Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سحر الـ "سوشيال ميديا" لا يقاوم في النزاعات والصراعات

استغلال المهارات للتأثير في المتابعين عبر الكلمة والصورة يزيد الاستقطاب والانقسام

أثر الـ "سوشيال ميديا" حلوها ومرها لم يعد يخفى على أحد (غيتي)

ملخص

الأحداث العالمية أثبتت أن الـ "سوشيال ميديا" بلا قيود أو ضوابط تشكل نوافذ خطر على الدول والمجتمعات.

قوة وسائل التواصل الاجتماعي أو الـ "سوشيال ميديا" لها وجوه عدة، والصحافي المواطن لا يقف على قلب رجل واحد، فكاميرا الهاتف المحمول توثق اللحظة وقد تدفع بها أقصى يمين الصورة أو تكتفي بزواياها في أقصى اليسار، وإذا كانت الصورة بألف كلمة، والفيديو بألفين أو ثلاثة أو حتى أربعة، فإن انتقاء الزوايا وتطويع الكلمات وتوجيه الأفكار لا تقدر بثمن لأن آثارها المدمرة في المجتمعات غير قابلة للإصلاح.

وكيف يمكن الإصلاح والوسائط العنكبوتية يتعلق بها مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم، حيث لا ضابط لمحتوى أو رابط لتوجه؟ وأليس هذا تحديداً الأثير الحر الطليق بلا قيود أو ضغوط أو مخاوف أو انصياع لقانون أو عرف وعادة أو تقليد، أكبر إنجازات القرنين الـ 20 والـ 21؟

قدرات كامنة

سنوات طويلة والـ "سوشيال ميديا" آخذة في الكشف عن أوجه كثيرة غير تلك التي عرفت بها في بدايات الثورة الرقمية، إذ تثبت بالحجة والبرهان أن المسألة ليست مجرد إعطاء صوت لمن لا صوت لهم، أو تمكين من لا منصة أو وسيلة أو طريقة ليعبر بها ويصبح من خلالها شخصاً فاعلاً مغيراً ومعدلاً ومؤثراً، بل كشفت كذلك عن قدرات كامنة وإمكانات هائلة لتصبح معول هدم لمن أراد، وأداة فتنة لمن يرغب ومطرقة يتم الدق بها على الرؤوس التي يقع عليها الاختيار.

وحين تختار مليارات البشر الـ "سوشيال ميديا" مصدراً رئيساً للمعلومات ومنهلاً موثوقاً فيه لتكوين الآراء واتخاذ القرارات، فإن هذا يستدعي تدقيقاً فيما يجري على الأثير 24/7، لا سيما في أوقات الأزمات والطوارئ والحوادث والأحداث الكبرى والخطرة والمؤثرة.

الفجوات العظمى

أثر الـ "سوشيال ميديا" حلوها ومرها لم يعد يخفى على أحد، لكن بمرور الوقت يتضح مزيد من الحلو وينكشف قدراً أكبر من المر، وحملات تضليل بالغة الحنكة، وإشاعات مصنوعة بحرفية ومهارة، وخطاب كراهية منسق ومنمق يفلح في تحويل مجموعة بعينها إلى شياطين الأرض، وكذلك زراعة ورعاية وحصاد خطاب كراهية وصناعة فجوات عظمى بين البشر، والأهم من كل ذلك نجاحها على مدى أعوام في صناعة وتجذير حال من الارتباك الجماهيري تجاه كل ما يتعلق بالأخبار والمعلومات وما كان يصنف حتى زمن ما قبل الثورة الرقمية تحت بند "الأخبار الموثقة" و"البيانات المؤكدة" و"الثوابت الدامغة".

فتح أبواب الـ "سوشيال ميديا" على مصاريعها من دون أية قيود أو ضوابط كانت حتى أعوام قليلة مضت أشبه بركن من أركان الديمقراطية دونه الرقاب، وبالأمس القريب تكالبت منظمات حقوق الإنسان وعشرات الأنظمة الغربية لتوجه انتقادات عنيفة للنظام المصري عام 2011 حين تم قطع الإنترنت في غالبية أرجاء البلاد بعد تنامي التظاهرات في الشارع وبدء أمارات الفوضى العارمة من اقتحام السجون وحرق أقسام الشرطة وتخريب الممتلكات العامة والخاصة وغيرها مما اعتبره بعضهم "شغباً وتخريباً وتعريض الدولة للانهيار" في حين لم يره آخرون سوى "حق وحرية وعدالة وكرامة".

