Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القضاء العراقي يدين ضابطا بقتل المتظاهرين فهل يلحقه قادة؟

مراقبون يتحدثون عن "بعد دولي" وضلوع قوى سياسية رئيسة في الملف يعرقل إمكان حسمه بشكل تام

إدانة ضابط عراقي بقتل المتظاهرين تفتح ملف الملاحقات القضائية للمتورطين (رويترز)

ملخص

لا يقتصر تاريخ الضابط المدان على التعامل الوحشي مع المحتجين، إذ يحتوي سجله على اتهامات بارتكاب انتهاكات جسمية بحق مدنيين في مدينة الموصل أثناء المعارك مع تنظيم "داعش"

بعد إصدار القضاء العراقي حكماً بالسجن المؤبد في حق ضابط دين بتهمة قتل متظاهرين خلال انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كانت حملة الملاحقات القضائية ستمتد إلى المسؤولين الرئيسين المتهمين بقضايا قتل المحتجين، أم إنها ستقتصر على شخصيات ثانوية.

ويعد هذا الحكم هو الثاني من نوعه في فترة حكم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، بعد حكم بالإعدام صدر بحق منتسب أمني دين بعملية اغتيال الباحث العراقي البارز هشام الهاشمي.

وطالبت منظمات حقوقية دولية بفتح تحقيق في قضية الضابط المدان على خلفية اتهامات بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء المعارك مع تنظيم "داعش"، فضلاً عن ذكر اسمه في تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول حالة حقوق الإنسان في العراق عام 2022.

ويرجح مراقبون أن يكون البعد الدولي للقضيتين هو الذي دفع الحكومة العراقية إلى التعجل بحسمهما، خصوصاً مع محاولات السوداني إعطاء انطباع للمجتمع الدولي بأنه ماض بالإيفاء بكل تعهداته.

وكانت محكمة استئناف محافظة ذي قار، في الـ25 من يونيو (حزيران)، حكمت بالسجن المؤبد في حق الضابط في قوات الرد السريع المقدم عمر نزار، على خلفية ما عرف حينها بـ"مجزرة الزيتون" في مدينة الناصرية.

وتعد "مجزرة الزيتون" واحدة من أكبر عمليات القمع الممنهج التي مارستها قوات أمنية في حق متظاهري الانتفاضة العراقية، في الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، مخلفة عشرات القتلى ونحو 250 جريحاً.

تاريخ دموي

لا يقتصر تاريخ الضابط المدان على التعامل الوحشي مع المحتجين، إذ يحتوي سجله على اتهامات بارتكاب انتهاكات جسمية بحق مدنيين في مدينة الموصل شمال العراق أثناء المعارك مع تنظيم "داعش".

وكانت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، نشرت تقريراً مفصلاً، في مايو (أيار) 2017، يحتوي على لقطات مصورة من المصور العراقي علي أركادي الذي رافق مجموعة نزار ضمن فرقة الطوارئ التابعة لوزارة الداخلية العراقية.

واشتملت المواد المصورة على عمليات قتل متعمد وتعذيب ومحاولات اغتصاب اقترفها جنود وضباط فرقة الطوارئ في مدينة الموصل.

وفي فبراير (شباط) 2022 نشرت "هيومن رايتس ووتش" تقريراً مع انطلاق إجراءات محاكمة نزار، قالت فيه إن القضية "لا تقتصر أهميتها على كونها إحدى الحالات القليلة التي تلاحق فيها السلطات ضابطاً أمنياً كبيراً لارتكاب جرائم ضد المدنيين، بل هي مهمة أيضاً لأن الحكومات السابقة تقاعست عن التحرك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت المنظمة إلى أنه في عامي 2016 و2017، "اندمج المصور الصحافي الكردي علي أركادي مع فرقة الرد السريع خلال المعارك ضد داعش في الفلوجة والموصل. وفي مايو (أيار) 2017، وبعد فراره من البلاد، نشر أركادي صوراً ومقاطع فيديو تظهر على ما يبدو أعضاء من الفرقة، بمن فيهم نزار، يرتكبون انتهاكات. إلا أن هذه المنشورات ليست موضوع التحقيق الحالي".

وكانت قوات الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية، قالت حينها إن التحقيقات أثبتت عدم تورط نزار بتلك الأفعال.

وعلى رغم المطالبات الدولية بفتح تحقيق بقضية نزار إلا أنه ظهر إلى الواجهة مرة أخرى كقائد لإحدى مجموعات قوات الرد السريع المكلفة التعامل مع التظاهرات في مدينة الناصرية، وهي القوة التي أظهرتها المقاطع المصورة وهي تطلق النار على المحتجين في ما عرف بـ"مجزرة الزيتون".

الحشد الشعبي يدافع عن نزار

وعلى رغم إصدار القضاء العراقي حكماً بإدانة نزار لم تمض سوى ساعات قليلة على النطق بالحكم حتى بدأت شخصيات تحمل صفة رسمية في "الحشد الشعبي" بالطعن به، إذ وصف مدير إعلام الحشد الشعبي مهند العقابي المدان بأنه "مغوار وشهم (...) ووطني حد انقطاع النفس".

وتابع في تغريدة على "تويتر" أن الجريمة نسبت إليه "زوراً"، فيما وصف الاتهامات والاعترافات بأنها "كيدية".

ويفتح الحكم الأخير بحق نزار باب التساؤلات في شأن إمكان محاكمة مسؤولين بارزين في الدولة العراقية وقادة ميليشيات موالية لإيران متهمين بشكل مباشر في عمليات قمع وحشية لا تقتصر على "انتفاضة تشرين" فحسب، بل تعود حتى الأعوام الأولى للغزو الأميركي للبلاد.

ويقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة "غالوب الدولية" منقذ داغر إن ما يجري في قضية قتل المحتجين يشبه تماماً ما يجري في حسم ملفات الفساد في البلاد، وهو "التضحية بالأسماك الصغيرة لكي تبقى الحيتان بعيدة من الصخب والإعلام والرأي العام".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن "تقديم أكباش فداء بات سمة دائمة للنظام العراقي، خصوصاً في الفترات التي يحتاج فيها إلى صرف نظر الرأي العام عن قضايا أكبر".

في المقابل يرى الكاتب والصحافي رضا الشمري أن مطالبات منظمات حقوقية دولية بمحاسبة نزار هو الذي "حفز حكومة السوداني على تحريك هذا الملف قضائياً"، مبيناً أن اتجاه الحكومة لإدانته وسجنه ربما يؤشر لرغبتها في "المغازلة أو الانصياع لشروط معينة لتعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي".

ويتابع الشمري أن ملف ضحايا التظاهرات بات "غير فعال شعبياً"، إذ لم تفكر أي من الحكومات في أوج الأزمة بإغلاقه أو اتخاذ إجراءات حازمة في هذا الشأن، مرجحاً أن تكون غاية السوداني "استخدام الملف والإدانات للشخصيات الهامشية، كإنجاز لحكومته التي لطالما روجت لنفسها بأنها حكومة إنجازات من دون سجل حقيقي يدعم هذه الدعاية".

ويستبعد الشمري أن تقدم الجهات المعنية بملف ضحايا الاحتجاجات على "أية ملاحقات جادة لمخططي ومصدري أوامر القتل"، مشيراً إلى أن "الالتفاف على القانون وتبرئة نزار أو غيره أو العفو عنهم أقرب من إمكان الإقدام على خطوات أكبر".

ويختم الشمري أن "هناك شواهد عدة على الالتفاف على الأحكام بعد تسجيل مكاسب سياسية، إذ ألغيت الأحكام ضد مدانين بقتل المتظاهرين بعد صدورها والانتفاع منها في الدعاية، كما تم العفو عن تجار مخدرات بأوامر رئاسية فقط بسبب صلاتهم بمسؤولين ثانويين مثل محافظ النجف السابق وغيره".

ليس إنجازاً للسلطة

على رغم ابتهاج ذوي الضحايا والناشطين بالحكم الصادر بحق نزار، إلا أن سقف توقعاتهم لا يبدو مرتفعاً في شأن استمرار عملية ملاحقة المتهمين بقتل المحتجين.

ويعتقد الناشط علاء ستار أن ما يدفع الرأي العام العراقي لعدم التفاؤل بعد سلسلة الإدانات الأخيرة التي طاولت العناصر المنفذة لعمليات القتل هو كونها "لم تأت ضمن سياق عام تمضي به السلطة لإقرار العدالة وإنهاء مسيرة الإفلات من العقاب"، مبيناً أن ما جرى هو إدانة شخصين في قضية راح ضحيتها آلاف المحتجين.

ويتابع أن "ما تحقق بمحاكمة هذه الشخصيات الثانوية لا يعد إنجازاً للسلطة، بل جاء نتيجة حملات شعبية لشباب عراقيين حصلوا بالصدفة على أدلة تدين شخصيات منفذة لعمليات الإعدام الميداني التي طاولت الشباب في 2019 وما بعدها".

ويؤكد ستار أن ما يجري لا يمثل سوى "دعاية سياسية لا قيمة لها"، بخاصة أن تلك الملاحقات القضائية "لن تطاول سوى الشخصيات الثانوية والمنفذين الميدانيين لعمليات القتل"، مبيناً أن "كثيراً من اللجان الحكومية تشكلت خلال السنوات الماضية، وأبرزها لجنة تقصي الحقائق التي شكلت منذ ثلاث سنوات وإلى الآن لم تعلن نتائجها".

في المقابل يقول الكاتب والصحافي ياسر السالم أن "ضلوع قوى سياسية رئيسة في ملف قتل المتظاهرين هو الذي يعرقل إمكانية حسمه بشكل تام"، مبيناً أن ما يجري يمثل "محاولات لإغلاق هذا الملف من خلال أحكام قضائية على المنفذين الميدانيين من دون التطرق إلى من يقف خلفهم".

ويشير إلى أن اللجنة التي شكلها السوداني "لم تكشف حتى الآن عن أية خطوات على رغم تقديم عشرات الناشطين شهادات لها"، لافتاً إلى أنها "لم توضح حتى الآن ما الذي تفعله وما الاستنتاجات التي توصلت إليها في هذا الملف".

ويرى حقوقيون أن إدانة نزار في السياق القانوني تعني ضرورة التحقيق مع بقية أطراف الجريمة، خصوصاً أن إطلاق النار تم من جانب عدد كبير من المنتسبين الأمنيين.

المزيد من العالم العربي