Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبح الكيس البلاستيكي لعنة تخنق الأرض؟

ملايين المبادرات خرجت للحد من استعمال تلك الأكياس لكنها لا تزال تسيطر على الكوكب وتكاد تخنقه

من الصعب للغاية حل تلك المعضلة فما تحبه البيئة لا يبدو عملياً بالنسبة إلى الاستخدام المنزلي (مواقع التواصل)

ملخص

على رغم التحذيرات لا يزال الكيس البلاستيكي يحظى بالشعبية لكنه في النهاية يعود لمقلب القمامة ويكمل دورته المؤذية للمحيط البيئي

بحسب النظرة النسائية تقاس معايير نجاح زيارة السوبرماركت بعوامل عدة قد يكون أبرزها عدد الأكياس البلاستيكية التي تحوي مشتريات، فشهية التسوق على رغم أزمات ارتفاع التضخم لا تزال تمثل مصدراً للبهجة بالنسبة إلى كثيرات، حتى لو سببت تلك الشهية تداعيات سلبية على موازنة العائلة، إذ يثير مظهر الأكياس المكدسة دوماً السعادة في النفوس، ليس فقط بسبب السلع التي بداخلها، سواء ضرورية أو هامشية، ولكن كلما زاد عدد الأكياس تشعر ربة المنزل بأنها حصلت على ثروة، فالأكياس البلاستيكية بعد أن تفرغ تشكل كنزاً منزلياً ليس من السهل التفريط فيه، بل إن هناك ولعاً باقتناء مزيد منها وفرز أنواعها وفقاً لجودتها واستخداماتها المتعددة.

تبدو تلك السلعة البسيطة التي توضع فيها المشتريات ولا يتم احتساب سعرها عادة بمثابة "سند" لربة البيت ومعين لها في الظروف الطارئة حينما ترغب في الاحتفاظ بحاجاتها أو التنقل بها أو إرسالها إلى الآخرين، وتسهم في هذا خفة وزنها وسهولة تخزينها وتنوعها الهائل في الحجم والمتانة والجودة والتصميم.

هذا الغرام الأبدي بالأكياس، لا سيما لدى الأمهات، لا تعكر صفوه عادة دعوات الحد من استخدام هذه الأكياس التي تحتوي على مادة "البولي إيثلين" بكل ما تسببه من أضرار بيئية باعتبارها العدو الأكثر توحشاً لكوكب الأرض، وفي الوقت نفسه الصديق الوفي المتعدد الاستخدامات بالنسبة إلى ملايين العائلات في العالم.

الأكياس تخنق الكوكب

من الصعب للغاية حل تلك المعضلة، فما تحبه البيئة لا يبدو عملياً بالنسبة إلى الاستخدام اليومي المنزلي، بخاصة أن أسعار الأكياس البديلة الصديقة للبيئة بالنسبة إلى الغالبية غير ملائم بالمرة، فسعر الكيس القابل لإعادة الاستعمال عشرات المرات والقابل للتحلل أيضاً يتراوح من دولار إلى دولارين، كما أنه يبدو غير عملي بسبب حجمه وطريقة حمله غير السلسة، وهو غير متوافر أيضاً بصورة كبيرة في المتاجر، في حين أن البلاستيكي المغضوب عليه يحظى بشعبية ويتم الاحتفاظ به، لكنه في النهاية يعود لمقلب القمامة ويكمل دورته المؤذية للمحيط البيئي، حيث يحتاج إلى مئات الأعوام كي يتحلل وهو مصدر رئيس لتلوث البحار والمحيطات والهواء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصل عدد الأكياس المستخدمة في دول الاتحاد الأوروبي عام 2010 إلى 95 مليار كيس، وفي تقرير للأمم المتحدة عام 2018 بلغ عدد الأكياس المستهلكة في العالم نحو 5 آلاف مليار كيس، ما يصلح لإعادة التدوير منها قليل للغاية والبقية تكون عبئاً على البيئة والحياة البحرية، إذ يقضي وصول تلك الأكياس إلى البحار على الشعاب المرجانية، كما أنه يمثل خطراً على صحة الإنسان إذا استخدم في الطعام الساخن، وأيضاً تنبعث جزيئاته الدقيقة في مياه الشرب مما يؤثر في مناعة الإنسان وجودة الأجنة، وفي حال حرقها فهي تنتج سحباً سوداء تفاقم أزمة التغيير المناخي وقبلها الأمراض التنفسية، إضافة إلى تأثيرات وخيمة على جودة الزراعة وصحة الماشية، مما يشكل بدوره تهديداً مباشراً لقوت الإنسان.

وبحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة فإن "البلاستيك يمثل حالياً 85 في المئة من جميع القمامة البحرية، وبحلول عام 2040 ستتضاعف هذه النسبة ثلاث مرات تقريباً لتضيف من 23 إلى 37 مليون طن متري من النفايات في المحيط سنوياً.

مبادرات لا تتوقف

دورة حياة الكيس البلاستيكي تكون أكثر حضوراً في المطابخ، وبعدها تظل تتنقل على كوكب الأرض ولا تذوب أو تنزوي أبداً وكأنها ذات سيطرة أبدية على المناخ، ومع ذلك لا تزال تنتشر بنجاح هائل في البيوت والمطاعم والمؤسسات كافة تقريباً، فمنذ احتراعه في خمسينيات القرن الماضي انتشر بشكل واسع، خصوصاً في السبعينيات والثمانينيات، وكل محاولات الحد من استخدامه تفشل على رغم القوانين الصارمة والتحذير الكثير من مغبة استخدامه.

 

 

لكن ثورة الكيس البلاستيكي في مجال التغليف تحولت إلى لعنة حقيقية، إذ يقول العلماء إن حجم الأكياس الملوثة للبيئة يكفي للف كوكب الأرض برمته عشرات المرات، ويرى رئيس مركز معلومات تغيير المناخ في وازرة الزراعة المصرية محمد علي فهيم أن هوس الاحتفاظ بالأكياس البلاستيكية وإعادة استعمالها يسيطر على جميع المجتمعات تقريباً في أنحاء قارات العالم المختلفة، وهو ليس أمراً خاصاً بالمستهلك العربي، مشيراً إلى أن الأكياس البلاستيكية الصديقة للبيئة تنتج على نطاق ضيق، كما أنها ضعيفة ولا تتحمل الأوزان الكبيرة، وبالتالي لا تلقى رواجاً كبيراً، كما أن الكيس العادي على رغم ضرره الحاد بالبيئة فإنه يشكل خياراً له مميزات عدة، مما يسهم في انتشاره بصورة أكبر، ومن ثم مزيد من التدهور البيئي نظراً إلى صعوبة تحلله، إذ قد يستغرق قروناً كي يندمج مع مكونات الأرض، وهو هنا يختلف في تأثيره عن بقية أنواع المنتجات البلاستيكية التي يمكن وصفها بأنها معمرة لأنها تبقى فترة طويلة قيد الاستعمال المنزلي ولا يتم التخلص منها بالمعدل نفسه. أما الكيس، فبعد عدد معين من الاستخدامات تنتهي به الحال في مكب النفايات ومنه إلى المحارق حيث يلوث الهواء بشكل مباشر، أو إلى مصارف المياه فيتسرب للتربة والمسطحات المائية ويسبب أضراراً بالغة.

صديق البيئة أم عدوها اللدود؟

المفارقة أن ابتكار هذا الكيس الذي يحمل مميزات كثيرة بينها المتانة النسبية وتكرار الاستخدام وخفة الوزن وثمنه الزهيد وسهولة حمله، جاء من الأساس لمحاولة معالجة آثار استعمال الأكياس الورقية التي تبدو للوهلة الأولى غير ملوثة للمحيط وأكثر نظافة بسبب سرعة تحللها، لكن الأوراق تتسبب في قطع جائر لأشجار الغابات، إذ إن هناك عشرات ملايين الأشجار التي تقطع سنوياً من أجل صناعة الورق، إضافة إلى أن عملية تصنيعه تبدو أكثر تلويثاً للكوكب مقارنة بالكيس البلاستيكي المصنوع من مشتقات النفط، إضافة إلى أنه بحاجة إلى حاويات أكبر بسبع مرات تقريباً لنقله كبضاعة نظراً إلى كبر حجمه مقارنة بنظيره البلاستيكي.

 

 

لكن رئيس مركز معلومات تغيير المناخ في وزارة الزراعة محمد علي فهيم يشدد على أن الأمر ليس بهذه القتامة لأن الأوراق المستخدمة حالياً في التغليف معاد تدويرها وتصنع بطريقة أقل تلويثاً للبيئة إلى حد ما، بحيث يتم جمع الأوراق بعد استهلاكها لاستخدامها في تصنيع أخرى جديدة.