بدايات ونهايات

الانحياز الغربي في بدايات ونهايات ما يسمى "الربيع العربي" الذي هب على عدد من دول المنطقة كان لحرية الإنترنت، بغض النظر عما كان يحدث في الشارع وعما كان يلوح في أفق تلك البلاد التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار أو الوقوع في براثن حرب أهلية أو كليهما.

"هيومان رايتس ووتش" انتقدت الحكومات التي تقدم أو تفكر في حجب التواصل أو مراقبة منصات التواصل الاجتماعي، وأشارت في تقرير عنوانه "حجب الإنترنت لإسكات المنتقدين" (2021) أن "الحكومات تلجأ في صورة متزايد إلى حجب الإنترنت في أوقات الأزمات بدعوى أن هذا ضروري لحماية الأمن العام أو لتقييد حركة انتشار المعلومات المغلوطة، لكن هذه الإجراءات الموسعة تمثل عقاباً جماعياً أكثر من كونها رداً تكتيكياً عندما ينقطع التواصل تقيد قدرة الناس على التعبير عن أنفسهم بشكل حر، ويعاني الاقتصاد ويعاني الصحافيون لتحميل الصور ومقاطع الفيديو التي توثق انتهاكات الحكومة وينقطع الطلاب عن دروسهم، إلى آخره".

واستشهد التقرير بدراسة أجراها "مركز السياسات الرقمية العالمية" في "ستانفورد" وجدت أن حجب الإنترنت له أثر عكسي في وقت حوادث العنف في الشارع، وتشير كذلك إلى أنه يؤدي إلى تضاعف معدلات العنف أربع مرات مقارنة بالعنف في ظل الإنترنت.

وفي ظل الإنترنت يبدو أن العنف في أحداث فرنسا الأخيرة دفع كثيرين إلى التساؤل عن أثر الـ "سوشيال ميديا" في تأجيج حدته وتيسير مهمته، فمنذ مقتل الفتى نائل المرزوقي فإن مواقع ومنصات وتعليقات عدة على الأثير العنكبوتي تنضح بكم هائل من الغضب معه قدر غير قليل أيضاً من الدعوة إلى والمباركة والمطالبة بمزيد من العنف، لا تسمه الغالبية المطالبة به "عنفاً"، لكن تطلق عليه توصيفات أخرى مثل "انتقام" أو "استعادة حق" أو "دية" أو "العين بالعين" والقائمة طويلة، على أثير هذه المواقع والمنصات.

وعبر التعليقات يجري تحديد مواعيد ومواقع التجمع بغرض تنفيذ مبدأ "العين بالعين" أو تفعيل "الانتقام" أو العمل على "استعادة الحق"، ووصل الأمر حد أن الحكومة الفرنسية انتقدت هذا الدور "السيئ" الذي تقوم به منصات التواصل الاجتماعي، ولم يخل الأمر من تهديد باتخاذ اللازم لمعاقبة المحرضين، وليس هذا فقط بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه طرح فكرة تعليق الوصول إلى المنصات، لا سيما "سناب تشات" و"تيك توك" و "تيليغرام"، وهي الأكثر استخداماً بين الشباب الفرنسي ومن ثم الأكثر استخداماً لتنظيم أعمال التظاهر، وفي أقوال أخرى الشغب، وما نجم عنها من نهب لعدد من المتاجر والبنوك، ناهيك عن حرق وتخريب ممتلكات عامة وخاصة.

حفر وتنقيب

التضامن مع فرنسا والفرنسيين وتمني السلامة للجميع والعدالة للكل سمة عالمية عبر منصات الـ "سوشيال ميديا"، والعرب ليسوا استثناء، ولكن ما يميز بعض المستخدمين العرب في هذا الصدد هو أعمال الحفر والتنقيب التي أجراها بعض من يعتبرون أنفسهم وبلادهم ضحايا لأحداث "الربيع العربي"، لا سيما وأن رياحه حظيت بتأييد غربي "على بياض"، والتحذير منه وممن يقف خلف جزء من أحداثه وأهدافه قوبل على طول الخط باتهامات بمعاداة الديمقراطية أو مداهنة الديكتاتورية أو كراهية الفصائل السياسية الإسلامية من دون أسباب منطقية أو مبررات أخلاقية.

