Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفضي الانتخابات المحلية في العراق إلى تغيير خريطة القوى المسيطرة؟

"غالبية التيارات المعارضة ستشترك انطلاقاً من فكرة تقديم نموذج خدمي وإداري بالمحافظات لتوسيع قواعدها الجماهيرية"

بعد مقاطعة واسعة من قبل عديد من التيارات والقوى للانتخابات البرلمانية السابقة يبدو أن غالبية تلك القوى لم تعد تخفي رغبتها في الاشتراك في الانتخابات المحلية (أ ف ب)

ملخص

"عدم اشتراك التيار الصدري في الانتخابات المقبلة ربما سيمكن القوى المدنية من استقطاب كثير من مؤيديه نحوها"

كثفت القوى المدنية والمعارضة نشاطها في العراق خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً مع اقتراب الموعد المفترض للانتخابات المحلية، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، في مسعى منها لشغل حيز أكبر في الحراك السياسي في البلاد ومزاحمة قوى "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الموالي لإيران، في ظل غياب التيار الصدري عن المشهد السياسي.

وضمن أولى الخطوات في مسار ربما يكون الأعقد بالنسبة إلى تلك القوى، اجتمعت الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة إضافة إلى القوى الناشئة من انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لإنشاء تحالف انتخابي يجمع كل تلك القوى تحت اسم "قوى التغيير الديمقراطية"، وكانت تلك القوى قد أنجزت تشكيل تحالفها الانتخابي، في 23 يونيو (حزيران) الماضي، وضم التحالف عديداً من التيارات والأحزاب المعارضة، وعلى رأسها "الحزب الشيوعي العراقي" و"حزب البيت الوطني" والنائب المستقل في البرلمان العراقي سجاد سالم وحركة "نازل آخذ حقي" وغيرها من القوى والأحزاب.

نقطة انطلاق

وبعد مقاطعة واسعة من قبل عديد من التيارات والقوى المدنية للانتخابات البرلمانية السابقة، يبدو أن غالبية تلك القوى لم تعد تخفي رغبتها في الاشتراك في الانتخابات المحلية، إذ يعتقد مراقبون أن ما حفز هذا الحراك هو الاعتماد على حال النقمة الشعبية على قوى "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الحاكم، فضلاً عن شعور القوى المدنية بإمكانية ملء الفراغ الذي خلفه انسحاب التيار الصدري.

ورأى عضو المكتب السياسي في "الحزب الشيوعي العراقي" ياسر السالم أن الانتخابات المقبلة ستمثل "نقطة انطلاق نحو لملمة القوى الديمقراطية المعارضة لمنظومة المحاصصة والفساد". أضاف "لا يمكن القول إنها ستغير الخريطة، ولو بغياب التيار الصدري، إنما ستشكل نتائج القائمة المدنية الديمقراطية عنصر مفاجأة لقوى السلطة".

ولعل ما تعول عليه تلك القوى، خلال الانتخابات المقبلة، هو "فشل السلطة والكتل الداعمة لها في معالجة أزمات البلاد"، بحسب السالم الذي لفت إلى أن "الإخفاقات الكبيرة التي ترتكبها قوى السلطة، في سعيها نحو الهيمنة المطلقة على مقدرات البلاد"، ستدفع بقوى شعبية واسعة نحو التصويت لقوى المعارضة.

وعلى رغم حال التفاؤل التي تسود أجواء القوى المعارضة فإن المنافسة لن تكون سهلة، كما عبر السالم، الذي أشار إلى أن "امتلاك الطرف الآخر السلطة والمال السياسي والتنظيمات المسلحة سيمثل التحدي الأكبر لنا".

ويعتقد مراقبون أن عدم اشتراك التيار الصدري في الانتخابات المقبلة ربما سيمكن التيارات المدنية المعارضة من استقطاب كثير من مؤيديه نحوها، وبين السالم أن خيارات الجمهور "ستكون محدودة بين قوى السلطة وقوائم المعارضة المدنية الديمقراطية".

وفي شأن احتمال اتخاذ تلك التيارات خيار المقاطعة من جديد، قال السالم إن هذا الخيار "غير مطروح الآن" في أجواء القوى المدنية والديمقراطية على رغم التفاوت الواضح في الإمكانات.

غياب المعادل السياسي

ويبدو أن ما حفز تلك القوى على عدم اتخاذ خيار مقاطعة الانتخابات المحلية المقبلة هو عدم امتلاكها أدوات أخرى في الصراع السياسي، خصوصاً مع مواجهة الاحتجاجات بقسوة من قبل السلطة والميليشيات المسلحة الداعمة لها، والملاحقات وعمليات الاغتيال التي طاولت عديداً من الناشطين خلال العامين الأخيرين.

وعلى رغم الحماسة الشديدة التي تظهرها تلك القوى في مساعيها إلى الحصول على تمثيل انتخابي واسع، رأى رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري أن عوامل عدة ستقف في طريق تحقيق هذا الهدف، على رأسها "امتلاك القوى التقليدية الممسكة بالسلطة خبرة أكبر في التعاطي مع ملف الانتخابات، خصوصاً ما يتعلق بصياغة قوانين انتخابية تتطابق مع حدود نفوذها ومساحتها الجماهيرية"، وإضافة إلى ذلك تحاول قوى السلطة "إخضاع مفوضية الانتخابات للمحاصصة"، الأمر الذي سيسهم بشكل واضح في "عدم تغيير الخريطة الانتخابية". وتابع الشمري أن القوى التقليدية "لا تزال تمسك بموارد الدولة وتوظفها لصالحها فضلاً عن امتلاكها المال السياسي والسلاح والجمهور الحزبي المنظم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي شأن استمرار مقاطعة التيار الصدري الحراك السياسي، رجح الشمري أن تستمر هذه المقاطعة خصوصاً مع تركيز قيادات التيار على الانتخابات البرلمانية، لافتاً إلى أن التيار "ما زال يعول على أن الضمانات التي تم توقيعها من قبل أطراف تحالف إدارة الدولة لإنهاء عمل الحكومة بعد سنة ونصف السنة قد تعيده إلى الواجهة من جديد".

وعلى رغم خيار التيار الصدري بالمقاطعة فإن هذا الأمر لا يعني "إفساح المجال لقوى الإطار التنسيقي في السيطرة المطلقة". ولفت الشمري إلى أن التيار "ربما سيدعم بعض المقربين منه بشكل غير رسمي، أو حتى بعض الأحزاب الناشئة"، لقطع الطريق على القوى التقليدية من الاستحواذ المطلق على الحكومات المحلية.

توسيع القواعد الشعبية

وتشمل الانتخابات المحلية المقبلة 15 محافظة من بينها كركوك، بعد آخر انتخابات محلية جرت في عام 2013، وتعتمد نظام الدائرة الانتخابية الواحدة بصيغة "سانت ليغو" بدلاً من الدوائر المتعددة الذي كان معمولاً به خلال الانتخابات التشريعية الماضية، الأمر الذي اعترضت عليه "قوى التغيير الديمقراطية"، معتبرة إياه "تجاوزاً للدستور وقيم الديمقراطية".

في السياق استبعد عضو "تحالف قوى التغيير الديمقراطية" مهتدى أبوالجود أن تشهد الانتخابات المحلية المقبلة مقاطعة واسعة كما حصل في الانتخابات البرلمانية السابقة، مشيراً إلى أن غالبية التيارات المعارضة للسلطة ستشترك انطلاقاً من فكرة "تقديم نموذج خدمي وإداري في المحافظات، لتوسيع قواعدها الجماهيرية تمهيداً للانتخابات التشريعية المقبلة".

وينصب تعويل قوى المعارضة في العراق على "النقمة الشعبية المتزايدة" التي بالإمكان أن تثمر عن "توجيه الناخبين نحو الانتقام من قوى الإطار التنسيقي"، بحسب أبوالجود الذي بين أن انسحاب التيار الصدري من الأجواء السياسية ربما يسهم في "توجه عديد من مؤيديه إلى انتخاب قوائمنا".

في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي إن إشكالية القوى المدنية تتمثل في كونها "لا تزال ضعيفة من ناحية التنظيم والقدرة على إقناع الجمهور على رغم امتلاكها غالبية جماهيرية"، مبيناً أن غياب "الهيكلية التنظيمية للبرامج السياسية لتلك التيارات واعتمادها فقط على فكرة معارضة قوى السلطة تمثل الإشكال الأكبر بالنسبة إليها".

ويمثل غياب التيار الصدري "فرصة ذهبية" بالنسبة إلى القوى المدنية في ما لو "استغلتها بشكل جيد"، بحسب الهيتي الذي أشار إلى أن "النقمة الجماهيرية على قوى الإطار التنسيقي وعدم وجود بدائل في الساحة السياسية في الوقت الحالي يمثلان ركيزتين لا بد للقوى المدنية من استغلالهما".

ولعل الإشكالية الكبرى التي ستواجه القوى الناشئة في الانتخابات المحلية المقبلة هي "اعتماد التيارات الإسلامية والجماعات المسلحة على قوى ظِل تحمل عناوين مدنية لتشتيت أصوات معارضي السلطة"، واستبعد الهيتي أن تحصل القوى المدنية على تمثيل كبير خلال الانتخابات المحلية، مبيناً أن مجرد اشتراكه سيمثل "أداة تستفيد منها قوى الإطار التنسيقي في إعطاء انطباع للمجتمع الدولي أن البلاد تتمتع بديمقراطية". وتابع أن أي انتخابات في ظل سطوة قوى السلاح والفساد لا تمثل سوى "قضية شكلية" و"شهادة بأن النظام السياسي ديمقراطي على رغم بعده عن القيم والقواعد الديمقراطية".

المزيد من تقارير