Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما آثار ترفيع العلاقات الدبلوماسية المصرية - التركية على السودان؟

قد يكون أمراً حاسماً لأنقرة السعي إلى خفض توسع "الدعم السريع" وخلفها قوات "فاغنر" غرب البلاد

لم تترك زيارة أردوغان إلى السودان عام 2017 لدى مصر شعوراً مريحاً خصوصاً بعد إعلان الرئيسين السوداني والتركي عن منشأة بحرية مشتركة على البحر الأحمر (غيتي)

ملخص

جاء الإعلان عن ترفيع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء بين مصر وتركيا متزامناً مع التغييرات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط

جاء الإعلان عن ترفيع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء بين مصر وتركيا متزامناً مع التغييرات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، مما يشير إلى انعكاسات آثارها على المنطقة نظراً إلى أهمية وثقل البلدين، وبذلك تكون قد ختمت عقداً من العلاقات المتوترة بينهما نتيجة أحداث انتفاضة "الربيع العربي" وما صحبها من خلافات تجسدت في استمرار دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "الإخوان المسلمين" الذين اتخذوا من تركيا مقراً لهم مع التزامه حمايتهم، وتطور الخلاف حول دعم الفصائل المتنافسة في الصراع الليبي، وانخراط مصر مع اليونان في النزاع البحري في شرق البحر المتوسط.

وكان تاريخ فوز الرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية موعداً جديداً لإعلان ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والذي بدأ التلميح له خلال السنوات القليلة الماضية حيث نشطت جولات عدة من المحادثات بين المسؤولين من كلا البلدين.

 

وما دفع إلى استئناف العلاقات أيضاً الأزمات الاقتصادية الداخلية وتراجع الدعم الأميركي لمصر، والتحالف بغرض زيادة النفوذ السياسي في المنطقة، لا سيما أن البلدين أكبر قوتين عسكريتين في شرق البحر المتوسط، إضافة إلى الفرصة الكبيرة في إنعاش الاستثمار الاقتصادي في مصر في مجالات الزراعة والتعدين البحري في البحر الأحمر، واستثمار المعادن الكامنة في شرق البحر المتوسط بعد حل النزاع، وأيضاً مجال الإنشاءات في مصر خصوصاً مع التوسع العمراني الجديد واستغلال المساحات الشاسعة بعيداً من الشريط النيلي، إضافة إلى زيادة وتيرة التبادل التجاري الذي لم يتوقف خلال توتر العلاقات، كل هذه العوامل من المرجح أن تغير الديناميات الجيوسياسية في المنطقة ويمكن أن يكون لها أثر واضح في الأزمة السودانية.

ترسبات تاريخية

لا تجمع السودان ومصر وتركيا علاقة ثلاثية واحدة في الوقت ذاته لأسباب بعضها ناتج من ترسبات تاريخية بالنسبة إلى السودان، فحتى عندما حاول السودانيون التغاضي عنها في معرض تقوية العلاقات في السنوات الأخيرة من عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجوب البلدان العربية والأفريقية بما بدا وكأنه يجسد "السلطان العثماني"، وتزامن ذلك مع الدعاية الدبلوماسية واسعة الانتشار بأن تركيا بصدد استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية في ما سماه "ميراث الأجداد"، الممتد من آسيا الوسطى وأعماق أوروبا وحتى جزيرة سواكن السودانية.

وتعود الترسبات إلى حقبة الحكم التركي - المصري على السودان، وكون مصر كانت المركز الذي انطلق منه محمد علي باشا في غزوه السودان، وأدار حكمه من هناك، بعد ضمه السودان إلى مصر عام 1820 خلال الفترة من 1821 إلى 1885، وتبعت التدخل السياسي العسكري آثار اقتصادية ركزت على جمع المال والذهب والرقيق والثروات الزراعية، كما خلخلت النظام الاجتماعي السائد آنذاك، وفي عام 1881 اندلعت "الثورة المهدية" منطلقة من اعتقاد زعيمها محمد أحمد المهدي بأن الأتراك هم الذين اضطهدوا السودانيين وأفسدوا الإسلام.

وهناك أيضاً أسباب أخرى تتعلق بالتنافس حول الموقع الاستراتيجي بالنسبة إلى السودان ومصر، خصوصاً امتداد الحدود الشرقية للسودان ومصر على البحر الأحمر، وشيء من كون البلدين يمثلان نافذة أفريقية - عربية على القارة السمراء، بما يميزهما بالنسبة إلى تركيا عن دول القرن الأفريقي الأخرى، ولم تبد هذه الأسباب وغيرها في الواجهة في أي من الحقب التاريخية الحديثة خصوصاً في عهد أردوغان الذي أتقن الفصل في علاقات بلاده مع مصر والسودان، كل على حدة.

استراتيجية معلنة

وطالما نظرت تركيا إلى السودان على أنه بوابتها إلى القارة الأفريقية، وبوجود حليف استمر في الحكم لمدة ثلاثة عقود، مثل عمر البشير، ذهبت بخطى واسعة في زيادة وجودها الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي في بلدان القارة الأفريقية انطلاقاً من السودان، وأسهم في ذلك تنامي العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والدعم السياسي التركي لرفع العقوبات الأميركية.

وعند زيارة أردوغان إلى السودان في ديسمبر (كانون الأول) 2017 في أول زيارة لرئيس تركي للخرطوم منذ استقلالها عام 1956، حين وقع البلدان 12 اتفاقية في مجالات عدة، إضافة إلى تشكيل "مجلس التعاون الاستراتيجي"، كما قلد البشير الرئيس أردوغان أرفع وسام في البلاد، توجست مصر من هذه العلاقة، خصوصاً مع إعلان الرئيسين السوداني والتركي عن منشأة بحرية مشتركة على البحر الأحمر لإصلاح السفن المدنية والعسكرية، وكانت تركيا قبل ذلك افتتحت أكبر قاعدة عسكرية أجنبية لها في 30 سبتمبر (أيلول) 2017، في مقديشو، الصومال. وفي زيارة الرئيسين إلى جزيرة سواكن على البحر الأحمر، أقدم ميناء سوداني، نشر عمل شركة تركية على ترميم الآثار العثمانية في المدينة العريقة، حيث أعلن الرئيس التركي أن السودان وافق على أن تتولى تركيا إعادة تأهيل جزيرة سواكن وإدارتها لفترة معينة، وبحسب الاتفاق، وافق السودان على تطوير تركيا الجزيرة التي تعد مقصداً سياحياً ومحطة للحجاج في طريقهم إلى مكة، وتضمن الاتفاق بناء مرسى لاستخدام السفن المدنية والعسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر أن هذه الجزيرة استخدمتها الدولة العثمانية مركزاً لبحريتها في البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.

وعد بعض وسائل الإعلام المصرية آنذاك أن العلاقة بمثابة تآمر على بلدهم خصوصاً أنه تبعها إحياء للجدل حول مثلث حلايب، وأخذت الخلافات حول سد النهضة تتعمق. ووصف إعلاميون هذه الخطوة بأنها "انتهاك لقواعد التاريخ والجغرافيا"، وأنها "انتحار سياسي" للبشير، وأن غرض زيارة أردوغان للسودان هو لمضايقة مصر ومحاولة إزعاجها، ووفق ما تمت قراءته من تلك الزيارة امتد القلق المصري إلى دول المنطقة إزاء طموح تركيا واستراتيجيتها المعلنة بتوسيع نفوذها العابر للشرق الأوسط نحو أفريقيا وإعادتها من دولة إقليمية إلى إمبراطورية عثمانية جديدة.

تفضيلات خفية

وبعد اشتعال انتفاضة ديسمبر 2018 سعى أردوغان إلى إقامة علاقات مع القادة العسكريين في السودان وظهر تفضيله الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة على نائبه محمد حمدان دقلو، الذي كان يقوض الجهود الناعمة في المساعدات الإنسانية التي كانت تقدمها تركيا في جنوب دارفور، وكذلك للمحافظة على الاتفاقيات الاستثمارية الموقعة مع البشير، وعلى رغم أن الحكومة الانتقالية أعلنت تحفظها على الاتفاق المتعلق بجزيرة سواكن في نظام البشير، فإن الخارجية التركية ردت على ذلك القرار، الذي تردده وسائل إعلام عن أنه صادر عن المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان بإلغاء اتفاقية "جزيرة سواكن" بين أنقرة والخرطوم، بأنه لا يعبر عن الواقع، كما أن أردوغان واصل في تواؤمه مع الحكومة في موقف أقرب إلى الحياد.

وفي الاتجاه الآخر، وقفت مصر على مسافة واحدة من طرفي النزاع، كما فعلت تركيا، ولكن تفضيلات البلدين الخفية تخضع لعناصر زمنية كانت بانتظار أن تفضي الحكومة الانتقالية إلى نظام حكم ينسجم مع توجهاتهما. وبعد اشتعال الحرب، في 14 أبريل (نيسان) الماضي، أصبح اتخاذ أي موقف مصحوباً بأحكام عليهما، ويمكن أن يحسب عليهما، فظلتا على الحياد ودعت كل منهما طرفي النزاع إلى عقد لقاءات في أنقرة والقاهرة للتفاوض والمصالحة، ولكنهما رفضا.

وبعد تفاقم الأوضاع أصبحت علاقات كل من مصر وتركيا مع السودان تمثل تحدياً، لا سيما مع الاتهامات المتبادلة بين طرفي الصراع ومحاولات حصر البرهان ودقلو، كل منهما الآخر، في نمط انتماء معين سواء بالموالاة للنظام السابق والتيار الإسلامي، أو للأطماع الروسية متمثلة في قوات "فاغنر"، فإذا أيدت تركيا الجيش ستتصاعد تهم محاباة الإسلاميين، ولكن في حالة مصر فإن تأييدها الجيش يعد تعاملاً مع قوات منظمة تضمن استقرار حدودها الجنوبية، وبنظرة أوسع تساعدها في تأمين مياه النيل، إذا حدث أي احتكاك مع إثيوبيا حول سد النهضة، وهذا لا يعني أن تأييد أي منهما قوات الدعم السريع بعيد الاحتمال، ولكنه يعتمد على تشبيك علاقات القوات مع دول أخرى ذات ضمانات معينة، وعموماً، فإن قائد قوات الدعم السريع وصف بالبراغماتية، وهو الوصف نفسه الذي أزجي على أردوغان حين أسهم في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وأصبح شعاره في مواصلة الحرب هو تخليص السودان من الإسلاميين الذين حكموا ثلاثة عقود، وتسهيل عملية التحول الديمقراطي.

مفتاح التقارب

من المرجح أن تؤدي العلاقة المتجددة بين مصر وتركيا أكبر قوتين عسكريتين في شرق البحر المتوسط إلى تغيير الديناميات الجيوسياسية في المنطقة ويمكن أن تحل المشكلات الرئيسة المتعثرة أو تعقدها، وعلى ذلك، قد يكون في هذا التقارب مفتاحاً لحل الأزمة السودانية، ولكن يعتمد على من يحكم الدولة السودانية وستعمل كل منهما على منع توغل الأخرى في السودان، إذ إن لكل منهما مشاريعها المهمة التي حتى لو تعطلت إلى حين، فإن إحياءها سيكون حاضراً، ولكن في الوقت الحالي سيكون اهتمامهما بما يجري في السودان مشوباً بالحذر والترقب، وبالنسبة إلى تركيا فقد يكون أمراً حاسماً لها السعي إلى خفض توسع قوات الدعم السريع وخلفها قوات "فاغنر" غرب البلاد بما يمكن أن يزيد التهديدات بالتحامها مع الصراع الليبي.

المزيد من تحلیل