وأسفر التنقيب عن العثور على تغريدة صادرة عن وزارة الخارجية الفرنسية في سبتمبر (أيلول) عام 2012 يقول نصها "الربيع العربي: علينا أن نكون متضامنين مع هذه الحركات، إذ علمتنا التجربة في كل بلد من بلداننا بأن الثورات تشهد صعوداً وهبوطاً".

صعود وهبوط

صعود "الربيع العربي" بمساعدة الـ "سوشيال ميديا" ثم هبوطه بعد جهود حجب إنترنت ومقاومة الحجب بالالتفاف للإبقاء على الشارع مشتعلاً، والمواقف الغربية والحقوقية الدولية المنددة بمحاولات الحجب والمطالبة بالإبقاء على الأثير مفتوحاً من دون قواعد أو قيود، جميعها يعاود طرح نفسه مجدداً هذه الآونة ولكن بعد ما يصفه بعضهم بـ "انقلاب السحر على الساحر".

سحر الـ "سوشيال ميديا" لا يقاوم، وإن قاومه المستخدم على "تويتر" حيث التغريدات المقتضبة المباشرة فستقع تحت طائلته في سرديات "فيسبوك" المقنعة، وإن فلت من هذا وذاك فإن فيديوهات "يوتيوب" أو "إنستقرام" أو صور "سناب تشات" ستتسلل إليه بشكل أو بآخر، وحتى إن فشل كل ما سبق أمام بأس المستخدم ورباطة جأشه فإن التعليقات التي يكتبها مستخدمون آخرون لها مفعول السحر.

تعليقات المستخدمين من المتفاعلين مع أحداث فرنسا الأخيرة قلبت البلاد رأساً على عقب، إذ وقف جانب كبير من تعليقات الـ "سوشيال ميديا" على طرفي نقيض، اليمين المتطرف مقابل اليسار بدرجاته، والرواية المهيمنة في الإعلام التقليدي والتي تجد رواجاً وصدى ولا يتوقع أحد سواها هي أن الشباب والمراهقين في الضواحي محرومون من الفرص ومقومات الحياة السليمة ومقهورون بالفقر والعوز ويعانون الأمرين تارة من العنصرية ضدهم وأخرى من القفز إلى اتهامهم بالشغب والعنف والتخريب بسبب ومن دون سبب.

هذه الرواية المقبولة أخلاقياً وسياسياً في العالم تتواءم تماماً و"شيطنة" الشرطة، فهي الجهاز الذي يسارع إلى اللجوء للقوة المفرطة وينحاز ضد الأقليات ويميز ضد المسلمين وذوي الأصول العربية، وحبذا لم تم تقليص الجهاز برمته وتركت الساحة للمقهورين والمظلومين والمنهكين يديرون أمورهم بأنفسهم؟

صراع الروايات

مدير وحدة الدراسات الأوروبية في "المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتجيية" توفيق أكليمندوس يشير في ورقة عنوانها "احتجاجات فرنسا: صراع الروايات والقراءات" (يوليو 2023) إلى أن ما جرى في فرنسا سيزيد الهوى اليميني المتطرف لدى الرأي العام الذي لم يعد قابلاً لرواية المظلومية والتمييز، فالدولة وفقاً لهذا التوجه منحت حقوقاً وإعانات كثيرة للمهاجرين وأنفقت المليارات على الضواحي، لكن لم تحقق شيئاً.

ويوضح أكليمندوس أن انطباعاً متزايداً في فرنسا بات يرى أن أبناء المهاجرين لم يندمجوا لأنهم لا يريدون الاندماج، وأنهم يرون أنفسهم شعباً مختلفاً عن الشعب الفرنسي ومعادياً له، ويعتبرون الدولة عدواً يجب غزوه وإهانته لأنه يخشاهم ولم يدفع بعد ثمن ماضيه الاستعماري.

ما ذكره أكليمندوس، وهو ما لا يذكر في الإعلام التقليدي إلا فيما ندر، وإن ذكر فعلى سبيل عرض وجهات نظر الأشرار وأعداء المهاجرين المنحازين ضد العرب وغيرهم، هو ما دارت رحاه على أثير الـ "سوشيال ميديا" بين جماعتين متحاربتين افتراضياً، الأولى ترى في المهاجرين، لا سيما العرب، مجموعات كارهة لفرنسا وما تمثله من قيم وقواعد وأسلوب حياة، وترى أن على الحكومة الفرنسية أن تتوقف عن محاولة كسب ودها والإنفاق على جهود دمجها في المجتمع، لأن نسبة من هؤلاء المهاجرين لا تريد أن تندمج، وترى نفسها شعباً مختلفاً عن الشعب الفرنسي.

أما الجماعة الثانية فتتكون غالباً من المهاجرين، إضافة إلى بعض المستخدمين العرب المتعاطفين مع مراهقي الضواحي الفرنسية والأجيال الثانية والثالثة من مهاجري دول الغرب، وهي ترى أن على فرنسا أن تدفع ثمن عقود من الاستعمار، إن لم يكن احتضاناً للمهاجرين وأبنائهم وأحفادهم فتقليصاً لدور الشرطة في التعامل مع سكان الضواحي، إضافة إلى تحمل ما يقوم به هؤلاء السكان، لا سيما المراهقين والشباب، من أعمال "مقاومة" و"تعبير عن الظلم" والتي يسميها بعضهم شغباً وعنفاً ونهباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رواية التبرير

ويرى توفيق أكليمندوس في ورقته أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً في نشر الأخبار وتقديم رواية غير الرواية الإعلامية التي تميل دائماً إلى تفادي إدانة المهاجرين وتقدم باستمرار أعذاراً لكل أفعالهم، وأن هذه المواقع تسبب محتواها والفيديوهات المنشورة عليها في تأجيج غضب كل مكونات المجتمع وفي تعميق الاستقطاب.

وعانت دول "الربيع العربي" ولا تزال من قوة الـ "سوشيال ميديا" في صناعة وتجذير واستدامة الاستقطاب، وسواء كان الأمر طبيعياً ممثلاً في جموع من المستخدمين يعبرون عن آرائهم أو يتداولون ما يتصورون إنها معلومات على رغم إنها ليست كذلك، أو يعلقون على تدوينات وتغريدات تعليقات ملغمة بالكراهية أو محملة بالأيديولوجيا المكفرة أو الرافضة أو المستعلية على الآخرين، أو كان مخلقاً حيث ميليشيات وكتائب إلكترونية أو "ترولز" أو غيرها تدون وتغرد وتنشر صوراً وفيديوهات وغيرها لتحقيق أغراض لجهات أو مجموعات أو جماعات، بما فيها حكومات، تظل قدرة الـ "سوشيال ميديا" وما تحدثه في المجتمعات، لا سيما في أوقات الأزمات والطوارئ والصراعات، جديرة بالتفكر والتدبر.

صناعة النزاعات

قدرة منصات الـ "سوشيال ميديا" على إحداث الصراعات أو تأجيجها أو الإبقاء عليها مشتعلة أصبحت مثار اهتمام متزايد خلال الأعوام القليلة الماضية، وهذا الاهتمام يبلغ أوجه مع تواتر عدد من الأحداث الساخنة والملتهبة في دول عدة أخيراً لعبت فيها منصات التواصل الاجتماعي دوراً لا يمكن إنكاره أو تجاهله.

الحادثة التي هزت مصر وأرقت المصريين لبشاعته، إذ دهس طبيب شاب أسرة من جيرانه في "مدينتي"، وهو تجمع سكني على أطراف القاهرة، فقتلت الأم وأصيب الزوج والأبناء الثلاثة إصابات بالغة، بعد أن سيطر عليه الغضب لخدش سيارته أثناء لعب أحد الصغار، إذ لعبت فيه الـ "سوشيال ميديا" دوراً أقل ما يمكن أن يوصف به أنه محوري.

محورية وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على تغيير كيف ومتى وما إذا كان سيتقرر وجود نزاعات وحجمها ومدى انتشارها صار محل بحث واهتمام وقلق بعضهم، في حادثة "مدينتي"، ونظراً إلى أن الطبيب ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، فقد انقسم المستخدمون إلى نِحل وجماعات كل بحسب انتماء مسبق أو توجه سياسي أو موقف من أحداث صيف عام 2013 التي انتهت بخلع جماعة الإخوان المسلمين من الحكم امتثالاً من الجيش لتظاهرات شعبية هادرة.

الفيديوهات والتغريدات والتدوينات والصور والهاشتاقات الواقفة على طرفي نقيض من اعتبار الجاني أو المشتبه فيه هو "المؤسسة العسكرية"، وبين اعتبار الجاني أو المشتبه فيه شخصاً تصادف انتماؤه للمؤسسة العسكرية تدفع بكل حدة في اتجاه إعادة إحياء الاستقطاب في المجتمع المصري.

أداة توليد

قدرة الـ "سوشيال ميديا" أو بالأحرى استخدامها كأداة لتوليد النزاعات وتوليعها عبر الإبقاء عليها والتحكم فيها لمصلحة جهات أو أطراف دفعت مستشارة التكنولوجيا من أجل التنمية في "ميرسي كوربس" أو "فيلق الرحمة" (منظمة دولية للمتطوعين في أماكن الأزمات والصراع) آدريان بروكس إلى البحث في أثر الـ "سوشيال ميديا" في تأجيج الصراع تحت عنوان "قم بالتمرير والمشاركة: دور وسائل التواصل الاجتماعي في النزاعات" (2022)، إذ تقول إن استطلاعات ودراسات معمقة أنجزتها المنظمة في عدد من دول الصراعات التي تعمل فيها وهي إثيوبيا ونيجريا والعراق وميانمار، كشفت أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت عامرة بحملات من المعلومات المضللة والإشاعات وخطاب الكراهية الموجه ضد جماعات بعينها، مما يؤدي إلى تنامي عدم الثقة بين الجميع.

وإذ إن واحداً بين كل ثلاثة أشخاص حول العالم يستخدم الـ "سوشيال ميديا" فإن بعضهم جنح إلى تحويل المنصات إلى أدوات صناعة وتأجيج النزاعات والصراعات حتى أصبح ذلك أمراً عادياً ومعتاداً.

تعبئة المستخدمين

وتشير بروكس إلى أنه ثبت إمكان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعبئة وتشكيل قيم المستخدمين، كما ثبت أن الاختلافات والخلافات والتوترات العرقية والطائفية تمثل أرضاً خصبة لهذا الاستخدام، إذ يقع كثيرون ضحايا التأجيج والاستقطاب، وأثبتت نتائج الاستطلاعات أن قطاعاً من المؤثرين والفاعلين السياسيين على المنصات يغذون هذه التوترات بشكل روتيني، وحين تقع حادثة يمكن استغلالها لتقوية الصراع والخلاف، وينشط هؤلاء بشكل واضح ويزيد عدد المتابعين والمعلقين والمتأثرين، ومنهم من تصل به حماسة الغضب وفوران الحنق إلى درجة الامتثال لدعوات النزول إلى الشارع والقيام بأعمال ربما يتم تصويرها باعتبارها مقاومة أو كرامة أو استرداد حق، وبعضها يخرج عن السيطرة وسط الجموع الغفيرة.

وتتابع بروكس، "فترات الخوف واليأس وتضاؤل ​​الثقة في الحكومة وزيادة الوقت الذي يمضيه المستخدمون أمام شاشات التواصل الاجتماعي تيسّر انتشار الإشاعات والمعلومات المغلوطة والآراء التي يتم تداولها باعتبارها معلومات، وذلك على حساب استقرار المجتمعات وأمنها".

وأضافت مستشارة التكنولوجيا أن مستخدمي الـ "سوشيال ميديا" حين يثقون في الرسول فإنهم يثقون في الرسالة، وبمعنى آخر فحين يثقون في المؤثر يعتبرون تدويناته وتغريداته وآراءه وفيديوهاته وصوره ودعواته أموراً مسلماً بها، وهؤلاء المؤثرون، بحسب ما تشير بروكس، قد يكونون مسؤولين حكوميين أو زعماء دينيين أو ناشطين بتوجهات مختلفة أو أشخاصاً يقيمون خارج البلاد، ولن يتكبدوا عناء ولن يدفعوا فاتورة ما يدعون إليه، وبين هؤلاء في دول الصراع والنزاعات أو تلك المهددة باندلاعها، من هم قادرون على حشد الجماهير لتعزيز التماسك أو زرع الانقسام.

ولفتت بروكس إلى أن كثيراً من الدول يمر بما يعرف بـ "نوافذ الخطر"، وهي الأوقات التي تحدث فيها حادثة تتسم بالحساسية أو تتصاعد فيها مشاعر الغضب أو الاحتقان بسبب أزمات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، فهذه هي النوافذ المثالية التي يتسلل منها بعضهم عبر الـ "سوشيال ميديا" لصناعة مزيد من التوتر وإشعاله والإبقاء عليه مشتعلاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات