Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا فشلت تونس في إنجاح الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص؟

يرى المتخصصون أن نجاح هذا النوع من البرامج مرتبط أساساً بوجود إرادة سياسية قوية وتوافر مناخ ملائم

مداخيل الاستثمارات الممكن إنجازها في إطار هذه الشراكة قد تصل إلى 838.7 مليون دولار سنوياً (أ ف ب)

ملخص

تأخر كبير لتونس في تطوير المشاريع باعتماد الشراكة بين القطاعين 

تعرف عديد من المشاريع الاستثمارية الحكومية في تونس تعطلاً كبيراً في قطاعات البنى التحتية والطاقات المتجددة والطرقات ما أثر بشكل لافت في تقدم إنجاز المشاريع المهمة ذات الصلة بتحسين واقع الاقتصاد التونسي وأيضاً تطوير الخدمات للمواطنين.

وشهدت البلاد تأخراً واضحاً في تنفيذ عديد من المشاريع الكبرى التي كانت تكفل للبلاد حال إنجازها نقلة نوعية في الطرقات والمناطق الصناعية وإضفاء قوة استثمارية لافتة ما يجعلها وجهة مميزة لجذب المستثمرين الأجانب.

ولئن وجدت حكومات تونس الأخيرة الحل في تفعيل الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص لدفع نسق الاستثمار في تونس وتخليص موازنة البلاد من عبء إنجاز المشاريع ذات الثقل المالي، فإن إقرار قانون الشراكة بين القطاعين ظل حبراً على ورق ولم يرتق إلى مستوى التطلعات ليظل أشبه بـ"إعلان نوايا" أمام المؤسسات المالية العالمية بأن البلاد ترغب في تفعيل الشراكة في هذا المجال.

دخل القانون المتعلق بعقود الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص حيز التطبيق منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، لكن الحصيلة بحسب المتخصصين تعد هزيلة ومتواضعة ولم يقع تنفيذ مشاريع فعلية بين القطاعين بسبب تعقد الإجراءات الإدارية وتصلبها من جهة، وغياب المعلومة الواضحة الكفيلة بتوضيح هذا القانون كما ينبغي للمستثمرين التونسيين كما الأجانب من جهة أخرى.

المسألة تتطلب إرادة سياسية

ورأى محمد العزيزي مدير المكتب الإقليمي للبنك الأفريقي للتنمية بتونس، أن نجاح الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص بصفة فعالة، مرتبط أساساً بوجود إرادة سياسية قوية وتوافر مناخ ملائم للشفافية وتحمل المسؤولية والمنافسة الشريفة، إضافة إلى توفير إطار تشريعي مناسب وتصرف محكم في العقود وإجراءات واضحة للاستحواذات، وأوضح العزيزي أن عدم توافر هذا الإطار القانوني المناسب أدى إلى تأخر تطور المشاريع بنظام الشراكة بين القطاعين في تونس، مشيراً إلى ضرورة دراسة القيمة المضافة للمشاريع المنجزة في هذا الإطار بالنسبة إلى الدولة والخواص والبيئة والأخذ في الاعتبار التداعيات الاقتصادية والضريبية لهذه الشراكة على الطرفين على المدى الطويل.
وأشار إلى أن منطقة شمال أفريقيا ومن ضمنها تونس تزخر بإمكانات هائلة لتطوير هذه الشراكة بهدف تطوير البنية التحتية الضرورية لدفع النمو الاقتصادي المستدام، لافتاً إلى أن هذه الشراكة تعد مقاربة ديناميكية لمواجهة تحديات نقص البنية التحتية في القارة، بخاصة أنها تتيح إمكانية الجمع بين نقاط القوة في القطاعين العام والخاص والاستفادة من الموارد العمومية المتاحة من خلال كفاءة ورأس مال القطاع الخاص.
وحث العزيزي على ضرورة التمعن في التحديات والتعقيدات المرتبطة بهذا النوع من الشراكة قبل الانطلاق في تنفيذ المشاريع الكبرى لمعالجتها، موضحاً أن الشراكة بين القطاعين لا تخلو من النقائص على غرار الكلفة المرتفعة ومسار العقود المعقدة واحتمال ظهور عمليات احتكار.

وأشار إلى وجود اهتمام بتنفيذ مشروع مترو صفاقس والسعي إلى حشد التمويلات اللازمة لإنجاز ميناء النفيضة في تونس والمركب الصناعي التابع له في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص إضافة إلى مشروع تهيئة مطار تونس قرطاج وغيرها من المشاريع.

واعتبر أن مواجهة التحديات التي تتضمنها الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والنجاح في إرسائها يتطلب وجود قطاع عام قوي قادر على نشر هذه الآلية الاستراتيجية للتمويل وتغيير الطرق المستعملة لإنجاز المشاريع العمومية، إضافة إلى تبادل الخبرات مع القطاع الخاص وإرساء نظام تصرف وتحكم في هذه المشاريع المشتركة على المدى الطويل.

عزوف المستثمرين

من جانبه، حث وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد رجال الأعمال والبنوك التونسية على اعتماد مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمساندة الدولة في تنفيذ مشاريع المخطط التنموي 2023 – 2025 التي تناهز قيمتها 27 مليار دينار (8.7 مليار دولار)، وغيرها من المشاريع الإضافية.

وعبر سعيد في تصريحات إعلامية على هامش افتتاح ندوة حول "الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لنمو مستدام وشامل في شمال أفريقيا" بتونس، عن اندهاشه من عزوف القطاع الخاص في التونسي عن الانخراط في هذا المسار لإنجاز الاستثمارات في تونس التي تلاقي في المقابل اهتماماً واضحاً من الخواص الأجانب، وفق تقديره، وأكد في النسق ذاته، استعداد الحكومة لفتح باب الحوار مع القطاع الخاص في تونس لتحديد النقائص المسجلة خلال التجارب السابقة وإيجاد الحلول لتجاوزها واستقطاب أكبر حجم ممكن من الاستثمارات، وشدد الوزير على ضرورة الانطلاق الفعلي في مسار الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإيجاد التمويلات الضرورية لإنجاز المشاريع الكبرى المدرجة في المخطط التنموي 2023 – 2025، وذلك في ضوء محدودية المالية العمومية، وأوضح أن هذه الشراكة تمكن من التخفيض في كلفة إنجاز الاستثمارات والتحكم في المصاريف التشغيلية وتحسين جودة الخدمة المسداة.

انعدام الثقة

من جانبه، رأى المحامي التونسي المتخصص في الأعمال أصلان بن رجب أن هناك مشاريع يمكن أن تكون بالشراكة بين القطاعين العام والخاص على غرار مشاريع الطاقات المتجددة والطرق، وشدد على أن إحداث الأطر القانونية الجيدة غير كاف مقراً بأن تأثير عدم الاستقرار السياسي والضريبي والقانوني، وتفاقم الضغط الجبائي والفساد وغياب الرقمنة وصعوبة النفاذ للتمويل، كلها عوامل من شأنها أن تؤثر سلباً في سير الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص.

واعتبر أصلان بن رجب أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تونس تواجه انعدام الثقة واستفحال البيروقراطية وغياب الرقمنة، ما أدى إلى غياب المستثمرين التونسيين والأجانب، وتردد البنوك في منح التمويل اللازم في إطار اقتصادي عام غير مناسب تهيمن عليه الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار.

إمكانات غير مستغلة

ورد رئيس الهيئة العامة للشراكة بين القطاعين العام والخاص عاطف مجدوب على تصريحات أصلان بن رجب بأن الدراسات المنجزة تتوقع أن تبلغ مداخيل الاستثمارات الممكن إنجازها في إطار الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص ما يناهز 2600 مليون دينار (838.7 مليون دولار) سنوياً، وأكد أن هذه الشراكة يمكن أن تحقق من خلالها تونس ربحاً ثلاثياً، ربح القطاع العام وربح القطاع الخاص وربح المواطن كمستفيد نهائي من توافر البنى التحتية وجودة الخدمات المسداة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، اعترف أن أبرز عائق أمام الاستثمار في تونس سواء الاستثمار العمومي أو الخاص أو في إطار الشراكة بين القطاعين هي المشكلة العقارية، وأن الأولوية الآن الانكباب على تسوية وتصفية كل المشكلات العقارية قبل الانطلاق في مشاريع البنية التحتية.

وأبرز أن الطرف الحكومي لم يكن مستعداً ومتحضراً وقابلاً لمفهوم الشراكة بكل آلياتها وجوبهت الشراكة بالصد والرفض للتغيير من طرف الوزارات والشركات العمومية سواء في طريقة الحوكمة والتسيير والتنافسية، فالشريك العمومي ما زال غير مستوعب لهذا التغيير وبقي غيوراً على "مكتسباته" الكلاسيكية والتاريخية، وفق قوله.

محدودية الخيارات لدفع الاستثمارات 

من جانبها، أعلنت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن رمضان عن إقرار تفعيل صندوق لدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتعزيز إمكانات الهيئة العامة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.

وأكدت خلال افتتاحها الندوة، عزم الحكومة على تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لا سيما عبر تحسين مناخ الأعمال واختيار مشاريع ذات قيمة مضافة عالية ووضعها ضمن أولويات الدولة للتسريع في إنجازها لما لها من وقع مباشر على حياة المواطنين في مختلف الجهات، إضافة إلى مزيد من ترسيخ ثقافة العمل بصيغة مشتركة.

لكنها في المقابل، أقرت بمحدودية الخيارات المطروحة أمام الدولة لدفع الاستثمارات، وهي إما مزيد من التداين وإثقال كاهل الميزانية أو البحث عن مقاربات جديدة تمكن من تنويع مصادر تمويل المشاريع العمومية على غرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص وما توفره من مزايا اقتصادية، إضافة إلى دورها في ضمان سرعة ونجاعة تنفيذ المشاريع.

وخلصت رئيسة الحكومة إلى تفاقم الفجوة بين الميزانيات المخصصة لتطوير البنية التحتية في تونس والحاجات المتزايدة لهذه الخدمات على رغم سعي الحكومات لدفع الاستثمارات العمومية في هذا المجال وتجاوز الضغوط المسلطة على المالية العمومية.