Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحايل الإلكتروني يتحدى التونسيين والقوانين معا

مطالب باستراتيجية اتصالية في المدارس والجامعات بالاتفاق مع "ميتا" و"غوغل"

سجلت عمليات التحايل الإلكتروني والجرائم المماثلة ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة (أ ف ب)

ملخص

واقعة طبيب مزيف أثارت ضجة في تونس بعد تحايله إلكترونياً على أطباء وحصوله على تبرعات مالية، فما حدود الظاهرة؟

تواجه تونس تنامياً لافتاً للجرائم الإلكترونية، على رغم ترسانة القوانين الرامية إلى الحد منها، وهو ما بات يؤرق التونسيين الذين يجدون أنفسهم بشكل متكرر ضحايا لعمليات قرصنة أو ابتزاز أو تحايل عبر أساليب مبتكرة يصعب كشفها.

وسلطت أخيراً حادثة الطبيب المزيف، الذي سلب أطباء عديدين أموالاً وغيرها، الضوء على ظاهرة التحايل الإلكتروني، إذ تعلن السلطات بشكل مستمر القبض على متحايلين إلكترونيين باستمرار.

وتعود حيثيات عملية التحايل إلى استخدام الشخص المعني حساباً مزيفاً عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذ تواصل مع أطباء وأوهمهم بأنه زميل لهم، وبعد فترة طلب منهم تحويل أموال إليه للمشاركة في أعمال تطوعية تخص مهنتهم، وهو ما كان له.

مخاطر كبيرة

مع تنامي الاستخدامات لمواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت ملاذاً لعرض منتجات كثيرين أو العمل من بعد، فإن عمليات التحايل الإلكتروني والجرائم المماثلة، سجلت ارتفاعاً كبيراً، في السنوات الأخيرة.

وقالت المكلفة الإعلام في الوكالة التونسية للسلامة المعلوماتية آمال الوسلاتي، في وقت سابق، إن "عمليات التصيد (التحايل) الإلكتروني والبرمجيات الخبيثة في البلاد سجلت 30 في المئة ارتفاعاً، خلال السنوات الثلاث الماضية، ما تسبب بأضرار لعديد من التونسيين والمؤسسات على حد السواء".

الباحث التونسي في التكنولوجيا المعلوماتية، محمد علي السويسي، أكد بدوره أن "ظاهرة التحايل التي تعيشها البلاد ليست محلية بل عالمية، لأن كل الأرقام تؤكد أن هناك تنامياً في التحايل والهجمات في الفضاء الافتراضي، سواء من خلال المستخدمين الذين يعتمدون أسماء مزيفة، أو القرصنة أو غير ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السويسي قال لـ"اندبندنت عربية"، إن "تقنيات التحايل بصدد التطور، لكن ما تشهده تونس عموماً لا يبتعد كثيراً مما يعرفه العالم من تحايل إلكتروني، لكن يجب البحث في الأسباب أولاً، وأبرزها الاستعمال المكثف للتكنولوجيا، بخاصة مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات وخدمات أخرى، مما يزيد من عمليات التحايل".

وتتزامن حوادث التحايل الإلكتروني مع أزمة اقتصادية حادة تواجهها تونس، لكن ذلك لم يكن حاجزاً أمام تزايد كبير في أعداد مستخدمي الإنترنت في البلاد، ويشير موقع "داتا ريبورتال" المتخصص في رصد عدد مستخدمي الإنترنت في العالم إلى أن 8.9 مليون تونسي ينشطون افتراضياً، ما يمثل حوالى 58 في المئة من إجمالي السكان.

وأضاف "على رغم المصاعب التي تعرفها تونس فإن هناك تنامياً كبيراً في مستخدمي الوسائل الإلكترونية، ما جعل مصطلح مجرمي الإنترنت مستعملاً لدى الجهات المتخصصة في السلامة الرقمية، وهذا التنامي في استعمال الإنترنت يسمح بأمرين، الأول الحصول على معطيات شخصية، والثاني ارتكاب جرائم معينة مثل النصب والتحايل للحصول على الأموال".

وأرجع أحد الأسباب الرئيسة لانتشار التحايل الإلكتروني إلى "ضعف الثقافة الرقمية، وإن كان لا يقتصر على تونس"، موضحاً أن هناك تعاملاً باستسهال كبير مع مواقع التواصل ومحتويات معينة تصل عبر البريد الإلكتروني.

وأضاف "هناك في اعتقادي عوامل أخرى يجب استيعابها لفهم أسباب تنامي التحايل الإلكتروني، من بينها العوامل السوسيولوجية، إذ نشهد تهرماً لمستعملي (فيسبوك) واقتصار استعمال (إنستغرام) و(تيك توك) على المراهقين مع قلة قليلة من الكهول".

ترسانة قانونية

تثير عمليات التحايل المتصاعدة في المجال الإلكتروني بتونس، تساؤلات حول مدى نجاعة ترسانة القوانين التي تم سنها في مسعى للحد من هذه الجرائم، لعل آخرها المرسوم 54، الذي أصدره الرئيس قيس سعيد وأثار موجة من ردود الفعل الغاضبة حول إمكان استعماله لضرب حرية التعبير في البلاد.

وتونس من الدول التي شهدت دخول الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي باكراً، وهي مواقع لعبت دوراً كبيراً في التغيرات السياسية التي عرفتها البلاد منذ إطاحة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011 في انتفاضة شعبية.

وقال المحامي محمد أمين بن سعد، إن "تونس صادقت على قوانين رادعة منذ البداية للجرائم الإلكترونية، وهناك قانون تم سنه عام 2005 لمواجهة القرصنة، أما مسألة التحايل فلها فصل خاص في المجلة الجزائية هو الفصل 291".

ويعاقب بالسجن خمسة أعوام ومبلغ مالي قدره 2400 دينار تونسي (نحو 800 دولار)، كل من استعمل اسماً مدلساً أو صفات غير صحيحة أو التجأ للحيل والخزعبلات التي من شأنها إقناع الغير بوجود مشاريع لا أصل لها في الحقيقة أو نفوذ أو اعتماد وهمي، ويكون قد تسلم أو حاول أن يتسلم أموالاً أو منقولات أو ممتلكات أو أوراقاً مالية أو وعوداً أو وصولات، واختلس بإحدى هذه الوسائل أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من مال الغير"، وفقاً للفصل 291.

يؤكد بن سعد لـ"اندبندنت عربية"، أن "هذه الجرائم منتشرة أكثر في مراكز الاتصال التي يتم فيها قرصنة بطاقات بنكية أو إيهام الحرفاء بوجود مشاريع أو غير ذلك".

وحول الأسباب التي تحول دون وضع حد للجرائم الإلكترونية على رغم هذه القوانين، قال إن "تطبيق القانون ومراقبته موجود لكن كلما تقدمت التكنولوجيا كلما اخترع الإنسان آليات جديدة للتحايل ولارتكاب جرائم معينة".

المرسوم 54

أحدث القوانين التي وضعتها تونس في إطار الجهود الهادفة إلى الحد من الجرائم الإلكترونية، المرسوم 54 الذي أصدره الرئيس سعيد في 22 سبتمبر (أيلول) 2022، لكن خطواته أثارت انتقادات بأنه يهدف إلى تقويض حرية التعبير وتقييد عمل الصحافيين.

وطالبت نقابة الصحافيين التونسية ومنظمات أخرى مراراً الرئيس سعيد بوقف العمل بهذا المرسوم، إذ حوكم بالفعل صحافيين بالاستناد إليه انطلاقاً من دعاوى قضائية رفعها مسؤولون.

وينص الفصل 22 من هذا المرسوم على أنه "يعاقب بالسجن لمدة ستة أعوام وغرامة قدرها 100 ألف دينار (حوالى 33 ألف دولار) كل من يتعمد إلحاق ضرر بالذمة المالية للغير بإدخال بيانات معلوماتية، أو تغييرها أو فسخها أو إلغائها أو بالاعتداء، بأي وجه كان، على عمل نظام معلومات قاصداً بذلك الحصول على منافع مادية أو اقتصادية لنفسه أو لغيره".

ومنذ إصدار هذا المرسوم في مرحلة سياسية استثنائية عرفتها تونس، بعد إطاحة البرلمان والحكومة في يوليو (تموز) 2019، انقسم الشارع بين مؤيد لهذا المرسوم ومعارض له، وأثارت بعض فصوله التي تهدف إلى محاربة الأخبار الزائفة مخاوف من تقييد حرية التعبير التي تعد مكسباً نادراً من انتفاضة 2011".

وقال بن سعد "عموماً المرسوم 54 مخصص أساساً للتدوينات التي تنشر، لكن التحايل الإلكتروني له قوانين خاصة، ففي قانون 2005 هناك فصول خاصة تهم القرصنة أو الولوج إلى مواقع دون إذن، ويجب التفريق بين الإساءة للغير عبر هذه المواقع والتحايل".

لكن محمد علي السويسي رأى أن "اليوم لا يمكن أن نحكم على هذا المرسوم إيجاباً في ظل ما نراه على المواقع الافتراضية من سلب وهتك للمعطيات الشخصية للبعض ولا نرى تحركاً على أساسه، أعتقد أن الاستعمالات السلبية لهذا المرسوم وفي اتجاهات أخرى تضرب حرية التعبير أكثر من التركيز على النقاط المضيئة فيه".

استراتيجيات وطنية

من غير الواضح ما إذا كانت السلطات التونسية ستلجأ إلى تحديث القوانين أو إصدار تشريعات جديدة للقضاء على ظاهرة التحايل الإلكتروني، لكن مراقبين يشيرون إلى أن هناك عديداً من المقاربات التي يمكن تبنيها من أجل تجاوز هذه الظاهرة.

وقال السويسي إن "هناك استراتيجيات وآليات جديدة في مواقع التواصل وغيرها يعتمد عليها المتحايلون لارتكاب جرائمهم، ونرى أشخاصاً تنقصهم التجربة والثقافة الرقمية يتم استغلالها من قبل هؤلاء، علاوة على أن المشكلة لم تعد فقط في التحايل، فالكهول مثلاً على (فيسبوك) يتعاملون باستسهال كبير مع الأخبار الزائفة التي يشاركونها مع الآخرين وغير ذلك".

وأكد أن "التحايل أصبح أمراً عادياً لغياب التوعية، لذلك أحياناً يصبح شخص يتحدث مع شخص آخر وهو متحرش جنسي أو يريد سلب أمواله أو غير ذلك وهو ما يعكس أخطاراً كبيرة في استعمال المحامل الرقمية".

وطالب بإطلاق استراتيجية اتصالية وتربية إلكترونية في المدارس والجامعات على استعمال التقنيات مع اعتماد الدولة بالتوازي مع ذلك لاستراتيجية أخرى تمكن من التعامل مع الشركات التي تقف خلف هذه المواقع مثل "ميتا" و"غوغل".

المزيد من العالم العربي