

الحكومات المتعاقبة في مرمى الاتهام بسبب غياب خطة متكاملة لجذب العاملين في القطاع غير المنظم

يتنامى حجم الناشطين في القطاع غير الرسمي في تونس وتتعمق الخسائر المالية الناتجة منه على رغم وعود الحكومات المتعاقبة بدمجه بالاقتصاد المنظم.

وناهزت خسائر البلاد ثلاثة مليارات دينار (977 مليون دولار) في العام الواحد، نتيجة عدم خضوع هذا القطاع للضرائب وفق بيانات منظمة العمل الدولية، كما لا يدفع 1.6 مليون شخص مساهماتهم في صندوق الضمان الاجتماعي بحكم نشاطهم في قطاعات غير معلن عنها ولا تخضع للرقابة.

ويشمل العمل في الاقتصاد غير المهيكل فئة الشباب والنساء بالخصوص ويعمل 50 في المئة من الشباب في الاقتصاد الموازي، وقد اجتمعت عوامل عديدة لتسهم في استفحال هذه الآفة التي تحرم الدولة من موارد مهمة متأتية من الضرائب. ووصف متخصصون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أداء الحكومات حيال السيطرة على هذه الظاهرة بالفشل في دمج الاقتصاد الموازي بسبب تمادي الدولة إرهاق الأفراد والمؤسسات بالضرائب التي تؤدي حتماً إلى تغذية التهرب الضريبي.

النصف ينشطون بالقطاع الموازي

وكشف المعهد الوطني للإحصاء عن أن 23 في المئة من إجمالي اليد العاملة في تونس ينشطون دون تغطية اجتماعية، تضاف إليهم سبعة في المئة يعملون لحسابهم الخاص دون ضمان اجتماعي واثنان في المئة ينشطون في مشاريع عائلية، في حين أن ما يعادل 32 في المئة من اليد العاملة التونسية عانت تشغيلاً هشاً عام 2020، وأصبح القطاع الموازي يستقطب 44.8 في المئة من مجموع اليد العاملة بحلول عام 2023.

وينشط نصف اليد العاملة في تونس في القطاع الموازي، وذكر البنك الدولي أن 43.9 في المئة من العاملين بالقطاع الخاص يعملون بالقطاع غير المهيكل، وأنه من بين 2.8 مليون مشتغل يعمل 1.55 مليون في القطاع غير المنظم.

في المقابل، يفتقر أكثر من نصف السكان القادرين على العمل إلى وظائف، إذ لا يتجاوز عدد المشتغلين نسبة 47 في المئة، وهم ممن تتجاوز أعمارهم 15 سنة، وعددهم 8.7 مليون نسمة، بينما لم يتحصل 53 في المئة على عمل وهم ليسوا في وضع البحث عن وظائف، في حين تبقى نسبة النشاط في سوق العمل مرتفعة بالمقارنة ببلدان مجاورة بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، دون احتساب البلدان الغنية، بينما تظل نسبة التشغيل في تونس متدنية مقارنة بالبلدان ذات الدخل المتوسط في العالم.

واعتبر الاقتصادي في البنك الدولي ماركو رانزاني أن نسبة المشتغلين في القطاع الموازي بتونس منخفضة بالمقارنة مع نسبتها بالبلدان العربية الأخرى، لكنها مرتفعة في الإجمال، وتصل إلى 92 في المئة لدى العمال المستقلين.

خسائر التغطية الاجتماعية

وكبد القطاع غير المهيكل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خسائر ضخمة بلغت 1.3 مليار دينار (423 مليون دولار) جراء التهرب عن دفع المساهمات، وهي إجمالي المبالغ التي حرم منها "الصندوق" على خلفية عدم دفع 917 ألف شخص ينشطون في القطاعات غير المهيكلة لمساهماتهم، ما يساوي 131 في المئة من عجزه المالي و38.3 في المئة من مداخيله وفق البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

وتخسر الدولة التونسية موارد مهمة بسبب عدم حصولها على الإيرادات الضريبية بالنظر إلى عدم دفع العمال في القطاع الموازي للأداءات.

والحال أن الحكومة التونسية تسعى إلى تعبئة قروض من البنوك المحلية وعبر طريق اتفاقيات ثنائية لسد الثغرات بالميزانية، في حين اعتبر نقص الموارد الجبائية والتهرب الضريبي من أهم جذور هذه الثغرات، كما تواجه الدولة صعوبات لتوفير مستحقات التقاعد.

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن القطاع الموازي يشغل 26.8 في المئة من اليد العاملة النشيطة فيستقطب 917 ألف موطن شغل لا يستجيب أصحابها للقانون ولا يدفعون مساهماتهم لصندوق الضمان الاجتماعي.

وعبرت المنظمة الأممية عن قلقها بسبب نسبة الشباب المرتفعة في هذا المجال، والتي تصل إلى 81.4 في المئة من فئة 15-19 سنة.

فرار من الأداءات

ودعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى الادماج التدريجي والشامل للفئات الناشطة بالقطاع غير المنظم، بحكم أنه كفيل بتغطية الحاجات التمويلية للبلاد وخلق حل ناجع لتعبئة موارد إضافية، وأن أسباب اجتماعية واقتصادية وعوائق مؤسساتية تطغى على سوق الشغل في تونس ويجب معالجتها، بينما يمثل إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فرصة تتيح تعبئة موارد جديدة وهي في حدود 1.3 مليار دينار (423 مليون دولار) تمثل حجم خسائره في غضون خمسة أعوام فقط.

وذكر عضو الهيئة مدير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين أن الدولة التونسية لم تضع خطة متكاملة لجذب الناشطين في القطاع غير المنظم للهياكل القانونية وهو من العوامل التي أدت إلى إضعاف الاقتصاد وتراجع مؤشرات التنمية بسبب عدم خضوع هؤلاء للأداءات وحرمان الصناديق الاجتماعية من موارد ضخمة، مما كرس معاناتها وإفلاسها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمر إدماج القطاع الموازي كما يقول حسين عبر فرض القانون وإخضاع القطاع للأطر القانونية، لكن في المقابل تغيب الحوافز الجاذبة للناشطين في هذا القطاع للهياكل المنظمة، إذ يتحتم وضع جدول منظم لتراتيب متدرجة لإدماج المشتغلين بالقطاع الموازي، الأمر الذي لم تتجه إليه الحكومات التونسية، وكرس تهرب الناشطين في هذا القطاع بسبب ارتفاع حجم الأداءات والضرائب.

في حين رأى نائب رئيس الاتحاد التونسي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة علي العبيدي أن القطاع القانوني المهيكل تحول إلى قطاع طارد، إذ يزداد شهرياً عدد المتهربين بسبب ثقل الضرائب وتعدد الإجراءات والتراتيب.

وقال العبيدي إن المنظمة تلاحظ إغلاق عدد كبير من المؤسسات المرخصة التي تتحول آلياً إلى ناشطة بطريقة غير قانونية بسبب ثقل الأداءات وتشعب الإجراءات، وهي نتيجة بديهية لعدم ملاءمة القوانين للنشاط الاقتصادي التونسي.

أما المحلل الاقتصادي مصطفى عبدالكبير، فأرجع اتساع رقعة الاقتصاد الموازي في تونس إلى غياب استراتيجية لتقليصه من قبل الحكومات التونسية، فبينما قدمت تونس نموذجاً للاقتصاد المنظم في السابق أضحت تعاني من انفلات في نصف النشاط الاقتصادي إلى خارج أطر الدولة، وهو نشاط متقاطع مع تهريب السلع والأموال وكل أصناف التجاوزات بسبب الغياب التام للشفافية والغطاء القانوني. وبهدف استقطاب نسبة منه يتحتم مراجعة القوانين المنظمة للنشاط التجاري، وفق عبدالكبير، بدءاً بإصلاح قانون الجمارك والصيرفة والقطاع البنكي والتوريد والضرائب، ويمثل التشجيع على الاستثمار الدامج الأول للقطاع الموازي عكس ما تتسبب فيه قوانين الاستثمار الحالية التي تتسبب في فرار الراغبين في تأسيس المؤسسات إلى العمل في الظل.

اقرأ المزيد