Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعالج تونس أوجاع القروض المتعثرة بـ"تحويلات المغتربين"؟

أموال المهاجرين تجاوزت الاستثمارات الأجنبية المنجزة وتوقعات ببلوغها 3.9 مليار دولار بنهاية 2023

أجمع المحللون الماليون على أن أموال المغتربين باتت مسألة محورية في العائدات المالية الإجمالية للبلاد (اندبندنت عربية)

ملخص

توقعات ببلوغ تحويلات المغتربين إلى مستوى 3.9 مليار دولار بنهاية عام 2023

في وقت تشكو تونس ضائقة مالية كبيرة تلخصت في صعوبة النفاذ إلى القروض الخارجية سواء الثنائية أو متعددة الأطراف، وجدت في تحويلات المغتربين متنفساً كبيراً ساعدها ولو نسبياً في الصمود أمام "عواصف" إشكالات التمويل وصعوبات الاقتصاد الكلي.

خلال السنوات الأخيرة ارتفعت تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج وأساساً في دول الاتحاد العربي ودول الخليج بشكل ملموس، وصارت رقماً يلفت الانتباه إلى درجة أن عديداً من المتخصصين والمحللين الماليين أجمعوا على أن أموال المغتربين باتت مسألة محورية في العائدات المالية الإجمالية للبلاد.

وكشفت معطيات نشرها البنك المركزي التونسي عن أن عائدات السياحة في تونس وتحويلات التونسيين المقيمين بالخارج مكنت من تغطية خدمة الدين الخارجي "أصل الدين وكذلك الفوائد" بمرة ونصف مرة (150 في المئة).
وشهدت تحويلات التونسيين بالخارج ارتفاعاً لتبلغ 3643.7 مليون دينار (1214.5 مليون دولار) خلال الأشهر الأولى من هذا العام.
وتشكل تحويلات الجالية التونسية بالخارج وعائدات السياحة أهم مصدر للعملة الأجنبية للبلاد، وأحد أبرز دعائم القطاع الخارجي، بما مكن من الحفاظ على استقرار نسبي للمدخرات من النقد الأجنبي ليصل إلى 100 يوم من التوريد إلى حدود الثلاثاء الماضي.

لكن على رغم أهمية مساهمة المهاجرين في دعم اقتصاد بلادهم لا تزال قوانين الصرف تقيد تحويلاتهم عبر فرض عمولات على الأرصدة بالعملة الصعبة، مما يقلص في رغبة عديد منهم في تحويل الأموال عبر البنوك التونسية.

مداخيل قياسية

وتتوقع تونس خلال عام 2023 تعبئة مداخيل قياسية من تحويلات المغتربين قد تفوق 3.9 مليار دولار، إذ يواصل أكثر من مليون ونصف مليون تونسي في المهجر دعم اقتصاد بلادهم، مع ارتفاع التحويلات إلى 1.2 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، وفق بيانات البنك المركزي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محمد المنصوري المدير العام لديوان التونسيين بالخارج (هيئة حكومية)، كشف عن أن تحويلات التونسيين العاملين بالخارج ينتظر أن تتجاوز 12 مليار دينار (3.9 مليار دولار) خلال العام الحالي، في حين تكافح البلاد تحديات اقتصادية ومالية متفاقمة، وأضاف أنه "من المتوقع أن تحقق هذه التحويلات رقماً قياسياً جديداً في نهاية العام الحالي وتتجاوز عتبة 12 مليار دينار (3.9 مليار دولار)، في مقابل 9.4 مليار دينار (3.1 مليار دولار) عام 2022".

وفي غضون ذلك، أقر المسؤول أن هذه الأرقام، التي تجاوزت حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضية، "تمثل دعماً حقيقياً للاقتصاد التونسي وبخاصة المساهمة في الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة بنسبة تناهز 20 في المئة".

وبحسب ما قاله المنصوري فإن تحويلات المغتربين لا تزال أقل من الإمكانات الحقيقية للجالية التونسية بالخارج التي يتجاوز عددها مليوني شخص، داعياً إلى تقليص كلفة التحويل عبر البنوك التونسية واعتماد الحلول الرقمية لتسهيل إرسال الأموال للبلاد، من أجل القضاء على التحويلات خارج القنوات الرسمية.

دعم حقيقي للاقتصاد

واعتبر بسام النيفر المحلل المالي أن تحويلات المغتربين التونسيين صارت ثاني مورد من العملة الأجنبية لتونس بعد الصادرات، وأضحت هذه التحويلات تمثل أربع مرات حجم الاستثمار الخارجي، وقال النيفر إن الأمر يحسب إيجاباً وسلباً في الوقت نفسه، إذ إنه إيجابي من منطلق أن المغتربين يقومون بإرسال الأموال إلى عائلاتهم من دون إعادة إخراج هذه الأموال عكس أموال الاستثمار، مؤكداً أن ارتفاع نسق التمويلات يعود لتطور نوعية العمالة التونسية بالخارج وبخاصة في أوروبا ودول الخليج العربي.

ولفت إلى حصول نقلة نوعية في العمالة بهجرة عدد مهم من الأطباء والمهندسين ومتخصصين في المحاسبة والمالية في السنوات الخمس الأخيرة، مما جعل التحويلات أرفع بخاصة من حيث القيمة.

ودعا النيفر الحكومة التونسية إلى مزيد الاهتمام بالمغتربين عبر إقرار تحفيزات أفضل من ذلك الخفض من الرسوم البنكية الموظفة على التحويلات المغتربين إلى بلدهم الأم، مما سيزيد من وجهة نظره في الترفيع في قيمة الأموال المحولة.

من جانب آخر، عرّج المتخصص المالي على مزيد تطوير بيئة الأعمال في تونس وتشجيع المغتربين ولا سيما رجال الأعمال منهم على الاستثمار في وطنهم وإحداث مشاريع، لافتاً في هذا الغرض إلى وجوب تحرير أكثر الاقتصاد التونسي على المبادرة الخاصة وإلغاء القيود الإدارية المكبلة.

واعتبر النيفر أن المغتربين التونسيين يمثلون جزءاً من حل مشكلة تونس المالية بالتحويلات القياسية التي ما انفكت تحصل في السنوات الأخيرة، موضحاً أن أموال المغتربين وعائدات القطاع السياحي شكلتا متنفساً لتونس في ذروة أزمتها المالية وبخاصة تدعيم احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.

ومن وجهة نظره، فإن أموال التونسيين المقيمين بالخارج عوضت نسبياً لجوء تونس إلى الاقتراض والديون الخارجية، مستدركاً أن حصول البلاد على قرض صندوق النقد الدولي أمر مهم لفتح قنوات التمويل الثنائي ومتعدد الأطراف.

الجهاز المصرفي ليس كافياً

من جانبه، رأى معز حديدان المتخصص في الأسواق المالية أن هناك إمكانات أوسع لدى تونس لتحسين عائدات التحويلات التي تشكل حالياً نحو 40 في المئة من مخزون النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التونسي.

وقال إن ما يزيد على 13 مليار دينار (4.3 مليار دولار) الموجودات بالعملة الصعبة لدى البنك المركزي التونسي هي من أرصدة غير المقيمين، ويشكل التونسيون في المهجر أكثر من 80 في المئة منهم.

واعتبر المتحدث أن الجهاز المصرفي التونسي لا يقوم بالمجهود الكافي من أجل توفير حوافز ومنتجات بنكية جاذبة للمغتربين التونسيين، مؤكداً أن ذلك يحتاج إلى تطوير خططهم الاتصالية وإحداث دوائر متخصصة مكلفة بالمغتربين تتواصل معهم بصفة مستمرة من أجل تسهيل كل ما يتعلق بتسويق خدمات جديدة، ومن أبرزها الاستثمار في قطاع العقار والمشاريع الفلاحية، وأشار إلى أن أغلب تحويلات التونسيين بالخارج هي ادخارات يحصلون في مقابلها على عائد مالي ضعيف بنسبة فائدة لا تتعدى ثلاثة في المئة، وهي النسبة المعتمدة على الأرصدة بالعملة الصعبة.

في المقابل، قال المتحدث نفسه إن البنوك في دول إقامة المغتربين تقدم لهم نسب فائدة أعلى مما يحصلون عليها في بلدهم، مما يشكل عائقاً أمام تدفق مزيد من العائدات لفائدة البنك المركزي التونسي، وخلص إلى اقتراح إمكان تشجيع الشركات التونسية الناشئة التي تعمل في الخارج على تحويل جزء من أرباحها نحو البنوك التونسية بنسب فائدة مجزية.

البرلمان على الخط

ووعياً بالإمكانات الكبيرة للمغتربين التونسيين تحرك البرلمان التونسي عبر لجانه المختصة من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بمزيد من انخراط المغتربين في الجانب التنموي الاقتصادي للبلاد.

وخلال السنوات الماضية قدم برلمانيون مشاريع عديدة لتحفيز المهاجرين على تحويل أموالهم نحو الأرصدة المحلية في مقابل عائد مالي مجز، غير أن السلطات المالية لم تستجب لهذه المبادرات.

ومن المنتظر أن يضع البرلمان الجديد ملف تحفيز تحويلات المغتربين التونسيين ضمن حزمة الإصلاحات الاقتصادية الكبرى عبر صياغة استراتيجية للإصلاح الاقتصادي يكون فيها للمغتربين دور مهم على مستوى تحفيز الاستثمارات ورفع مساهمتهم في المداخيل بالعملة الصعبة، وسيعمل البرلمان على إقناع الحكومة بسن قوانين تمنح التونسيين في المهجر حوافز على التحويلات المالية والاستثمارات الموجهة إلى بلادهم.