على جانب آخر يرد المتخصص في مجال البحوث الزراعية خالد عياد بأن اختفاء الأكياس الورقية التي كانت وسيلة لتغليف البقالة مثل الجبن واللحوم والفواكه قديماً في السوق المصرية يعود لارتفاع سعرها وأيضاً لكونها ليست عملية، مشيراً إلى أن الأوراق المقواة بنية اللون كانت شائعة للغاية، وبعد الأزمات الاقتصادية المتوالية توارت تماماً لتحل محلها نظيرتها البلاستيكية التي تداركت مشكلة كبيرة ولكنها منتج مليء بالعيوب، فهي تؤثر سلباً في جودة التربة ومن ثم النباتات، والأمر نفسه بالنسبة إلى الثروة السمكية، حتى إنها تمثل عبئاً على الملاحة.

وجهة النظر هذه تقود إلى سؤال مباشر "هل الحفاظ على البيئة مكلف سواء بالنسبة إلى الأفراد أو الحكومات؟"، ويجيب المتخصص البيئي محمد علي فهيم بالقول "يجب النظر إلى المدى البعيد، فإذا كان التقليل من استهلاك الأكياس البلاستيكية واستبدالها بأخرى صديقة للبيئة مكلف بعض الشيء للمؤسسات والأشخاص أيضاً، فهو سيكلف مئات الأضعاف في حال الرغبة في التخلص من التداعيات السيئة التي سيخلفها الاستمرار على النهج نفسه في استخدامها.

حلول وبدائل

يشدد فهيم على أنه ينبغي أن تدخل فكرة تدوير المخلفات والبحث عن بدائل للمواد غير قابلة للتحلل في إطار الاستدامة ولا يكون الاهتمام بها موسمياً أو موقتاً، مشدداً على أن هناك دولاً كبرى قطعت أشواطاً في إطار البحث عن مواد صديقة للبيئة، ولكن لا يزال التحدي هائلاً وكبيراً للغاية، فالأكياس البلاستيكية تخنق الكرة الأرضية واستخدامها يجري على نطاق واسع بين جميع الطبقات والفئات في كل دول العالم مهما كانت متقدمة، فالسويد تتباهى دوماً بخطواتها في مجال البيئة والمناخ والاستدامة، حيث تمتلك أكبر مبنى في العالم مصنوع من الخشب، إضافة إلى حافلات النقل الصديقة للبيئة والمجمعات السكنية التي تعتمد على الطاقة المتجددة، فيما المفارقة أن من أهدى العالم الكيس البلاستيكي من الأساس كان سويدي الجنسية وهو المهندس غوستاف تولين الذي كان يعتبر أن استخدامها مراراً وتكراراً يصب في مصلحة البيئة، قبل أن تمر الأعوام وتثقل كاهلها.

 

 

على رغم أن هناك عدداً من المبادرات الأهلية في مصر تشجع على استعمال الأكياس القماشية أو الورقية أو حتى البلاستيكية القابلة للتدوير، لكن الغلبة لا تزال لذلك البلاستيكي العادي، وبشكل عام فالعالم ينتج مليارات الأطنان من البلاستيك، وبحسب ما يؤكد المتخصص الزراعي خالد عياد فإن ما يتم تدويره منها نحو تسعة في المئة، والنسبة المتبقية تهدد الحياة البرية، إذ نجد طيوراً تختنق بالأكياس المنتشرة بطول الكرة الأرضية وعرضها، وكذلك الحياة النباتية وأيضاً الثروة المائية، وبالطبع لدينا في مصر أخطار كبرى في هذا الشأن تهدد نهر النيل، وبالتالي نشأت مبادرات عدة لمحاولة إنقاذه من البلاستيك، ومن بينها "فري نايل" التي تهدف إلى تحرير النهر من النفايات، وبحسب تصريحات مؤسسيها فقد انتشلت بمعاونة المتطوعين عام 2021 نحو 50 طناً من المخلفات، ووصل الكم إلى 120 طناً العام الماضي، ومنذ بداية 2023 وحتى الآن نجحوا في انتشال 130 طناً، واستقطبت المبادرة التي عرفها الجمهور منذ عام 2018 أكثر من 500 ألف متطوع.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة