Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الكميونات"... عندما تجري الحكمة في شوارع لبنان

عبارات الخط العربي مرسومة بأبهى الألوان على الشاحنات تجسد أطرف العادات اللبنانية

ملخص

شاحنات لبنان "منصات متنقلة" في الطرق والشوارع

لكل مدينة حول العالم قصة تعبر عنها شوارعها وجدرانها وأبنيتها وحتى ناقلاتها بطريقة فنية إبداعية، ففي عاصمة الضباب لندن يعد رسم "الغرافيتي" من أبرز فنون الشوارع المشهورة، إذ تميز الفنان البريطاني المجهول الهوية "بانكسي" بأعماله الفنية التي تحمل غالباً رسائل ضمنية عن القضايا التي تشغل العالم.

أما في لبنان، فتنتشر الشاحنات الكبيرة الملونة على الطرقات والمزينة بعبارات متنوعة سواء كانت من تأليف أصحابها الخاص، أو استخداماً لأمثلة شعبية معروفة، أو حتى جمل سائرة ذات معنى عام، وأخرى مستوحاة من النصوص الدينية، تعبر عن حال أصحابها وكأنها رسائل متنقلة على الطرقات، وعلى رغم أنها تمر بشكل بديهي كل يوم فإن قلة من الناس يدركون معانيها.

مغامرات الطريق

تروي المصورة فلك شوا صاحبة كتاب "محروسة فن لبنان في الشارع"، في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية"، عن مغامراتها المشوقة التي دامت أربع سنوات في تتبع الشاحنات بجميع المناطق والمدن اللبنانية لتوثيق الخط العربي الجميل والتصاميم المرسومة بأبهى الألوان.

 

 

وتستذكر شوا بداية رحلتها مع ملاحقة الشاحنات والمعروفة في لبنان باسم "الكميونات" قائلة "بدأت مشواري مع صديقي حسام الذي كان بمثابة المرشد وكنا نبدأ يومنا باحتساء القهوة لنقرر في لحظتها ما إذا كنا نريد السير شمالاً أو جنوباً، وفي طريقنا، نبدأ بملاحقة كل شاحنة وهي إما تسيرنا إلى أمكنة لا نعرفها أو نضطر أحياناً إلى ملاحقتها مثل الزوجة التي تشك بخيانة زوجها"، لافتة إلى أن "هناك كثيراً من المغامرات التي حدثت بمجرد الملاحقة مثلاً عندما تتعطل السيارة فجأة ونضيع من بعدها مسارنا".

شاحنة نظيفة

وعن نشأة فكرة كتابها، تشير المصورة اللبنانية إلى أنها كانت تبحث عن "الشاحنات النظيفة لأنها تحسن من جودة الصورة ولكن لم يكن هناك أي خطة أو هدف من ذلك"، مستذكرة "رأيت شاحنة نظيفة ومغسلة في إحدى المرات في منطقة البقاع (شمال شرقي لبنان) ورحت أصورها، إلا أنه ما لبثت أن خرج لي رجل مسن من نافذة منزله وسألني لماذا أقوم بالتصوير وشرحت له أنني أوثق هذه الأحداث، وكانت لفتة جميلة قررت من خلالها إنشاء هذا الكتاب".

البحث عن الخطاطين

وعن لقائها مع الخطاطين، تحكي شوا كيف لفت انتباهها التوقيع باسم "يونس" تحت كل رسمة أرزة، أما في الشاحنات القديمة، فتقول "كنت أرى توقيعاً باسم "علي"، وكلاهما يضعان رقم هاتفهما، بالتالي، صممت أن أبحث عن علي ويونس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت شوا "عندما تعرفت على يونس اتضح لي أنه الخطاط علي يونس بنفسه، فرحت كثيراً ثم راح يخبرني كيف كان أصحاب الشاحنات يقصدونه لموهبته وعند الانتهاء من رسمته يقوم بالتوقيع باسمه، إلا أن اسمه أصبح مشهوراً مع ازدياد الطلب، وقرر حينها أن يوسع نشاطه ويفتح متجراً خاصاً به كخطاط وأطلق عليه اسم يونس"، مشيرة إلى أنه "ما يميزه هو بساطته فهو ليس في حاجة إلى جهاز ولا إلى الرسم بالرصاص، إذ يباشر عمله بالرسم الفوري".

وعن أكثر عبارة أو مقولة أثرت في شوا هي "رضاك يا أمي"، معتبرة أن "هذه العبارة كلنا نتفق عليها، بخاصة أن أعز شيء في الدنيا الأم"، لافتة إلى أنها "ألهمتني كثيراً لأبدأ بها كتابي كافتتاحية مباركة بخاصة أنني فقدت والدتي".

 

 

ولفتت المصورة إلى أن "فكرة هذا العمل جاءت لتسليط الضوء على الجانب الإيجابي للبنان، إذ إن البلد لديه الكثير ليعطي، والناس مميزون بالفعل، ولديهم طاقات هائلة"، لافتة إلى أن "كلمة "محروسة" الموجودة على أغلب "الكميونات" جزء من عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا.

وأشارت المصورة اللبنانية إلى أنها أرادت أن تنقل هذه التجربة إلى العالمية مع ترجمة الكتاب إلى الإنجليزية، وتريد من الأجانب أن يفقهوا هذه العبارات ويتعرفوا على الجانب الطريف والمرح في هذا البلد، لا سيما أن كثيرين "عندما يمرون بجانبها كانوا يعتقدون أنها شيء من الدعاية المتنقلة على الطرق".

قصة جعفورة

جولة على شوارع وطرق المناطق اللبنانية لتتبع تلك الشاحنات والاستماع إلى قصص وروايات أصحابها، إذ التقينا بداية علي جعفر، البالغ من العمر 44 سنة، وهو من بعلبك- الهرمل في البقاع الشمالي، حيث شرح لنا حكايته مع شاحنته الملقبة بـ"جعفورة" بحيث كان يضع وسادات عدة على مقعده ليتمكن من رؤية الطريق عندما كان في الـ16 من عمره".

 

 

ويقول جعفر "دلوعتي تعود لأسطول عشائري، لذلك تنضوي تحت لقب منسوب لعشيرة آل جعفر (وهي من عشائر البقاع الشمالي في لبنان ومعروف عنهم تسلحهم خارج نطاق الدولة".

وعن السبب وراء اختياره للعبارات، يوضح أنه يعتبر كل مقولة بمثابة شرائع يسير بها، فمثلاً عن خيانة الأصدقاء "كلب صاحب ولا صاحب كلب.. للوفاء عنوان"، وكذلك "تمشي وتدلع والرب حاميها"، و"عين الحسود تبلى بالعمى"، أما في الخلف وصية لوالدي "لا تسرع يا بابا فالموت أسرع".

سيارتي أمورتي

ومن أطرف الروايات هي عندما يظهر أصحاب الشاحنات تعلقهم بمركباتهم إذ يلقبونها بأسماء طريفة وكأنها حبيبتهم، وفي السياق، يشير عبدالمولى، البالغ من العمر 24 سنة، وهو من منطقة كفر زبد بمحافظة البقاع، إلى أنه اختار أن يطلق على شاحنته لقب "أمورتي" لأنه يعتبرها مثل "زوجته" التي ترافقه أينما ذهب.

وعن عبارة "ليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب" الموجودة على شاحنته فقال عبدالمولى "هنا أتكلم مع الله وأتمنى أن يكون راضياً عني دائماً"، وكذلك عبارة "لا تعش على انتظار أحد" التي يقصد بها أن الحياة لا تنتظر أحداً في الوقت الذي تروي فيه قصة حياتنا.

أكسسوارات وزينة

إضافة إلى الرسومات والخط العربي، فإن معظم أصحاب الشاحنات يقومون بتزيين مركباتهم بالأكسسوارات التي تحمي من العين أو الحسد مثل الخرزة الزرقاء، موضحين أنهم في حاجة لهذه الأشياء، بخاصة أنهم يعرضون حياتهم للخطر إذ يمضون معظم أوقاتهم على الطرق والتنقل لمسافات كبيرة وأحياناً يذهبون براً إلى الدول المجاورة ومنها سوريا.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي