Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التقاضي الإلكتروني في الجزائر بين ثورة المعلوماتية وعدالة المحاكمات

شكوك حول كفاءة الإنترنت وضمانات نزاهة المحاكمات وقدرة القضاة والمحامين على التعامل التقني

كان تفشي وباء كورونا سبباً رئيساً للتعجيل بإطلاق مشروع المحاكمات عن بعد (موقع المحكمة العليا الجزائرية)

ملخص

لجأت الحكومة الجزائرية إلى اعتماد التقاضي الإلكتروني تماشياً مع الثورة المعلوماتية والتطور التكنولوجي، فلماذا تواجهه التحفظات؟ 

يواجه التقاضي الإلكتروني في الجزائر إشكالات تتعلق بمدى احترام ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق وحريات المتهم وكيفية الإقناع الشخصي للقاضي، وبرزت معها مطالب بالتراجع عن تعميمه وحصره في قضايا محددة من دون أخرى.

ولجأت الحكومة الجزائرية إلى اعتماد التقاضي الإلكتروني تماشياً مع الثورة المعلوماتية والتطور التكنولوجي الهائل بعد تبني أغلب التشريعات الدولية والداخلية هذا النظام ضمن منظومتها القانونية والقضائية، لما تتميز به من سرعة الفصل في القضايا وتخفيف العبء عن المتقاضين وتحقيق العدالة وتحسين جودة العمل القضائي.

وكان السبب الرئيس للتعجيل بالانطلاق في إجراء المحاكمات عن بعد هو تفشي وباء كورونا، إذ رخصت وزارة العدل الجزائرية في نهاية 2020 لكل المحاكم إجراء جلسات محاكمة عبر تقنية التحاضر المرئي لحماية المسجونين من الفيروس وتفادي انتشاره داخل المؤسسات العقابية.

عملية استثنائية

تقول وزارة العدل إن استخدام تقنية المحادثة والمحاكمة المرئية عن بعد سهل اعتمادها خلال الجائحة وفق القانون 15-03 المتعلق بعصرنة العدالة، الذي تضمن التبادل الإلكتروني للوثائق واستخدام تقنية المحاكمة المرئية عن بعد في المجال الجزائي، وكذا التركيز على وضع قاعدة معطيات، مشيرة إلى أن اللجوء إلى استخدام هذه التقنية يكون وفق شروط محددة، باعتبارها عملية استثنائية جاءت لدعم التحول الرقمي في قطاع العدالة.

وثمن رئيس النقابة الوطنية للقضاة عوداش العيدي في تصريح صحافي اللجوء إلى التقاضي الإلكتروني في المادة المدنية، داعياً إلى وضع أطر عامة في ما يتعلق بالمحاكمات الجزائية للتقيد بمبادئ المحاكمة العادلة، كونها تخضع لضرورة تكريس مبدأ أنسنة المحاكمات.

ولقي مشروع التقاضي الإلكتروني دعم الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين، الذي قال رئيسه طايري إبراهيم إنه "على رغم التأخر المسجل في هذا الشأن، فإن المشروع يعد قفزة نوعية لجهاز العدالة على حد تعبيره، مشيراً إلى عزم الوزارة على تعميمه عبر كامل التراب الوطني بحدود عام 2024.

وذكر طايري في تصريح صحافي أن هذا المشروع يستلزم إمكانات كبيرة، أهمها توفير التكوين لجميع الأطراف سواء قضاة أو محامين وموظفين، كاشفاً عن برنامج تكوين يخص المحامين والكتاب حول تقنيات التقاضي الإلكتروني.

وأعرب عن تخوف هيئته من ضعف الإنترنت بما يؤثر في الخطوة برمتها، وهو ما يجب على الوزارة أخذه في الاعتبار.

هذا التخوف دفع بمحامين إلى التعبير عن تحفظهم على استمرار محاكمة السجناء عن بعد باستعمال تقنية التحاضر المرئي، إذ طالب بعضهم بضرورة تحرك نقابات المحامين من أجل إلغاء هذه الطريقة والعودة لنظام الجلسات الحضورية.

ويقول هؤلاء المحامون إن ضعف شبكة الإنترنت في بعض المناطق يثير مشكلات تؤثر في السير الحسن لجلسات المحاكمة المخصصة لمناقشة الوقائع وعناصر مهمة في ملفات المتهمين.

مسائل تقنية

يرى الخبير الجزائري في تكنولوجيا المعلومات يزيد أقدال، أن المسائل التقنية ومنها الإنترنت تم تجاوزها حالياً، خصوصاً بعد ربط كل المحاكم والمجالس القضائية والمؤسسات العقابية بإنترنت عالي التدفق.

وقال أقدال لـ"اندبندنت عربية" إن منصات التحاضر المرئي عن بعد في قطاع العدالة المجهزة بكاميرات حديثة لم تعد أمراً معقداً يعوق العمل القضائي، على غرار بقية القطاعات التي تستخدم هذه التقنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويربط المتحدث نجاح واستمرار التقاضي الإلكتروني بمدى توفر الاعتمادات المالية التي يخصصها قطاع العدالة للاستثمار في هذه التقنية وصيانتها.

ويشير أقدال إلى ضرورة وضع خطط احتياطية تحسباً لوقوع أي خلل تقني يؤثر في عمل التجهيزات والأنظمة الإلكترونية المستخدمة أو انقطاع الربط بالإنترنت وضمان استمرار العمل القضائي بشكل عادي، وتحسباً لوقوع مشكلات تقنية تتعلق بضعف شبكة الإنترنت، أعلنت وزارة العدل في ديسمبر (كانون الأول)  2022تعزيز المحاكم بمختلف المعدات التقنية تحضيراً لتعميم التقاضي الإلكتروني في البلاد.

وذكرت الوزارة في بيان أن هذه الإجراءات ستسهم في التقليل من الازدحام في المحاكم والجهات القضائية، وستجنب المحامين عناء التنقل، وتساعد القضاة في العمل الإداري الذي يأخذ كثيراً من الوقت لتصبح جهودهم منصبة مستقبلاً في العناية بالأحكام.

وخلال السنوات الأخيرة اعتمد القضاء التقنية نفسها في معالجة أشهر وأثقل الملفات المتعلقة بالفساد، إذ شهدت جلسة محاكمة السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل والمستشار السابق برئاسة الجمهورية، ومعه رجال أعمال، في أبريل (نيسان) الماضي، مناقشات حادة بين الدفاع وهيئة المحكمة بعد تحفظ بعض المتهمين على نظام المحاكمة عن بعد.

طفرة نوعية

تقول المحامية الجزائرية فريدة عبري إن الحديث عن التقاضي الإلكتروني انطلق منذ عام 2020، لكن هذا المشروع رأى النور بشكل رسمي في نهاية 2022 على مستوى بعض المجالس القضائية، على أن يعمم تدريجاً.

وأوضحت عبري لـ"اندبندنت عربية" أن البداية كانت بتبادل العرائض في المواد المدنية، ثم الانتقال إلى مرحلة تسجيل القضايا ودفع المصاريف القضائية إلكترونياً.

وتشير المتحدثة إلى أن "من السابق لأوانه الحديث عن نجاح هذه العملية على المستوى الميداني بالنظر إلى كون المرحلة الأهم، وهي المتعلقة بالتحقيقات والخبرات القضائية وسماع الشهود والمرافعات، لم يحن أوانها بعد، لكن يبقى التقاضي الإلكتروني طفرة نوعية نحو تحديث قطاع العدالة وتقريبه من المواطن".

وحصرت المحامية المشكلات التي تواجه المشروع في ضعف شبكة الإنترنت في بعض المناطق، وعدم استطاعة المواطنين رفع الدعاوى إلكترونياً، فضلاً عن عمليات القرصنة التي تطاول مختلف أجهزة الحاسوب والأمية المعلوماتية، ناهيك عن ضعف البنية التحتية لقطاع الاتصالات في الجزائر.

وتوضح أن "الضمانات التي جاء بها الدستور ما هي إلا ترجمة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لذلك لا يمكن الحديث عن أية ضمانات للتقاضي الإلكتروني ما لم تتم الاستجابة لركائز المحاكمة العادلة وفي مقدمها مبدأ الوجاهية، واحترام حقوق الدفاع ولا سيما شفوية المرافعات ومبدأ علنية الجلسات"، مشيرة إلى أن "المحاكمة التقليدية ذات فاعلية أفضل بكثير من التقاضي الإلكتروني، لكن الحتمية تلغي الحرية"، بحسب تعبيرها.

المزيد من العالم العربي