ملخص
خلال فترة الثمانينيات كانت مصر تزرع قرابة مليوني فدان وتراجعت لتصل إلى 120 ألف فدان فقط خلال السنوات الأخيرة.
قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام كان القطن المصري أو "الذهب الأبيض" علامة مميزة للزراعة في مصر القديمة، حيث اكتشفت بذوره داخل إحدى مقابر طيبة، وانتشرت زراعته في العصور البطلمية والرومانية، إذ كانت مصر تصدر المنسوجات القطنية إلى روما وقتها، ولجودة ما تنتجه من محصول القطن الملقب بـ"ملك المحاصيل" منحت هذه النبتة مصر فرصة كبرى للمنافسة عالمياً من خلال تصدير الأقطان "طويلة التيلة" لعديد من البلدان، ومع مرور الوقت بات القطن أحد مصادر الدخل القومي للبلاد.
وتطورت زراعة القطن على مدار مئات السنين وصولاً إلى عهد محمد علي باشا، ففي عام 1820 ميلادياً تم اكتشاف نبتة القطن بالمصادفة، عندما رأى المهندس الفرنسي "جوميل" شجرة قطن مزروعة في أحد البيوت المصرية كنبات زينة وأعجب بمواصفات تيلته وتم إنتاج ثلاث بالات من القطن، وبيعت في فرنسا بأسعار مرتفعة. وشجع ذلك محمد علي باشا على استيراد أجود أنواع بذور القطن، وزراعتها في مصر، الأمر الذي أدى إلى سرعة انتشار هذا النوع الجديد الذي بلغ إنتاجه عام 1823 نحو 30 ألف قنطار وانتهت زراعة الصنف القديم المعروف باسم البلدي عام 1832، شهدت مساحات الأراضي المخصصة لزراعة القطن توسعاً كبيراً سواء في الوجهين القبلي والبحري.
وخلال العقود الأربعة الأخيرة تعرض القطن المصري لأخطاء أدت إلى تراجع المساحات المزروعة منه ودخول سلالات غريبة خلاف تلك التي تميزت بها مصر، حيث ارتبكت زراعة "الذهب الأبيض" وزادت الأمور تعقيداً باستيراد أصناف "منزوعة البذور" أثرت على الأصناف المصرية وأدت لتقلص مساحات الأراضي لصالح زراعات صيفية أخرى أكثر ربحية مثل الذرة والرز وغيرهما.
وتراجعت مساحة الأراضي المنزرعة بالقطن في مصر خلال فترة السبعينيات والثمانينيات إلى نحو مليوني فدان، ومع بداية التسويق الحر للقطن بالقانون 210 لعام 1994 وانتهاء التسويق التعاوني ودور الدولة في تسويق المحصول ودخول القطاع الخاص، تقلصت المساحة تدريجاً حتى وصلت في موسم 2016 إلى نحو 132 ألف فدان وهي أقل مساحة في التاريخ القطني بمصر.
ويعد من أبرز أسباب تدهور زراعة القطن طويل التيلة وانصراف المزارعين عنه، غياب آليات التسويق والسعر الاسترشادي ولجوء مصانع النسيج لاستيراد الأقطان من الخارج لرخص ثمنها وإهمال الدولة تطوير صناعة النسيج، فضلاً عن اختلاط الأنواع وظهور أصناف "هجين" لا تصلح للتصدير.
أزمات التسعير والاستيراد
يقول حسين أبو صدام نقيب عام الفلاحين المصريين، إنه خلال فترة الثمانينيات كانت مصر تزرع قرابة مليوني فدان وتراجعت لتصل إلى 120 ألف فدان فقط خلال السنوات الأخيرة لصالح المحاصيل المنافسة وهو ما مثل انتكاسة لزراعة القطن.
وأشار في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن الدولة بدأت، أخيراً، في تشجيع الفلاحين على زراعة القطن بتحديد "سعر ضمان" لشراء القنطار مع توفير التقاوي اللازمة للزراعة وهو ما أسهم في ارتفاع مساحة الأراضي لتصل إلى قرابة 350 ألف فدان، ثم تراجعت المساحة مرة أخرى إلى نحو 250 ألف فدان، مرجعاً الانخفاض الأخير لحدوث اختلاط في الأقطان ما بين الوجهين القبلي والبحري، حيث اختلطت البذور ونتج منها ظهور أقطان لا هي طويلة التيلة ولا قصيرة التيلة بالتالي فشلت محاولات تصديرها للخارج.
وتابع "الأزمة اكتملت باستيراد مصانع النسيج الأقطان قصيرة التيلة من الخارج بأسعار أقل من المعروضة للمنتج المحلي، بل اتجهت المصانع لتحويل معداتها إلى تلك المخصصة للقطن قصيرة التيلة، وهو ما أدى إلى تراجع الطلب على الأقطان المصرية لتظهر أزمة في التسويق تسببت في تراكم المحصول المحلي، واضطر الفلاحون للتوقف عن زراعة القطن لفترات، في ظل عدم اهتمام من الدولة بمحصول القطن والتوجه لزراعة محاصيل أكثر ربحية مثل الرز والذرة الصفراء وغيرهما".
نقيب فلاحين مصر أكد أن ابتعاد المزارعين عن المحصول لفترة، أفقد مصر خبرات كثيرة في هذا المجال، ومع التراجع الشديد ووصول المساحة المزروعة إلى 120 ألف فدان فقط، بدأت الدولة الاهتمام وأنشأت عدداً من المحالج وزادت مساحات الزراعة وصولاً إلى عام 2023 حيث ارتفعت أسعار القطن المحلية بسبب كلفة الزراعة ومشقتها في حين انخفضت الأسعار عالمياً وهو ما سبب خسائر كبيرة للمزارعين، حيث ربطت الحكومة سعر شراء المحصول المحلي بالسعر العالمي الذي يعاني الانخفاض أخيراً، ليتجه المزارعون للمحاصيل الأخرى مثل الحبوب والخضراوات، التي يمكن تسويقها محلياً بدلاً من القطن المقتصر على التصدير فقط.
مطالب عادلة
يوضح حسين أبو صدام، أن الحكومة وضعت سعر ضمان كحد أدنى لشراء القنطار من الفلاحين بنحو 5400 جنيه (175 دولاراً أميركياً) ويتم البيع بنظام المزايدة، لكن في كثير من الأحيان لا تشتري الحكومة الإنتاج من الفلاحين لتصديره، بخاصة إذا ما انخفضت أسعار القطن عالمياً، وكذلك المصانع التي تلجأ في تلك الحالة للاستيراد من الخارج بسبب تدني الأسعار عالمياً، وهو سبب ابتعاد الفلاحين عن زراعة القطن.
وطالب نقيب الفلاحين المصريين الحكومة بوضع سعر شراء يشجع الفلاح على زراعة القطن، بجانب تشغيل مصانع النسيج بالقطن المحلي، وتوفير كميات كافية من البذور، واللجوء لنظام الزراعة التعاقدية بشراء المحصول من الفلاح قبل زراعته، وإلغاء نظام المزايدة وفقاً للسعر العالمي الذي يظلم الفلاحين.
وتقدم نائب رئيس مركز البحوث الزراعية المصرية عادل عبدالعظيم، بمذكرة إلى وزير الزراعة المصري السيد القصير، ما يفيد إجراء أكثر من 60 مزاداً لبيع القطن بالأسواق المصرية للشركات منذ بداية منظومة بيع القطن الزهر لموسم 2019 - 2022، وتم البيع في حدود 500 ألف قنطار حتى الآن، وطالبت الشركات بتخفيض سعر افتتاح المزادات بنسبة خمسة في المئة لبعض الأصناف، وهو ما وافقت عليه لجنة إدارة المنظومة، إلا أن الشركات لم تلتزم بشراء الأقطان بعد التخفيض.
وأضاف عبدالعظيم في تصريحات صحافية سابقة، أن الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج دعمت المنظومة بشراء الأقطان طبقاً لأسعار المزاد أكثر من مرة بعد رفض شركات تجارة القطن المزايدة، وتلاحظ في المزادات الأخيرة عدم دخول الشركات للمزايدة لشراء الأقطان مما ترتب عليه إلغاء عدة مزادات، ونتيجة لذلك تم إيقاف تسلم الأقطان من المزارعين إلى أن يتم تصريف كميات الأقطان الموجودة بمراكز التجميع.
واقترح عادل عبدالعظيم، على وزير الزراعة تكليف الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج بشراء الأقطان في حالة عدم مزايدة الشركات الخاصة على الأقطان بالسعر الأدنى، وأن تستخدم الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج الأقطان لتشغيل المغازل والمصانع لزيادة القيمة المضافة للقطن المصري طبقاً لخطة الدولة، على أن يباع المتبقي من الأقطان الشعر محلياً أو تصديرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتستهلك مصر 10 في المئة من إنتاجها من الأقطان طويلة وقصيرة التيلة وفائقة الطول محلياً، فيما يتم تصدير 90 في المئة من الإنتاج خارجياً.
وصدرت مصر في موسم 2021 نحو 60 ألف طن بقيمة 385 مليون دولار بمتوسط سعر بيع على مستوى الإنتاج الكلي نحو 3500 جنيه (113 دولاراً) للقنطار، فيما تراوح سعر القنطار موسم 2022 من 5500 إلى ستة آلاف جنيه (194 دولاراً) للقنطار، في حين بلغ سعر الصنف "إكسترا جيزة 96" 8200 جنيه (265 دولاراً) للقنطار.
خلال أبريل (نيسان) 2022 وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الحكومة لإعداد تقييم دقيق ومتكامل لتجربة زراعة القطن قصير التيلة في مصر من جميع الجوانب، وذلك لدراسة مدى جدارة مسار التوسع في زراعته مستقبلاً.
وتبنت الحكومة المصرية مشروع إنشاء أكبر مصنع للغزل في العالم في مدينة المحلة الكبرى، والمزمع افتتاحه خلال العام الحالي والمقام على مساحة 62 ألف متر مربع، ويضم أحدث معدات وآلات مصممة للتعامل مع أنواع الأقطان، بخاصة القطن طويل التيلة وفائق الطول، بما يسهم في استغلال ما تمتلكه مصر من ميزات تنافسية في إنتاج القطن على مستوى العالم.
سنوات من الازدهار والتراجع
من جهته يقول وكيل معهد بحوث القطن للإنتاج (حكومي) وليد يحيى، إن صناعة القطن المصري شهدت فترة ازدهار في عهد محمد علي باشا، حيث زادت مساحة الأراضي وتم إنشاء المحالج وأنتج في عام 1860 صنف القطن "الأشموني" الذي يعتبر "أبو أصناف القطن المصرية" واستمرت المساحة في الزيادة حتى تم تأسيس معهد بحوث القطن في عام 1907، والذي سمي قسم "مباحث القطن" وأسندت إليه مهام إنتاج الأصناف التي سميت "جيزة" وتم إنتاج من "جيزة 1 حتى جيزة 98" وهو أحدث الأصناف المصرية ويضم جميع الأصناف المصرية من الأقطان الطويلة والطويلة الممتازة.
ويشير يحيى إلى أن المساحات المزروعة بالقطن في مصر سجلت نحو مليوني فدان في السبعينيات والثمانينيات، ومع بداية التسويق الحر للقطن بالقانون 210 لعام 1994 وانتهاء بالتسويق التعاوني ودور الدولة في تسويق محصول القطن ودخول القطاع الخاص، أخذت المساحات تتراجع تدريجاً حتى وصلت لنحو 132 ألف فدان في عام 2016 وهي أقل مساحة في التاريخ القطني بمصر.
وتابع لـ"اندبندنت عربية": "تنبهت الدولة المصرية لهذه الأزمة وتم وضع خطة لعودة القطن المصري إلى سابق عهده بإصدار القانون رقم 4 لعام 2015 باستثناء مساحات (قطن الإكثار) من التجارة الحرة، وهنا كان طوق النجاة للعودة مرة ثانية إلى النسخة الوراثية الأصلية لكل السلالات والأصناف الموجودة على الخريطة الصنفية للقطن في مصر، ثم أنشأت الدولة منظومة تسويق القطن الجديدة التي ربطت السعر محلياً بالأسعار العالمية مما أعاد للمزارع المصري الثمن العادل للقطن المنتج من أرضه فزادت المساحة تدريجاً من 186 ألف فدان في موسم 2020 إلى 237 ألف فدان في موسم 2021 ثم إلى 333 ألف فدان في موسم 2022 وارتفع الإنتاج ليصل إلى 2.2 مليون قنطار شعر في موسم 2020 أي أكثر من 110 آلاف طن تم التعاقد مسبقاً على أكثر من 86 ألف طن منها.
وتعد من أكبر التحديات التي تواجه القطن المصري انخفاض المساحة المنزرعة ومنافسة المحاصيل الصيفية الأخرى له مثل "الرز والذرة وفول الصويا" ما دفع معهد بحوث القطن للتوسع في زراعة القطن في أراضي الاستصلاح ببورسعيد والإسماعيلية وسيناء.
وأرجع يحيى انخفاض متوسط إنتاج حقل المزارعين عن الحقل الإرشادي المقارن من 1.5 إلى قنطارين لعدم تطبيق المزارع التوصيات الفنية المثلى، بجانب ارتفاع كلفة الجني التي تصل إلى أكثر من 60 في المئة من كلفة الزراعة، مما يستدعي دخول الميكنة الزراعية والجني الآلي وهو ما قام به معهد بحوث القطن هذا الموسم من إقامة تجارب لزراعة القطن وخدمته وجني المحاصيل بالماكينات.
وأخيراً سعت الحكومة المصرية لتطوير قطاع الغزل والنسيج بإنشاء مصانع عدة تنتج أكثر من 183 ألف طن غزل سنوياً بكلفة استثمارية 31 مليار جنيه (مليار دولار) بهدف استيعاب الأقطان المصرية وتحويلها إلى غزل ومنسوجات وملابس جاهزة ووضع قيمة مضافة لها وعدم إهدارها كمواد خام.
وتحتاج المصانع الجديدة إلى أكثر من ثلاثة ملايين قنطار قطن لتلبية حاجاتها وهو ما يحتاج لزيادة المساحات المزروعة إلى 500 ألف فدان بما يسهم في حل أزمة نقص زيوت القطن وعلف الماشية، حيث بلغ متوسط نسبة الزيت في أصناف القطن المصري نحو 20 في المئة، قد تصل إلى 60 في المئة بعد زيادة المساحة إلى 500 ألف فدان يمكن إنتاج نحو 60 ألف طن زيت يساعد في حل أزمة الزيت إلى جانب 240 ألف طن "كسب" يستخدم كعلف في تسمين الماشية مما يساعد في حل أزمة العلف الحيواني.
وعلى مستوى العالم هناك 10 دول تنتج الأقطان الطويلة بنحو 460 ألف طن من إجمالي الإنتاج العالمي المقدر بنحو 25 مليون طن، وتنتج مصر ما بين 100 و110 آلاف طن من الأقطان الطويلة وهي تعادل نحو 23 في المئة من إجمالي إنتاج العالم.
خريطة الذهب الأبيض
تتنوع خريطة زراعة القطن المصري وفقاً للظروف المناخية ونوعية التربة، حيث يضم المحصول ستة أصناف تجارية، أبرزها الصنف "سوبر جيزة 94" وهو أعلى الأصناف إنتاجاً ويزرع في أكثر من 70 في المئة من المساحة القطنية بمصر، يليه "سوبر جيزة 86" ويزرع في نحو 15 في المئة من المساحة القطنية، والصنف "سوبر جيزة 97" ويزرع في محافظتي القليوبية والمنوفية، و"إكسترا جيزة 92" ويزرع في محافظة دمياط، والصنف "إكسترا جيزة 96" ويزرع في مركزي فوة ومطوبس بكفر الشيخ، والصنف "جيزة 95" ويزرع في كل محافظات الصعيد، وأخيراً استحدث صنف "جيزة 98" ويزرع في محافظة سوهاج وتحديداً بمركز دار السلام.
ويشير وكيل معهد بحوث القطن للإنتاج وليد يحيى، إلى أن عملية توزيع الأصناف الزراعية والمساحات القطنية على المدن والمراكز المختلفة بالمحافظات يحددها قراران وزاريان، الأول هو قرار السياسة الصنفية ويحدد فيه الصنف المنزرع بكل محافظة وكل مركز وهو القرار رقم 112 لعام 2023 وبه يحدد صنف المنطقة ويتم ذلك على أساس نتائج التجارب التي يجريها معهد القطن وتحدد أفضل المناطق التي يجود بها كل صنف بأعلى إنتاجية وأفضل صفات غزلية.
القرار الثاني هو التركيز الذي على أساسه تتحدد مساحات تقاوي الإكثار ومكان ومساحة زراعة كل منها، فهي المصدر للتقاوي النقية التي تكفي لزراعة كل المساحات المستهدفة خلال العام التالي، وهو القرار 113 لعام 2023 وهذه المساحات تكون في حدود من 15 إلى 20 في المئة من إجمالي مساحات القطن المنزرعة.
وتعد من أعلى المحافظات في المساحات المنزرعة بالقطن هي محافظة كفر الشيخ وتزرع من 80 إلى 100 ألف فدان وتنتج تقريباً 35 في المئة من إجمالي إنتاج المحصول، تليها محافظة البحيرة وتزرع نحو 46 ألف فدان بـ17 في المئة من إجمالي القطن، وفي المرتبة الثالثة محافظتا الدقهلية والشرقية وتزرعان نحو 70 ألف فدان وتنتجان نحو 25 في المئة من إجمالي إنتاج القطن سنوياً.
تأثيرات سلبية
ويشكو صاحب مصنع نسيج بمدينة المحلة الكبرى (رفض نشر اسمه) من السياسة الزراعية للقطن في مصر، مؤكداً أنها "سياسة خطأ تسببت في اهتزاز عرش القطن المصري صاحب السمعة الجيدة عالمياً، حيث يتم الآن استيراد الأقطان من اليونان ودول أفريقية".
وتابع أن "المشكلة الأساسية هي عدم تحديد أولويات ملف الأقطان، حيث شهدت مصر كارثة في بذور القطن بالثمانينيات، حيث كانت في البداية تقوم بحلج الأقطان (فصل القطن عن البذور) وتصديرها بعد الاحتفاظ بالبذور واستخراج الزيوت وتحويل الأغصان إلى علف للماشية وهو ما كان يحقق اكتفاء ذاتياً من الأعلاف وزيت الطعام، ومن دون سابق إنذار تم بيع المحالج لأحد المستثمرين واتجهت مصر لتصدير الأقطان كمنتج خام، وهو ما حرمها من البذور النقية والزيوت والعلف، لتبدأ أزمة جديدة في توافر كميات البذور المطلوبة للزراعة بعد انقطاع الدورة الزراعية".
واستكمل المستثمر حديثه قائلاً، "في عهد وزير الزراعة المصري الأسبق يوسف والي، أهدت إسرائيل لمصر بذور قطن منزوعة الزغب (الجنين) لا تصلح لاستخراج التقاوي منها بعد زراعتها، وتسبب ذلك في ضعف المحاصيل وتراجع الإنتاج وانصراف المزارعين عن هذا النوع من الزراعة".
وأشار إلى أن كثيراً من مصانع النسيج والتطريز والصناعات المرتبطة بها في مدينة المحلة، التي تعتبر قلعة صناعة الغزل والنسيج في مصر، أغلقت أبوابها لعدم قدرتها على مواجهة الملابس المستوردة من الصين، والتي تباع بأسعار منخفضة للغاية، بجانب استيراد الأقطان الرخيصة من بوركينا فاسو وروسيا واليونان وسوريا سابقاً وجميعها أثرت على صناعة النسيج في مصر وأضعفت المنتج المحلي الذي باتت كلفته أكثر من سعر المنتج المستورد نهائي الصنع بجانب خسارة الأيادي المدربة. مطالباً الدولة بدعم صناعة النسيج بشكل جاد لتطوير الماكينات والمصانع ووقف استيراد الأقمشة من الصين للحفاظ على الصناعة الوطنية.
فروق جوهرية
وتختلف الأقطان قصيرة التيلة عن مثيلتها طويلة التيلة أو فائقة الطول من حيث الاستخدامات، حيث تستخدم الأقطان القصيرة في إنتاج الخيوط السميكة غير المتينة، والتي تصنع منها الأقمشة الجينز، في حين تنتج من الأقطان الطويلة خيوط الغزل الرفيعة جداً عالية الجودة وتصل إلى نمرة غزل 150 و200 و250 نمرة عد إنجليزي، لتصنع منها أفضل وأجود وأغلى أنواع الأقمشة وأمتن المفروشات، حيث تمتلك مصر أفضل صنف قطن في العالم وهو الصنف "إكسترا جيزة 93"، وأمتن صنف قطن وهو الصنف "إكسترا جيزة 92" وأطول صنف قطن في العالم وهو "إكسترا جيزة 96"، إلى جانب أطول صنف قطن يزرع في العالم لعدد من السنوات وهو الصنف "إكسترا جيزة 45".
وتتميز جميع الأقطان المصرية بإمكانية تصديرها للخارج، فهناك أكثر من 22 دولة تستورد الأقطان المصرية وفي مقدمتها الهند بنسبة تصل إلى 40 في المئة، تليها باكستان بـ17 في المئة ثم بنغلاديش والصين، وتمتلك مصر قرابة 50 محلجاً للقطن موزعة بين الحكومة والقطاع الخاص.
وفي مارس (آذار) الماضي، طالبت عضوة مجلس النواب المصري سميرة الجزار، في طلب إحاطة قدمته لرئيس الحكومة، بتكليف وزارة الزراعة بفرض حماية لمزارعي القطن وشراء إنتاجهم من الأقطان بأعلى سعر وتذليل كل العقبات التي تحول دون شراء القطن من الفلاحين.
وتعد الصين أكبر منتج للقطن في العالم بحجم إنتاج سنوي يبلغ نحو 10 ملايين طن، وتحتل الهند المرتبة الثانية بإنتاج بنحو 6.4 مليون طن، ثم الولايات المتحدة بإنتاج سنوي يبلغ 3.5 مليون طن، وتأتي باكستان في المركز الرابع بإنتاج 2.308 مليون طن، ثم البرازيل في المركز الخامس بإنتاج 1.524 مليون طن، فيما تنتج مصر نحو 2.5 مليون قنطار قطن طويل التيلة وهو ما يضعها في المرتبة الثانية عالمياً في الأقطان الطويلة بعد الولايات المتحدة الأميركية.
فيما تحتل الولايات المتحدة قائمة أكبر الدول المصدرة، وتمثل صادراتها 36 في المئة من القطن المصدر عالمياً، وتأتي الهند بالمرتبة الثانية بنسبة 15 في المئة من الصادرات العالمية، ثم البرازيل 11 في المئة، وأستراليا 7.1 في المئة، وبوركينا فاسو أربعة في المئة.